عثمنة آيا صوفيا و تهويد الأقصى
أحمد شيخو.
يتابع العالم في هذه الأيام القرار الذي اتخذته السلطة التركية المشكلة من حزب العدالة والتنمية AKP الإخواني والحركة القومية التركية MHP وذلك عبر ماتسمى” المحكمة الإدارية العليا” و” المرسوم الرئاسي” من قبل أردوغان دون أي إعتبار لحقائق التاريخ والجغرافية ولمشاعر الملايين من الناس حول العالم وذالك بتحويل وتغيير “آيا صوفيا” من متحف إلى مسجد، التي بنيت في العام 532م من قبل الإمبراطور جستنيان الأول و كانت مركزاً للأرثوذكس قرابة 900 عام قبل غزو العثمانيين لها عام 1435م. هذا القرار الذي يمكن أن يذهب بالعالم والمنطقة إلى كثير من القلق والترقب ، حيث أن أردوغان وبعد تشكيله السلطة مع دولت بخجلي عام 2015م وبعد محاولة الإنقلاب التي كان أردوغان على علم بها، أصبح صاحب السلطة المطلقة وألغى كل ما يسمى دور للمؤسسات والمحاكم وللكثير من الأطر الرسمية وجعلها شكلية تنفذ رغباته وطموحاته الشخصية والعائلية والحزبية ، وقرار هذه المحكمة هي إحدى تلك النماذج.
ولكن نحاول فهم ماهية هذا القرار وأبعاده وتأثيراتها علينا فهم عدة نقاط:
1_ كيفية دخول القبائل أسلاف الترك الحاليين ، القادمين من أواسط آسيا من جبال أورال آلتاي إلى الإسلام بداءً من القرن الثامن وقدومهم بكثرة في أعوام 1000م، حيث ونتيجة بحثهم ومممارستهم الغزو والسرقة والنهب والتحكم كانوا يجابهون بشعوب المنطقة من العرب والكرد والأخريين، وعندما وجدوا أن الإسلام سيكون سداً منيعاً أمامهم ، تيقنوا أنه لابد من دخلول الإسلام للحصول على الغطاء و الشرعية لتنفيذ مرادهم، وتغلغلوا في بناء الدولة العباسية للسيطرة عليها و للحصول على مراكز القرار في عدة أقاليم وأماكن وأحياناً إقامة بعض الإمارات مثل السلجوقية والزنكية والعثمانية التي تحولت فيما بعض ونتيجة عدة عوامل إلى إمبراطورية الظلام والجهل التي حكمت حوالي 600_400 سنة.
2_كيفية تشكيل تركيا بجغرافيتها الحالية، والهدف من تشكيلها من جثة الرجل المريض، حيث انه تم تشكيل تركيا ونموذج الدولة فيها بنمطيتها الأحادية والإقصائية وإعتبارها دولة لقومية واحدة فقط دون الأخرين وقتلهم للأرمن والكرد واليونان والبونتس والسريان وغيرهم ، كتمهيد لقيام الكيان الإسرائيلي. بمعنى القضاء على تقاليد التحالفات الديمقراطية بين الشعوب وخلق دول ذات صبغ عرقية ودينية متقاتلة مع بعضها ومع شعوبها وخلق حالة ضعف كبيرة تسمح وتمهد لقيام إسرائيل وهو ما حصل بالإضافة إلى عوامل أخرى.
2_إن تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد هو إن لم يكن بالتناغم والتوافق بين أردوغان وإسرائيل و القوى المركزية في النظام العالمي فهو بالنهاية يمهد الطريق ويسرع في إتخاذ قرار إسرائيلي قرار متعلق بالمسجد الأقصى( أولى القبلتين وثالث الحرمين) ، وهنا مكمن غاية أردوغان. ولعل علاقات تركيا المتطورة في كافة المجالات في عهد أردوغان مع إسرائيل رغم بعض التصريحات المضللة والمخادعة الموجهة إلى الجمهور الإسلامي، وصمت إسرائيل على تمدد وإحتلال أردوغان وتركيا للكثير من المناطق في المنطقة مؤشر واضح بلا شك.
3_دلالة توقيت القرار الأردوغاني حول “آيا صوفيا” الذي صدر في ١٠ تموز والذي تم تحديد يوم فتحه للصلاة بشكل رسمي في يوم 24 تموز وهو نفس اليوم الذي تم رفع الدعوة فيه عام ٢٠٠٥م من قبل “جمعية خدمة الأوقاف والآثار التاريخية والبيئة” التابعة للعدالة والتنمية وأردوغان ، إن تركيا كدولة عميقة و كسلطة فهي تتخذ للايام والتواريخ دلالات ومعاني كثيرة وكل أعمالها يتم ترتيبها ويكون لها تواريخ ذات رسائل متعددة ، ويوم 24 تموز هو يوم ما يسمى “الإنقلاب الدستوري” على ما يسمى السلطان عبد الحميد وإنهاء سلطنته وخلافته من قبل الإتحاد والترقي ولعل أردوغان يريد القول أن عبد الحميد وسلطنته وخلافته، ستعيش من جديد في شخصي وسلطة حزب العدالة والتنمية ذو الخلفية الإسلامية السياسية، كما أن هذا التاريخ يصادف ذكرى توقيع إتفاقية لوزان 24 تمو1923م التي فرضت شروط ووقائع من قبل النظام العالمي حينها وقوفها المركزية من بريطانيا وفرنسا وروسيا و شكلت حدود تركيا الحالية وقضت على الميثاق الملي الذي يردده أردوغان وبخجلي كثيرا والذي يشمل شمالي سوريا وشمالي العراق، وجعل التاريخين متطابقين يوم ٢٤ تموز هو رسالة أن تركيا لن تقبل بحدودها الحالية ووضعها التي فرضت عليها. ولعل تمدد تركيا في المنطقة بمشروعها العثمانية الجديدة خير دليل وتعبير عن تلك الرغبة.
4_تأثيرات ومضاعفات هذا القرار لن تكون في صالح الأمن والأستقرار والسلام في المنطقة بل ستعزز التفرقة والتعصب والكراهية بين أبناء الديانات السماوية وهذا يؤكد رغبة أردوغان في تحويل رمز للمحبة والسلام وموقع وميراث عالمي وإنساني إلى أداة وساحة صراعات حزبية وشخصية وسياسية لاتخدم الغاية التي يتم من أجلها يتم دور العبادة سواء المسجد أو الكنيسة . وحتى أن أردوغان يشوه بذالك صورة الإسلام والمسلمين والعرب ويبعث برسالة مقلقة ومتوترة للعالم المسيحي ويخلق عداوة لا مبرر لها إطلاقاً.
5_ من الغريب أن الأردوغانيين من الإخوان والدواعش والقاعدة وبعض وجوه الليبراليين والمدنيين المتعاونيين معهم لمصالحهم الضيقة، يقولون أن ما يسمى السلطان محمد الغازي أو المفتوح ومع إنكشاريه المرتزقة حينما دخل القسطنطينية أو الأستانة التي حول حتى أسمها إلى إسطنبول، قد إشترى كنسية “آيا صوفيا” من حر ماله من البطاركة ثم أوقفه بمعنى أصبحت وقفة له وكأن بيوت الله ودور العبادة هي للبيع والشراء والتجارة من قبل مهزوم لايملك حتى قرار حياته أو موته أمام سلطاناً غازٍ في تجاوزاً واضحاً لحقيقة أحكام الإسلام وسنة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي أمرنا بحماية الراهب وصومعته وليس بظلمه وإذلاله وإهانته.
6_ عقلية وذهنية ومنهج السلطة التركية الحالية التي تحولت من صفر مشاكل إلى صفر أصدقاء ونتيجة لخوفها الشديد من المجتمعات ومن المحيط الإقليمي والدولي أصبحت رهينة لعقليتها السلطوية التحكمية وباتت تريد فقط الحفاظ على وجودها في السلطة حتى لو حاربت كل أمم الارض وشعوبها وأديانها وزرعت الفتنة والنفاق وقلبت الحقائق فهي تمارس الإرهاب بحق شعوب المنطقة وقواها المدافعة والفاعلة وهي من تتهم وتتستر تحت حجج الأمن القومي التركي والإرهاب وهي أكبر من تدعم وتمول وتنظم الأرهاب عبر إنكشاريه من الأخوان والقاعدة وداعش.
7_ من يريد ان يفهم حقيقة قرار أردوغان وسلوكه ورغباته عليه أن يعرف أن شيوخ السلطان أردوغان أو محمد الغازي الجديد ومع إنكشاريه المرتزقة هذه المرة من مايسمى “الجيش الوطني السوري” المشكل من تدوير الدواعش والقاعدة وجبهة النصرة وبعض الجبناء الفارين من المعارك ،كانوا يستغلون دينننا الإسلامي ويقراؤون سورة الفاتحة لفتح وإحتلال مدينة عفرين من أهلها الشعب الكردي أحفاد وأهل صلاح الدين الأيوبي، وتم تهجير وطرد أهلها والقيام بالتطهير العرقي المنظم بحق المسلمين الكرد السنة ، فهل أشترى أردوغان وأجداده الغزاة بيوتنا وأرضنا ومساجدنا وكنائسنا ودور العبادة للإيزيدين في عفرين التي هجرنا منها، أم أن قطيع الأخوان ولأاردوغانيين وحتى بعض الشوفيين سيقولون ويرددون ما يقوله أردوغان، بل أن مافعله أردوغان وجيشه ومرتزقته في شمال غرب ليبيا في ترهونة مثلا من تهجير لحوالي 15 الف وإختلاق أكاذيب عن المقابر وجلب الجثث حتى من القبور لإلقاء التهم على الأخريين فهل أشترى جد أردوغان وقاطع الطريق بربروس جوامع وكنائس شمال أفريقيا أيضاً.
7_لو دققنا فقط في إعلان الصلاة الذي حمل توقيع أردوغان باللغة العربية والإنكليزية والفرق بينهما سنلاحظ نفاق وكذب أردوغان بكل سهولة ، فهو في النسخة الإنكليزية يتكلم عن التسامح والمحبة وفي النسخة العربية يتكلم وكأنه سيكون من يوم 24 تموز هو الخليفة المسؤول عن كل المسلمين في العالم ويتكلم من بخارى إلى الإندلس وينافق ويزاود بخطاب وبيان شعبوي للإستهلاك الداخلي ولحركات الإسلام السياسي وكسب بعض الأصوات وربما زيادة شعبيته التي تتراجع كثيراً نتيجة إنهيار إقتصاد وسياساته وحروبه ضد الشعب الكردي والعربي وشعوب المنطقة في داخل تركيا والعراق وسوريا وليبيا ومحاواته التغلغلية المهددة للإستقرار في كثير من دول المنطقة والعالم ومجتمعاتها.
بعد هذ النقاط ، من المهم الإشارة إلى مواقف المعارضة التركية التي تؤكد أن خطاب التعبئة الشعبوي والمضلل يتحكم حتى باغلب المعارضة في تركيا التي تخاف من فقدان أصواتها ولذالك ومن منطق العقلية التركية الهيمنية ومن أدوارهم الوظيفية من قبل الدولة العميقة فهم يوافقون على سياسات أردوغان على القرار الأخير وكذالك فيما يفعله أردوغان في إحتلال ليبيا وسوريا والعراق فمواقف أحمد داؤود أوغلو ,باباجان ، وأكشنر وغول مؤيدة للقرار الأردوغاني ، يبقى فقط حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتبنى نهج أخوة الشعوب والعيش المشترك ويرفض كل سياسات الدولة والسلطة التركية في القرار الأخير وكذالك في سوريا والعراق وليبيا والمنطقة والعالم ولذالك يتعرض أعضائه للسجن والعزل والقتل والتهميش.لكن يبقى يدها ممتدة إلى شعوب المنطقة .
من المهم في النهاية التأكيد على السلطة التركية الأردوغانية بممارساتها وسلوكها أصبحت خطراً ليس فقط على شعبنا الكردي الذي يخوض نضالاً طويلا وكفاحاً من أجل حريته وحقوقه الطبيعية ضد تركيا ، بل أن هذه السلطة أصبحت خطراُ على شعبنا العربي وكذالك كل شعوب المنطقة بالإضافة إلى أنه أصبح خطراً على المسحيين والإيزيديين وقبل كل شي على الإسلام الذي يحاول تشويهه وتقديم صورة سيئة وغير مقبولة عنه، ومن هنا السبيل إلى منع ووقف التدخلات التركية في المنطقة وثقافتها وحضارتها وقيمها المشتركة وأديانها ومقدساتها هي التحالف والتكامل والتكاتف ووحدة شعوب المنطقة بكافة إثنياتهم وأديانهم ومذاهبهم ودولهم ومجتمعاتهم.