المرأة والفن التشكيلي
هيفا حيدر حسن –
يعرّف الفن التشكيلي بأنه ذلك النوع من الفنون الذي يعبّر من خلاله الفنان عن أفكاره ومشاعره، حيث يسعى إلى تحويل المواد الأولية إلى أشكال جميلة كالعمارة، والتصوير، والزخرفة، والنحت، ويتم إدراك هذا النوع من الفن من خلال حاسة البصر، لذلك يسمى بالفن البصري أو المرئي، ولم يقتصر الإبداع فيه على الرجل فقط، بل تمكنت المرأة أيضاً من أن تخطو خطوات جادة ورائدة في هذا المجال، فأصبحن فنانات مبدعات.
واستطاعت المرأة من خلال تجاربها الإبداعية أن تخطو بجرأة وشجاعة في معترك صعب ومعقد، فاستخدمت المرأة الفرشاة والألوان كوسيلة للتعبير عما بداخلها من معاناة وأحاسيس صادقة، والبوح بما تخفيه من أسرار، وطرحت مواضيع شتى تتعلق بقضايا شعبها ووطنها.
ومما لا شك فيه هو أن للبيئة المحيطة والقضايا الاجتماعية تأثير كبير في التجربة الفنية لدى المبدعات، فنرى أنهن تناولن مواضيع متعددة ومختلفة بشكل عام في أعمالهن، إلا أن حضور صورة المرأة بألمها وأملها، بفشلها ونجاحها، قوي في لوحات معظمهن، كونهن الأقرب والأصدق لبنات جنسهن، بذلك تساهمن في توجيه الرسالة التي ترغبن أن تصل من خلال لوحاتهن، كالمطالبة بحق المرأة في الحرية، ونيلها مكانتها التي تستحق في المجتمع؛ فهي الأم والأخت والزوجة، وأنْ تسود المحبة بدلاً من العنصرية والكره بين أفراد المجتمع، فهي رسالة للإنسانية بأسرها، مما يجعل المتلقي ينجذب إليها.
وفي هذا المجال أيضاً، كما في غيره من المجالات بكل تأكيد هناك عقبات وتحديات شائكة تواجه المرأة وبالأخص في المجتمعات التي تنظر إليها نظرة قاصرة؛ وذلك لسيادة التقاليد والأعراف التي تحد من شأنها، على رغم من ذلك العديد من النساء استطعن ترك بصمة في هذه الساحة الفنية، من خلال مشاركتهن في المعارض التشكيلية منهن (نسرين أحمو، كليزار قليج، زوزان محمد، نور الكوا، خديجة جرير، نهلة الغفيلي.. إلخ) قدمن أعمال تشكيلية جسّدتْ في غالبيتها الدفاع عن المرأة ضد التهميش، جاعلات من الألوان نظاماً خاصاً بهن، ومنفذاً على التحولات التي تعتري العالم التشكيلي، فتضعن لوحاتهن في حضرة أشكال وألوان تثير الخيال.
إنها لوحات على قدر كبير بأصداء دواخلهن، يتركن ثغرة فيها علّ المشاعر المكثفة والأحاسيس بالقيم الجميلة تتسلل منها، حيث تمنحن طاقة من القدرة على رفض التشتت والخوف، فيفعلن هذا الفعل الإبداعي الجميل ليقلن كلمتهن التي تتلخص بأن هذه الشعلة المقدسة، شعلة الإبداع النسوي التشكيلي لا يمكن أن تخمد أو تنطفئ.
إن لكل تجربة فنية أثرٌ من لون وشكل، كبصمة وراثية أدبية، وهي بحاجة إلى التحرير من المفاهيم التقليدية للفن، وكسر الأطواق الحديدية التي تقيّدنَ بها بفعل الرجل أو المجتمع على حد السواء، لينطلقن في هذا العالم اللونيّ بحرية نابعة من حب للفن، وفتح منافذ الآفاق الفنية أمام تلك المواهب، وإعطاء أهمية لإقامة معارض للوحاتهن، حتى لو كانت دون المستوى المطلوب؛ لما لها من دور كبير في تنمية حس الإبداع والتشكيل، وتفسح المجال لتقارب وتبادل الخبرات فيما بين الجميع والاستفادة من تجارب من هم الأقدم في هذا المسار.