أحمد اليوسف –
إن الثقافة بابٌ واسعٌ لا حصر له ولا حدود، ومن هذا الباب تتفرع فروع لا حصر لها كذلك، ومن هذه الفروع والمناهل، الترجمة، والترجمة عملية نقل ثقافات الأمم الأخرى المكتوبة بلغتهم إلى لغة أخرى، ولهذا الفرع الثقافي العظيم الدور يعتبر من أهم مناهل وموارد الثقافة.
وهناك إجماع حول أهمية الترجمة في حياة الشعوب والأمم، ودورها في التقريب بين الحضارات والثقافات وتفاهمها. لذلك نلاحظ تزايد الاهتمام بالترجمة، سواء من طرف أفراد ذاتيين أو مؤسسات رسمية. لكن عملية الترجمة تطرح إشكالات حقيقية حول دوافعها ومقتضياتها وغاياتها، الشيء الذي جعل منها قضية فلسفية. تجلى ذلك في النقاشات والجدالات التي ركزت حول أسئلة الأمانة والخيانة أثناء الترجمة، والترجمة النهائية والنسخة طبق الأصل، واستعداد لغات لاستضافة نصوص ومتون لغات أجنبية متعددة ومختلفة. لكن ما يثير في قضية الترجمة، هو الهوة الفاصلة بين إعداد نصوص وكتب، وطبيعة التفاعل معها والتفكير بها، لا أقصد هنا القارئ فقط، بل المترجم ذاته. لهذا لا أستسيغ مقدمات وإهداءات وتعليقات عدد من المترجمين، التي تستبق عزيمة القارئ، لتذكره بهويته وثقافته وأخلاقه، وبتفوق حضارته وأبطالها، وبالتالي تقطع الطريق أمام قيام أي تفاعل أو توظيف أو إعمال فكر.
إذا فالترجمة هي فسحة لإعمال الفكر والغوص في ثقافات شعوب أخرى وليست استعراض لقوة المترجم وثقافته وحضارة لغته، بل هي أن ينقل بأمانة ما كتبته الشعوب الأخرى ليتسنى للقارئ أن ينهل منها معرفة وعلماً وثقافة، وأن يُعمل فكره ليصل إلى خفاياها وأسرارها ومميزاتها، وكيف أن هذه الشعوب المُترجَم عنها، وصلت إلى ما وصلت إليه سلباً وإيجاباً، لقد نشطت حركة الترجمة بشكل ملفت في العقود الماضية واتجه الكثيرون إليها كوسيلة لتبادل الثقافات، وهي حقاً من أهل الوسائل التي تنقلك إلى عوالم وشعوب كنت تجهل تفاصيل حياتها، وعرفتها من خلال روايات مترجمة أو دراسات أو أبحاث.
إن أداة التواصل بين الناس والشعوب المختلفة هي اللغة، فهي تعبر عن حاجتهم وتعكس تقدمهم ورقيهم في مجالات المعرفة المختلفة، وهي تتغير بتغير الأحوال والظروف الحياتية، لتستوعب الأحداث الجديدة ومجريات الأمور.
وبسبب ما يحدث الآن في العالم وتطوره وتوغل “العولمة” في كافة التفاصيل والمجالات أصبحت الترجمة أمر حتمي لمواكبة التقدم الحضاري ونقل المعلومة وتبادل الثقافات، وبذلك أصبحت للترجمة دوراً لا يستهان بها في التواصل بين الأمم، فهي مبدا التواصل وتخطي عقبة الحاجز اللغوي الذي كان يقف دائما حجرة عثرة في طريق التواصل والتفاعل مع الآخرين.
فالترجمة تعد الخيط الناظم الذي يربط بين المجتمعات، ويدعم نسيج الحضارة الإنسانية، وهي الجسر الذي يربط الشعوب المتباينة والمتباعدة ويقرب بينها، فالتفاعل بين الثقافات والحضارات المختلفة يعتمد في الأساس على الترجمة، لا باعتبارها ترفاً فكرياً، بل باعتبارها حاجة إنسانية ملحة، فالترجمة هنا ذات تأثير وأثر ثقافي يسهم في تشكيل الوعي وتنوع الموروث الثقافي والفكري، ويعزز من وسائل فهم العالم الآخر واستيعاب ما فيه من تقدم ومعرفة.
-روناهي