التغيير الديمغرافي في الشمال السوري واستراتيجية البقاء
185
4 سنوات مضت
دلشاد مراد
يبدو أن سياسة التغيير الديمغرافي أصبحت ممنهجة على الأرض السورية، تناقش ويجري التفاوض على تفاصيلها بين مختلف الأطراف التي تتدخل في الشأن السوري، فالدول الإقليمية والدولية استباحت الأرض السورية بسهولة منذ بدء الأزمة في العام 2011م، مستغلة الأزمة البنيوية العميقة التي أصابت المجتمع السوري في العقد الأخير نتيجة التراكمات والسياسات السلبية التي ارتكبها نظام البعث السوري الحاكم في دمشق.
وخلال العقود السابقة كان يتم تطبيق سياسة تغيير ديمغرافي ممنهجة ضد الشعوب السورية، وكان ذلك بهدف إضعاف وحدة تلك الشعوب في مواجهة سياسة الديكتاتورية وحكم المكون الواحد مقابل تهميش المكونات والشعوب الأخرى وفرض حالة من القمع الرهيب على هوياتهم الثقافية والحضارية. وما يجري في الوقت الحالي على الأرض السورية ليس إلا امتداد للذهنية والنهج نفسه، والفارق هو أن دول أخرى على السوية نفسها من الذهنية الإقصائية تشارك في تنفيذ هذه السياسة بأقبح صورها.
ولعل ما يحصل وما يخطط له من حسابات في هذا السياق هدفه إحداث مزيد من الشرخ بين الشعوب السورية، وإطالة أمد إراقة الدم السوري إلى ما لا نهاية، وإن تتبعنا ما يجري في الغوطة الشرقية وعفرين من ممارسات إبادية وتغيير في ديمغرافيتها، فإنه يمكن استخلاص كون الشعوب السورية تتعرض لمخططات على قدر كبير من الخطورة تستهدف وحدة الكيان السوري ووحدة شعوبه. وكل ذلك هدفه إشباع رغبات أطراف معينة ومنع حصول أي نهضة حضارية من جانب شعوب المنطقة عموماً، والجانب المأساوي في هذا السياق أنَّ الأداة في تطبيق هذه السياسة على المنطقة هم قسم من أبنائها، وهذا ما يريده بالضبط أعداء المنطقة أو كل من لا يريد أن تعود هذه المنطقة إلى رونقها الحضاري السابق.
إن ترحيل عناصر الفصائل المسلحة (فصائل مرتزقة) في الغوطة وفي الداخل السوري عموماً إلى مناطق الشمال السوري بعد هزائمهم في الميدان هو تنفيذ عملي لسياسة التغيير الديمغرافي الجارية في سورية وباتفاق دول وأطراف معينة، وكذلك هو تنفيذ لتحريك البيادق والأدوات التنفيذية المؤقتة ضمن أجندات الدولة التركية لاحتلال الأراضي السورية، فتلك الفصائل المرتزقة ممولة من جانب دولة الاحتلال التركي، تُحرِّكهم وتبيعهم في البازارات الدولية كما تشاء، كما جرى من تحريك لهؤلاء المرتزقة تجاه مناطق الشمال السوري، وتنفيذ الأجندات التركية كما يجري الآن في مقاطعة عفرين والمناطق المحتلة في الشهباء من إسكان للعناصر المتطرفة والمرتزقة وعائلاتهم هناك.
إن سياسة الإبادة والتغيير الديمغرافي الرهيب الحاصل على الأرض السورية سيؤثر كثيراً على نفوس الشعوب السورية على الأمد الطويل، وهذا ما ترغب به القوى المهيمنة عالمياً والأطراف الإقليمية ذات الذهنية الاحتلالية والقمعية والإقصائية، ومع أنَّ خيارات الشعوب السورية في مواجهة هذه السياسة أقل تأثيراً من الأطراف المنفذة لتلك السياسة على أرض الواقع في الوقت الراهن، ولكن هذا لا يعني الاستسلام وقبول الواقع المفروض عليهم، فالظروف السياسية تتغير على الدوام والشعوب ينبغي أنْ تدرك أنَّ كلَّ القوى التدميرية التي مرت على البشرية ذهبت هي وسياساتها إلى مزبلة التاريخ، بينما تبقى الشعوب حية على الدوام إن أحسنت التدبير لحماية نفسها، ولذلك فإن اتخاذ الخطوات التدبيرية والوقائية الاستراتيجية هي من سيضمن حماية شعوب المنطقة وديمومتها، ولعل المقاومة الشاملة هي العنوان الأبرز في استراتيجية البقاء والحماية.