لايزال الخليفة العثماني يتحرك أفقيًا وعموديًا متلونًا متحربلًا ويدس اصابعه في كل مكان قريبًا منه أو بعيدا. لا يهم فالمهم عنده هو تاريخ ٢٠٢٣ والوصول إليه وهو على رأس الحكم خائفًا مرعوبًا من أي حركة انفصالية أو انقلابية تطيح به وبنظامه الاجرامي وبرأسه المتورم العفن.
وكثيرة هي الخطوات التي وضعها نصب عينيه للوصول إلى ذلك التاريخ، الامتداد نحو الجنوب من تركيا حيث كان شمالي سوريا وشمالي العراق وإلى سواحل ليبيا الدافئة والغنية بالبنزين والغاز. ويغازل تونس والجزائر عبر جماعة الإخوان. لمَ لا وهو الحاضن والمحامي وبفلوس قطر الممولة.
وقد لا يعرف البعض ماذا يعني تاريخ ١٩٢٣ و ٢٠٢٣، هو بكل بساطة مرور ١٠٠ عام على عمر المعاهدة أو اتفاقية الذل والتي وقعها العثمانيون آنذاك والتي نصّت على نتف ريش الإمبراطورية العثمانية وسلخها بدون تخدير. ووقتها كان اسمها الرجل المريض أو المشلول أو العاجز. وتم بموجب هذه الاتفاقية تحجيم الإمبراطورية العثمانية وقولبتها تحت الهيمنة الدولية الفرنسية والبريطانية. وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام آل عثمان وأسطورة الخلافة المزعومة.
وهنا يثيرني سؤال مهم وهو غائب عن الكثيرين؛ لماذا نسمي وجود القوات الفرنسية والإنجليزية والاسرائيلية والايطالية احتلالًا ولا نسمي ٤٠٠ سنة من التخلف والتجهيل والتتريك العثماني احتلالًا، مع أنه أسوأ أنواع الاحتلال في العالم من حيث التعامل والسلوك والنتائج كقوات غازية لبلد جار.
ودائمًا التبرير هو غطاء الدين والاسلام السياسي والذي ينفذ منه الآن بمسرحية إرجاع مبنى آيا صوفيا إلى مسجد. وأغلب من أتيحت له الوصول إلى اسطنبول وزيارة آيا صوفيا، فلن يرى أي اختلاف عن كونه متحفا أو مسجدا أو كنيسة، فالثلاثة ممكن الاستمتاع بها بدون أي حساسية أو فتنة أو إثارة مشاكل عرقية ودينية.
وأنا من الذين زاروا هذا الصرح المعماري المميز بالهندسة والفنون والتشكيل والعمارة الاوروبية الفائقة الجمال، وشاهدت أناسا يصلّون أوقاتهم الخمسة بدون أي ازعاج، وشاهدت أناسًا يصورون التحفة المعمارية ويأخذون الصور التذكارية أيضا بدون أية مضايقات. ومعروف أن ٤٥ بالمئة من دخل تركيا هو من السياحة؛ فلماذا هذا الاستعداء للجميع؟ ولماذا حتى كل هذه المسرحية السياسية الابتزازية لأوروبا والعالم المسيحي؟ فلا الاسلام سيزداد عددًا بالمساجد والمصلين بإرجاعه مسجدًا ولا ذلك سينقص من عدد الكنائس أو روادها. إذًا الأمر ما هو إلا فبركة سياسية محضة، الهدف منها أنه سيقول أنا أردوغان الخليفة المنتظر.
هنا ومع الأسف نرى نسبة لا بأس بها أصابها عمى البصيرة وانجرفت مع وهم الخلافة المزعومة. ونسيت هذه الفئة وغيرها ممن هم متأسلمون بالهوية فقط أن هذا النظام العثماني ومنذ معاهدة ١٩٢٣وهو يعد العدة لإحياء الإمبراطورية العثمانية ولو كان ذلك على حساب دماء الكرد والعرب والأرمن والسريان. وما المجازر التي قام بها الانكشاريون والعثمانيون والأتراك لازالت الشواهد التاريخية تحكي ذلك.