الحدث – القاهرة
لماذا تم تنفيذ الإبادة الجماعية الأرمنية ومن يقف ورائها؟ وماهي الفلسفة والفكرة المسببتين للإبادة، لماذا التزمت القوى العالمية حينها الصمت ولم تمنع الإبادة، وماهي القوى الدولية صاحبة المصلحة والغاية في إبادة الأرمن، السريان الأشوريين، الروم، البونتس وثم الكرد وغيرهم من الشعوب الأصيلة للمنطقة، وماهي المصلحة التي تحققت لهم؟
ماهو دور اليهود في الإبادة الأرمنية وفي مسلسل الإبادات لشعوب المنطقة، كقوى فكرية ومادية مؤثرة في النظام العالمي و لنفوذهم وتواجدهم حينها في السلطة العثمانية وبعدها التركية وذلك ضمن “تركيا الفتاة” و ثم “الاتحاد والترقي” وعبر ثلاثي الإرهاب والإبادة “أنور وطلعت وجمال” وغيرهم؟
كيف يمكن لشعوب المنطقة من محاسبة القائمين بالإبادة الأرمنية وغيرها سواءً من القوى المحلية والإقلمية الأداتية والوظيفية إلى القوى الدولية المهيمنة صاحبة المصلحة الحقيقية إلى الفلسفة المسببة والفكرة التي حملها القائمون بالإبادة، وكذلك منع تكرارها المستمر الحاصل على الكرد وعلى شعوب المنطقة؟ ماهو دور اليهود كقوى مؤثرة في النظام العالمي في الإبادة الأرمنية ولنفوذهم وتواجدهم حينها ضمن “تركيا الفتاة” و ثم “الاتحاد والترقي”وفي مسلسل الإبادات لشعوب المنطقة؟
ماهي أكثر الجغرافية والشعوب الملائمة لتقديم نموذج يخرج المنطقة من دوامة الإبادت ويكون بدل للحداثة المسببة للإبادات وبذلك يكون خير محاسبة لمرتكبي إبادة الأرمن والكرد وغيرهم .
تأتي الإبادة الجماعية الأرمنية(Հայոց Ցեղասպանութիւն) التي بدأت في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين والتي دخلت مستويات أعلى في 24 نيسان عام 1915 وما بعدها، في مقدمة التداعيات والنتائج التي أَسفرت عنها دخول حداثة النظام العالمي المهيمن الرأسمالية إلى المنطقة و بدئها بترتيب المحددات والمتغيرات الإقليمة لإضعاف ولتقسيم المنطقة ولتشكيل كيانات قوموية و دولتية وسلطوية جديدة لتشكيل نظام إقليمي متواطئ يحقق لها التحكم والهيمنة على المنطقة .
نستطيع القول أن الأرمن من أقدم شعوب المنطقة. وغالباً ما عاش التاريخ والجغرافيا مع عدة شعوب ومنهم الكردي بالتداخل والتفاعل والتكامل في كردستان وأرمنيا وفي ميزوبوتاميا بشكل أوسع.
من المعلوم أن الشعوب لها خصوصيات وثقافات وسلوكيات نتيجة الجغرافية التي يعيشون فيها. وكيفما يعتبر الشعب العربي له خصوصيات مكتسبة من موضعه وتاريخه، و كما الكرد شعب له من الطبيعة والعمل والحياة، الصفات الكثير نتيجة إعتماده على الزراعةِ وتربيةِ الحيوان، فكان الأرمن أيضاً شعب يتغذى ويغذِّي هذه الحياة أو الاقتصاد المشترك المجتمعي بالمثل في النواحي و المدن عن طريقِ الحرف الحرة والمهنية الفائقة، حيث يمثل الأرمن ثقافةً جانبها المهني راقي بشكل مميز، وهم من أوائل الشعوبِ المسيحية. وكان للهويةُ وعقيدة الخلاصِ دوراً مهماً في اختيارِهم للمسيحية. حيث بسطوا تأثيرهم في محيط القصور كما اليهود، وخاصة بهويتهم الحرفِيّة. لكنهم لم يكونوا كاليهود في التسلل والنفاذ إلى القصور وأنظمة الحكم والتأثير على الحكم وتقاليد السيطرة والهيمنة، ورصف صفوف أو الأرضية الإيدولوجية والسياسية لبعض الثورات كما فعلها بعض اليهود مع العديد من ثورات العالم كما الفرنسية والروسية وغيرها.
وإذا أردنا مناقشة الإبادات التي حصلت في المنطقة والمستمرة حتى اليوم، ومنها الأرمنية أو الكردية أو حتى أية قضية من القضايا الإجتماعية لمجتمعاتنا وشعوبنا ودولنا بشكل شامل ودقيق، علينا معرفة أبعادها المختلف من حيث الإطار المجتمعي والبعد الذهني.
ومن الصحيح البدأ في فهم المنهجية والفكر و الفلسفة المسببة للإبادة و التي يحملها القوى المنفذه للإباداة سواءً الأداتية المحلية والإقليمية أو القوى الدولية المهيمنة صاحبة المصلحة الحقيقة، لأنه لم تحدث هذه الإبادات إلا عندما وصل هذه الفلسفة والفكر الذي لايستند إلى ثقافة وقيم مجتمعاتنا وشعوبنا للمنطقة.
وعلى هذا الأساس علينا فهم المنهجية الظواهرية والبنيوية لعهد الحداثة للنظام العالمي ولفلسفتها المسببة. فالقضية الحرِجة تكمن في العلاقة بين الظاهرةِ والإدراك. ذلك أنّ مواقف التماثل والتباينِ إشكالية فيما بينهما. وهذا وضع متعلق بجوهرِ النظام العالمي المهيمن. فالنظامُ يبني فلسفته بأكملها على التماثل والتباينِ اللذين بين الظاهرةِ والإدراك، بحيث أنّ التغلُّب على ذلك أو تحمّله غير ممكن. لذا، ففلسفة النظام بكل مدارسها عقيمة وبلا حلول. وبل منتجة للأزمات.
و لحالة المعرفة المطلقة تأثيرهاتها السلبية العديدة، لأنها تزول ثنائية الوعي والظاهرةِ من الوسط ، وهذا يعبر عن زوال الحدث أي النشوء، كما أن انفصال الإدراك والظاهرة عن بعضهما كلياً، فيفيد بالاغتراب التام. عندها تنشأ المعرفة الفلسفية المؤدية إلى الإبادة من عدم المعرفة من صلب ومنطقِ معرفة الوجود الكائنِ بين هذين القطبين. و الوقوعِ في وضعِ الترنحِ بين هذين الطرفين، والانزلاق نحوهما. وهذا هو السلوكُ الغير الصائب.
ومن المهم معرفة موقفين ناقضين في قراءة الظاهرة الوطنية والمسببين للإبادة هما:
1_الموقف الوضعي(Positivism) المستند إلى التمييز الكامل بين الذات والموضوع كما في فلسفة ديكارت وغيره، ويكمن خطأ موقف الظاهرية الوضعية في إعتبار الظاهرة الوطنية ذات ماهية موضوعانية، تماماً مثل الظواهر الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، وإهمال الذاتانية والمرونة في الطبيعية الإجتماعية، ولاشك بلوغ القضايا الوطنية إلى حد الإبادات العرقية له علاقة بمفهوم الوطنية الجازمة والمتصلبة والمنغلقة الأطراف وتشييء الطبيعة والمجتمع . وبمبالغة الثيولوجيا الوضعية بشان ظاهرة الأمة والدولة القومية عن طريق العلموية، وبإقامتها بدل ظاهرة الامة الدينية والمذهبية، حلت القضايا والإشتبكات الوطنية محل القضايا والصدامات الدينية والمذهبية حتى قال بعض الفلاسفة أن القوموية هي دين الدولة القومية التي أصبحت الإله الجديد للنظام العالمي المهيمن وحداثتها في حالة من التزمت والدوغمائية تتجاوز كل القرون السابقة.
2_ الموقف الخاطئ بإسم “الذاتانية والإفراط في المعنى” حيث يسعى هذا الموقف لإعتبار الظواهر البارزة في عهد الحداثة وعلى رأسها الظواهر الوطنية بأنها ابتكارات وهمية خيالية. ويطور مفهوماً تفسيرياً يقول بأنها من اختراع التقاليد. لكن من المعلوم أن الظواهر الإجتماعية ملائمة للإنشاء، وحتى تكون مخترعاً أحياناً نظراً لاتسامها بطابع الطبيعية الثانية. ولكن الإنطلاق من صفة الملاءمة والتشكيك بالقيمة الوجودية للظواهر الإجتماعية وإختزالها إلى ألاعيب ذهنية خالصة، يقضي إلى نتائج خاطئة ومهيبة بقدر الموقف الموضوعاني. فالظواهر في هذه الحالة مصطلحات خيالية تذهب وتنتهي وليس لها حضور ملحوظ، عوضاً عن النظر إليها كقيم شيئانية قطعية وصارمة متصلبة. ومع هذا الإنحراف الثاني الفاصل بين الحقيقة والواقع لايمكننا الحصول على نتائج علمية.
رغم مطالب الشعب الأرمني المحقة حينها، لكن تصيير بعض الطبقات الفوقية من الشعوب ومنهم الأرمن كأداة عند محاولة تحكم نظام الهيمنة العالمية بالشرق الأوسط كان خطأ استراتيجياً. فالطوق المفروض عليهم من قبلِ المسلمين بسبب كونهم مسيحيين، قد تحوّل تدريجياً إلى مأساة تراجيدية، كنتيجة تأجّجِ قوموية الدولة القومية بالتقابل وحمل الفكر القوموي من بعض الحركات الأرمنية. ولنبلاء الأرمنِ المتبرجِزين باكراً دورٌ مهمٌّ في ذلك. بينما القوموية والتواطؤ السلطويّ من النمط الأوروبيّ، كانا باعثاً داخلياً على الكارثة التي عاشها الأرمن. لأن عند حمل عدة حركات لعدة شعوب يعيشون في نفس المكان لنفس الفكر القوموي الإلغائي والساعي لتشكيل دولة قوموية نمطية من قومية واحدة عندها لابد من التناحر ومحاولة القضاء على الأخر المختلف.لأن هذا الفكر يعبر عن هيمنة إيدولوجية خارجية هدفها خلق التناحر والصراعات والإبادات لإضعاف المنطقة وتقسيمها وإقامة كيانات تابعية ومتواطئة في المنطقة.
والأرمن الذين قدّموا مساهمات قديرة إلى ثقافة المنطقة والتي يمكن اقتفاء أَثرِها وتطوّرها حتى آلاف السنين، باتوا ضحية إبادة أو نكبة كبرى معاشة نتيجة مؤامرات الحداثة المحاكة من القرن التاسع عشر وحتى الربعِ الأول من القرن العشرين. ومن الممكن أن تكون أحد أسباب المؤامرة والصمت الدولي حينها على الإبادة الأرمنية يكمن في أن النظام العالمي قايض العثمانيين والأتراك القومويين بين الإبادة الأرمنية والسكوت عليها مقابل السماح لليهود ذو التأثير الكبير في النظام العالمي بالتجمع في فلسطين والتمهيد لإنشاء إسرائيل كنواة للنظام العالمي المهيمن.
يعيش الأرمن في منزلة ثاني شعب شتات تبعثر في أرجاء العالم بعد اليهود. وتأسيس أرمينيا صغيرة شرق تركيا وغرب أزبيجان، لا يعني أنّ القضية الوطنية الأرمنية قد حلّت. فهذا الكيان غير قادر على تجاوز وتلافي تداعيات المأساة التي
عاشها الأرمن، حتى ظهر ضعيفاً في الحرب الأخيرة في آرتساخ وفي مواقف عدة، مع أهمية وجوده كمكسب للشعب الأرمني.
والقضية الأرمنية بالنسبة لراهننا، تَكتَسب معناها في هيئة العثور على الوطنِ المفقود. لكنّ المكان الذي يبحثون فيه عن ذاك الوطنِ تقطنه شعوب أخرى أيضاً. وهنا يظهر هول الدولةِ القومية أمامنا مع القضيةِ الأرمنية. ومفهوم الدولة القومية بصددِ الحدود، وانسياقها وراء الأمة المتجانسة، هما الدافع الحقيقي وراء هذا الهول.
ويمكن الإشارة إلى أن نمط الذهنية والحياة المشكل من خليط المسيحية وحداثة النظام العالمي المهيمنة، لا يمكنه إلا استهلاك الأرمن في أحسن الأحوال. وعليه ومهما كان أعداؤهم ذوي عقلية منحطة وفاشية، إلا أنّ عدم الاكتفاء بكشف النقاب عن أسباب الإبادات العرقية التي تطالهم، بل والبحث أيضاً عن سبل الخلاصِ الجديدة، هو وظيفتهم المصيرية التي عليهم العمل عليها.
ويمكننا القول أنّ الكيانات الكونفدراليةَ المتعددة الأمم، والمبنية على أرضية ديمقراطية وتشاركية، يمكنها تقديم إمكانيات الحل من أجل الأرمنِ وأمثالهم من الشعوبِ الأخرى التي هي في حالة مشابِهة كما الكرد وغيرهم. ففي حالِ تركيزِ الأرمن وتعمّقهم تأسيساً على مقَوّمات العصرانية الديمقراطية، وتجديد أنفسهم كأمة ديمقراطية أرمنية، فسيبلغون مجدّداً دورهم التاريخي في ثقافة الشرق الأوسط من جهة، وسيجدون السبيل الصحيح للخلاص من جهة ثانية.
إن النزعة والنزوع نحو القوموية والدولة القومية، والذي أُوقظ وأجج بين صفوف مجتمعات وشعوب الشرق الأوسط في غضون القرنين الأخيرين، لم يؤد إلى حل القضايا الوطنيةِ كما يزعم، بل بالعكس، كان المسبب للإبادات والتطير العرقي والتغيير الديموغرافي، والإبادة الأرمنية وإستمرار الإبادة الكردية خير مثال، فالإحتكارات السطوية ورأس المال يفرض حرب الدولتية القومية التدميرية بدلاً من التنافس الإيجابي.
ومحلولة القوى العالمية ومنها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا حينها في تشكيل تركيا بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية، كدولة وظيفية وأداتية مسخّرة لخدمة مصالح القوى العالمية ولهيمنتهم على المنطقة. تطلب خلق أمة تركية نمطية متجانسة و دولتية من قومية واحدة هي القومية التركية والعمل لإبادة القوميات والشعوب الأخرة. لذلك تم إيجاد أدوات محلية من أشخاص مدربيين وسلطات تركية عميلة ومتواطئة وحتى من بعض القلة القليلة من الطبقات الفوقية وبعض أفراد العشائر من شعوب المنطقة المخيبين بإسم الدين، لكن بقيت غالبية الشعوب مدركة للمؤامرة وأن “اليوم هو وغد أنا” ولذلك كان للكثير من أبناء الشعوب ومنهم الكرد والعرب دور في حماية الكثير من الأرمن من القتل أثناء حصول الإبادة.
إنّ العصرانية الديمقراطية بمصطلحها في الأمة الديمقراطية غيرِ الهادفة إلى الدولة القومية أو إلى احتكار السلطة، وبنظريتها في التشاركية المجتمعية الديمقراطية والحرة البديلة للرأسمالية المهيمنة، إنما تقدم نموذجاً كما الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، يمكننا القول أنها ستخرِج المنطقة من كونها ميداناً للحروب الدموية والمجازر والإبادات العرقية والأزمة الدائمة والفوضى العارمة.
يمتاز الشعب الكردي بكونه شعباً نادراً ما عاش أو تبنى المدنية الطبقية والدولتية. وهذا امتياز بليغ الأهمية من حيث فرصة العصرانية الديمقراطية. وكونهم يقطنون مركز جغرافيا الشرق الأوسط، إنما يضاعف من أهميتهم. إنّ قوى هيمنة الدولة القومية، والتي فرِضت على المنطقة من الخارجِ في عهد النظام العالمي، قامت بكل قوةٍ بمحاولات صهر الكرد في بوتقتها عن طريق الإبادة الثقافية وأحياناً الجسدية. وكما كانت السياسات نفسها في عهد المدنية الإسلامية أيضاً بوساطة الدين.
لا يملك الكرد كثيراً فرصة التحولّ إلى مجتمعٍ وطنيّ بقوةِ السلطةِ– الدولة. وما ستقدِمه عناصر الحداثة العالمية في هذا المضمار محدودة للغاية، ومثال واقع الشعب الكردي وجزء إقليم كردستان وإستفتائها ظاهر للعيان كتأكيد بالإضافة إلى إحتلال تركيا الفاشية لعفرين و(سري كانيه)رأس العين و (كري سبي)تل أبيض.
ظلّت جغرافيا كردستان، وخاصةً في الماضي القريب، بمثابة الوطنِ الأم للعديدِ من الشعوبِ الأخرى، وعلى رأسِها الأرمن والسّريان. كما واستقر فيها عدد من امتداداتِ المجتمعاتِ الأخرى، مثلما هي حال العرب والفرسِ والأتراك أيضاً. هذا ويحيا الكرد تعددية على الصعيدِ الدينيِّ والمذهبيّ. ولا تَزالُ آثارُ الثقافاتِ المجتمعية الديمقراطية والأخلاقية وطيدة في المجتمعِ الكردي، بينما الثقافة الدوالتية و السلطوية غير متقدمة كثيراً. كلُّ هذه الخصائصُ تتيحُ فرصةً عظيمةً للكياناتِ السياسيةِ الديمقراطيةِ في جغرافيا كردستان. كما إنها نموذجيةٌ لتأسيسِ الاتحاداتِ التشاركية في كافة ميادين الاقتصادية في الزراعة و الماء الطاقة. هذا وظروفُ نماءِ المجتمعِ الديمقراطي الحر أيضاً مساعدة إلى أبعد حد. علاوة على أنها الجغرافيا التي شهدت ثقافةَ الإلهة الأم أولاً وبأقوى أشكالِها وانتشارها في كافة أرجاء الشرق الأوسط والعالم أجمع باسم ستار وعشتار وإينانا وإيزيس. ولا زالت المرأة تتسم بطاقتها الكامنة التي تمَكِّنها من تقديمِ أكثرِ أمثلةِ الحياةِ جرأة ومقاومةً وكرامة وعزّة، كما نموذج المرأة الحرة التي أبدعها وأوجدها القائد عبدالله أوجلان في واقع كردستان وشعوب المنطقة الساعيين للحرية، بالرغمِ من جميعِ محاولاتِ الإفناء المسلَّطة عليها كما حصل مع المرأة في المجتمع الإيزيدي. ورغمَ كل الجهودِ السلبية المبذولة، إلا أنّ أيديولوجيةَ المجتمعِ الجنسوي لم تتمأسس بقدر ما هي عليه في المجتمعات المجاورة.
هذه المزايا الثقافيةُ الغنية المعاشة جميعها بنحوٍ متداخل، تحتوي بين طواياها طاقة كامنة هائلة من أجل بناء المجتمعِ الديمقراطيّ المتعدد والمتنوع، القادر على حماية نفسه لمنع تكرار الإبادات، وهذه الجغرافيا تَعرض أكثر الظروف ملاءمةً لصيرورةِ الأمةِ الديمقراطيةِ والمجتمعِ الأيكولوجيِّ_الاقتصادي في ظل براديغما العصرانيةِ الديمقراطية. من هنا، فمشروعُ “كونفدراليةِ كردستان الديمقراطيةِ” يتميزُ بفرصةِ التطبيقِ منذ الآن. في حين أنّ ممارساتِ الدولةِ القوميةِ المرتبطةِ بالهيمنةِ الرأسمالية، لا تمتلكُ فرصةَ التطورِ اليومَ ولا غداً، مثلما كانت أَمسُ أيضاً؛ نظراً للسلبياتِ التي تَحمِلها بين طياتِها بالنسبةِ للمجتمع. ولايمكِنها أنْ تَحظى بفرصة محدودة إلا بالتحول الديمقراطيّ.
تطوير كردستان ككونفدرالية ديمقراطيةٍ مُؤَلَّفةٍ من الإتحادات والتشاركيات الاقتصاديةِ والأيكولوجيةِ عبر الكياناتِ السياسية الديمقراطية العاِلة أساساً بجميعِ خصائصِها المذكورةِ آنفاً، إنما يَتميز بأهمية تاريخية. وبناءُ الأمة الديمقراطيةِ المرتكزةِ إلى الهويات الوطنية المتعددة، هو حلّ تجاه عقمِ الدولة القومية. وقد يَكُون نموذج حلٍّ لأجل كافةِ القضايا الوطنيةِ وقضايا التكوينات المجتمعية في الشرقِ الأوسط. أما جذب أُمم الجوار إلى هذا النموذج، فسيغَيِر مصير المنطقة، وسيعَزز من فرصة العصرانيةِ الديمقراطيةِ في تكوينِ البديل.
ولقد بلغ التاريخ بالكرد وكردستان إلى حالة جعل فيها الشعب الكردي وقواها المجتمعية الديمقراطية التي تناضل من أجل الحرية وتحقيق المساوة والديمقراطية، وكذلك شعوب المنطقة و قواها الديمقراطية التي تناضل في سبيل الديمقراطية وبعض الدول التي تسعى لتحقيق التحول الديمقراطي لديها، مرغمين على توحيد مصيرهم وتقوية تحالفاتهم الديمقراطية. وعندها سيتم محاسبة من أرتكب الإبادة ويرتكبها ونمنع من تكرار الإبادة الأرمنية ووقف إبادة الكرد وحل أغلب القضايا الوطنية للمنطقة وشعوبها ودولها.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت