فخار الخابور (1900 ـ 1500 ق.م)
رستم عبدو –
ما يزال الحديث عن أصل أو مكان أو منشأ فخار الخابور وفترة ظهوره ومناطق انتشاره موضوع نقاش وحوار بين الكثير من الباحثين والمختصين، إلا أن أغلب النظريات ترجح على أن المنشأ الأصلي الذي خرج منه هذا النوع من الفخار هو الجزء العلوي من بلاد الرافدين Mesopotamia، وتحديداً في مناطق حوض الخابور. ويأتي في مقدمة هؤلاء الباحثين ماكس مالوان Max Malowan الذي يعتبر أول من أطلق اسم فخار الخابور على هذه النوعية من الفخاريات بعد اكتشافه لكميات كبيرة منه في موقع تل شاغر بازار, ويشاطره هذا الرأي كل من تشورلس برني Chorls Burney وأوكوشي Ogushi والباحثة دانيا ل. شتاين Dania L Stein التي أكدت على صدق تلك النظريات, بل ذهبت أبعد من ذلك عندما قالت إن فخار الخابور هو امتداد لفخار نينوى 5 التي ظهرت بين أعوام (3000 – 2500 ق.م) وأرجع ذلك إلى التشابه بين الأفكار والعناصر الزخرفية من جهة والتطابق في المناطق الجغرافية التي شملت انتشار هذين النوعين من الفخار من جهة أخرى.
يعتبر نهر الخابور من أكبر روافد نهر الفرات, ويشكل النهر مع مجموعة من الأودية ما يسمى بمثلث الخابور Khabur Triangle وكذلك حوض الخابور.
يقسم النهرُ المنطقةَ إلى قسمين: القسم الأول ويشمل مناطق الخابور العلوي Upper Khabur الذي يبدأ من مجرى دخول نهر الخابور الأراضي السوريا عند سري كانيه (رأس العين) غرباً حتى نهر دجلة شرقاً وإلى الحسكة جنوباً مشكلاً بذلك مثلثاً مقلوباً يلتقي ضلعاه عند مدينة الحسكة.
أما القسم الثاني فيمتد من الحسكة حتى البصيرة حيث يصب في نهر الفرات ويسمى الخابور الأوسط أو السفلي Middle or Lower khabur.
صنعت فخاريات الخابور بوساطة العجلة وزخرفت في المراحل الأولى بتصاميم أحادية اللون بالأحمر أو الأسود أو البني, وبأشكال هندسية تضمنت أشرطة أفقية ومثلثات ودوائر منقطة بالإضافة إلى نقوش وزخارف بسيطة موحدة. في المرحلة الثانية أصبحت التصاميم المأخوذة من الطبيعة أكثر شيوعاً كالطيور وأغصان الأشجار وغيرها. في المراحل الأخيرة أصبحت نماذجها وتصاميمها أقرب إلى نماذج وتصاميم فخار نوزي التي كانت قد ظهرت في تلك الفترة.
من خلال المعطيات أعتقد أن بداية ظهور هذا النوع من الفخار اقتصرت في مناطق حوض الخابور كمرحلة أولى (تل براك, تل موزان, تل محمد دياب, تل شاغر بازار, تل ليلان), ثم بدأ بالانتشار خلال الفترة الأشورية القديمة حتى وصلت إلى أواسط الفرات وشمالي العراق كمرحلة ثانية (تل طايا, تل بيلا, تل الرماح), في المرحلة الثالثة والرابعة بلغ انتشارها أقصى الدرجات وترافق ذلك مع انتشار الحوريين وتوسع مملكتهم. فقد وصلت آثار تلك الثقافة إلى الشمال الغربي من إيران في مناطق كرمانشاه وبحر أورميا (تل دينكها, حسنلو) وكذلك في شمال أذربيجان، وهذا ما أكده الباحث روبرت هـ. ديسون Robert H. Dyson عندما قال: “إن ظهور هذا النوع من الفخار ترافق مع وصول أناس كانوا يتكلمون اللغة الحورية قدموا إلى وادي قدر Qadar Valley عبر جبال الأناضول”. كما أنه وصل إلى جنوب شرق الأناضول في المناطق الشمالية من دياربكر وملاطيا وهكاري ومناطق بحر وان (كنان تبه,هيربرمردان تبه, كافوشان هويك).