حاوره/ غاندي إسكندر –
روناهي/ كركي لكي: ابن عفرين الجريحة كانت بدايته قبل أن يُسبّر أغوار الرواية عبارة عن محاولات خجولة في ميدان الشعر الكردي، والقصة القصيرة، لكن لم يكن لهما نصيب من إشباع نهمه الأدبي، وعندما نبضَ قلبه بحبِّ فتاة حسناء دفعه الهيام بها إلى كتابة رواية من نسخة واحدة فقط قدمها هدية بين يدي من يُحب وقد أسماها “الميزان والقربان”.
وتمت كتابة هذه الرواية في عام 2010م، وبعدها بسنتين كتب رواية لذاته باسم “صحوة الماء والتراب”، ومنذ ذلك الحين وجد الروائي محمد أسود نفسه منساقاً إلى عالم الرواية، ولتسليط الضوء على باكورة أعماله الروائية التي نالت حظوة الطباعة، والنشر، والانتشار بين المعارض الدولية “الصعود إلى عالم النور”، أجرت صحيفتنا “روناهي” معه هذا الحوار.
بدايةً حدثنا عن أيامك الأولى في معانقتك للأدب.
في بداياتي الأولى لم يكن لدَي ميلٌ إلى الأدب في عمومه باستثناء بعض محاولات خجولة في مضمار نسج الشعر الكردي، تَغْلُب عليه ملامح اللهجة المحلية العفرينية، فقد كنت في طور النشء، وكنت تواقاً إلى المعلومات أكثر من أيّ شيءٍ آخر. أتذكّر جيداً أول رواية قرأتها كانت “بيت الأرواح” لإليزابيل الليندي، لم أتمكّن من إتمامها، بحجة أنّي لم أحصل منها على معلومة واحدة مفيدة، ولكن بعد أنْ اكتظت ذاكرتي بالمعلومات اكتشفت أنَّ المعرفة هي أكبر من مجرد خزانة المعلومات، بل هي كيف تصنع من المعلومة فكرة، ومن الفكرة تنسج حدث، ومن الحدث تخلق أشخاص ينبضون بالحياة، هنا أقبلت على قراءة الرواية بنهم بعد أنْ وجدت ضالتي فيها، دون أنْ أملك رغبة حقيقية في كتابة الرواية يوماً ما.
ماهي تجاربك الأدبية قبل الولوج إلى عالم الرواية؟
كما أسلفت كانت لدَي محاولات مع الشعر الكردي، وكانت لدَي محاولات أخرى في وقتٍ لاحق مع القصة القصيرة، دون أنْ أتمكّن من إنجاز أية محاولة في صيغةٍ نهائية، فقد كنت مزاجياً، ما تراني شديد الحماس تجاه المحاولة، وعندما أقطع شوطاً فيها أفقد الشهية في المتابعة، ثم في نهاية المطاف ترقد المحاولة على رفوف النسيان. هكذا كان أمري حتى نبض قلبي بحب فتاةٍ حسناء، فأردت نيل إعجابها بسبيلٍ استثنائي، لم يسبقني إليه أحد، حتى أقبلت على كتابة رواية أخذت من وقتي أكثر من عامٍ ونصف، لأتمكّن من إنجازها باسم “الميزان والقربان”، وبعدد صفحات تجاوزت 400، وأهديتها إليها بنسختها الوحيدة، دون أنْ أحتفظ بنسخة إضافية، وذلك في عام 2010م. هذه كانت محاولتي الأولى في كتابة الرواية، ثم كانت لي محاولة ذاتية أخرى في عام 2012م، حيث كتبت رواية لذاتي باسم “صحوة الماء والتراب” هكذا وجدت نفسي عنوةً في عالم الرواية.
هلّا حدثتنا عن الرسالة التي تريد إيصالها لقُرّائك عن روايتك التي اخترت لها عنوان “الصعود إلى عالم النور”؟
وصلت إلى هولندا في عام 2015م، هنا، وفي هذا الجو المستجد تعرضت إلى انتكاسة صحية حقيقية كادت أنْ تقودني إلى حتفي. بجهودٍ ذاتية، وبمساعدة بعض من أصدقائي استطعت النهوض مجدداً، وأول ما قررت فعله هو اللجوء إلى الأدب لكتابة عملٍ صالح للنشر، فكانت هذه الرواية، وفي الحقيقة هذا العمل لا يحمل في طياته رسالة واضحة، بقدر أنَّ العمل الأول لأيِّ روائي هو التمهيد أو التعريف به لأعمالٍ قادمة على أنَّه يعتمد في عمومه على سرد كثيف لجملة من الأفكار في جميع مجالات الحياة؛ العاطفية والسياسية والاقتصادية والدينية والنفسية والاجتماعية، أردت بذلك جعل روايتي بيئة خصبة لإنتاج وتوالد الأفكار، في إطار سرد أدبي قابل للقراءة، لذلك اخترت هذا العنوان “الصعود إلى عالم النور”، فالنور الذي أقصده هو المعرفة بعمومها وبكافة مجالاتها، فهي وحدها التي تقودنا إلى عالم النور.
هل روايتك البكر ستُحدد مسيرتك في عالم الكتابة، وهل صحيحٌ أنَّ الروائي أسير لروايته الأولى، ولا يستطيع أنْ يُغرد خارج سربها؟
في ذلك بعض الحقيقة، فالروائي يلجأ إلى الكتابة لأنّه يصل إلى مرحلة اللا عودة في أنَّ هناك شيئاً يجب أن يُقال، وعندما ينتهي يشعر بأنَّه لم يقل كل ما أراد قوله، لذلك يسرع إلى كتابة عملٍ ثانٍ، ثم ثالث، وهكذا، وبالتالي وإنْ لم يبقَ الكاتب أسير عمله الأول، يكون مفتاحاً لأعماله التالية.
هل البيئة التي تعيش فيها الآن في القارة العجوز هي بيئة مؤهّلة لتفجير طاقاتك الأدبية؟
بصراحة، في الكتابة لا أكون أسير الأمكنة والظروف، بقدر متى أصل إلى المرحلة التي لم أعد أستطيع الهرب فيها من الكتابة. عندما كتبت “صحوة الماء والتراب”، وإنْ كان عملاً ذاتياً، كنت في القرية، فقد فقدت عملي كمدرِّس للفلسفة نتيجة ظروف الحرب، اضطررت على مساعدة أهلي في قطف الزيتون، كنت أذهب معهم في الصباح إلى الحقل حتى المساء، أعود لأنام عدة ساعات، واستيقظ بعد منتصف الليل لأنكب على الكتابة حتى الصباح، فأذهب إلى الحقل مجدداً، في ظل عدم وجود الكهرباء، لجأت حتى إلى الكتابة على مصباح هاتفي، وإلى ليزر القداحة أيضاً، بمعنى أنَّ المكان لا يشكل الفارق بقدر الجاهزية الذاتية لدَي، لذلك فالقارة العجوز لم تكن لتكون نقطة فارقة في مسيرتي في الكتابة.
هل شخصياتك الأدبية تُعبّر عن أفكارك الخاصة، أم هي شخصيات مُتحرّرة من سلطتك الفكرية؟
بالنسبة لي ليس هناك برزخٌ أو فاصلٌ بين الكاتب وشخوصه، فالإبداع يكمن في تحويل أفكارك إلى قضايا عامة تمررها كروائي من خلال شخوصٍ من خلقك، وبالتالي تمارس إرادتك في الحياة من خلالهم.
كيف تقرأ الواقع الروائي الكردي، وهل عبّرت الرواية الكردية عن حالة الكردي الذي يعيش في أتون ثقافات مختلفة تسعى كل منها إلى إنهاء وجوده الثقافي؟
لن أتردّد في الاعتراف بتقصيري وإجرامي بحق الرواية الكردية، فما قرأت منها باللغة الكردية لا تتجاوز عدة أعمال، لذلك لا أملك الأهلية في أنْ أكون الحكم على واقع الرواية الكردية، على أنَّ المكتبة الكردية ما زالت بعمومها ضحلة من ناحية الرواية.
هل هناك مشروع أدبي آخر في الطريق؟
كما قلت سابقاً؛ مع العمل الأول تشعر بأنَّك لم تستطع قول ما أرت قوله، فتبادر مباشرةً إلى كتابة عملٍ ثانٍ، وربّما ثالث ورابع، بمعنى نعم! أنا الآن منشغلٌ بعملٍ آخر.
-روناهي