الإثنين 25 نوفمبر 2024
القاهرة °C

الإمارات.. «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر»

محمد أرسلان

أقاموا والدنيا ولم يقعدوها وكأن حدث جلل قد حصل وأن المنطقة قد تتجه نحو الخراب والجحيم، أنصاف الكتَّاب وأشباه السياسيين ومثقفي المال وعويل العمائم وشيوخ السلاطين لم تهدأ لهم بال على ما أصابهم نوبة من الهذيان كل هؤلاء من طرف، ومن طرف آخر المنافقون ممن أدعوا سلطنة الخرافة (الخلافة العثمانية)، ولسان حالهم يقول “حلال عليَّ وحرام عليكم”.

هذا الكم الهائل من الفراغ الفكري المستشري في مشرقنا المتوسطي والذي له امتدادات في عمق التاريخ منذ أكثر من عشرة قرون وحتى يومنا، ما زلنا نلوك ونمضغ لُعابنا والهواء حتى أصبحنا ظاهرة صوتية بامتياز لا يعيرنا الأخرون أي اهتمام بسبب قلة الحيلة التي ننعم بها.

وكأننا ما زلنا نعيش الجاهلية بكل تفاصيلها وخاصة أنه ثمة إصرار بشكل كبير على أن نكون على دين آبائنا وأجدادنا ونحن على خطاهم سائرون، وذكرهم الله تعالى في كتابه: “قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ” [البقرة: 170-171].

الكل صار وطنيًا بامتياز وبات مستعدًا كي يضحي بنفسه من أجل الفلسطينيين وتحرير بيت المقدس، بين ليلة وضحاها أصبحوا مقدسيين أكثر من الفلسطينيين بحد ذاتهم وراحوا يوزعون صكوك الوطنية على من كان على دينهم وصكوك الخيانة والغدر على من لم يكن وفق هواهم.

حالة من الاغتراب الذاتي نعيشها جرَّاء حقننا بمشاريع التحرير والوطنية والحرب المقدسة من قبل النظم القوموية والدينوية على مدى عقود من الزمن. أنظمة لم تكن سوى كالنعامة تخفي حقيقتها الانبطاحية في الداخل وتوهم الشعوب أنَّها أسدٌ ولا تهاب شيئًا إلا مخافة الله وتحرير الأرض والعرض من البحر إلى البحر “للحرية الحمراء باب بكل يدٍ مضرجة يدق”. وحينما كبرنا اكتشفنا أننا كنا مغيبين ومضحوك علينا ونحن لا نعيش إلا في شبه دول ليس لها علاقة بالممانعة ولا بالتقدمية وما هي إلا شعارات رخيصة لها مفعول التنويم الشعاراتي المغناطيسي، كي تستمر هذه النظم في السرقة والفساد وقي نهاية الأمر بانت حقيقتها وهي أنها فقط من تقتل شعبها وتدمر مدنها.

حروب عبثية تجرعناها كالهواء كان مفعولها ولم نحرر شبر من لواء اسكندرون ولا الجولان ولا بيت المقدس ولا غيرها من المناطق التي كنا نحسبها حرة. ومعظم أنظمتنا كانت تجوع شعوبها من أجل شراء الأسلحة لليوم الموعود وطرد المحتلين ورميهم في البحر، لكن بعدما كبرنا رأينا أن هذه الأسلحة بالفعل تم استخدامها ولكن ليس في المكان الذي قالوه لنا، بل اطلقوا الرصاص على شعوبهم وجعلوهم يرمون بأنفسهم في البحر وبهذا تم تحرير الوطن من الشعوب ليبقى الوطن مزرعة للزعيم والقائد وحاشيته من المنافقين.

هذا هو حال بلداننا التي انتشرت فيها الحروب نتيجة صراعات سلطوية وهيمنة ما بين هذا الطرف أو ذاك. تركيا التي تسعى للهيمنة على المنطقة ثانية مستعيدة خرافتها العثمانية من جديد، هي نفس العقلية التي تنافسها عليها إيران. والكل يهرول لاسترضاء العدو من فوق الطاولة وابن العم والأخ من تحت الطاولة.

الكل يلعن إسرائيل في العلن وفي خطب أيام الجمعة وذلك منذ قرون ولم تتغير خطبنا ولا مساجدنا ولا أئمتنا، ومن تحت الطاولة الكل يهرول ويتمنى أن يأخذ من ابتسامة حب وود وذلك أضعف الايمان. الامارات لم تكن الأولى وليست الأخيرة. إنها السياسة الواقعية والواضحة والبعيدة عن الرياء الإعلامي الذي تنتهجه بعض الدول. مثل أردوغان تركيا الذي يترنح كالعجوز الشمطاء ويكيل المسبات والوعيد للجميع من دون استثناء. تركيا التي تعتبر الرحم الذي ولدت منه إسرائيل يتناسى زعيمها اردوغان أنه الشقي والقرصان المدلل عند إسرائيل.

وتاريخ العثمانيين حافل بعلاقاتهم مع اليهود منذ القرن السادس عشر حينما طردت اسبانيا اليهود الذين لم يقبل بهم أحد غير إسطنبول والسلطان العثماني بايزيد الثاني (1481م-1512) الذي أصدر “مرسوم الحمراء والدولة العثمانية”، وفي هذه الفترة أصدر السلطان العثماني بايزيد الثاني الذي فتح ذراعيه لليهود المهاجرين أمرًا لأمراء الولايات قائلًا: (لا تعيدوا يهود اسبانيا واستقبلوهم بترحاب كبير ومن يفعل عكس ذلك ويعامل هؤلاء المهاجرين معاملة سيئةً أو يتسبب لهم بأي ضرر سيكون عقابه الموت). وحتى يومنا هذا لليهود مكانة خاصة عند الترك مثلما كانوا قبل ذلك عند العثمانيين. وحتى أن السلطان سليمان القانوني تزوج من جاريته اليهودية روكسلانا والتي انجبت له طفلًا والذي اصبح هو أيضًا سلطانًا عثمانيًا وهو سليم الثاني.

طبعًا، لن نتحدث عن بعض الفصائل الفلسطينية التي حولت القضية إلى سبوبة وتجارة ولم يعد بهمها أي شيء سوى مصالحها وأن يكون مرضية عنها من قبل المجتمع الدولي.

والكثير غير الترك يتبرؤون من الامارات بسبب إعلانها عقد علاقات مع إسرائيل وكأنها نهاية الحياة وقيام الساعة، ناسين أو متناسين أنّ معظم الدول لها علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل.

فلماذا كل هذا التطبيل وبيع الوطنيات والزعيق. وهو ما يذكرنا بقول سيدنا المسيح عيسى حينما قال: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر). لهؤلاء الذين ينصبون أنفسهم ولاة على الغير وكأنهم ملائكة، إن كنتم بلا خطيئة تفضلوا وارجموا الإمارات بحجر. لكن ولعمري الكل غارق في الخطيئة ولا نبرء أحدًا منها مثلما قال أشقاءنا اللبنانيون (كلن يعني كلن)، من دون استثناء من كان منكم بلا خطيئة ليشمر عن ساعده كي نراه.

واعتقد ان ما قامت به الإمارات هو عين الصواب في مرحلة تقوم فيها إيران بالعبث في منطقة الخليج وخاصة في اليمن ونشر الفوضى والحروب في مياه الخليج العربي مما يهدد كافة دول الخليج هذا من جهة، ومن جهة أخرى تركيا أيضًا تعمل على نشر الفوضى والفساد والدمار في منطقة بحر المتوسط. فالتحالف مع إسرائيل لدرء أخطار تركيا وإيران اللتين تدعيان الإسلام السياسي هو عين الصواب على الأقل لصون وحماية مجتمعها. وهو شبيه بما قام به الرسول حينما عقد اتفاق مع اليهود والتي تسمى وثيقة المدينة. لقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة يمكننا السير على نهجها وهي صالحة لكل زمان ومكان.

to top