الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

أزرعوا الشجر في يوم 4 أبريل_ نيسان

الحدث – القاهرة – بقلم: أحمد شيخو

يحتفل الملايين من الشعب الكردي وأصدقائهم ومعهم الكثير من شعوب المنطقة والعالم بعيد ميلاد المفكر والقائد عبدالله أوجلان في 4 نيسان، كيوم ميلاده في عام 1949 في قرية أمارا ( أومرلي) في ناحية خلفتي التابعة لمدينة روها (أورفا)، ويأتي الأحتفال بهذا اليوم للتعبير عن وفائهم و تمسكهم وإصرارهم و تضامنهم مع من ضح بشبابه وبحياته ومازال مسجون منذ 23 في سبيلهم وفي سبيل تأمين حريتهم وكرامتهم، بالإضافة أن الاحتفال يؤكد الدعم  والوقوف بجانب حقوق الشعب الكردي ومطالبهم العادلة في العيش بثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم وخصوصياتهم وإدارة مناطقهم وأنفسهم بأنفسهم ضمن دساتير وبلدان ديمقراطية.
لكن لو أردنا أن نعرف لماذا يتم الإحتفال بعيد ميلاد  المفكر والقائد أوجلان دون سواه وخصوصاً في المجتمع الكردي وبين أصدقائه والقوى الديمقراطية والمجتمعية وفي جميع أماكن تواجد الكرد و اصدقائهم حول العالم علينا أن نعرف:
1_بعد تقسيم  المنطقة ومنها كردستان من قبل القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بين أربعة دول وبقاء أكثر من نصفها ضمن تركيا المستحدثة، وبعد تشكيل تركيا الحالية في 1923 ومن 1925 وحتى 1940 تعرض الشعب الكردي لعمليات إبادة وتطهيرعرقي وتغيير ديموغرافي ، ونتيجة  فشل الإنتفاضات والثورات الكردية المقاومة لعمليات الإبادة  للعوامل الداخلية المختلفة وإفشالها كذلك من قبل القوى العالمية المهيمنة حينها لتوافق مصالحهم مع تقسيم أراضي الكرد وإبقائهم دون حقوق وجعلهم بؤرة توتر وإضطراب دائم للتحكم عبر هذه الوضعية والحالة  بالكرد وبالمنطقة وتحقيق هيمنتهم على شعوب ودول المنطقة التي أقاموها. ونتيجة لهذه الوضعية وتحكم الفكر القوموي الإلغائي والنمطي في أغلب السلطات لتلك الدول في المنطقة تم قتل وتهجير ملايين الكرد وإكمال الإبادة الفيزيائية بأخرى ثقافية أخطر وتم منع الهوية و الثقافة واللغة وكل مايمت للكردياتية بشي.
ومن عام 1940 وحتى 1970، ساد وضع السكون في باكور كردستان( جنوب وشرق تركيا)، وظنت الدولة التركية وسلطاتها وخصوصاً التركياتية البيضاء التي هي  تابع  وجزء من النفوذ اليهودي العالمي المالي والسياسي. أنها نجحت في تتريك الكرد وإنهاء مجتمعيتهم وهويتهم وإلصاقهم بالقومية التركية وتحقيق الإنصهار والذوبان عليهم، وخصوصاً إذا علمنا أن الدولة التركية كانت وبعد القضاء على الثورات الكردية وقتل رجالها ونسائها بإستعمال الطائرات والمدافع والأسلحة المحرمة، كانت تأخذ الاطفال إلى أماكن خاصة و تعمل على تربيتهم بأساليب خاصة، لفصلهم عن تاريخ أبائهم وشعبهم و ليكون أدواة في الدولة التركية.
لكن مع ظهور القائد عبدالله أوجلان وبدء مسيرته من نوروز 1973 وبكلمتين كردستان مستعمرة، كانت تلك المسيرة بمثابة وضع حد لهذا الموت ووقفه وإعادة الشعب الكردي إلى الحياة من جديد، حتى أن القائد أوجلان يذكر في كتبه أن أحد كبار السن الكرد قال له أن  وضع الشعب الكردي مثل عود الخشب فكيف ستستطيع إحيائه وإخضراره كدلالة على وضعه المتأزم والضعيف.
2_ يعتبر القائد أوجلان  والثورة التي يقودها أول تحقيق للوحدة الكردية الديمقراطية بين كرد كافة أجزاء كردستان رغم التقسيم الموجود والمفروض و حتى من هم حول العالم فالتنظيم الذي أنشئه هو التنظيم الوحيد الذي  استطاع ان يضم كافة ابناء الشعب الكردي ومن كافة الأماكن وكافة الأديان والمذاهب لتحقيق هدف حرية الشعب الكردي وشعوب المنطقة.
3_قدم أوجلان وأنشأ نتيجة لعمله وحركته مجتمع كردي وطني جديد متماسك ومقاوم و مصرعلى حقوقه المشروعة بكافة الوسائل وفق براديغما العصرانية الديمقراطية المتضمنة ثلاثية المجتمع الديمقراطي والأيكولوجي وتحرير المرأة كحالة ثورة وبناء حياة ديمقراطية طبيعية لمختلف الشعوب الساعية للحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والتنمية.
4 _ طرح القائد أوجلان الإدارة الذاتية كجسد و الأمة الديمقراطية كنظرية لحل القضية الكردية وأية قضية وطنية ضمن الدول الموجودة وبالإستناد إلى ثقافة المنطقة وقيمها الإنسانية والتاريخية وليس عبر الفكر والطرح القوموي  الغريب عن المنطقة والمقسم والمفتت لدول وشعوب المنطقة والممنتج للأزمات والخادم للقوى السلطوية و للهيمنة الخارجية على المنطقة.
5_ يعتبر الأمة الديمقراطية وكونفدرالية الشرق الأوسط الديمقراطي  وإتحاد الأمم الديمقراطية التي طرحها القائد أوجلان أول منهج وفلسفة للحلول الديمقراطية للقضايا وأزمات المنطقة والعالم يتجاوز الأفكار الإستشراقية والتبعية والهيمنة الفكرية الغربية وبذلك يحقق الأخوة والأخوات بين الشعوب والحلول الديمقراطية بالإستناد إلى ثقافة المنطقة وتحديث جوهرها و قيمها وتقاليدها الاخلاقية المجتمعية وفق الزمكانية و العلم المجتمعي والتوقيت الجديد.
6_ لقد تجاوز القائد اوجلان بأفكاره وسلوكه الدائرة الكردية بل أنه اصبح قائد ومفكر وفيلسوف تاريخي للشعوب الساعية إلى الحرية والديمقراطية، حيث أنه بفكرة العصرانية الديمقراطية أو الحضارة الديمقراطية كبديل للرأسمالية العالمية المهيمنة وللحضارة المركزية. أصبح لحركته وللأحزاب التي تتبنى افكاره نهج  وطريق للنضال والحل هو نهج الخط الثالث المستند إلى المجتمع عبر السياسة الديمقراطية والدفاع الذاتي ، وبذلك تحولوا لإطار جامع وشامل لكل من هم خارج السلطة وعلى إختلاف قومياتهم ومذاهبهم وأثنياتهم وخصوصياتهم كما حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا ومجلس سوريا الديمقراطية في سوريا، فبذلك يقدم طريقة للنضال والعمل والحياة يراعي ويحترم إرادة الجميع، وكلٌ حسب خصوصياتهم في إطار وحدة ديمقراطية وحالة تكاملية كلية محققة لوحدة المنطقة وتقوية جبهاتها الداخلية وردع التدخلات الإقليمية و الخارجية الضارة.
لقد أمضى القائد أوجلان حياته التي نحتفل بميلاده 73 في خدمة قضية حرية الشعب الكردي وشعوب المنطقة، حتى جسد في شخصيته ونضاله وقيادته وفلسفته تاريخ وقيم شعب من أقدم شعوب المنطقة أريد أن يتم إفنائه والقضاء عليه لكن بنضاله وفكره غير مسيرة التاريخ. وأصبح القائد أوجلان لايمثل فرد بل هو تمثيل لظاهرة  أخلاقية وإنسانية و لفلسفة الكد و النضال والنقد البناء والأخوة والحياة الحرة ولحالة الإختلاف في إطار الوحدة الديمقراطية التكاملية والكلية للمنطقة والعالم.
لعله من الصحيح أن نقول عن القائد أوجلان هو قائد المرأة الحرة ومبدعها وملهمها، حيث قام ببناء  ومن اضعف مكونات  وأضعف مجتمع أقوى نموذج وقدمه للمرأة والعالم وهو نموذج المرأة الحرة، التي يتباهي بها كل المنطقة و العالم كما هي نموذج  منظومة المرأة ووحدات حماية المرأة في شمالي سوريا التي بنت نفسها وفق فكر وفلسفة المرأة الحرة للقائد أوجلان و لها دور فعال في حماية النساء والمجتمع من إرهاب داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى وممارسة العمل المشترك مع الرجل في كافة ميادين الحياة .
ونتيجة للأفكار  والسلوك المستقل والديمقراطي والحر للقائد أوجلان وحركته وعدم إرتباطه و خضوعه لأية قوى إقلمية أو دولية وطرحه البديل الديمقراطي للهيمنة العالمية على شعوب ودول المنطقة، وبذلك تخريب حسابات الرأسمالية العالمية ومصالح  استغلالها وهيمنتها  و لمحاولة تحقيق وفاق وتقارب بين شعوب المنطقة متجاوزاً الفكر القوموي والإسلاموي والتجارب الإشتراكية والشيوعية الفاشلة،  تم إعتقاله وسجنه في جزيرة إمرالي  بمؤامرة دولية وبعملية كبيرة لحلف الناتو ودور أمريكي وإسرائيلي رئيسي وبإشتراك حوالي 40 دولة في المنطقة والعالم. ويدخل إعتقال القائد أوجلان السنة 23  مقترباً من عدد سنوات سجن الرئيس نيلسون مانديلا ال 27 ومازالت حالة العزلة والتجريد وعدم السماح لذويه ولمحامييه بالتواصل قائمة، في ظل صمت المؤسسات الحقوقية والإنسانية ومنهم منظمة مناهضة العنف التابعة للمجلس الأوربي على العزلة و التجاوزات على حقوقه في السجن.
لقد أرادت القوى التي شاركت في المؤامرة الدولية لإعتقاله في 15 شباط 1999 إضعاف حركة الحرية والديمقراطية التي يقودها القائد أوجلان وفصلها عن قائدها ومؤسسها وترويضها والسيطرة عليها لإستخدامها كيفما تشاء، لكن القائد أوجلان  بمقاومته وبأفكاره وكتبه  في السجن على شكل مرافعات استطاع الحفاظ على ميراث شهداء الشعب الكردي وعلى حركته ونضال شعبه بل أن حركته وتأثيره وزخم القضية الكردية تعاظم ومن ظن أن ثورة القائد أوجلان هي مثل الثورات الكردية ستموت بإعتقال أو إعدام قائدها كان مخطئاً . بل أصبح أغلبية الشعب الكردي والكثير من شعوب المنطقة والعالم ترى في أفكاره وفلسفته ونهجه وأمته الديمقراطية حل ديمقراطي وأقل دماء وتكلفة للقضايا والأزمات في المنطقة والعالم.
تم الإحتفال بعيد ميلاد القائد بعد إعتقاله وسجنه وعندما  سمع القائد بذلك طلب من المحتفلين أن يتم زرع الأشجار في هذا اليوم في الرابع من نيسان كدلالة ورمز للمحبة وإستمرار الحياة الحرة الطبيعية والعودة إلى الطبيعية.
لقد قدم القائد أوجلان مبادرات كثيرة لحل القضية الكردية في تركيا  وتم إيقاف القتال لأكثر من 9 مرات لكن طرف الدولة التركية وحكوماتها المختلفة وسلطاتها كانت هي من ترفض أية حلول ديمقراطية وأخرها كانت مطابقة دولما بخجلي، و ومازالت الدولة الفاشية التركية تلجأ إلى الخيار العسكري والأمني وعدم قبول إرادة الشعب الكردي وحقوقه الطبيعية وحتى أنها تجاوزت الحدود التركية الدولية إلى شمالي سوريا وشمالي العراق وإلى كل مكان لعدم حصول الكرد على أية حقوق في أي مكان وهي في حالة عداء شديد لكل ماهو كردي محاولةً إخضاعه وتسليمه وإلا فالموت والقتل والتهجير كما حصل في سور وجزير ونصيبين وكفر عام 2015 و2016 وكما حصل في عفرين 2018 ورأس العين وتل أبيض في عام 2019، ومن البديهي أمام هذه الممارسات التركية الفاشية أن يلجأ الشعب الكردي إلى حماية نفسه ووجوده بطرق الدفاع الذاتية المشروعة.
بعد حوالي مئة سنة من تشكيل تركيا وصراعها مع الشعب الكردي وشعوب المنطقة ورغم إبادتها للشعوب الأصلية المختلفة في الأناضول وميزوبوتاميا من الأرمن والسريان الأشوريين واليونان والروم والبونتس واللاز وغيرهم لكنها لم تستطع القضاء على الشعب الكردي الأصيل صاحب أقدم ثورة إنسانية في تاريخ البشرية الثورة النيوليتية قبل 12000 سنة. بل تحول نضال الشعب الكردي وقائدهم إلى خط ونهج للنضال والإصرار والسعي إلى الحرية والديمقراطية لكل شعوب المنطقة ، حتى أصبح كما قال أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني الشهيد القائد كمال بير  وهو من الشعب اللازي وليس الكردي، أن تحقيق الثورة في تركيا يمر من خلال ثورة كردستان وكمال قال رفاقه للحركات الفلسطينية في لبنان أن ثورة الشرق الأوسط والمنطقة تمر عبر ثورة كردستان وخلالها . واليوم فإن تحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة في المنطقة ممكنة بحصول الشعب الكردي على حريته كمدخل وكقوة أساسية وفاعل قوي لتغير المنطقة وتحقيق أمال شعوبها وقواها الديمقراطية والمجتمعية. ومن يقف مع الشعب الكردي ونضاله ويتحالف معه، ومن يقف الشعب الكردي معه سيكون من المنتصرين، سواءً من القوى المحلية أو الإقليمية او العالمية.
وميلاد القائد والإحتفال به هو ميلاد وإحتفال بالشرق الأوسط الديمقراطي والحر وبفلسفة الحياة الحرة المجتمعية و الأخلاقية الجديدة.

to top