الحدث – القاهرة – وليد الرمالي
قبل 7 سنوات وعقب نجاح ثورة شعبها في 30 يونيو 2013، بدت مصر شبه دولة، تعاني الاضطرابالأمني والفتنة الداخلية، الطائفية والسياسية، تقفعلى شفا الانهيار الاقتصادي أو ربما في قلبه، معزولة عن محيطها العربي ومحاصرة في قارتها الإفريقية وأواصر علاقاتها مقطوعة مع دول العالم.
وكان سعي أعداء ثورة الشعب المصري العظيمة في 30 يونيو 2013 من داخل وخارج مصر حثيثاً لبثاليأس والإحباط في نفوس هذا الشعب الذي أثخنتهجراح حقبة موروثة طويلة ثم 3 سنوات منالاضطرابات وعدم الاستقرار الأمني والاقتصاديوالسياسي، اختتمت باستيلاء جماعة ارهابية علىالحكم، لم توفر جهداً بعد الإطاحة بها في محاولاتهز ثقة الشعب في ذاته الحضارية، ودولته الضاربةفي عمق الأرض والتاريخ، وقدرته المتوارثة على الإنجاز وعبور المستحيل.
وتوالت الدعايات والإشاعات والحملات طوال هذه السنوات السبع، محاولة أن ترسم وتروج صورة لمصر غير التي هي عليها بالفعل، مضفية عليها كل السواد الذي تتمناه لها ولشعبها الجماعة الإرهابية التي أطاح بها الشعب بثورته وحلفاؤها الخارجيين. إلا أن مصر الحقيقية تبقى هي تلك التي تبدو عليها اليوم بعد 7 سنوات في كل المجالات والمحاور، فإلى أينوصلت الآن وكيف تغيرت في كافة المجالات؟
من عام العزلة... إلى قلب السياسة العالمية
(مصر دولة معزولة... تم تعليق عضويتها فيالاتحاد الافريقي... ونظامها الجديد يجاهد لنيلاعتراف دول العالم... وفقدت حلفاءها الذين صدقواالأكاذيب وأوقفوا توريد الاسلحة والمعداتوالمساعدات.)
هذه هي الصورة التي تحالف الجماعة الإرهابية وحلفاؤها في الخارج المال والجهد والسلاح والأرواحلترويجها عن مصر في العالم، الذي لم يكن يدركالكثير من دوله أن مصر كانت في عام 2013 أمام اختيار وجودي: “أن تكون أو لا تكون”، أمام خيار“الدولة” أو “اللا دولة“.
لم يمر الكثير من الوقت حتى تغيرت هذه الصورة،لأن الواقع قد تغير وبدأت الحقيقة تتبدى تدريجيا،فقد كشف الصدى العالمي الذي حظى به الخطابالتاريخي للرئيس عبد الفتاح السيسي في الجمعيةالعامة للأمم المتحدة عام 2014 استعادة مصر لمكانتهاالدولية والاقليمية، ولاحترامها الطبيعي بين الأمم،ولدورها في قلب التفاعلات الاقليمية والدولية.
شهور أخرى.. أصبحت مصر عضواً غير دائم فيمجلس الامن الدولي، ثم انتخب رئيسها رئيساًللاتحاد الافريقي. ثم شهور وسنوات، أصبحت مصرالرقم الأهم في السياسات الدولية والإقليمية، ولعلالأحداث والوقائع الأخيرة تؤكد ما حققته مصر فيهذا المجال. فالرئيس عبد الفتاح السيسي هو الرئيسالوحيد في العالم الذي دعى وشارك في 28 قمةاقليمية وعالمية في عام واحد (يونيه 2019 – يونيه2020) في 4 قارات منها 6 قمم عن بعد بسبب جائحةكورونا.
شيدت مصر علاقات إستراتيجية عميقة وشاملة معمراكز القوى العالمية الأربعة: الولايات المتحدة وروسياوالصين وأوروبا، واستعادت مكانتها في أمتهاوقارتها ومنطقتها، وأصبح رئيس مصر ضيفاً في كلقمم العالم الكبرى: مجموعة السبع ومجموعةالعشرين وغيرهما.
هذا التحول كان نتاج دبلوماسية رئاسية نشطةوواعية لمكانة مصر ودورها التاريخي، فقد قام الرئيسعبد الفتاح السيسي بعدد (115) زيارة خارجية علىمدى 6 سنوات زار فيها (46) دولة منها السعودية (12 زيارة) واثيوبيا (7) زيارات والسودان (6) زياراتوالصين (6) وروسيا (5) وأولويات المتحدة (8) منها 6 زيارات للأمم المتحدة و (5) لألمانيا.
وجغرافياً زار الرئيس الدول العربية (38) زيارةوأفريقيا (29) وأوروبا (29) وآسيا (18) زيارة.
كما عقد الرئيس على أرض مصر (911) اجتماعاً معقادة ومسئولين من مختلف دول العالم زاروا مصر.
نشاط مخطط، ورؤية شاملة لسياسة خارجيةمتوازنة وضعت مصر في مكانتها وأعادت لها تأثيرهاالذي شهدناه خلال أسبوعين، عندما أعلنت مصر عن مبادرة سياسية شاملة لحل الأزمة الليبية، ثم تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي، معززةبقطاعات من جيش مصري حديث متطور مسلحومدرب، بما أدى إلى تغيير كافة المعادلات الإقليميةوالدولية تجاه العديد من القضايا، وتحرك العالم علىوقع الحركة المصرية.
الاقتصاد والمجتمع: من الانهيار إلى الانبهار
كان أصعب ملفات وتحديات السنوات السبع هوملف الاقتصاد، وهو أخطر الملفات لتأثيره المباشرعلى حياة المواطنين، فلا فرص عمل ولا خدماتاجتماعية ولا مرافق، ولا جيش قوياً بدون اقتصاد قويوناجح.
حاولوا في الداخل والخارج نشر اليأس والشكوكفي قدرة مصر على النهوض من جديد، وقاموا بتأليبالدول والحكومات والمنظمات الاقتصادية للامتناع عنمساعدة اقتصاد مصر “الميئوس منه“ حسب مزاعمهم ودعاياتهم السوداء.
كانت “القيامة” من ذلك الواقع تحتاج إلى معجزةبعد ما تراجعت كل جوانب الحياة الاقتصادية. ولكنكان لإرادة الشعب رأي آخر، فقد بدأت عودة الثقة فيالنفس وفي قدرة الشعب والدولة على الانجازبمشروع قناة السويس الجديدة، الذي كان رمزاً للقدرةعلى عبور الصعاب، وابتداع الحلول والمنجزات.
وبعد سنوات قليلة، تبدلت الصورة: فبعد نسبنمو متدنية كانت في حقيقتها نمواً سالباً (انكماشاً)،حققت مصر معدلات متزايدة من النمو وصل لما يقربمن 6% قبل تأثيرات جائحة كورونا الحالية، وتمإعادة تكوين الاحتياطي النقدي وانخفضت نسبةالبطالة من 13.4% إلى 7.5% عام 2019، وهوت معدلات التضخم مما يزيد عن 30% إلى نحو 5% في عام 2020.
لقد قدمت مصر للعالم نموذجاً مبهراً في الإصلاحالاقتصادي والقدرة على الانجاز.
ففي مجال التنمية العمرانية، تمت إعادة إنشاءالبنية الأساسية في مجالات الطرق ومياه الشربوالصرف الصحي وغيرها، وتحولت البلاد إلى ورشةبناء كبرى من العلمين غرباً إلى أسوان جنوباً،وسيناء والجلالة شرقاً، في سلسلة من مدن الجيلالرابع التي تأتي على رأسها العاصمة الجديدة، معتطوير مستمر للبنية التحتية في كافة مدن وقرىمصر، لعل أكثرها إثارة لتقدير العالم هو توفير خدمةالصرف الصحي لنحو 40% من قرى مصر مقابل11% فقط في عام 2014.
وفي مجال الاسكان استطاع المشروع القوميللإسكان أن يوفر مئات الآلاف من الوحدات السكنيةلكل المستويات الاجتماعية من الشعب، واقتحمتالدولة بجدية غير مسبوقة مشكلة العشوائياتوتغيرت حياة الملايين من أبناء الشعب في سنواتقليلة.
وفي مجال الكهرباء رصدت الدولة 614 مليار جنيهعلى مدى (6) سنوات حولت مصر من دولة تعانيمشكلة في الكهرباء إلى دولة مصدره للكهرباءوالطاقة، بعدما تضاعفت قدراتها في هذا المجالبإضافة 28 ألف ميجاوات كهرباء.
وفي مجال الطرق، شرايين التنمية، أطلق الرئيسعبد الفتاح السيسي في يونيه 2014 المشروع القوميللطرق بتنفيذ 39 طريقاً بإجمالي 4400 كم يتم تنفيذمراحلها بمعدلات إنجاز قفزت بترتيب مصر في جودةالطرق عالمياً (90) مركزاً في 6 أعوام من المرتبة 113 لتصل إلى المرتبة 28 على مستوى العالم.
وأنقذت الطرق الحديثة حياة الآلاف من المصريينحيث تراجعت أعداد الوفيات في حوادث الطرقبنسبة 50%.
وفي مجال التنمية الإنتاجية، أبرز مجالات فرصالعمل المستدامة، كانت الزراعة في المقدمة بمشروعاستصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان، ثم مشروعاتالزراعات المحمية لاستصلاح أمثل للمياه وكذلكمشروعات الاستزراع السمكي التي ساهمت في سدالفجوة الغذائية في هذا المجال. فضلاً عن مئات المشرعات لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي وتحلية مياه البحر.
وفي الصناعة تم إنشاء المناطق الصناعية المتخصصة، ومنها منطقة الروبيكي لصناعاتالجلود، ومدينة الأثاث في دمياط، وتطوير مشروعاتالغزل والنسيج ومشروعات صناعة السيارات وغيرها.
وفي مجال البترول والغاز، ودعت مصر سنواتالجمود والديون لشركات الطاقة العالمية إلى انطلاقةكبيرة في الاستكشاف والصناعات التي أثمرت عناكتشافات تاريخية حولت مصر من دولة مستوردةللغاز الطبيعي إلى دولة مصدرة للغاز ومحور عالميلتجارة الغاز.
في الوقت نفسه بدأت المنطقة الاقتصادية لقناةالسويس بشائر استثماراتها وانتاجها لتوفير فرصالعمل لأبناء الشعب وإضافة المزيد من القوة للاقتصاد المصري.
أما التنمية الاجتماعية فهي الملف الاكثر انسانيةفي التطور الاقتصادي الناجح في مصر بهدف تطويروتحسين حياة المواطنين والخدمات الأساسية المقدمةلهم، وكذلك مساعدة الفئات محدودة الدخل علىتحمل تبعات الاصلاح الاقتصادي.
في هذا الإطار كانت مشروعات الاسكان الاجتماعيمحدود التكاليف وتطوير العشوائيات وتطويرمنظومة الخبز ورفع الحد الأدنى للأجور وابتكارمنظومة جديدة للدعم النقدي شملت مشروعات تكافلوكرامة وحياة كريمة وغيرها.
أما أهم مجالين في التنمية الاجتماعية، فأولهماملف الصحة حيث أطلقت مبادرة “100 مليون صحة” بمراحلها وأهدافها المتواصلة وقامت بأكبر مسح طبيشامل في العالم لأفراد الشعب، ثم مبادرة القضاء علىقوائم الانتظار للعمليات الجراحية وصولاً إلىمشروع التأمين الطبي الشامل الذي بدأ بالفعل أولىخطواته.
المجال الثاني هو ملف التعليم بكل مراحله ومستوياته، والذي يشهد أجرأ وأعمق تطوير وتغييرفي أنظمته ومناهجه وأدواته وتأهيل المبانيوالمعلمين منذ بدء التعليم الحديث في مصر في القرن التاسع عشر، في ثورة حقيقية ستنقل مصر إلى قلبعصر العلوم والتكنولوجيا الحديثة.
من الارهاب لواحة للأمن والسلام
الإرهاب كان أداة وسلاح الجماعة الارهابية التيحاولت، بعد أن أسقطها الشعب بإرادته وسلميته،الاستيلاء على مصر بالسلاح الذي هو الأقرب لتفكيرمثل هذه الجماعات التي تستخدم تشويه الفكروالدين لتجنيد العناصر الإرهابية. سلاح خسيساستخدموه وراهنوا عليه، وحاولوا وأعوانهم فيالداخل والخارج وصم مصر بوصمة الارهابوتحويلها إلى مستنقع للإرهاب وعدم الاستقرار فينظر العالم. استخدموا لهذا الهدف كل الوسائل لنشرالارهاب والرعب في كل ربوع مصر، في المدنوالصحاري، ضد الجيش والشرطة، ضد الكنائسوالمساجد والمتاحف، ضد المواطنين الأبرياء، ضدالمرافق العامة ومنشآت وأعمدة الكهرباء.
أنفقوا المليارات وجندوا الآلاف، وطبقاً لدراساتمراكز للبحث مستقلة، فقد نفذوا (232) عملية إرهابيةفي مصر خلال الشهور الستة الأخيرة من عام 2013 قتلوا خلالها 195 من الجيش والشرطة و802 منالمواطنين المدنيين، وفي عام 2014 نفذوا 182 عمليةارهابية خلفت 157 شهيداً من الجيش والشرطة و41 مدنياً.
وفي عام 2015 نفذوا 310 عمليات إرهابية أدت إلىاستشهاد 178 من الجيش والشرطة و318 مدنياً، ونفذوا 243 عملية ارهابية في 2016 خلفت 273 شهيداًمن الجيش والشرطة و79 مدنياً، ونفذوا 169 عمليةارهابية عام 2017 خلفت 185 شهيداً من الجيشوالشرطة و144 مدنياً. ويأتي عام 2018 لتنخفض العمليات الإرهابية إلى 45 عملية ارهابية صاحبهاانخفاض أعداد الضحايا بنسبة 90%.
وجاء عام 2019 ليشهد انحسار الارهاب في بقاعجغرافية نائية محدودة في شرق شمال سيناء وبعضالمتسللين من الحدود الغربية الذين سرعان ما يتمالقضاء عليهم.
وهكذا بفضل إرادة الشعب ووحدته ورفضه للإرهابفكراً وجماعة وتنظيماً وجرائم، تمكن الجيش والشرطةمن توفير “الأمن الكامل” في كل ربوع مصر لشعبهاوضيوفها وسياحها وكل من على أرضها، وأصبحتمصر وفق المؤشرات الدولية تحتل في عام 2019 المركز الثامن عالمياً في الأمن والأمان، وذلك مقارنة بالمركز الـ(16) عالمياً في عام 2018، من بين 192 دولة في العالم.
استقرار سياسي
بالتوازي مع مواجهة الارهاب وتحقيق الاستقرارالأمني، تم الشروع بعد ثورة 30 يونيو في بناءمؤسسات معبرة عن إرادة جموع الشعب، فتم وضعدستور مصري من جانب نخبة تمثل بصدق مكوناتالشعب، وحظي الدستور بتأييد شعبي واسع،وأجريت انتخابات رئاسية حرة مرتين بحضور الإعلامالدولي، وتم انتخاب برلمان جديد سيكمل دورتهالبرلمانية ويستعد لانتخابات جديدة وتم استحداثمجلس الشيوخ وتثبيت حد أدني لتمثيل المرأة فيالبرلمان بنسبة 25% في تعديلات دستورية. وترسختفي مصر دولة المؤسسات، التي أرادوها أن تكونخاضعة لمكتب إرشاد ومجالس شورى لعصاباتتكفيرية وتنظيمات وجماعات لا تؤمن من الأساسبفكرة الوطن فما بالك بالمؤسسية الحديثة.
وحدة مصر قدس أقداسها
وحدة شعب مصر الواحد بعنصريه من المسلمينوالاقباط هي من أقدس ما يعتز به شعبها على مرالعصور. وفي كل هذه العصور اعتقد الأعداء والأشراردائماً أن النيل من مصر يبدأ بإصابتها في القلبمنها: في وحدة شعبها.
وهكذا فعلت جماعة الاخوان الارهابية، نشرتالفتنة الطائفية وأحرقت وحلفاؤها في أيام عشراتالكنائس، ومارسوا العنف والإرهاب بحق المسيحيينوالمسلمين أيضاً ممن يخالفونهم الرأي أو الفكر أويتمسكون بانتمائهم الوطني. وبدت مصر في نهاية2013 مثخنة بجراح تؤلم وحدتها وقلبها، ومثل هذهالجراح هي الأصعب في التداوي، وواصلت الجماعة الإرهابية وحلفاؤها رغم هذا استهداف الكنائسلسنوات ومحاولات يائسة لاستهداف العقول.
ورغم صعوبة المهمة، إلا أن دور الدولة والقيادة، قدمالنموذج للشعب: فقد تم ترميم وإعادة بناء جميعالكنائس التي تم حرقها وهدمها. وافتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي وسط بهجة الملايين أكبر كنيسة فيالشرق الأوسط وأكبر مسجد في العاصمة الإداريةالجديدة. وعادت المحبة بين الجميع وانهزم الإرهاب ومحاولات الفتنة، وأصبح المصريون آمنون فيمساجدهم وكنائسهم وفي بيوتهم ونفوسهم، أكثررضا واطمئناناً في هذا الشأن من أي وقت مضى فيمصر منذ نحو نصف قرن. واستمرت المعالجة الرشيدةلكل ما يتعلق بهذا الملف من خلال توفيق أوضاع آلافالمقرات الكنسية وإصدار قانون بناء وترميم الكنائسليضفي الطمأنينة على رعاياها ولتصبح صفحاتمصر في كل التقارير الدولية هي صفحات إشادة بماحققته في مجال المواطنة والمساواة.