نتيجة لتزايد التدخلات الإقليمية والدولية بغرض الهيمنة على شعوب ودول المنطقة، ومحاولة تكرارهم لنماذج من الإستعمار وفرض مشاريع التقسيم والنهب التي لاتناسب حقيقة منطقتنا و إرادة شعوبنا ، وإن بأشكال جديدة ربما تتجاوز في خطورتها الكثير من مراحل التاريخ الماضية.
ولو دققنا وبحثنا في كيفية منع هذه التدخلات ومواجهتها، لربما وجدنا أن من أهم هذه المرتكزات التي ينبغي الإعتماد عليها هي المجتمعات وتفعيل أنسجتها وكذالك قواها الجوهرية وأخلاقها وعلمها المتراكم والمعاصر التي تستطيع أن تهيئ الأرضية وتقوي تماسك وتكامل المنطقة وتخلق بذالك أهم أدوات المواجهة لمشاريع التدخل مثل العثمانية الجديدة أو الكيروسية الفارسية وغيرهم .
من أحد السبل وربما أكثرها فائدة لتجاوز الكثير من القضايا العالقة في مجتمعاتنا ودولنا المعرضة للتدخلات هي السياسة الديمقراطية التي يمكن تضمينها كأحد عناصر الحضارة الديمقراطية المجتمعية التي تراكمت ورافقت وعاشت بالرغم وبالتضاد دائماً مع الحضارة المركزية أو الراسمالية التي تجسدت في أشكال مختلفة من تمثيل طاقة السلطة والإستغلال والهيمنة في حكم السلالات والأمبراطوريات والدول والمملكات والسلطنات وغيرهم.
بالرغم من أن السياسة كلمة إغريقية تعني حكم المدينة، لكن لو أخذناها كظاهرة إجتماعية، فهي تعبر عن تحقيق تطور المجتمع من خلال إدرة شؤونه بحرية ، وتأمين رقي الإنسان وإحترام إرادته، وينبغي النظر إلى السياسة أنها مساحة حرية المجتمع و كذالك مساحة الخلق والإبداع التي يزداد فيها التطور والتقدم معنىً وإرادةً. جوهر الحديث هنا هو إدراك المجتمع لذاته ولهويته فكراً وممارسة وتطويره إياهما ودفاعه عنه وليس الإنخداع ووقوعه تحت تأثير المضللين والمنافقين والكذابين الذين لايريدون الخير بمنطقتنا بل يروننا كميرات وتركة لإجدادهم الغزاة والمجرمين وقطاع الطرق والقراصنة .
وبشكل عام يمكن إطلاق السياسة الديمقراطية على المناخ الديمقراطي وعلى البنية السياسية للمجتمع . وهي ليست مجرد نمط وإجراء بل إنه تعبير عن جهد وتكامل مؤسساتي، إذ لايمكننا مزاولتها في حال غياب العديد من المؤسسات و الأنشطة مثل المحافل والمجموعات والمجالس والأحزاب والإعلام ومنظمات المجتمع المدني ، حيث أن الدور الإساسي لهذه المؤسسات هي النقاش والمداولات وإتخاذ القرارات، وإلا سيظل المجتمع يترنح بين الفوضى والدكتاتورية التي كليهما تشكل حالة وبيئة مناسبة للتدخل الخارجي وفرض سلطات وأجندات معينة بعيداً عن إرادة ومصالح الشعوب ودول المنطقة وأمنها الإقليمي.
وتبقى السياسة الديمقراطية بحاجة دوماً إلى التنظيمات الكادرية النسائية والشبابية والإعلامية والحزبية الكفوءة وإلى منظمات المجتمع المدني وإلى الشخصيات وكذالك لكل الإطر التي تجسد طاقة المجتمع، وللنشاطات الدائمة التي تزيد وعي المجتمع وتعبئته وتدريبه، لإدراك المخاطر والتحديات ومشاركة القرار و الإدارة أو الدولة في صد ومنع ومواجهة إستهداف قيمنا وثقافتنا وتاريخ ومصالح المنطقة العليا وشعوبها المتعددة.
وتكتسب السياسة هويتها الديمقراطية عندما تكون قادرة على أن يقوم المجتمع بإدارة نفسه بنفسه وإمتلاكه الفهم والقناعة والذهنية وبالتالي الإرادة المنظمة. أما ربطها بحالة حكم الوصول إلى السلطة والدولة فقط أي إنتزاع حصة من الإحتكار فهي تحريف دفع به الديمقراطية البرجوازية و الليبرالية وكذالك حالات الإسلام السياسي بإستمرار لإنكار السياسة ,وإبعادها عن المجتمعات وربطها بأبعاد غير أخلاقية وأنانية على الرغم حتى من إمكانية العمل حتى ضمن الديمقراطية البرجوازية لكن بمعرفة كيفية إتخاذ الموضع فيهل بشروط. وبذالك تعمل القوى البرجوازية والسلطوية على تحقيق الحكم المزاجي للسلطة المؤطرة والمضبوطة بمعايير تخدم النظام العالمي وأدواته الإقليمية من الدول التي تتدخل في المنطثة وتريد إستعمارها وممارسة سياسة التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي و وتغير التركيبة السكانية لضمان نمطية إمتداداتها وحماية مكتسباتها حسب قناعتها في المستقبل حتى لو إضطرت للتراجع في المستقبل.
ومن الأهمية الإشارة أن ما يسري في الميدان الإجتماعي على السياسة الديمقراطية هو المصالح الحياتية للمجتمع وسلامته ورقيه بنيةً ومعنىً. وأن المجتمعات التي تضعف أو تغيب فيها السياسة ، لن تستطيع التخلص من المعاناة من سلطة الإبادة والإستعمار خارجياً، وكذالك تبقى مفتوحة أمام كل التدخلات والتبعيات والتغلغلات وخروجها على حقيقة مسار مصالحها الضرورية من الأمن والسلام والإستقرار . أو من إستغلال وقمع بعض النخب والحركات والتنظيكات الأرهابية مثل الأخوان وأبنائها من القاعدة وداعش .
ومن هنا أن أعظم فضيلة يمكن عملها لمجتمع هو النهوض به إلى مستوى المجتمع السياسي وإلى ديمقراطية مستدامة وبنيوية تنشط فيها الديمقراطية على مدار الساعة لإزالة كل الشوائب وحل كل القضايا العالقة.
ومن الأهمية ذكر الخصائص الضرورية لممارسة السياسة الديمقراطية بشكل مثمر وبناء وناجح وهي: المقاربة التي تحترم جميع الإختلافات في المجتمع ضمن وحدتها
إعتماد الوفاق والمساواة ضمن الإختلاف أساساً، الإعتناء بغنى مضمون النقاش والحوار بقدر الإهتمام بألا يكون إسلوباً منفراً، الجرأة السياسية،الأولوية الأخلاقية، الحاكمية على المواضيع، الإطلاع الحسن على التاريخ والمجريات الراهنة، والموقف العلمي المتكامل.
وبذالك نتجاوز ونستطيع الذهاب إلى حلول الكثير من القضايا وتمتين الجبهة الداخلية لشعوبنا ودولنا ومنطقتنا ونخلق حالة فهم و إحساس عالي لكل أبناء المنطقة ولقواها المجتمعية بأهمية دورهم وكذالك خلق ثقة متبادلة وتبديد المخاوف المصطنعة من قبل المستعمِرين بين شعوبنا للذهاب إلى تحالفات وجبهات حقيقية تضمن مصالح شعوبنا ودولنا وتقف في وجه كافة التدخلات والإستعمارات وأدواتهم وعلى رأسها تركيا الأردوغانية وأدواتها ومن خلفهم من قوى المركزية في النظام العالمي المهيمن.