الحدث – القاهرةً – بقلم / منى زيدو
العالم بكل دوله وشعوبه وبلدانه تابع أمس مهرجان نقل المومياوات الفرعونية من المتحف القديم إلى متحف الحضارة القومي الجديد، ليكون السكن الجديد الذي يليق بهم ونحن في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. وهي رسالة للعالم أن مصر القرن العشرين بدأت رحلتها نحو بناء مصر المستقبل للقرن الحادي والعشرون. وأن عملية البناء لم تهدأ منذ سنوات في مختلف المجالات والنواحي وخاصة في البنية التحتية لأي دولة تسعى لأن يكون لها موطئ قدم في المستقبل.
ما رآه العالم أمس من مهرجان نقل المومياوات لا يتجاوز الساعة تقريباً، ولكن بكل تأكيد أن التحضير لهذا الحدث كان أطول بكثير وربما أكثر من عام ومئات أو آلاف الأشخاص يعملون بكد وجهد كبير لإيصال الرسالة للداخل والخارج أن من يريد بناء المستقبل عليه أن يستعد لها قبل ذلك بكثير وليس في آخر اللحظات. مهرجان أبهر العالم بكل تفاصيله الدقيقة والعامة من موسيقى وغناء وأضواء وحركات ومسيرات وعربات، وبالفعل كان يليق بمصر التاريخ بكل ما يحمله من معاني وتجليات. لم يكن الحدث عادياً وكأنه مرّ مرور الكرام على ما تابع هذا الحدث الكبير والعظيم بعظمة وتاريخ مصر الذي بدأ قبل التاريخ المدون. حدث جعل العالم أجمع بكل لغاته وثقافاته وشعوبه تتسمر أمام شاشات التلفزة وهي تراقب نقل الفراعنة الآلهة الذين كانوا يوماً ما يحكمون المشرق والمغرب. وأثبتوا أنهم أي الفراعنة الآن أيضاً يحكمون العالم وهم محنطين. إذ/ مجرد خروجهم من مكانهم جعلوا العالم يقف بصمت ودهشة لأمر عظيم قد حدث. من هنا تأتي عظمة مصر التاريخ التي وإن عاشت مرحلة الخفوت قليلاً، إلا أنها ترفع رأسها ومعها كل العالم يحني رأسه لهذا التاريخ الذي ما زال يقول كلمته حتى الآن.
لم تمت الفراعنة وأثبتوا أنهم ما زالوا أحياء في وجدان شعوب العالم التي تسمّرت ليلة أمس أمام شاشات التلفزة وهي تراقب عملية نقلهم للمستقبل. هكذا هي مصر للذين لم يدركوا معنى أن استيعاب التاريخ وعيشه في الحاضر لبناء المستقبل. فالتاريخ ليس مرحلة مضت وعفا عنها الزمن ولم يبقى منها سوى ارقام مصفوفة تتكلم عن مرحلة معينة، بل التاريخ هنا ما زال يُعاش بكل تفاصيله الثقافية التي كانت ماثلة ليلة أمس أمام العالم كله.
ليلة أمس وحدهم فقط أصابتهم اللعنة وكانوا يتمنون ألا ينجح هذا المهرجان وأن تصيبه ألف مصيبة ومصيبة ويتم إلغاءه. هم وحدهم الذين كانوا ولا زالوا يعملون على تدمير مصر التاريخ والحاضر ليعيشوا المستقبل المجهول. هم وحدهم لا زالوا يعيشون في أحضان أردوغان ويسبحون بسلطانه ويترجونه كي يحول مصر التاريخ إلى سوريا المدمرة وليبيا المنهوبة واليمن الحزين ولبنان التائهة. حاولوا منذ سنوات بكل ما لديهم كل يدمروا كل شيء ينبض بالحياة في مصر. لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل الذريع، وما مهرجان أمس إلا المسمار الأخير في نعش كل من كان يفكر أو أراد أن يساعد الآخرين على تدمير مصر المستقل. نعم إنهم الإخوان المسلمين الذين أصابتهم لعنة مهرجان نقل المومياوات. كل العالم كان منبهراً أمس إلا الاخوان كانوا صامتين يلعنون أنفسهم لما يرونه.
ليلة أمس لن ينساها العالم وسجلت في التاريخ وسيبقى موعد وتاريخ يحفظه العالم ولو بعد مئات السنين، لما شاهدوه من عظمة تاريخ مصر والتحضيرات اللائقة بهذا التاريخ وبعملية نقل الآلهة نحو مثواهم الأخير. وبنفس الوقت ليلة أمس لن ينساها الإخوان أبداً لأنها كانت ليلة كابوس بالنسبة لهم لما وصلت إليه مصر من عملية بناء المستقبل. هم أي الاخوان وسلطانهم كانوا يريدون تحطيم وبيع وتدمير هذا التاريخ والآثار في مصر، كما فعلها إخوانهم من نفس الجماعة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، حينما دمروا كل الآثار فيها وباعوها بأبخس الأثمان عند من يحركهم. أرادوها لمصر أن تكون شبيهة دولنا الممزقة والمدمرة والمنهوبة التاريخ.
وكلمة لا بدّ منها، أن ليلة أمس قالت مصر كلمتها ومن دون تردد للعالم أجمع وبكل اللغات؛ أن من يريد بناء وطنه عليه أن يكون مستعداً رغم كل العقبات والهجمات التي تتم، وما يلزم لذلك هو فقط الإرادة الجمعية والمجتمعية وأن يلتف الكل حول الوطن الذي يتم بناءه للمستقبل.
وأنا أتابع ليلة أمس هذا المهرجان وقلبي يعتصر عضباً وحسرة على بلدي سوريا الذي حوله الظلاميين إلى خراب ودمار وبللا آثار ولا تاريخ بعد أن نهبوا كل شيء. وكم تمنيت أن يكون ثمة رجلاً رشيداً وحكيماً عندنا أيضاً يعمل لبناء مستقبل سوريا ويحافظ على تاريخه وآثاره، كما كان ليلة أمس مصر.