الحدث – القاهرة – بقلم / الكاتبة: نادية حلمي*
– مقدمة (تأثير المتغيرات الجديدة فى النظام العالمى نهاية التسعينيات على إتجاهات دراسة السياسات الخارجية للدول)
تتأثر السياسات الخارجية بين الدول نظرياً بكل ما يحدث في العالم اليوم إما (سلباً أو ايجاباً او وقوفاً على الحياد) في بعض الأحيان، وشهدت العلاقات بين الدول تجاذبات كثيرة وتغيرات أكثر، إنسجاماً مع المعطيات والأحداث والكوارث والأزمات والمستجدات، فكانت الحروب وتبعاتها ومخلفاتها ونتائجها، ربما من أكثر العوامل تأثيراً فى مجال السياسة الخارجية وإدارتها بين الدول، وقد شهد العالم أحداثاً كثيرة ساهمت في تشكيل (الأحلاف الدولية والإتحادات ومجالس التعاون) وغيرها بما يخدم مصالح الدول على مختلف مستوياتها().
ونشأت تبعاً لذلك ما يسمى بــ (الحرب الباردة وسباق التسلح ثم تبعها تحالفات الحرب ضد الإرهاب ثم ظهرت بعض المنظمات الدولية) لتلبى متطلبات ومسيرة هذا العالم، وتحافظ نوعاً ما على (إيجاد التوازن) المطلوب عندما تشتد وتيرة الخلاف بين الدول، وعندما تتفاقم الحروب البينية أو الصراعات الداخلية، وكثيراً ما تتعرض السياسات الخارجية لبعض الدول إلى إنتكاسات بسبب (إختلاف المصالح أو الأطماع فى السيطرة والهيمنة وتوسيع النفوذ المادى والمعنوى)، فقد أكدت إدارة عمليات وعلاقات السياسات الخارجية لكافة الدول بأن عدو اليوم صديق الغد والعكس صحيح().
أن (تطور السياسات الخارجية للدول فى كل فترة زمنية يؤثر تأثيراً كبيراً على فهم وتحليل هذه السياسات)، لذلك كان من المتصور أن كل منظور أو آلية جديدة لإدارة سياسات الدول الخارجية يبرز كرد فعل للإنتقادات التى توجه للمنظور الذى ساد من قبله فى فترة سابقة، وفى ظل أوضاع دولية مختلفة تطورت على نحو أبرز هذه الإنتقادات، أو التحديات، أو التساؤلات حول مدى إطلاقه، ومدى إستمرار صلاحيته لوصف وتفسير الأوضاع الدولية المتطورةوالراهنة، ومن ثم يتبلور (بديل جديد يتحقق حوله قدر من الإتفاق يرقى به إلى مرتبة المنظور السائد والسياسة المتفق عليها لإدارة عملية السياسات الخارجية بين الدول).
وفيما يتعلق بإدارة مصر لسياساتها الخارجية مع أثيوبيا والدول الأفريقية بخصوص (أزمة سد النهضة) فى أثيوبيا وموقف القوى الإقليمية والدولية من (جهود الوساطة بين مصر وأثيوبيا)، نجد إغفال علاقات مصر وتهميشها فى الفترات السابقة للدول الأفريقية، فقد كانت (السمة السابقة للسياسات الخارجية المصرية هو التهميش المصرى وتقزم فىعلاقاتها بالإتحاد الأفريقى والدول الأفريقية)، ونجد أنه بعد بيان (3 يوليو 2013) والذى أنهى رسمياً حكم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، شهدت مصر (تجميد عضويتها من قبل منظمة الإتحاد الأفريقى)، ومن ثم علاقات متوترة مع دول القارة الأفريقية وأثيوبيا بخصوص عدة ملفات، ثم إستطاعت مصر تغيير موقعها من (تجميد العضوية فى الإتحاد الأفريقى، بعد زيارة لجنة الحكماء التابعة للإتحاد برئاسة رئيس مالىالسابق ألفا عمر كونارى، وصولاً إلى حصولها على رئاسة الاتحاد الأفريقى لسنة 2019) ().
وقد قام (الرئيس السيسى بعدد كبير من الزيارات للدول الأفريقية، وعقد 120 إجتماعاً مع قادة ومسؤولين أفارقة خلال زيارتهم لمصر أو على هامش المؤتمرات التى شارك فيها)، ويعتبر ذلك (مؤشراً هاماً فى التحول الجذرى فى سياسات مصر تجاه أفريقيا من خلال تكثيف الزيارات والإجتماعات رفيعة المستوى) حيث مثلت تلك السياسة أثراً فى (إستعادة مصر دور الحضور داخل عضوية منظمة الإتحاد الأفريقى)، هذا المدخل كان له تداعياته فيما يتعلق بـــ (أهمية الشقالقانونى وجهود الوساطة والتفاوض الدولى فيما يتعلق بإدارة مصر لعلاقاتها مع القوى الإقليمية والكبرى والشركات الدولية العاملة فى سد النهضة) مقابل إصرار وتعنت الحكومة الإثيوبية تجاه مصر والسودان.
وقد إستغلت إثيوبيا إنشغال مصر مرتين، (المرة الأولى)خلال (إنشغال مصر بأحداث ثورة 30 يونيو) حيث قام رئيس الوزراء الإثيوبى السابق (ديسالين) بوضع حجر الأساس فى 2 أبريل 2011، بعد أن تم تحديد موقعين فى منتصف 2010 لدراستهم قبل وقوع الإختيار النهائى على نفس الموقع، و(المرة الثانية) حينما أخذت أثيوبيا عدة تحركات سريعة من أجل (إبرام عقود أثيوبية مع الشركات وجمع الممولين والمتبرعين وحصلت عليه شركة إيطالية بقيمة 4.5 مليار دولار)، وقابل ذلك وجود تخبط شديد وإرتباك فى إدارةالسياسات المصرية تجاه الموضوع فى بادئ الأمر، وعدم إعطاء الأمر وزنه الحقيقى والمناسب حيئذ، مما تسبب لاحقاً فى العديد من التداعيات سلبية على سياسات مصر وعلاقاتها الخارجية().
وتعتبر أهم الفواعل حول ملف سد النهضة هى (القوى الدولية والإقليمية التى لها إستثمارات داخل إثيوبيا، مثل أمريكا والصين وإسرائيل والإتحاد الأوروبى) وبعض الدول الأخرى، وتلعب تلك القوى دوراً كبيراً فى (تشكيل وصناعة القرار الإثيوبى)، حيث أن (بعض تلك الإستثمارات الدولية والأجنبية فى سد النهضة الأثيوبى ليست ذات عائد إقتصادى فقط، فالبعد السياسى والأمنى يلعبان دوراًكبيراً فى توجيه الإستثمار وتحديد أطره وأشكاله الفنية التى تؤثر فى ديموغرافية المنطقة والأمن القومى لعدة دول بالمنطقة) ().
وسنقوم خلال دراستنا بــ (تصميم جدول توضيحى)،بالمرور على كل دولة وتوضيح (حجم إستثمارات الدول بالأرقامفى أثيوبيا، مدى إرتباط أهم القوى الإقليمية والدوليةالفاعلة والمؤثرة بسد النهضة، ثم بيان خريطة الإستثمارداخل مشروعات السد)، لأن ذلك قادر على توضيح (حجم التأثير فى صناعة القرار الإثيوبى من قبل كل دولة تستثمر فى مشروعاته).
ويمثل ملف سد النهضة (أزمة حقيقية فى السياسة الخارجية المصرية)، حيث أعلنت أثيوبيا عدة مرات (فشل المفاوضات) ثم تبعها تصريحات من الخارجية السودانية بإعلان أن المفاوضات فشلت من الجانب المصرى، ونجد هنا أن (كثرة الأطراف الفاعلة فىملف سد النهضة يعقد الملف ويحتم على مصر بناء التحالفات وآليات الضغط على الممولين)، وأن يكون لها دور فى المشروع بحيث لا يضر بحصة مصر المائية ضرراً كبيراً().
وتعد (مبادرة الحزام والطريق الصينية) الدولية،والتى أطلقها الرئيس الصينى “شى جين بينغ”ويسميها (مشروع القرن الحالى) هى الشغل الشاغل للعالم كله، فجميع الدول التى إنضمت إليها منشغلة بإجراء حسابات المكسب والخسارة والدول التى لم تنضم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تراقب هذه المبادرة، التى تمثل فى حقيقتها إعادة تشكيل لموازين القوى، للوقوف على نتائجها وآثارها عليها. وهنا يجب النظر بجدية من الجانب المصرى لدور الوساطة الأمريكية والصينية مع أثيوبيا بخصوص سد النهضة، ومراقبة موقف الصين من الولايات المتحدة التى تنظر إليها بإعتبارها تهديداً مباشراً لدورها فى النظام العالمى. مع الوضع فى الإعتبار أنه رغم إختراق الصين الكثير من دول أفريقيا لكنها ما زالت فى حاجة إلى مصر الآمنة والمستقرة فى عهد الرئيس (عبد الفتاح السيسى) لتكون نقطة عبور لدول القارة().
ويبقى السؤال: ما الذى يعود على الشركات الصينية من تمويل وبناء هذه المشروعات داخل القارة الأفريقية، ومنها مشروع سد النهضة الأثيوبى من خلال مبادرة الحزام والطريق؟، فالإجابة تكمن فى أن الهدف الأساسى من هذه المبادرة هو توسّع مجالات التبادل التجارى مع دول العالم وعلى الأخص القارة الأفريقية الفقيرة، والصين تعلم علم اليقين أنها ستظل صاحبة اليد العليا فى هذه العلاقات مع دول القارة الأفريقية ومنها أثيوبيا صاحبة سد النهضة، بحكم تفوقها فى الإنتاج ومصادر التمويل والقوة().
ومن هنا يقترح عدد من الخبراء، بأن (الجانب المصرى) بإمكانه أن يفاوض إنطلاقاً من الإمكانات الكبيرة التى يحظى بها (موقع قناة السويس)، وأن نحولها إلى (نقطة عبور لمنتجات الصين إلى دول العالم خصوصاً أفريقيا). والرد الحاسم لكل من يقول أن الصين ليست فى حاجة لمصر كبوابة لأفريقيا، لأنها إخترقت معظم الأسواق هناك، وهى من طورت موانئ هذه الدول، فالرد عليه هو أن (قناة السويس يمكن أن تضاعف ميزات المستثمر الصينى فى أفريقيا). فالصين فعلاً طورت معظم الموانئ فى دول أفريقيا، لكن صعب على المستثمر الصينى أن يأمن على إستثمارات بمئات المليارات وأن يوطن صناعاته فى دول غير مستقرة أمنياً، لكن يمكن أن يوطنها لديك فى مصر، لأنك مستقر أمنياً. فى الدول الأخرى يكتفى بمشروعات بنية أساسية يمكن تخريبها بسهولة فى أى فوضى قد تعم فى بعض هذه الدول، أما مصر فهى مستقرة أمنياً، ويمكن من خلالها أن (يصل الجانب الصينى إلى كل دول أفريقيا عبر مصر بنصف تكلفة إرسال بضائعه من الصين إلى هذه المنطقة)().
ومن هنا، فصانع القرار والمفاوض المصرى عند ترجيح كفة الوساطة الأمريكية أم الصينية، فإن أمامه (ثلاث سيناريوهات) للتعامل مع أزمة سد النهضة، ومنها: إحتواء الحذر الأمريكى تجاه التعاون الصينى فى المنطقة، أو البقاء على الحياد دون أن تكون مصر طرفاً فى التصعيد بين الجانبين الصينى والأمريكى، وأخيراً، يجب على صانع القرار المصرى إعتبار ذلك فرصة لتقييم التعاون الصينى مع دول القارة الأفريقية، وعلى رأسها أثيوبيا كدروس تستحق الدراسة.
ويقترح الجانب الصينى تعظيم الفائدة المصرية من مبادرة الحزام والطريق لتقوية علاقات مصر بأفريقيا وأثيوبيا على الأخص، وذلك عبر (إنشاء خط سكة حديد بالصحراء الغربية يربط مصر بشمال السودان إلى الدول الأفريقية الحبيسة كتشاد، وأفريقيا الوسطى وأثيوبيا). ويمكن أن يمتد هذا الخط إلى بتسوانا، أو قد يتكامل مع الخط المزمع التوسّع فيه من كينيا إلى رواندا، وبوروندى، وجنوب السودان().
ويمكن أيضاً أن (يُطرح مشروع إقليمى من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية فى إطار مشروع أوسع لربط القارة الأفريقية بخطوط سكك حديدية يتكامل فيها طموح القوى الأفريقية مع الجانب المصرى)، خاصة أنها تطرح نفسها كمحور لتلاقى خطوط السكك الحديدية لغرب أفريقيا مع وسط أفريقيا، ومن ثم تستفيد الدول الحبيسة أيضاً كأثيوبيا وتنمو حركة التبادل التجارى بينها.
فالدول الأفريقية التى تشملها المبادرة لا تزيد على عشر دول يشملها الطريق البحرى “طريق الحرير” وتحرم الدول الحبيسة، مثل (أثيوبيا) من الإنضمام إلى المبادرةبشقها البحرى().
– المشكلة البحثية وتساؤلات الدراسة:
تعد السياسات الأثيوبية لجذب العديد من (القوى الدولية والإقليمية والشركات الدولية التابعة لتلك الدول وتشجيعها للإستثمار فى سد النهضة، مثل الشركات الأمريكية، الصينية، التركية، الإيرانية، الإسرائيلية، دول من الإتحاد الأوروبى “ألمانيا وإيطاليا”، شركات خليجية،…. إلخ)، ويبدو ذلك من أشكال التعاون المتنوعة بينهموبين النظام الأثيوبى والتى إمتدت إلى المجالات السياسية والإقتصادية والثقافية وهو الأمر الذى بات مثار جدل عالمى حول حجم ومستوى العلاقات الأثيوبية الدولية، حيث تولى القوى العظمى كــ (الصين والولايات المتحدة) إهتماماً خاصاً بالقارة الافريقية ولا سيما (دول شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقى التى تقع أثيوبيا فى القلب منها) لما لها من تشابكات ونفوذ للسيطرة على مجمل التفاعلات الأفريقية، وكذلك للتجمعات الإقتصادية الإقليمية بالقارة الأفريقية مثل (تجمع الكوميسا الذى يضم 380 مليون مستهلك)().
* ومن ثم يكون التساؤل الرئيسي لهذه الدراسة: ما هىتوجهات السياسة الخارجية الأثيوبية تجاه القوى الدولية والإقليمية والشركات الدولية العاملة والتى لها إستثمارات داخل سد النهضة الأثيوبى؟ ويتفرع عن هذا التساؤل الرئيسىعدد من التساؤلات الفرعية، كالآتى:
1- ما هى طبيعة العلاقات الأثيوبية بتلك القوى الدولية وحجم الإستثمارات الدولية العاملة فى سد النهضة الأثيوبى؟
2- ما هى توجهات السياسة الخارجية الدولية تجاه القارة الأفريقيةوأثيوبيا، خاصةً فى مجال السدود المائية لتوليد الطاقة والكهرباء؟
3- كيفية تطور العلاقات الدولية مع الدول الأفريقية وأثيوبيا خاصةً علاقات القوى العظمى كالصين والولايات المتحدة الأمريكية؟
4- ما هى الآليات التى يمكن أن تتبعها الصين لتعزيز علاقات التفاوض والوساطة بين مصر وأثيوبيا عبر (مبادرة الحزام والطريق)؟
5- ما هى التحديات التى تواجه العلاقات المستقبلية المصرية الصينية الأفريقية والدولية فيما يتعلق بإدارة مسائل التفاوض إزاء ملف سد النهضة الأثيوبى؟
– منهج الدراسة:
يمكن القول أن الإقتراب المنهجى المناسب لبحث هذه الإشكالية التي تثيرها الدراسة ومحاولة البحث عن إجابات للتساؤلات التي تطرحها، هو (منهج “المصلحة القومية” أو الوطنية للدول)، كمنهج رئيسى فى دراستنا حيث تعد (مصالح الدول هى المحرك والمؤشر والدافع الرئيسى وراء إستثماراتها فى مشاريع سد النهضة الأثيوبى)()، بالإضافة إلى الإستعانة بإقتراب “تحليل الأحداث“، والذى يقوم بتحليل المواقف فى إطار العلاقات الدولية على مقياس التعاون والصراع بدرجات يُستدلُ منها على شدة الموقف أو تحسّنه، إلاّ أنه لما كانت هذه الدراسة تتناول البيئة الدولية الإقليمية للعلاقات بين الصين والقارة الافريقية، فإنه يكون من المناسب كذلك إستخدام إقتراب “تحليل النظم” System Analysis Approach الذي بلوره وطوّره عالم السياسة الأمريكي “ديفيد إيستون” ويقوم على دراسة البيئات المختلفة للظاهرة السياسية والمؤثرة فيها من خلال نموذج المدخلات والمخرجات الشهير().
– أهدف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى بيان طبيعة السياسة الخارجية الدولية تجاه القارة الأفريقية وأثيوبيا وحجم إستثماراتها فى سد النهضة وتأثيرها سلبياً على الجانب المصرى، ومن ثم تتعدد أهداف الدراسة، ومنها:
1- تحديد توجهات السياسات الخارجية للقوى الدولية تجاه القارة الافريقية وأثيوبيا
2- معرفة كيفية تطور (شبكة العلاقات الإستثمارية الدولية بسد النهضة وأهم مشروعاتها العاملة) هناك، وحجمها ومدى التنوع فى إستثماراتها، ومدى إستفادتها
3- تحديد (دوافع السياسة الخارجية للدول والشركات الدوليةتجاه بناء السدود والإستثمارات) فى القارة الأفريقية وأثيوبيا
4- معرفة التحديات وطبيعة الأدوار المستقبلية للصين فى إدارة ملف التفاوض بين مصر وأثيوبيا لحل إشكالية سد النهضة عبر (مبادرة الحزام والطريق) الصينية
– مصطلحات الدراسة:
تعتمد الدراسة بالأساس على مفهوم السياسة الخارجية، وهذا يتضح فيما يلى:
تتعدد تعريفات السياسة الخارجية، مما يعكس تعقيد الظاهرة السياسية الخارجية وصعوبة التوصل إلى مجموعة الأبعاد التى تندرج في إطارها، فــ (السياسة الخارجية لا تحدد طبقاً لتشريعات ملزمة كما هو الحال فى السياسة الداخلية)، ولا يمكن التعرف عليها من خلال مجموعة من المؤشرات التى قد تعطى نتائج متناقضة تجعل من الصعب التعرف على السياسة الخارجية للدولة، هذا بالإضافة إلى أن (السياسة الخارجية للدولة الواحدة تتفاوت بتفاوت من يتم التعامل معهم وتفاوت قضايا التعامل الخارجى، فقد تتبع الدولة سياسة خارجية تعاونية بالنسبة لقضية معينة مع دولة معينة، وسياسة أخرى صراعية بالنسبة لقضية أخرى مع الدولة ذاتها)، ولهذا تتعدد إتجاهات تعريف السياسة الخارجية().
“برنامج العمل العلنى الذى يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة البدائل البرنامجية المتاحة من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الخارجى”
وطبقاً لهذا التعريف، فإن السياسة الخارجية تتضمن مجموعه من الأبعاد الأساسية وهى: الطابع الأحادى: فالسياسة الخارجية تنطلق من وحدة دولية واحدة، والطابع الرسمى: فالمسئولون الرسميون فى الدولة هم الذين يصوغونها، والطابع العلنى:فالسياسة الخارجية تنصرف إلى برامج العمل الخارجي المعلنة، والطابع الاختياري: ويعني أن السياسة الخارجية يتم اختيارها من سياسات بديلة محتملة، وتسعي السياسة الخارجية لتحقيق مجموعة من الأهداف وتعبئة للموارد المتاحة لتحقيق تلك الأهداف، والطابع الخارجى: أى أن السياسة الخارجية تسعى إلى تحقيق أهداف إزاء وحدات خارجية().
– أولاً: أسباب التوجه الصينى إلى أثيوبيا والقارة الأفريقية؟
– ثانياً: الشراكة الصينية – الأثيوبية من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية
– ثالثاً: فوائد وحدود سد النهضة الأثيوبى مع الدول المجاورة
– رابعاً: القروض الصينية لأثيوبيا لبناء سد النهضة الأثيوبى
– خامساً: دور الشركات الصينية فى بناء السدود فى أفريقيا
– سادساً: الأنشطة والاسهامات الصينية المتنوعة فى أثيوبيا
– سابعاً: عرض لدراسات أمنية وأكاديمية مختلفة ترصد مظاهر أخرى للتغلغل الصينى فى أثيوبيا بما يقوض الدور الأمريكى للوساطة مع أثيوبيا ما لم يكن هناك دور حقيقى للصين
– ثامناً: التنافس الصينى الإسرائيلى للإستحواذ على الإستثمار فى أثيوبيا
– تاسعاً: النفوذ التركى فى أثيوبيا
– عاشراً: تنافس الشركات الصينية مع الشركات الدولية العاملة فى سد النهضة فى أثيوبيا، وتنقسم إلى (3 نقاط)، كالآتى:
أ) التنافس الصينى – الفرنسى – الإيطالى- الألمانى
ب) النفوذ الأمريكى ضد الصينى فى المشروع “إكس” السرى
ج) تواجد الإتحاد الأوروبى فى مواجهة الصين
– الحادى عشر: جهود الوساطة الأمريكية بين مصر وأثيوبيا فى أزمة سد النهضة، وسيتم تناول (3 عناصر)، كالآتى:
أ) أسباب طلب الجانب مصر لوساطة واشنطن مع أثيوبيا
ب) بيان البيت الأبيض حول أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا
ج) مظاهر التحالف بين أثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية
– الثانى عشر: كيف يمكن أن تساعدنا الصين عملياً فى مواجهة بناء أزمة سد النهضة فى أثيوبيا؟ (مقترحات عملية مقدمة لصانع القرار الصينى)
– أولاً: أسباب التوجه الصينى إلى أثيوبيا والقارة الأفريقية؟
بعد الإنفتاح الصينى على القارة الإفريقية والتوجه إليها إقتصادياً عبر القوة الناعمة، حيث ضخت الصين أموالا طائلة عبر شراكة إقتصادية كانت افريقيا بحاجة لها خاصة وأن الصين إستعملت مع القارة الإفريقية أسلوب ذكى تحت مسمى تعاون فى إطار ما يسمى (شراكة جنوب / جنوب). والأكيد أن المخططون الإستراتيجيون الصينيون لم ينطلقوا من فراغ، بل كان كل شىء مدروس وفق العقلية الصينية البراغماتية. وبالتالى فإن صناع القرار والمخططون الصينيون كانت لها نظرة مستقبلية وبُعد نظر فى تحقيق إستراتيجية متكاملة متعددة الجوانب. فالصبر والمرونة التى تبديها الصين إنما هى إستراتيجية بعيدة المدى. وعلى مدار سنوات طويلة حين (تعمق جيل من المفكرين الإستراتيجيين الأمريكيين بكتابات المنظرين العسكريين الصينية الكلاسيكيين، ويعتبر العديد منهم أن السكون السياسى الصينى الحالى هو علامة على الصبر وليس دليلاً على نوايا حميدة، وبقراءتهم للتاريخ الصينى يجدون أن القاسم المشترك فى الفكر الصينى ليس التكيف الهادئ بل المواجهة فى الوقت المناسب). كما أن الرئيس الصينى الراحل “دينغ شياو بينغ” قال:
(لا يجب علينا مهما كانت الذريعة أن نكون فى الطليعة، هذه سياسة وطنية أساسية، ومع ذلك من المستحيل أن لا نقوم بشىء فى الشؤون الدولية)
إن حماية المصالح الصينية الإقتصادية والتنموية والإستثمارية والبشرية المتعاظمة فى أفريقيا وحماية طرق الإمدادات للثروات المعدنية والنفطية القادمة من أفريقيا بإتجاه الصين والرغبة الصينية فى إحياء طريق الحرير، وإنسجاماً مع إستراتيجية (حزام واحد، طريق واحد)().
يمكن القول أن سبب تحول الصين نحو القارة الأفريقية إنما كان ضرورة حتمية إستكمالاً للإستراتيجية الصينية المتعددة الجوانب تجاه أفريقيا. وأن غياب أى جانب كان سيؤثر على بقية الجوانب الأخرى، ثم إن الدول تراعى مصالحها أولاً ومن مصلحة الصين ليس فى أفريقيا فقط بل فى العالم كله بإعتبارها قوة عالمية بات العالم يعترف بها. فإنه من البديهى أن تكون للصين حضوراً عسكريا فى أفريقيا ليس بالضرورة عدوانياً، ولكنه قد يتخذ أشكال التعاون مع دول القارة، خاصةً وأنها تعانى كثيراً من النزاعات الداخلية التى أثرت على تنميتها. فلقد تغيرت كثيراً من المعطيات الدولية وبات لزاماً على الصين التكيف معها ومجاراتها. ولكن يجب التأكيد بأن الصين لن تصل إلى ما وصلت اليه الولايات المتحدة من الإنتشار العسكرى العالمى فى المدى المنظور، فميزانية أمريكا تتجاوز 1000 مليار دولار سنوياً ولها ألف قاعدة عسكرية منتشرة عبر العالم، فى حين أن ميزانية الصين لا تتعدى 175 مليار سنوياً، وقواعدها العسكرية الخارجية قليلة. والتواجد الصينى العسكرى يزداد فى القارة الأفريقية خاصةً مع رغبة الافارقة فى تنويع الشركاء الدوليين فى المجال العسكرى والصين تعد أحد أفضل البدلاء حالياً للأفارقة().
– ثانياً: الشراكة الصينية – الأثيوبية من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية
كان هناك إهتمام صينى فى الصحف الصينية برئيس الوزراء الإثيوبى (آبى أحمد) بحضوره (منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولى الثانى، الذى عقد فى بكين فى شهر إبريل 2019)، وهو ما أكده السفير الصينى لدى أثيوبيا (تان جيان)، مع تصريح (نيبيات غيتاتشيو) المتحدث بإسم وزارة الشؤون الخارجية الإثيوبية، لوكالة أنباء (شينخوا) بأن: “إثيوبيا والصين تتمتعان بالفعل بعلاقات متعددة الأوجه، والتى من المتوقع أن تواصل تعززها خلال الفترة المقبلة“.
وقال “غيتاتشيو” إن “إثيوبيا تعد شريكاً قوياً للصين في القارة الأفريقية. وحضور إثيوبيا فى منتدى الحزام والطريق الثانى للتعاون الدولى هو دليل آخر على العلاقات الثنائية القوية”.
كما أعربت (كافة الدول الواقعة فى شرق أفريقيا، التى دأبت على التعاون مع الصين فى تنفيذ مبادرة الحزام والطريق)التى إقترحتها الصين، مؤخراً عن إهتمامها الشديد بالعمل بقوة أكبر لتنفيذ اتفاقات موقعة بين أثيوبيا والصين.
وتعهد السفير الأثيوبى الجديد لدى الصين (تيشومى توغا تشاناكا) فى شهر فبراير 2019 بالعمل فى مجالات اهتمام مشترك ذات أولوية، بما في ذلك منتدى التعاون الصينى الأفريقى (فوكاك) ومبادرة الحزام والطريق التى اقترحتها الصين().
ونقلت (وزارة الشؤون الخارجية الأثيوبية) تصريحات(السفير توغا) فى شهر فبراير 2019 بأن:
“إثيوبيا أكثر إلتزاماً من أى وقت مضى بالتطبيق والإنجاز الكامل للإتفاقيات التي أبرمتها مع الصين وإنجازها بشكل رئيسى من خلال منصة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين أثيوبيا والصين، ومنتدى التعاون الصينى الأفريقى، ومبادرة الحزام والطريق”
ويهتم الجانب الصينى بموقف مصر من ملف سد النهضة، ويقدر جهودها فى إيجاد الحل عبر المفاوضات، ويأمل من الأطراف المعنية التوصل إلى اتفاق عبر التشاور الودى، بما يحقق المصالح المشتركة. وفيما يتعلق بموضوع مشاركة الشركات الصينية فى بناء سد النهضة الذى تذكره التقارير الإخبارية المعنية، لقد أبدى الجانب الصينى موقفه بوضوح، بل أن هناك رغبة صينية حقيقية فى إنشاء خط سكة حديد يربط مصر بـ “الدول الحبيسة” التى لا تطل على البحار، وعلى رأسها أثيوبيا، لتحقيق التقارب السكانى والجغرافى بين الشعبين المصرى والأثيوبى. كما أكد سفير الصين بالقاهرة السيد/ لياو لى تشيانغ، بأن:
“العلاقات الصينية – المصرية تشهد طفرة كبيرة فى العديد من المجالات، مما يعزز التعاون المشترك ويحقق التنمية فى إطار مبادرة “الحزام والطريق”
وتشهد (العلاقات الصينية- الأفريقية) أزهى عصورها وخصوصاً مع انطلاق مبادرة “الحزام والطريق” التى حفزت الدول الأفريقية على الإلتحام مع الصين بشكل أعمق لتحقيق الهدف المنشود المتمثل فى التنمية للجميع والرفاهية للجميع والمستقبل المشترك. حيث أن مبادرة “الحزام والطريق” قائمة على التعددية والعدالة مع الإلتزام بمبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول بما يتماشى مع أجندة أفريقيا 2063 وجلبت فوائد كبيرة لدفع النمو الأفريقى فى شتى المجالات.
كما تستهدف المبادرة الصينية (المساهمة فى دعم إنشاء الموانئ والطرق والمطارات وباقى المنشآت والخدمات اللازمة لتسهيل حركة التجارة نحو أىمكان فى العالم)، بغض النظر عن كون الدولة المشاركة فى المبادرة صغيرة أو كبيرة، فقيرة أو غنية. المبادرة تلبى مطالب دول كثيرة عانت من التهميش خلال عقود طويلة سابقة دون أن تستطيع اللحاق بركب النهضة الصناعية السابقة أو المساهمة في حركة التجارة العالمية().
إستفادت القارة الأفريقية من مبادرة “الحزام والطريق” كثيراً ولا سيما فى مجال البنية التحتية حيث تعد الصين أكبر مستثمر في البنية التحتية في القارة السمراء التي تحتاج ما بين 120 مليار و140 مليار دولار أمريكى سنوياً فى هذا المجال.
وحققت الصين العديد من الإنجازات بالفعل من خلال إنشاء العديد من خطوط السكك الحديدية فى أفريقيا حيث قامت الصين بتمويل وبناء (خط سكة حديد مومباسا – نيروبى الذي يربط بين ميناء مومباسا والعاصمة الكينية نيروبى).
فقد عانت العديد من الدول الأفريقية من عدم وجود موانئ خاصة بها ما انعكس سلبا ًعليها وأسهم برفع تكلفة وصول البضائع إليها بشكل كبير إلا أن (إنشاء الصين للعديد من خطوط القطارات أتاح إمكانية الوصول للموانىء القريبة من هذه الدول ونقل البضائع من الموانئ إليها)، مما خفض بالتالى الوقت المستهلك وقلل من تكلفة النقل بصورة كبيرة الأمر الذى سينعكس إيجابياً وبشكل جيد مستقبلاً على حركة التجارة والنمو().
وتأتى مشاركة الصين الفعالة فى إنشاء وتجديد العديد من الموانئ الأفريقية بما فى ذلك (ميناء مومباسا والتى تدعم التجارة المحلية والتجارة بين البلدان الأفريقية والعالم) حيث أن العديد من الدول تلك كانت تعانى من قلة الموانىء أو عدم تطورها بشكل مناسب، ما أعاق إمكانية وصول البضائع بسهولة ورفع تكلفة الشحن من خلالها ولذلك كان لابد من الإتجاه إلى إنشاء العديد من الموانىء الجديدة لخدمة الزيادة المتوقعة فى حجم التجارة فى دول القارة الأفريقية.
وقدمت الصين العديد من المساهمات الأخرى للقارة السمراء من خلال مشاركتها فى العديد من المشاريع الأخرى فى مجالات الإنترنت والإتصالات حيث قامت الصين بــ (تمويل وبناء شبكة أساسية للإرسال تعمل بتكنولوجيا الألياف البصرية فى تنزانيا)، تغطى المقاطعات والمدن الرئيسية فى البلاد، وتربطها بست دول مجاورة.
وعززت مبادرة “الحزام والطريق” من زخم الإستثمار فى أفريقيا من خلال مشاركة العديد من المؤسسات المالية الصينية والعالمية فى دعم المبادرة مثل (البنك الآسيوى للإستثمار فى البنية التحتية، صندوق طريق الحري، وبنك التنمية الجديد لدول “بريكس”، المصرف الزراعى الصينى) وغيره من المصارف الصينية.
ولعبت المؤسسات المالية الصينية دوراً كبيراً فى (توفير تمويلات ضخمة لمشروعات معنية توزعت على عدد كبير من دول القارة الأفريقية) وتنوعت بين مجالات الطاقة الكهربائية وخطوط نقل الغاز والنفط والسدود وغيرها.
وبادرت الصين إستناداً إلى الدعم المالى المعزز لأفريقيا إلى تدشين عدد من (المناطق الصناعية فى البلدان الأفريقية لنقل خبرتها الواسعة وتعزيز التنمية الصناعية المحلية)، وقد أثمرت هذه المناطق الصناعية وحققت نجاحات كبيرة فى جذب الإستثمارات لهذه الدول.
ويأتى نجاح (منطقة السويس للتعاون الإقتصادى والتجارى فى مصر بجذب العديد من الشركات الصينية فى المرحلة الأولى منها)، ما شجع الصينعلى البدء فى المرحلة الثانية حيث نجحت شركة “تيدا” الصينية فى جذب العديد من الإستثمارات لها أيضاً، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، إذ شجعت الإستثمارات الصينية فى منطقة السويس الدول الأخرى على الإستثمار فيها.
وأُعلن عن بدء العمل فى (سد النهضة الأثيوبى الكبير) الذى تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار فى عام 2011، وتم تصميمه ليكون حجر الزاوية فى مساعى أثيوبيا لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة فى أفريقيا من خلال توليد كهرباء بطاقة إجمالية تبلغ 6450 ميغاوات().
تثير الأزمة الدائرة بين مصر وأثيوبيا حول سد “النهضة”الذى تعمل الأخيرة على إقامته على نهر النيل، جملة من الأسئلة حول (الدور الصينى الذى يغذى الأزمة من جهة ويحاول تقديم نفسه كوسيط للحل من جهة أخرى). ويبدو من المنطقى أن تسعى بكين التى تستثمر أكثر من 75 مليار دولار فى أفريقيا لدعم مصالحها فى المنطقة، لكن ما يثير الإستغراب هو التكتل الأفريقى النادر حول مشروع يهدد بتخفيض حصة مصر من مياه النيل.
وزار وفد صينى مصر فى يونيو 2013 لمناقشة الدور الذىيمكن أن تؤديه بكين فى حل أزمة السد الأثيوبى من منطلق العلاقات المتميزة بين الصين ودول حوض النيل. وقدمت الصين فى وقت سابق عدة قروض لأثيوبيا لدعم خططها الطموحة فى توليد الطاقة الكهربائية من بينها سد النهضة (أكبر سد للطاقة يُبنى على النيل).
وضمنت أثيوبيا قرضاً بقيمة مليار دولار من الصين فى آواخر إبريل 2013 لبناء خطوط نقل تربط عاصمتها أديس أبابا بسد النهضة. ووقعت ست من دول حوض النيل من بينها أثيوبيا على إتفاقية “عنتيبى” التى تحرم مصر من حقها فى الحصول على نصيب الأسد الذى كانت تتمتع به من مياه نهر النيل، وتمنعها من حق الإعتراض على إقامة سدود على النهر الذى تجيزه معاهدات تعود للحقبة الإستعمارية.
وتخشى مصر أن يقلص السد الجديد حصتها من المياه اللازمة لتغطية إحتياجات سكانها البالغ عددهم 100 مليون نسمة.
وأفادت إحدى الوثائق أن الصين (قدمت قرضاً بقيمة 500 مليون دولار لأوغندا لمساعدتها على بناء سد كبير لتوليد الكهرباء على نهر النيل فى منطقة كاروما)، لتعيد إحياء المشروع الذى تبلغ تكلفته مليارى دولار وتوقف عدة سنوات بسبب نقص التمويل. ويشكل المشروع الأوغندى عثرة جديدة فى طريق مصر التى تكافح لإنعاش إقتصادها المتردى وتأمين الماء والغذاء لسكان يتزايد عددهم بشكل مقلق().
وقد أكدت دولة أوغندا عن دعمها للسد الأثيوبى وقال رئيسها (يورى موسيفينى) بأن:
“أوغندا ومعها عدة دول أفريقية تحتاج للطاقة الناتجة عن السد لتنشيط إقتصادها، داعياً مصر لتقييد “تصريحاتها الشوفينية، والبدء فى مناقشات الأمر مع منظمة وادى النيل”
وتسعى القاهرة منذ سنوات الى حل أزمة السد من خلال مباحثات مع الخرطوم وأديس أبابا، لكن لم يتم التوصل حتى الآن إلى (إتفاق حول قواعد ملء وتشغيل خزان السد). وتقول أثيوبيا أنها تهدف من بناء سد النهضة الكبير إلى تأمين ستة آلاف ميغاواط من الطاقة الكهرومائية، ولا تهدف إلى تخزين المياه أو إلحاق الضرر بدول المصب. ووقع قادة مصر والسودان وأثيوبيا فى مارس 2015 إتفاق مبادئ يلزمهم بالتوصل إلى توافق من خلال التعاون في ما يتعلق بالسد. تصل حصة مصر من مياه نهر النيل، الأطول فى العالم، إلى 55,5 مليار متر مكعب سنوياً، ووفقاً للتعريف الدولى، فإن الدولة تدخل فى الفقر المائى عندما يصبح نصيب الفرد أقل من ألف متر مكعب فى السنة().
مع العلم، أن نقص خمسة مليارات متر مكعب سنوياً من المياه بعد إكتمال بناء سد النهضة سيؤدى إلى بوار مليون فدان، حيث تزرع مصر حالياً حوالى 9 ملايين فدان، وهجرة 20 مليون فرد من الأراضى الزراعية وزيادة إستيراد الغذاء من الخارج، وهذا مع إرتفاع كلفة معالجة المياه مع إرتفاع ملوحة المياه والتلوث بسبب إستخدام مياه الصرف الصحى حتى بعد معالجتها”.
وأعلنت مؤخراً وزارة الرى المصرية الوصول لـــ “طريق مسدود” إثر فشل آخر جولات المفاوضات بين الدول الثلاث فى الخرطوم.
إحتجت (وزارة الخارجية المصرية) رسمياً على مواصلة بعض الشركات الدولية لعمليات إنشاء سد النهضة الأثيوبى رغم الإختلاف الذى أعلنت عنه القاهرة فيما يتعلق بالمشروع.كما (أكدت الخارجية المصرية فى بيان رسمى)،صادر يوم الأحد الموافق 13 أكتوبر 2019، إن إجتماعاً عُقد مع سفراء ألمانيا وإيطاليا والصين، بإعتبارها الدول التى تعمل شركاتها فى سد النهضة. وفى الإجتماع عبرت مصر عن (إستيائها لمواصلة شركات تلك الدول العمل فى السد رغم “عدم وجود دراسات” حول الآثار الإقتصادية والإجتماعية والبيئية لهذا السد ورغم علمها بتعثر المفاوضات بسبب تشدد الجانب الإثيوبى)().
– ثالثاً: فوائد وحدود سد النهضة الأثيوبى مع الدول المجاورة
يقع سد النهضة الأثيوبى أو ما يعرف بإسم (غيرد) (GERD)حوالى 30 كيلومتراً إلى الشرق من الحدود بين اثيوبيا والسودان. واعتبارا من شهر مايو 2016 أعلن الجانب الأثيوبى بإكتمال بناء وتشييد حوالى 70 فى المئة كاملة من هذا السد، ومن المتوقع أن ينتهى العمل تماماً من سد النهضة فى عام 2022. ونلاجظ فى الجدول التالى (دور الفاعلين الدوليين) فى الإستثمارات المتنوعة والمتعددة المجالات فى سد النهضة الأثيوبى، نظراً للموقع الفريد لأثيوبيا (شرق أفريقيا فى منطقة القرن الأفريقى)، حيث العديد من التشابكات والتفاعلات مع مختلف القوى الأفريقية.
جدول رئيسى شامل
يوضح حجم (إستثمارات الدول والقوى والشركات الدولية العاملة فى سد النهضة الأثيوبى وأهم المشروعات والتبرعات والتكاليف القائمة)
الدولة |
حجم الإستثمار |
الصين |
يوجد ما يزيد عن (500 شركة صينية وإستثمارات تفوق بليون ونصف دولار).
تستثمر الصين فى (البنية التحتية الأثيوبية وقامت ببناء الطرق السريعة التى تربط العاصمة الأثيوبية “أديس أبابا” بجيبوتى)، كما تسيطرالصين على أعمال الطرق بواقع 60% من مشاريع الطرق.
بلغ عدد المشاريع فى سنة 2017، أكثر من (624 مشروعاً، بما يعادل 4 مليار دولار).
علاوة على توفير الصين حوالى (100 ألف فرصة عمل للعاملين الأثيوبيين) سوااء داخل مشاريعها الخاصة فى أثيوبيا أو عبر شركاتها العاملة فى سد النهضة، ونجد أن ( نصف هذه العمالة الأثيوبية تصنف بأنها ذات طابعدائم وليس مؤقت لدى المشاريع والشركات الصينية)، ويبلغ إجمالى الإستثمارات الصينية بأثيوبيا حوالى 12 مليار دولار.
|
أمريكا |
تقدم الولايات المتحدة دعماً كبيراً لأثيوبيا، وذلك (نقلاً عن موقع الخارجية الأمريكية) ذاتها، فقد قدمت الحكومة الأمريكية حوالى 870.054 مليون دولارمساعدات للجانب الأثيوبى.
وتعد المساعدات الأمريكية الرسمية لأثيوبيا بمثابة (أكبر نسبة مساعدات ومساهمات أمريكية مقدمة لدولة أفريقية) أتت عبر واشنطن لأثيوبيا.
|
الإتحاد الأوروبى |
يقدم الإتحاد الأوروبى قرابة (المليار يورو منح مرتبطة بالمشاريع التنموية فى أثيوبيا) |
إسرائيل |
تورد إسرائيل للجانب الإثيوبى (تكنولوجيا المعلومات والطاقة، حيث تستثمر فى أكثر من 187 مشروعاً، وذلك بواقع 58 مليون دولار).
كما (تعتزم إسرائيل الإستثمار الفترة المقبلة بـ 500 مليون دولار فى مجالات محطات الطاقة الشمسية والرياح لتوليد الكهرباء لدى الجانب الأثيوبى) وفقاً لما تم الإعلان رسمياً عنه.
|
السعودية |
تبلغ قيمة الإستثمارات السعودية وتحديداً تلك (الشركات السعودية الدولية العاملة فى سد النهضة)، وعلى رأسها (شركة رجل الأعمال السعودى من أصل يمنى “العامودى” بإعتباره المورد الأساسى للحديد والصلب لبناء سد النهضة) أكثر من 5.2 مليار بواقع أكثر من (294 مشروعاً سعودياً دولياً).
كما يلاحظ أيضاً وجود (إستثمارات سعودية متنوعة من قبل 400 رجل أعمال سعودى فى سد النهضة) تقدر بنحو 13.3 مليار دولار.
وقبل أن يتم القبض عليه بتهمة الفساد من قبل ولى العهد السعودى (محمد بن سلمان)، نلاحظ (تبرع رجل الأعمال السعودى اليمنى “محمد العامودى“بـ 88 مليون دولار من أجل بناء سد النهضة الأثيوبى).
|
المغرب |
عملت المغرب على (بناء أكبر مصنع للأسمدة فى أثيوبيا لينقل إثيوبيا من دولة مستوردة للأسمدة إلى دولة مكتفية ذاتياً) خلال عدة سنوات، إضافة إلى مجموعة من الإستثمارات الأخرى التى تبلغ قيمتها 5 مليارات دولار.
قامت أثيوبيا بـــ (إفتتاح سفارة لها فى المغرب) وهو ما سيحد من الخلافات عند الإتحاد الأفريقى ودور أثيوبيا فى التأثير على صناعة القرار الأفريقى، ويعتبر ذلك القرار له (إعتباراته السياسية فيما يخص علاقة مصر والمغرب حيث تقوم مصر بدعم جماعة الصحراء الجنوبية الداعمة للمغرب)، فضلاً عن حرص المسئولين المصريين على حضور إجتماعات لهم تحت مظلة الإتحاد الأفريقى وإستضافتهم فى القاهرة.
وقد يكون ذلك القرار بنقل السفارة الأثيوبية إلى المغرب له دلالات فيما يتعلق بــ (علاقات مصر بجماعة الصحراء الجنوبية)، ولكن (العوائد الإقتصاديةالمغربية الداعمة لسد النهضة أكبر من المكاسب السياسية) وهو ما لا ينفيهقط الجانب المغربى.
|
تركيا |
تستثمر تركيا فى (17 مشروعاً قيمتهم 2 ونصف مليار دولار) فيما يصل حجم التبادل التجارى 500 مليون حسب تصريح وزير الإقتصاد التركى.
|
الإمارات |
تم إنشاء (37 شركة و23 شركة تحت الإنشاء بواقع إستثمارات تقدر بنحو 3 مليارات دولار)، فضلاً عن مليار دولار تبادل تجارى.
|
قطر |
تستثمر قطر بـــ (500 مليون دولار فى مجال الأمن الغذائى) داخل أثيوبيا، فضلاً عن توريد الأغذية للعاملين فى سد النهضة.
|
ومن هنا نلاحظ، أن هناك العديد من الفوائد لكافة الدول المشاركة فى بناء سد النهضة بالنظر لضخامة حجم المشروع والإستثمارت الكبيرة به، فضلاً عما ستجنيه أثيوبيها نفسها من مكاسب جمة جراء عملية بناء السد الأثيوبى، فبنظرة شاملة على (مقدرات الحياة فى أثيوبيا قبيل بدء العمل فى سد النهضة الأثيوبى)، سنجد مثلاً أنه في عام 2012، كان حوالى 74% من الإثيوبيين لا يحصلون على الكهرباء، وأكثر من 95% يعتمدون على الحطب للطبخ والتدفئة، وبناء عليه فإن بناء السد سوف يسد هذه الثغرات حيث سيكون لديه القدرة على توليد 6000 ميجاوات من الكهرباء. وعلى سبيل المقارنة، سنجد مثلاً أن (سد هوفر) Hoover Dam فى (ولاية نيفادا الأمريكية) Nevada لديه قدرة توليد حوالى 2080 ميجاوات من الكهرباء. ويقدر البنك الدولى أن إثيوبيا يمكن أن تكسب مليار دولار سنوياً لتصدير الطاقة من سد النهضة إلى البلدان المجاورة().
– رابعاً: القروض الصينية لأثيوبيا لبناء سد النهضة الأثيوبى
حصلت إثيوبيا على قرض من الصين يقدر 1.2 مليار دولار فى عام 2013 لبناء (خطوط نقل تربط عاصمتها أديس أبابا مع أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا) التى يجري بناؤها على نهر النيل وهو المعروف بــ “سد النهضة“.
فى أبريل من عام 2013، وقعت (شركة الطاقة الكهربية الإثيوبية مع شركة المعدات الكهربية والتكنولوجية المحدودة الصينية)، إتفاقية لإقراض أثيوبيا ما قيمته مليار دولار أمريكى من أجل بناء مشروع خط نقل الطاقة الكهربية لمشروع سد النهضة الإثيوبى.
ولم تكن هذه هى المساهمة الأولى من قبل الصين، لتمويل سد في إثيوبيا، حيث أقرض (بنك الصين الصناعى التجارى) دولة(أثيوبيا) مبلغاً قدره 500 مليون دولار فى مايو من عام 2010 من أجل تمويل توربينات الكهرباء فى سد (جيبى الثالث) وهو ما يعنى توفير 80% من قيمة هذا المشروع().
وتسعى أثيوبيا من خلال تلك القروض الصينية والدولية إلى أنه وبمجرد إكتمال بناء وتشييد السد أن تصبح واحدة من أكبر(المصدرين للطاقة والقوة الرائدة في هذا المجال حول العالم)، كما تخطط أثيوبيا إلى (إستثمار أكثر من 12 مليار دولار لتسخير الطاقة من الأنهار بعيداً عن تلك المرتفعات الوعرة التى تشتهر بها أثيوبيا، ويهدف سد النهضة إلى توليد ما يزيد على 40.000 ميجاوات من الطاقة الكهرومائية) فى العقدين المقبلين. وعلى الرغم من التباطؤ الاقتصادي في الصين، نمت التجارة الثنائية بين البلدين من 3.4 مليار دولار فى عام 2014 إلى 3.8 مليار دولار في عام 2019.
وقد إستثمرت الصين بكثافة فى البنية التحتية الأفريقية والشركات العاملة هناك فضلاً عن مشروعات الطاقة الكهرومائية وبناء السدود، وتراوحت تلك الإسثمارات الصينية فى كثير من الأحيان ما بين (إقامة مشاريع وبناء العمل وتمويله، وقد أمنت الصين أيضاً بعض الصفقات للوصول إلى الثروة المعدنية الوفيرة التى تشتهر بها أفريقيا)().
وقد وقعت (الشركة الصينية لأجهزة الطاقة الكهربائية والتكنولوجية)Chinese state utility Electric Power Equipment and Technology Co. Ltd صفقة مع (الشركة الاثيوبية للطاقة الكهربائية) Ethiopian Electric Power Corporation (EEPCo) لتمويل وبناء 400 كيلو فولت و 500 كيلو فولت كى تعمل كخطوط توصيل ونقل خدمات الكهرباء الضخمة من السد إلى العاصمة الاثيوبية. وقال الرئيس التنفيذي الأثيوبى لــ(الشركة الاثيوبية للطاقة الكهربائية) السيد/ “ميهريت ديبيبى” Mihret Debebe بأن: “المشروع سيمكن إثيوبيا لتصبح “مركزاً للطاقة الخضراء” فى أفريقيا“().
وسيساعد القرض الصينى أيضاً على تمكين الجانب الأثيوبى من(بناء محطتين توزيع فرعية إضافية لإقامة وبناء السد)، مع العلم أن القرض الصينى إلى أثيوبيا كان بسعر فائدة أقل من سعر السوق.
– خامساً: دور الشركات الصينية فى بناء السدود فى أفريقيا
لعبت الشركات الصينية دوراً كبيراً فى بناء “سد النهضة” فى أثيوبيا. وتم التأثير الصينى على دول حوض النيل بطريقتين:(الأولى): من خلال تقديم الصين المهارات الفنية اللازمة، و(الثانية): من خلال الدعم السياسى واللوجيستى ورأس المال، والتى أعطت زخماً لمثل هذه البلدان الأفريقية، وعلى رأسها أثيوبيا للإسراع من تنفيذ والإنتهاء من بناء سد النهضة. وفى الوقت الذى كان فيه البنك الدولى متردداً فى تمويل كبرى مشروعات البنية التحتية المائية فى العالم النامى ولاسيما سد النهضة الأثيوبى، فإن الشركات والبنوك الصينية قد وفرت عدداً من الفرص التجارية المربحة التى ساعدت من خلالها الجانب الأثيوبى على تسخير مواردها المائية لخدمة الأهداف الصينية لبناء السد ومن هنا اتضح حجم الشراكة الحقيقية بين الصين وأثيوبيا في برامج وخطط إنشاء السد الأكثر طموحاً بالنسبة للجانبين الصينى والأثيوبى().
ولعبت شركة “صينو هيدرو” Sinohydro الصينية الرائدة عالمياً في مجال بناء السدود دوراً كبيراً لبناء (سد مروى) وتعلية (سد الروصيرص) Roseires Dam في السودان، بالاضافة إلى دور شبكات المياه والكهرباء المملوكة للدولة الصينية ذات السمعة الدولية فى المشاركة عن كثب في هذه المشاريع بمليارات الدولارات، فضلاً عن توفير قروض تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار لبناء أكبر مشروع مائي للبنية التحتية في أوغندا وهو (سد كاروما) Karuma Dam والذى وقعت أوغندا إتفاقية بشأنه فى نهاية عام 2012 مع (بنك التصدير والإستيراد الصينى) بقيمة 789 مليون دولار ويقع “سد كارما” علي نهر النيل وتبلغ قدرته حوالى 700 ميجاوات والذي يوصف بأنه من أكبر مشروعات البنية التحتية في شرق أفريقيا، ومن هنا كانت للأموال والمؤسسات العامة الصينية دوراً بالغ الأهمية فى بناء السدود فى القارة الأفريقية وإثيوبيا. كما قدم البنك التجارى الصينى القروض الضرورية لبناء (سد جلجيل) أو ما يعرف بـــ “جيبى الثالث“ Gilgel Gibe 3 damالمثير للجدل خاصة بعد (إنسحاب البنك الدولى والبنك الإفريقي للتنمية والبنك الأوروبىللإستثمار) نتيجة لوجود مخاوف بيئية وإجتماعية جراء إنشاء هذا السد().
وعلى الجانب الآخر، نلاحظ الدور الكبير لـــ (الشركة الصينية لمعدات الطاقة الكهربائية والتكنولوجيا المحدودة) A Chinese company, State Grid of China Electric Power Equipment & Technology Co. Ltd (SGCC) فى تركيب خطوط الضغط العالى لنقل الكهرباء والتى سوف تحمل الكهرباء من محطة الطاقة لتوليد الكهرباء فى سد النهضة لأنحاء متفرقة من أثيوبيا، ومن المتوقع أن تولد 6000 ميجاوات بمجرد إكتماله().
– سادساً: الأنشطة والإسهامات الصينية المتنوعة فى أثيوبيا
بشكل عام، يلاحظ أن هناك حوالى (60،000 من الصينيين الذين يعيشون ويعملون فى أثيوبيا بشكل دائم)، حيث يشاركون فى كل شىء بدءاً من العمل فى قطاعات الإتصالات وخطوط السكك الحديدية، وإنتهاءاً بتوظيف أو شراكة مع ما يصل إلى مليون مواطن أثيوبى.
وفى لقاء مع السفير الصينى لدى أثيوبيا والإتحاد الأفريقى “لا يى فان” La Yifan فى شهر يناير 2016 نشرته عدد من (المواقع الصينية)، فإن السفير الصينى لدى أثيوبيا (بدد الإنتقادات من قبل البعض بشأن سعى الصين للهيمنة على العلاقات التجارية وإستخراج الموارد والمواد الخام من أثيوبيا والقارة الأفريقية).
وقال السفير الصينى فى أثيوبيا بالنص “إن أنجولا تعد واحدة من أقوى شركائنا الاقتصاديين فى القارة فهى من بين أكبر الدول المنتجة للنفط في أفريقيا، بينما تقدم أثيوبيا نموذجاً مختلفاً، لكونها مستورداً صافياً للنفط، وعدم الإعتماد على تصدير المعادن”().
وأضاف السفير الصينى “لا يى فان” “أن الشركات الصينية بالإضافة للقروض المقدمة من الحكومة الصينية قد إستثمرت بكثافة فى أثيوبيا بسبب قوتها ووفرة الأيدى العاملة فيها والإستقرار الملاحظ فيها، فضلاً عن الإستثمار الأثيوبى الواسع فى مجالات التعليم العالى، والنمو الإقتصادى السريع بها، ولقرب أثيوبيا من أسواق الشرق الأوسط والأسواق العالمية مقارنة مع أسواق الإتحاد الأوروبى والولايات المتحدة”.
وأكد السفير الصينى فى حديثه المنشور “إن أفضل وسيلة للمساهمة في حقوق الإنسان وخلق فرص العمل والتخفيف من حدة الفقر فى أثيوبيا هو المساهمة الصينية فى بناء إقتصادها الوطنى”… كما أكد السفير الصينى “إن نسبة من المستثمرين الصينيين فى عدد من الصناعات المحلية المختلفة الأثيوبية قد وفرت فرص عمل محلية للمواطنين والعمال الأثيوبيين”. وأضاف السفير الصينى “أن ذلك يدعم عائلات بأكملها، ويساعد على التخفيف من مشكلة اللاجئين عن طريق تقليل الحاجة الإثيوبيين للمخاطرة بحياتهم للذهاب إلى أوروبا لإيجاد فرص عمل هناك”. وقارن السفير الصينى موقف الصين مع الدول الأوروبية التى كانت تميل لرعاية اللاجئين الأفارقة فى حين كانت تتجاهل الحاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة الأساسية فى أوطانهم الأفريقية من خلال بناء المصانع لهم، على سبيل المثال”.
كشف أيضاً السفير “لا يى فان” عن الدور الصينى الكبير فى بناء شبكة المواصلات فى أثيوبيا وأفريقيا حيث قال “أنه يتوقع أن يغطى خط السكك الحديدية بين اثيوبيا وجيبوتي على مسافة 656 كم الذي يجري بناؤه بتكلفة إجمالية قدرها 3.4 مليار دولار، ومعظمها من الأموال والقروض الصينية ويجري بناؤها من قبل الشركات الصينية، إلى أن تنتهىخلال عام 2025″().
ولعل أكثر ما إستوقفنى تحليلياً خلال تلك العبارة السابقة، هو حديث الصين – ربما لأول مرة بشكل مكشوف – عن العداء بين الجانب الأثيوبي والأريتري وعن جوانب الصراع الأخرى فى القارة الأفريقية، وهو الأمر الذي كانت الصين بشكل عام تتفادى الحديث فيه مع تركيزها على العمق الاقتصادى والتجارى لدى القارة الأفريقية.
وبشكل عام، خاضت إريتريا، التي كانت جزءاً من أثيوبيا بعد (إستفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة) فى عام 1952، حرب الاستقلال الطويلة لأكثر من 30 عاماً، وحصلت على إستقلالها فىعام 1993 بعد استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، وبالتالى هو الأمر الذى حرم أثيوبيا من أى منفذ لها على الساحل حيث فقدته بإنفصال (أريتريا) عنها كما أسلفنا الذكر.
وهو الأمر الأخطر الذى إستوقفنى تحليلياً، بشأن أسباب هذا التحول الصينى من (دور القوة الناعمة فى أفريقيا) والمتمثل فى العلاقات الإقتصادية ونشر الإستثمارات والثقافة الصينية فى دول القارة الأفريقية إلى هذا النمط من التحول للعب (دور أكثر صلابةً وتدخلاً) بالحديث الصينى الصريح عن (الصراعات ومناطق النفوذ والهيمنة) فى أفريقيا.
– الصراع الثالث: هو حديث السفير الصينى لدى أثيوبيا صراحةًعن (العلاقات بين إثيوبيا والسودان وكينيا المجاورة)، بما فى ذلك مشاريع البنية التحتية التى ترتبط معهم، ولكن المسافة من موانئها لم يشجع الجانب الأثيوبى من إتخاذ تلك الطرق إلى السوق.
والمحلل المصرى يمكن أن يعتبر أن (حديث السفير الصينى لدى أثيوبيا له مغزى ودلالات واضحة بشأن أن الصين قد درست الوضع جيداً فى أثيوبيا وتسعى لاستغلاله – أو قل إستثماره لصالحها – وهو التطور الأخطر) الذى يمكن وفق تصورنا أن يؤثر فى علاقات الصين المستقبلية مع القارة السمراء.
– الصراع الرابع: هو حديث السفير الصينى “لا يى فان” La Yifan لدى أثيوبيا بشكل غير مباشر – ربما لأول مرة – عن التقارير التى تفيد بأن الصين تهدف إلى بناء أول قاعدة عسكرية أفريقية في جيبوتي، حيث طمئن السفير الصينى كافة الأطراف أن ذلك تم لضمان السلامة البحرية بالنسبة للصين فى (خليج عدن وقبالة سواحل الصومال). كما تعهد السفير الصينى فى الإطار ذاته بتقديم الصين لمساعدات مرحلية متدرجة تقدر بــ 60 مليار دولار كمساعدات للقارة الافريقية، وهى نفسها المساعدات التى تعهدت الصين بها خلال قمة الصين وأفريقيا فى (قمة جوهانسبرغ فى جنوب أفريقيا) فى ديسمبر 2015، وأكد السفير الصينى أن تلك المساعدات الصينية لن تتأثر بالتباطؤ الاقتصادى فى الصين.
ويمكن إعتبار أن حديث السفير الصينى فى أثيوبيا صراحةً عن بناء الصين لقاعدة عسكرية في جيبوتى هو قفزة وتحول كبير فى الأحداث بين الصين وأفريقيا، خاصة مع تجاهل الصين لفترة طويلة الرد على الاشاعات والاستفسارات والتساؤلات بشأن بناء هذه القاعدة العسكرية من عدمها فى جيبوتى؟
ومن خلال العرض السابق، يتضح مدى وحجم وكم المساعدات الصينية الكبيرة للقارة الأفريقية ولأثيوبيا على وجه الخصوص، خاصةً مع التحول الكبير فى الأدوار الصينية من (رضائها وإكتفائها للعب دور القوة الناعمة فقط لفترة طويلة إلى لعب أدواراً صلبة وعسكرية وسياسية داخل القارة الأفريقية) وعلى رأسها (إنشاء قواعد عسكرية) وخلافه، فضلاً عن الحديث الصينى المعلن– لأول مرة – عن حجم الخلافات والصراعات التى تشهدها القارة الأفريقية خاصة حديث السفير الصينى لدى أثيوبيا المنشور فى المواقع والصحف الصينية كاملاً عن هذه الخلافات صراحة، وحديثه عن تلك الأزمات والصراعات بين أثيوبيا وجيرانها، فى تطور كبير لمغزى العلاقات (الصينية – الأفريقية المستقبلية)، وربما نحن فى إنتظار (أدواراً أخرى وسيناريوهات تدخلية) غير مألوفة ستنتهجها الصين داخل القارة الأفريقية؟
– سابعاً: عرض لدراسات أمنية وأكاديمية مختلفة ترصد مظاهر أخرى للتغلغل الصينى فى أثيوبيا بما يقوض الدور الأمريكى للوساطة مع أثيوبيا ما لم يكن هناك دور حقيقى للصين
سلطت تقارير أمنية الضوء على التوغل الصينى فى أثيوبيا، وكيف إجتذبت العاصمة “أديس أبابا” المستثمرين الصينيين، كمدينة صناعية وإقتصادية نشطة.وتعج شوارع وطرقات “أديس أبابا“ بالسيارات كما تحفها(مشاريع البنية التحتية) على إمتداد طولها. ولكن يتخلل المشهد اللافتات الصينية التى تغطى العديد من طوابق المبانى.
وهذه اللافتات ليست إلا سمة ملفتة للنظر تميّز مشاريع البناء وتذكّر بشكل دائم بنفوذ الصين فى إثيوبيا. فقد شاركت الشركات الصينية فى بناء طريق (أديس أبابا أداما السريع) فى (تولو ديمتو). ويبلغ عدد سكان إثيوبيا أكثر من 100 مليون نسمة وتعتبر البلاد ثانى أكبر دولة من حيث عدد السكان فى أفريقيا، كما أصبحت وجهة إستثمارية رائدة خاصة بالنسبة للصين.
وقال (بادريج كارمودى) الأستاذ المشارك فى قسم الجغرافيا فى كلية “ترينتى” فى دبلن، بأن الصين هى أكبر شريك تجارى لأفريقيا. وأضاف: “لقد رأينا تعزيز مشاركة الصين في القارة وبشكل أخص ما يتعلق بمشروعات الإستثمار فى البنية التحتية الجديدة”().
وقد زاد الإستثمار الصينى على وجه الخصوص فى(منطقة القرن الأفريقى فى شرق أفريقيا) بشكل كبير على مدى العقدين الماضيين، مما ساعد فى توسيع قاعدة التصنيع والتنمية الإقتصادية.
وفى الوقت الذى تجتاح فيه اللافتات الصينية طوابق المبانى تزدهر شركاتها فى البلاد، وفقاً (لدراسة متخصصة فى العلاقات بين الصين وأفريقيا) والتى خلصت إلى أن (إستمرار البلد الآسيوى بمعدلات النمو الحالية سيجعل من بكين أكبر مصدر للإستثمار الأجنبى المباشر فى أفريقيا خلال العقد المقبل).
وإستثمرت الصين أيضاً فى (بناء سدود جديدة فى السودان وإثيوبيا ونيجيريا وإنشاء السكك الحديدية فى كينيا وتشاد وجيبوتى، وربط الطرق عبر أوغندا وزامبيا وموزمبيق).
وتعد هذه المشاريع الصينية فى البلدان النامية جزءاً من (مبادرة الحزام والطريق) الصينية لإنشاء (روابط رئيسية من خلال مشاريع ضخمة للبنية التحتية للسكك الحديدية والطرق) فى جميع أنحاء العالم.
وقد إستضافت الصين فى شهر إبريل 2019 (القمة الثانية للحزام والطريق) حيث حضر حوالي 40 من القادة الأجانب للحديث عن مشاريعهم الضخمة. ولم تكتفى الصين بالإستحواذ على مشاريع البنية التحتية، بل سعت أيضاً إلى (كسب المواطنين الأفارقة بالتقدم التكنولوجى)(). فقد تفوقت شركة “تيكنو” الصينية لصناعة الهواتف المحمولة على شركتى “آبل وسامسونج“ الشهيرتين لتكون واحدة من أشهر ماركات الهواتف فى أثيوبيا
Tenco Apple و Samsung
.
كما وفرت الشركة الصينية (هواتف رخيصة مصممة خصيصاً للعملاء الأفارقة من خلال برنامج خاص مصمم بشكل أفضل لإلتقاط درجات لون البشرة الداكنة للصور الشخصية). إضافة إلى أنها أصبحت بمثابة (أول شركة للهاتف تقدم لوحة مفاتيح باللغة الأمهرية لأثيوبيا).
وجذبت (منطقة القرن الأفريقى بشكل رئيسى الإستثمارات الصينية). ففى إثيوبيا، مولت الصين (نظام السكك الحديدية) الذى تبلغ قيمته 475 مليون دولار فى العاصمة وكذلك الطريق الدائرى الذى تبلغ تكلفته 86 مليون دولار.
وأشرفت الشركات الصينية على إنشاء أكثر من 50 ألف كيلومتر من الطرق الجديدة منذ عام 2000. وعلى رأس مشاريع الصين، يأتي (مشروع سكة حديد إثيوبيا – جيبوتى) بطول 750 كم وبتكلفة 3.4 مليار دولار الذىأفتتح فى عام 2016. كما وفرت حوالى 70 % من الأموال من قبل بنك “إكس مين” الصينى.
Exmin
ووصل الأمر أن عينت أثيوبيا (ضباط إتصال ناطقين بالصينية لتسهيل الإستثمارات التي تأتى بها بكين) للبلاد. فعلى سبيل المثال، يقع على بعد ثلاثين كيلومتراً عن (مطار بولى الدولى) فى العاصمة الأثيوبية“أديس أبابا“، توجد (حديقة صناعية حديثة تدعى بحديقة صناعية شرقية، يقع فيها مصنع للأحذية لمجموعة هواجيان الصينية المتقدمة عالمياً فى صناعة الأحذية الحريمى، حيث يعمل الكثير من الأثيوبيين)(). هذا ويعد إنتاج الأحذية عمل ومجال جديد فى أثيوبيا. ورغم أن تكلفة الأيدى العاملة الأثيوبية رخيصة، فإن الفعالية والمهارة في الإنتاج هناك أقل من فعالية الأيدى العاملة الصينية. فى هذا السياق، لم تكن جودة الأحذية عالية. ومن أجل تحسين قدرة الإنتاج للعمال المحليين، إتخذت مجموعة (هواجيان) بعض الإجراءات لتدريب وإعداد العمال المحليين، منها بناء غرفة التدريب الخاصة ودعوة الخبراء الصينيين المميزين لنقل وتعليم التقنيات للعمال المحليين وإختيار العمال الممتازين لتدريبهم بمقر المجموعة فى “دونغقوان” وبالمدرسة الفنية فى مدينة “قانتشو”الصينية لتعلم التقنيات المعنية ومهارات إدارة المصنع واللغة الصينية. في الوقت الحالى، تتولى دفعات من العمال العائدين إلى أثيوبيا مسؤولية الإدارة فى المصنع.
ومنذ بدء العمل فى عام 2012، يبلغ عدد العمال الذين يعملون فى أثيوبيا أكثر من أربعة آلاف عامل، منهم أكثر من ثلاثة آلاف وثمانمائة أثيوبى. الآن، بإمكان العمال المحليين تصنيع وإنتاج الأحذية بمهارة. ينتج المصنع ستة آلاف وخمسمائة زوج من الأحذية النسائية كل يوم. ويصدر مليونى زوج من الأحذية النسائية إلى الخارج كل سنة، ويبلغ متوسط الربح 10%.
وتعد أثيوبيا مركزاً للتصنيع فى أفريقيا، فوفقاً للمعلومات المعنية، تعمل أثيوبيا على (تطوير الصناعات الكثيفة العمالة وصناعات تجهيز الصادرات). تبلغ مساحة منطقة (هواجيان- إثيوبيا للصناعاتالخفيفة) التى يجرى العمل فيها، أكثر من مائة وثلاثين هكتاراً. من المتوقع أن تدخل الحكومة الأثيوبية مؤسسات تجارية فى قطاعات الملابس والأجهزة الإلكترونية والأحذية والحقائب وغيرها من القطاعات المختلفة، للمنطقة لدفع بناء منطقة صناعية متعددة الوظائف().
وأشار البروفيسور الصينى (لين يى فو) Lin Yi Fuفى كلمته خلال منتدى (بوآو الآسيوى) فى عام 2017، إلى أن “أثيوبيا تشهد تغيرات كبيرة على الساحة الدولية بفضل مصنع (هواجيان) في هذه الدولة“. فأثيوبيا حالياً هى الدولة الأفريقية الأولى فى جذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة في مجال التصنيع سنوياً، وقد أنشأ الكثير من الشركات الدولية مكاتب فرعية لها فى أثيوبيا.
وخلال فترة إنعقاد (دورتى المجلس الوطنى لنواب الشعب والمؤتمر الإستشارى السياسى للشعب الصينى) فى مارس 2018، قال (تشانغ هوا رونغ) عضو المجلس الوطنى للمؤتمر الإستشارى السياسى للشعب الصينى، فى مقابلة مع مجلة (الصين اليوم)، بأن: “الرئيس الصينى “شى جين بينغ” أشار إلى بناء رابطة المصير المشترك للبشرية بين الصين وأبناء القارة الأفريقية”. مع تأكيد السيد “تشانغ” بأنه “يعرف جيداً إتجاه تطور مجموعة هواجيان، لذا فإنه من أجل تعزيز قوة الوطن، يجب على المؤسسات الصينية أن تتحمل مسؤولياتها“. أما الخطوة التالية، فأشار “تشانغ” إلى أنه “من المتوقع أن توظف مجموعته الصينية حوالى مائة ألف عامل أفريقى بحلول عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، ينبغى تحقيق التنمية بالفعالية العالية وإرتباط تنمية المؤسسة بتنمية أفريقيا فى نفس الوقت، وهذه الأشياء من أجل بناء رابطة المصير المشترك للبشرية بين الصين وأفريقيا”().
وقد أظهر تقرير من منظمة “ماكينسلى” فى عام 2017 بأن “نمو الإستثمار الصينى كان
مرتفعاً بشكل مستمر وبمعدل نمو متوسط بأكثرمن 52% سنوياً فى أثيوبيا“. ووجدت الدراسة أن هناك أكثر من (10 آلاف شركة مملوكة للصين تعمل فى أفريقيا)، منها حوالى 90 % مملوكة ملكية خاصة لمستثمرين صينيين.
وأمام هذه التطورات حصلت أثيوبيا على قروض ضخمة من الصين، حيث (رفعت سياسة البنوك الحكوميةالأثيوبية القروض) إلى أكثر من 12.1 مليار دولار منذ عام 2000، وفقاً لــ (مبادرة أبحاث الصين فى إفريقيا) بجامعة “جونز هوبكنز” بالولايات المتحدة.
ويرتبط الإهتمام الصينى بــ (مشاريع البناء) إرتباطاً وثيقاً، ولكن هناك تجاهل للعثرات التى وقعت فيها أثيوبيا، حيث كلفت هذه الفرص الإثيوبيين ثمناً باهظاً مع المخاوف بشأن مستقبل البلاد. فأثيوبيا (ليس لديها ما يكفى من المال أو الوقت لسداد ديون الصين). وقد دفعت الدولة الأفريقية عشرات المليارات من الدولارات فى الديون، وأفادت التقارير بأن حوالى (نصف ديون أثيوبيا الخارجية مستحقة للصين)، حيث يبلغ الدين الحكومى لبكين 59%().
وخلال عام 2018، أجرى رئيس الوزراء الإثيوبى (آبى أحمد) مفاوضات مع الصين لإعادة هيكلة الصفقات السابقة. وتوصل فى سبتمبر 2018 إلى إتفاق مع بكين لإعادة (هيكلة فترة سداد القروض المستحقة من 10 إلى 30 سنة).
وقال الدكتور (نيال دوجان) المحاضر فى (إدارة الحكومة والسياسة فى جامعة كاليفورنيا) بأنه، ونتيجة لذلك: “أصبح الأثيوبيون حريصون على الحصول على قروض مستقبلية من الصين، حيث يميل المقرضون إلى الحصول على ضمانات من الموارد وربما بعض أنواع الأراضى”. وأضاف“دوجان” بأن “الحكومة الأثيوبية تدرك الآن جيداً أن هذا الوضع قد يضع بعض الأراضى الأثيوبية فى ملكية البنوك الصينية”.
وأثارت هذه القضية تساؤلات حول (تعزيز مشاركة الصين فى البلدان النامية وظروف إستثماراتها الرئيسية). ويصفها المراقبون بأنها “فخ الديون” للدول الفقيرة التى لا يمكنها السداد().
وقال (كارمودى) بأنه على الرغم من إعتقاده بأن الصين“لا تتعمد” محاولة حبس البلدان فى الديون، إلا أنه من الواضح أن الصين تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة وأن الديون تستخدم بشكل إستراتيجى مع الرؤية الطويلة الأجل المتمثلة فى “تأمين الاقتصاد والمصالح السياسية والتأثير”.
ورغم أن الحكومة الصينية ردت على المراقبين الذين يقولون بأنها تثقل كاهل أفريقيا بالديون. حيث قالت الصحفيةالأفريقية (إيفون موراى) فى بكين بأن “مشاركة الصين فى أفريقيا تدور حول التعاون والإزدهار المتبادلين“.
ومن جانبه تعهد الرئيس الصينى “شى جين بينغ” عام 2018 بإستثمار 60 مليار دولار إضافية فى القارة الأفريقية، ولا شك أن ضخ الأموال الصينية بهذا الشكل قد حفز النمو الإقتصادى فى العديد من البلدان الأفريقية وسمح بتحديث بعض الصناعات الرئيسية التى كانت بحاجة ماسة إليها.
لكن تبقى (القروض أحد الشواغل المهمة، وكيفية دمج الصين للمواطنين الإثيوبيين فى خططها) أمر آخر. وقال “ستيفانو مانسرفيسى” بصفته أحدالمشاركين فى (منتدى أعمال الإتحاد الأوروبى فى أثيوبيا)، والذى يهدف إلى (مساعدة الإتحاد الأوروبى للشركات النشطة فى البلاد)، بأن إحدى“القضايا الرئيسية” للأثيوبيين هى الوظائف“.وقال “ستيفانو مانسرفيسى” أن “المنافسة العادلة” و “العمل الجيد” أمران مهمان ويجب أن يكون هناك ملعب متكافئ لصالح الأمم الأفريقية“.
وقال الباحث “ديدى أتسومى سارنو” أنه: “لا ترى الكثير من الإستثمارات الصينية تعزز من فرص العمل للإثيوبيين”.
وعلى أرض الواقع ، فإن الإنزعاج من هذا الأمر واضح وينتشر بشكل كبير بعد سنوات من الترحيب الحار بالصينيين. وقد إشتكى الإثيوبيون من أن العديد من خريجى الجامعات الإثيوبية يجلسون فى منازلهم بينما تستثمر البلدان الكبرى مع عمالها في بلادهم. ووفقاً لــ “ماكينسلى” فإن (ما يقرب من نصف الشركات الصينية مصدرها الشركات المحلية). ويخشى الإثيوبيون من عدم بذل حكومتهم الجهد الكافي لدمجهم فى مشاريع البلاد. فى حين شكك بعضهم فى إستدامة هذه المشاريع التى تشتد الحاجة إليها، حيث يرى البعض أن الطرق تتدهور بالفعل().
من جانبه أكد (المدير العام للتعاون الدولى والتنمية التابعة للمفوضية الأوروبية) بأنه: “صحيح أن أصدقائنا الإثيوبيين فى أثيوبيا يخبروننا أن هذه الطرق ليست دائمة … فهل يمكننا المجىء إليهموإصلاحها؟”.
وعلى الرغم من أن (المفوضية الأوروبية) ترحب بإستثمارات الصين، إلا أنها تحذر من الطريقة التى تمارس بها أعمالها فى الخارج. وقال “مانسرفيسى” أحد المشاركين فى أعمال مؤتمر (المفوضية الأوروبية الأثيوبى فى أديس أبابا)، بأنه: “لسنا صريحين بما فيه الكفاية”… لدينا إنطباع بأن هناك موجة جديدة للديون العامة تعرقل بشكل رئيسى الدول الأفريقية ونود أن نتجنبها فى يوم من الأيام، وسوف يتم إستدعاؤنا للدفع من أجل تغطية هذا الدين”().
من الواضح أن إثيوبيا فى طريقها إلى مزيد من التورط. ومع ذلك فإن الأوضح منه أن الكثير من الأثيوبيين قد سئموا بالفعل من القوة الأجنبية، بينما ينتظرون بفارغ الصبر فجراً جديداً من الفرص.
وتولت شركات المقاولات الصينية (إنشاء خطوط سكك حديدية تعمل بالكهرباء لربط جيبوتى بإثيوبيا)، لمواجهة تحول الأخيرة لدولة حبيسة قي أعقاب إستقلال أريتريا بعد حرب طويلة إستمرت ٣٠ عاماً، وخلفت نحو 12 ألف قتيل من الطرفين.
ويعد خط السكك الحديدية، الذى يبلغ طوله 756 كيلو مترًا وتكلف 3.4 مليار دولار أمريكى قادراً على الحد من الوقت الذى يستغرقه السفر بين جيبوتى وأديس بابا من سبعة أيام على الطرق إلى نحو 10 ساعات، ويمثل معبراً رئيسياً للأخيرة التى تمر 95% من تجارتها عبر جيبوتى.
بات الصينيون من أكبر المستثمرين بأثيوبيا خصوصاً(مشروعات مصانع المنسوجات والجلود)، إذ استثمرت إحدى الشركات الصينية فى عام 2016 حوالى 2 مليار دولار لبناء مصانع أحذية، بتشجيع من الحكومة الصينية التى تبرعت بـ 200 مليون دولار لبناء (مقر الإتحاد الأفريقى)().
كما تم توقيع اتفاق لبناء (ملعب دولى بين شركة هندسة البناء الصينية الحكومية ووزارة الشباب والرياضة الإثيوبية)، لبناء المرحلة الأولى من الملعب الكبير فى العاصمة بتكلفة 2.47 مليار “بئر“، ومن المتوقع أن يتم إنهاؤها فى عامين ونصف فقط.
تمتاز الشركات الصينية بإقتناصها مشروعات البنية التحتية الضخمة فى أثيوبيا حالياً، بعدما فازت بتطوير مطار أديس بابا بنحو 300 مليون دولار، وتمويل وبناء سد على نهر “تيكيزى” بمبلغ 365 مليون دولار.
وفى ظل سعى الصين لكى تكون اللاعب الأكبر فى (إنتاج الملابس عالمياً)، حاول مستثمروها الحصول على حوالى 74.3 مليون هكتار من الأراضى الزراعية الخصبة والزراعية التى تمتلكها أثيوبيا والتى يمكن زراعتها بالقطن التجارى، بعدما إتفقت بكين مع السودان على زراعة مليونى فدان منه (الهكتار يساوى ١٠ آلاف متر مربع).
وتحتل إثيوبيا (المرتبة الأولى أفريقيا في إنتاج الماشية)، مما فتح الباب للراغبين في الاستثمار بمجال صناعات الجلود واللحوم، خصوصاً فى ظل رخص العمالة بالبلاد، والتى تجعل تعطش المستثمرين للمكاسب تتغلب على مخاوفهم من الأخطار السياسية والأمنية والإنتهاكات الحقوقية والتظاهرات المستمرة لقومية “الأورمو”().
ويبلغ تعداد (قومية الأورومو) التى تسكن فى منطقة(أوروميا) التى تحيط بأديس أبابا نحو 30 مليون نسمة، وتعتبر هذه المنطقة (أكبر الولايات التسع الإثيوبية الجديدة)، ولها لغتها الخاصة وهى “الأورومو“، فى حين أن اللغة الرسمية هى “الأمهرية”.
وتراهن أثيوبيا على الصين فى تعزيز (فرص الإستثمار السياحى) بها، وهو ما بات يؤتى ثماره، إذ حصلت أثيوبيا علي 4.3 مليار دولار من السياحة فى عام 2015 بزيارة 918 ألف سائح من مختلف البلدان خصوصاً الصينيين.
الأمر ذاته تعبر عنه الصين إذ أكد سفيرها فى أديس بابا خلال الإحتفال بافتتاح (سد جيبى) الثالث، أن السد سيحسن فرص الإستثمار في إثيوبيا من خلال جذب المزيد من المستثمرين من الصين وإيطاليا وبريطانيا والهند وتركيا فى قطاعات الصناعات التحويلية.
ووفقاً لوكالة (الأنباء الأثيوبية)، فإن (سد جيبيى الثالث) هو حلقة من سلسلة من السدود تضم (جيبى الأول) القائم بالفعل وينتج 184 ميجا واط وجيبى الثانى بقدرة 420 ميجا واط، وكذلك (سد جيبى الرابع) وينتج1472 ميجاواط، و (سد جيبى الخامس) وتبلغ قدرته560 ميجا واط المخطط لهما().
*** ويبقى السؤال الملح: هل ستعرب الدول النامية عن قلقها إزاء (النفوذ المتصاعد للصين أم ستبقى صامتة) من أجل مزيد من الاستثمار؟
– ثامناً: التنافس الصينى – الإسرائيلىللإستحواذ على الإستثمار فى أثيوبيا
ينافس الصين فى أثيوبيا (إسرائيل) التى لطالما إستعملت (يهود الفلاشا) كورقة “جوكر” تخرجها وقتما تشاء، الأمر ظهر جلياً في زيارة رئيس وزراء إسرائيل(بنيامين نتنياهو) لأديس بابا، يوليو 2016، والتى وعد خلالها الأخيرة بتحويلها إلى “أكبر دولة منتجة للألبان فى العالم، ودعمها بكافّة أنواع التكنولوجيا الحديثة“.
ووفقاً لوسائل الإعلام الأثيوبية، فإن مجلس إدارة شركة الكهرباء التابعة للدولة وافق بشكل رسمى على إختيار(شركة كهرباء إسرائيل) لتولى إدارة قطاع الكهرباء فى أثيوبيا، كما تم تفعيل الإتفاقيات السابقة حول إنشاء محطات طاقة ووقود تتولى (إسرائيل) إدارتها والتى تعود إلى عام 2012.
وعقد حوالى (70 من المستثمرين الإسرائيليين) مع نظرائهم من الإثيوبيين (منتدى التعاون التجارى) فى يوليو 2016، لدعم الإستثمارات المشتركة التى من بينها شركة “ألانا بوستاش” الإسرائيلية التى تمتلك إستثمارات بحوالى 650 مليون دولار بأديس أبابا().
– تاسعاً: النفوذ التركى فى أثيوبيا
رغم أن الأتراك دخلوا على خط أثيوبيا منذ (عهد الدولة العثمانية)، لكن نفوذهم تزايد منذ عام 2013، وتحديداً بعد (سقوط نظام الإخوان المسلمين فى مصر) المدعوم من الرئيس التركى “رجب طيب أردوغان” فى مصر.
وتحظى أديس بابا بنشاط كبير من قبل (رجال الأعمال الأتراك، الذين ساهموا فى خلق 10 آلاف فرصة عمل عبر شركاتهم)، وبدعم من الحكومة التركية، فنصف إستثمارات أنقرة بأفريقيا تستأثر بها أديس بابا، التى يوجد لها (350 شركة تركية يعمل بها أكثر من 500 ألف أثيوبى، 120 منها بدأ العمل فى عام 2014)، خاصةً مع تأزم العلاقات بين مصر وتركيا، وفقاً لما أكدته وكالة الإستثمارات الأثيوبية.
وتخوض أنقرة وأديس أبابا مناقشات حول (إقامة منطقة تجارة حرة بينهما، مع زيادة الإستثمارات التركية لتبلغ نحو 3 مليارات دولار)، فى ظل إهتمام تركى بأفريقيا إذ رفعت مساعداتها لدول القارة السمراء إلى 3.9 مليار دولار، لتصبح (الخطوط الجوية التركية ثانى أكبر الخطوط فى القارة) من حيث الوجهة مسيرة رحلاتها إلى 31 دولة().
كما تحظى أثيوبيا أيضاً بوجود (مستثمرين من هولندا ينافسون الإستثمارات التركية) يصل عددهم لـ 130 يعملون فى قطاعات زراعة الخضراوات والفاكهة والزهور، وأستراليين يعملون بمجال الأمن الغذائى والتنمية الزراعية، ويابانيين فى مجال صناعة النسيج، وفرنسيين بمجال (توزيع المنتجات البترولية والفندقة)، حتى (فرقة البوب “يانيا” الإثيوبية النسائية) كانت تحصل على دعم بريطانى بنحو مبلغ 5.2 مليون جنيه إسترلينى.
وهنا، ستظل كلمة النفوذ فى إثيوبيا لمن يستثمر أكثر، فـ“الداخل الأثيوبى”، يحتاج إلى رأس المال الأجنبى سواء الأثيوبى والعربى، حتى تواصل الإستمرار، فأديس أبابا التى ركبت القطار لمحطة (جيبوتى) عبر الصين، تراهن على بلاد الشمال والشرق فى إضافة مزيد من المحطات تنهى عزلتها المائية().
– عاشراً: تنافس الشركات الصينية مع الشركات الدولية العاملة فى سد النهضة فى أثيوبيا
تشير التقديرات إلى أن أعمال السد التى بدأت فى أبريل 2011 إكتملت بنسبة 65٪. والسد هو المشروع الأهم لأثيوبيا التى يقول (البنك الدولى) أن أكثر من نصف شعبها (البالغ 100 مليون نسمة) محرومون من الكهرباء، بينما يتوقع أن يضيف السد 6.4 جيجاواط إلى طاقتها المولدة. وتتوقع إثوبيا تشغيلاً مبدئياً لوحدات توليد الطاقة من السد فى 2020، بينما يتوقع الإنتهاء من السد بالكامل فى 2022.
ومن هنا، نتأكد من أنه تستثمر القوى الإقتصادية اليوم بكثافة فىمشاريع السدود الكبيرة فى القارة الأفريقية وحول العالم. فعلى الجانب الصينى يلاحظ أنها تستثمر بكثافة فى مشروعات الطاقة الكهرمائية الجديدة فى أفريقيا أكثر من بقية دول العالم مجتمعة، ونجد أيضاً دوراً خطيرة للولايات المتحدة الأمريكية فى (جمهورية الكونغو الديمقراطية) فى إستثمار أكثر من 100 مليار دولار لإنجاز سد “إنجا الكبير” Grand Inga Dam والذى سوف يمتد على طول (نهر الكونغو) وينتج أكثر من 50.000 ميجاوات من الكهرباء بمجرد اكتماله. وفي البرازيل، نجد سد “بيلو مونتى”Belo Monte Dam الذى شيد حديثاً ليكون رابع أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية فى العالم عندما يبدأ تشغيله بالكامل بدءاً من عام 2019().
إنضمت إثيوبيا إلى صفوف بناة السدود الكبرى فى عام 2011 عندما شرعت فى بناء “سد سد النهضة الكبير”(GERD) Grand Ethiopian Renaissance Dam وذلك على نهر النيل الأزرق، وسيكون سد النهضة الأثيوبى أو ما يعرف مجازاً باسم “غيرد” ثامن أكبر سد في العالم، وسيتم إنشاء ثاني أكبر خزان للمياه على نهر النيل من خلال سد النهضة الأثيوبي، وهو الأمر الذى قوبل بمقاومة قوية من دول المصب، وخصوصاً مصر، التى تعتمد بشكل كبير على النيل من أجل بقائها، خاصةً مع تأكيدات الحكومة الاثيوبية بأن سد النهضة “غيرد” (GERD) سوف يبدأ توليد الطاقة به بشكل جزئى قريباً().
إن بناء سد النهضة الأثيوبى على النحو الذى أسلفنا الحديث عنهسيعيد تشكيل العلاقات السياسية بين أثيوبيا وجيرانها ومصر والسودان، فضلاً عن تأثيراته المتعددة على الأجيال المتعاقبة التى تقطن على ضفاف النيل وحياة الناس الذين يعتمدون عليه خاصة مع غض نظر الجانب الأثيوبى للإنتقادات الموجهة لها لبناء السد وإنتقادات خطط التشغيل والتصميم الأثيوبية خاصة من الجانب المصرى بإعتباره الجانب الأكثر تضرراً من بناء السد(). ويمكن تتبع التنافس الصينى مع القوى الإقليمية والدولية فى عمليات بناء سد النهضة، كالآتى:
أ) التنافس الصينى – الفرنسى – الإيطالى- الألمانى
بحسب وسائل إعلام إثيوبية وعالمية، فإن الشركات الدولية العاملة فى المشروع تتضمن شركة “سالينى إمبريجيلو” الإيطالية التى تتولى دور المقاول الرئيسى. كما تتضمن مجموعة شركات “ألستوم” الفرنسية التى تقوم على أعمال التوربينات والمولدات والمعدات الكهروميكانيكية، وكذلك (مجموعة الهندسة الميكانيكية الألمانية) “فويث” التى تم الإتفاق معها على توريد توربينات().
وتتضمن الشركات العاملة أيضاً (مجموعة “جو تشو با” الصينية المحدودة للإنشاءات والمقاولات)، و(شركة “فويث هيدرو شنغهاى” الصينية) التى تعمل فى إستكمال بناء محطة التوليد بالسد.
Gezhouba and Voith Hydro Shanghai
والملاحظة الجديرة بالذكر هنا، هى أنه لا يعتبر ما سبق حصراً شاملاً بكافة الشركات العاملة فى أثيوبيا التى قد تكون بعضها تعمل بالفعل ولم يرد ذكرها إعلامياً.
ب) النفوذ الأمريكى ضد الصينى فى المشروع “إكس” السرى
نجد أن السد الذى عملت الحكومة الأثيوبية على تخطيطه وتصميماته سراً تحت إسم “المشروع إكس” إعتمد فى إختيار الموقع على دراسات قام بها “مكتب الإستصلاح الأمريكى” التابع لــ (وزارة الداخلية الأمريكية)، فى الفترة بين عامى 1956 و1964.
وأجرت إثيوبيا مسحين آخرين لموقع التنفيذ فى أكتوبر 2009 ثم فى الفترة بين يوليو وأغسطس 2010 قبل أن تنتهى من التصميم فى نوفمبر 2010.
ولم تعلن إثيوبيا عن تصميم “المشروع إكس” سوى قبل شهر واحد من وضع حجر الأساس، ليتغير إسم المشروع لاحقاً إلى “سد الألفية” ثم “سد النهضة”().
ج) تواجد الإتحاد الأوروبى فى مواجهة الصين
رغم ما ورد من تقارير تفيد بتمويل الاتحاد الأوروبى لمشروع سد النهضة فقد نفى السفير (جيمس موران) سفير وفد الإتحاد الأوروبى فى القاهرة، مشاركة الإتحاد فى أى أنشطة تتعلق بتمويل سد النهضة، مبدين “إستعدادهم للتوسط لحل أزمة السد بين مصر وأثيوبيا“().
– الحادى عشر: جهود الوساطة الأمريكية بين مصر وأثيوبيا فى أزمة سد النهضة
جاء إعلان القاهرة قبولها دعوة وجهتها وزارة الخارجية الأمريكية لوزراء خارجية (أثيوبيا والسودان ومصر)للإجتماع بواشنطن للبحث فى سبل حل الخلافات بشأن سد النهضة ليشير لتزايد الدور الأمريكى فى قضية سد النهضة.
وتاريخياً، لم يتم التعبير عن الموقف الأمريكى من قضية بناء سد النهضة إلا من خلال عبارات دبلوماسية فضفاضة، مثل “نحن نعبر عن قلقنا المتزايد من التوتر حول مياه نهر النيل، ونناشد كل الأطراف العمل معا لحل الخلافات حول سد النهضة عن طريق التعاون فيما بينهم”، كما أشارت بيانات وزارة الخارجية عن القضية على مدار السنوات الماضية().
ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية على أسئلة موقع “الجزيرة نت” بخصوص دعوة وزراء مصر وأثيوبيا والسودان للاجتماع في واشنطن، إلا أن دبلوماسياً أمريكياً قال أن “الخوف من أن تلعب روسيا أو الصين دوراً كبيراً في حل النزاع حول سد النهضة هو العامل الرئيسى الذى دفع واشنطن للتدخل، خاصة مع إستضافة موسكو القمة الروسية الأفريقية”.
وكانت (موسكو) قد عرضت القيام بــ (دور الوسيط بين مصر وإثيوبيا، وهو ما سبب إزعاجاً كبيراً لواشنطن)، حيث أنها أكبر جهة داعمة للدولتين من حيث كم المساعدات العسكرية والإقتصادية الذى يتخطى مليارى دولار سنوياً(). ويمكن تتبع الجهود الأمريكية فى النقاط التالية:
ب) بيان البيت الأبيض حول أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا
لم توقّع أثيوبيا على أى من إتفاقيات توزيع حصص مياه نهر النيل، وترى أديس أبابا أنها غير ملتزمة بنصوص إتفاقيات وقعتها مصر مع السودان أو بريطانيا ولم تكن أثيوبيا طرفاً فيها. ويمكن تتبع أهم نقاط بيان البيت الأبيض بشأن أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا فى النقاط التالية:
ج) مظاهر التحالف بين أثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية
– الثانى عشر: كيف يمكن أن تساعدنا الصين عملياً فى مواجهة بناء أزمة سد النهضة فى أثيوبيا؟ (مقترحات عملية مقدمة لصانع القرار الصينى)
1- إنشاء الصين لــ (محطات ضخمة لمعالجة المياه وإستخدامها أكثر من مرة، وإنشاء محطات لتحلية مياه البحر فى مصر، وتدريب خبرائنا على تكنولوجيا ومهارات سقوط المطر بطريقة إصطناعية)، وهى ما يعرف بتكنولوجيا (الإستمطار الصناعى).
2- إستقدام خبراء من الصين لمساعدتنا فى (إعادة تدوير المياه من خلال محطات معالجة المياه المتطورة)، حتى نستخدم المياه أكثر من مرة، بمعنى تعظيم المتاح.
3- إمداد الصين للجانب المصرى بتكنولوجيا متقدمة لــ (إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى والصرف الصناعى) مرات أخرى.
4- يجب على الصين أن (تقف مع مصر وتتوسط لإنجاح مبادرتها وإقتراحها على الجانب الأثيوبى بإطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام، وإطلاق المزيد من المياه عندما يكون سد أسوان أقل من 165 متراً فوق مستوى سطح البحر)، ودعت مصر (طرفاً رابعاً) فى المناقشات بين الدول الثلاث(مصر، السودان، أثيوبيا)، والإقتراح المتفق عليه هو أن دولة الوساطة هى الصين، بالنظر للعلاقات الوثيقة بين الصين ومصر.
.
5- تعرض الصين تقديم خبراتها من الفنيين والمتخصيين في الرى والزراعة والهندسة للمساعدة فى (تشييد السد والإتفاق على التعديلات اللازمة نحو ضمان عدم تأثير السد على الحصة المائية لمصر والسودان) مع ضمان الإستفادة الإثيوبية منه فى الوقت ذاته.
6- تقوم الصين بدور الوساطة مع أثيوبيا من أجل (الإتفاق على تخصيص أراضى لمصر للزراعة بإثيوبيا وكذلك فى جنوب السودان)، ضماناً لإستفادة مصر مائياً وغذائياً من بناء سد النهضة الأثيوبى.
7- على الجانب الصينى، من خلال شركاته العاملة فى سد النهضة الأثيوبى (تقديم دراسات وافية ودقيقة لمصر حول جدوى السدود الأثيوبية على نهر النيل)، ومدى تأثير تلك السدود الأثيوبية فى حالة إنشائها على منطقة البحيرات العظمى والهضبة الإثيوبية.
8- على الجانب الصينى التوسط والمساعدة فى (تقديم التسهيلات الخاصة بعملية الإستثمار للشركات المصرية فى أثيوبيا)، مثل: شركات (المقاولون العرب والسويدى) وغيرها، وتقديم الدعم الفنى لها للتواجد بصورة أكثر فاعلية في أثيوبيا.
9- ينبغى أن يكون هناك (تعاون إستخباراتى ثلاثى بين الصين ومصر وأثيوبيا، خاصةً مع التواجد الكثيف للصينيين فى أثيوبيا الذى يقدر بأكثر من ٦٠ ألف مواطن وعامل صينى فى أثيوبيا)، من أجل حل عدد من القضايا المشتركة بين مصر وأثيوبيا، مثل: (الإرهاب والأمن والقرصنة، وملفات الحركات المسلحة) فى الصومال، وأوغندا، وغرب أفريقيا.
10- إن توفير الصين لعنصر (التدريب الإستخباراتى والعسكرى للقيادات الأثيوبية الأمنية – سواء فى الصين أو داخل أديس أبابا – يمكنه أن يرسى بعض التفاهمات لدى الجانب الأثيوبى) حول القضايا المصرية المصيرية.
11- على الجانب الصينى التوسط لدى أثيوبيا من أجل (شرح الموقف القانونى بالطريقة المثلى حول مخاوف مصر من بناء سد النهضة، وضرورة إنجاز التفاوض حول المواد المختلف عليها فى اتفاقية عنتيبى للمياه بين مصر ودول مياه النيل)، بما يحفظ الحقوق المصرية فى مياه النيل وعدم المساس بحصتها التاريخية حتى ينتهى الجانب المصرى من عملية تنظيم إستغلال مياه النهر من خلال تلك الإتفاقية.
12- قانونياً، إن التحكيم يجب أن يكون الطرفين المصرى والأثيوبى موافقين عليه وعلى الإلتزام بنتائجه وإلا فاللجوء إليه لن يجدى، ومن هنا (يمكن للصين أن تضطلع بهذا الدور لإقناع الجانب الأثيوبى بالموافقة على اللجوء للتحكيم).
13- وعملياً، وكحل واقعى لحل الأزمة بين مصر وأثيوبيا، فإنه (يمكن للصين أن تقدم مشروع للربط الكهربائى بحيث يسمح بتصريف كهرباء سد النهضة بين البلدان الثلاث “مصر- السودان- أثيوبيا“ أو تصديرها عبر الشبكة المصرية للإقليم أو لأوروبا)، ويتم بالتوازى ربطاً بالسكك الحديدية وبطريق برى يقود لخروج أثيوبيا كدولة حبيسة من عزلتها الجغرافية وصولاً إلى البحر المتوسط، والإستفادة من الموانئ المصرية.
14- ضمان الصين من خلال (ممارسة الضغط على أثيوبيا – بتدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنوياً إلى مصر)، كضمان وحيد ملزم حتى إذا ما إكتمل بناء السد فى مراحله الأخيرة.
15- قد تضغط الصين على أثيوبيا من أجل أن تقبل بــ (إطالة فترة ملء خزان سد النهضة من سبع إلى عشر سنوات)، مع الحفاظ على مستوى المياه بسد أسوان فى مصر عند 165 متراً فوق سطح الأرض.
16- على الصين أن تسعى لــ (التوسط لحل نقاط الإختلاف بين الدولتين المصرية والأثيوبية حول مدة ملء السد)، حيث ترى مصر أنها (يجب ألا تقل عن سبع سنوات، ويكون الملء موسم الفيضانات فقط)، فى حين تريد أثيوبيا ملء بحيرة السد خلال ثلاث سنوات، وإستمرار الملء طوال العام.
17- قد تقترح الصين على أثيوبيا أن (تساهم مصر بحصة فعلية فى بناء سد النهضة، والحصول على الكهرباء مقابلها لسد العجز فى الشبكة الكهربائية لدى الجانب المصرى).
18- على الجانب الصينى أن يتدخل لـــ (إجبار أثيوبيا على الموافقة على مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة والتى رفضتها من قبل)، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف (المادة الخامسة من نص إتفاق إعلان المبادئ) الموقع فى 23 مارس 2015، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دولياً للتعاون فى بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.
19- أن الصين بإمكانها أن تلعب دوراً سياسياً خطيراً لــ (الحد من النفوذ الأمريكى عند التدخل والوساطة مع أثيوبيا بعيداً عن طلب الوساطة الأمريكية من مصر لحل النزاع مع أثيوبيا)، مع تذكير الصين للجانب المصرى بأن (واشنطن هى الدولة التى هندست السد والذى كان ضمن أربع سدود أخرى، بهدف تضييق الخناق على مصر مائياً).
20- على الصين أن (تتدخل لحل الخلاف الأساسى بين مصر وأثيوبيا ووضع شروط توافقية حوله، والذى يدور بالأساس حول حجم المياه التى يجب تمريرها). فى حين تقترح مصر تمرير 40 مليار متر مكعب فى حالة الفيضان، وأعلى من ذلك فى حالة الجفاف، يعنى ذلك ملء الخزان فى سبع سنوات وأكثر، تتمسك أثيوبيا بنسبة تتراوح بين 30-35 مليار متر مكعب فى حالات الفيضان والجفاف، أى ملؤه فى خمس سنوات
21- وسياسياً، على الصين أن تعى وتفهم أنه (لا يمكن الفصل بين أهمية المشروع من الناحية القومية والسياسة الداخلية ودور القوى والأطراف الدولية والإقليمية كواشنطن وإسرائيل وغيرها، وبين أهمية المشروع فى سعى أثيوبيا للنفوذ الإقليمى)، فهو يمتاز بطابعه الجيوسياسى، فمن خلاله يمكن التحكم فى صناعة القرار فى شرق أفريقيا، ويمكن فهمه فى إطار سعى السياسة الأثيوبية للتأثير الإقليمى والقارى.
22- على الصين أن تبحث على المدى الطويل (عمل دراسات فنية بشأن إمكانية إنهيار السد مثلاً، مما يشكل دماراً للسودان كدولة صديقة للصين، ويؤدى إلى غياب السلم والإستقرار فى السودان والمنطقة المحيطة به مما يعرض الإستثمارات الصينية فى تلك المنطقة للخطر)… فالأزمة بين مصر وأثيوبيا مهددة للإستقرار الإقليمى بما ينعكس بالتالى على (الأمن الدولى).
23- مبدئياً، قد يكون النهج الصينى للتدخل فى جهود الوساطة مع أثيوبيا هو (التذكير بمبدأ قبول السد كمشروع تنموى ذى طابع إقليمى، وفى الوقت ذاته حق مصر والسودان فى عدم تعرضهما للضرر فى حقوقهما المائية). وعملياً، تتقبل مصر تحمل بعض الضرر على أن يكون قابلاً للسيطرة عليه.
24- على الصين التدخل لــ (إجبار الجانب الأثيوبى على الإعلان صراحةً أمام مصر والمجتمع الدولى لتبادل المعلومات حول معدلات تدفق النهر، والمواصفات الفنية للسد، أو رؤية أثيوبيا فى إدارة سد النهضة فى سنوات الوفرة أو سنوات الندرة).
25- وأخيراً، يجب على الصين أن (تنسق أكثر مع السودان الذى يبدو أنه لم يتعافَ بعد من سياسات نظام البشير المخلوع لصالح مصر، ولتحقيق السلام الإقليمى فى كافة الدول الأفريقية لإنجاح مبادرتها العالمية للحزام والطريق).
قائـــــمة المــراجــــع
– أولاً: باللغة العربية
– ثانياً: مقابلات مع مسئولين صينيين وأجانب (باللغة الصينية)
与中国驻埃塞俄比亚大使和非洲联盟会晤拉伊凡,新华社,2016年1月
2019年2月,埃塞俄比亚新任驻华大使特斯home·托加·查纳卡(Teshome Toga Chanaka)访谈。
ثالثاً: مواقع إلكترونية… مواقف الدول من سد النهضة (باللغة العربية)
https://www.elbalad.news/4031393
– رابعاً: الدوريات باللغتين (الإنجليزية والصينية)
www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Publications/Working 126.pdf
hhttp://english.peopledaily.com.cn/90883/7647622.html
http:// news.xinhuanet.com/english/2007-02/05/content_5696348.htm
https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/21854/WPS7240.pdf?sequence=2
www.ft.com/content/dc8c670a-0652-11e9-9fe8-acdb36967cf
https://atlas.media.mit.edu/ en/visualize/tree_map/hs92/import/usa/show/all/2017/.
https://www.voanews.com/usa/trump-meets-egypt-ethiopia-sudan-fms-about-dam-feud
https://gulfnews.com/world/mena/nile-dam-dispute-egypt-ethiopia-to-meet-in-us-1.1572390860489
http://www.globalconstructionreview.com/news/us-mediates-between-egypt-and-ethiopia-over-nile-d/
https://www.bloomberg.com/news/articles/2019-11-06/trump-holds-talks-over--ethiopi an-dam-after-negotiations-stalled
نادية حلمي: الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت