الصراع المتجدد مع حزب العمال الكردستاني يهدّد تركيا بالاندثار
213
4 سنوات مضت
دايفيد ليبسكا
قبل خمس سنوات، بدأت الدولة التركية تُسرع في تراجعها عن الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون مع استئناف العنف بين قواتها المسلحة والمسلحين الأكراد المتمركزين في جنوب شرق البلاد.
وحسب رئيسة مؤسسة حقوق الإنسان في تركيا، شبنيم كورور فينكانسي، كانت تلك اللحظة أشدّ قتامة من الانقلاب الفاشل الذي جاء بعد سنة. وكّلت انتخابات يونيو 2015 نقطة التحوّل الأبرز حيث خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم أغلبيته البرلمانية مقابل صعود في شعبية حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.
وقالت فينكانسي لموقع أحوال تركية إنها توقّعت تصاعد العنف مع خسارة الحزب الحاكم لأغلبيته، مذكّرة بهجوم شنته الدولة الإسلامية على تجمع شبابي موالٍ للأكراد في مدينة سروج الحدودية في 20 يوليو.
وجد تقرير صدر عن عدد من المحامين يوم السبت أن المسؤولين الأتراك كانوا على علم بخطط داعش لشن هجوم بقنبلة لكنهم لم يفعلوا شيئا على أمل أن يؤدي ذلك إلى عنف ضد المسلحين الأكراد بنسق يمكن للحكومة أن تربطه بحزب الشعوب الديمقراطي لضرب قاعدة ناخبيه.
وقالت رئيسة مؤسسة حقوق الإنسان في تركيا: “كانت هذه بداية التدهور في تركيا. كانت فترة مخيفة بالفعل “.
كان قانون الأمن الذي مُرّر في أبريل 2015 من بين العلامات الأولى التي تذكرتها على تدهور الأوضاع حيث أعطى ضباط الشرطة سلطة واسعة لإطلاق النار على المتظاهرين واحتجازهم لمدة 48 ساعة دون اتصال خارجي وسجنهم لمدة تصل إلى خمس سنوات لارتدائهم أقنعة تهدف إلى حمايتهم من الغاز المسيل للدموع.
ثم نقلت المؤسسات الإعلامية خبر إطلاق النار على سبعة متظاهرين في الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2015. وأكّدت فينكانسي إطلاق النار على أكثر من 215 شخصا في الأشهر التسعة التي تلت إقرار القانون. وقالت: “تجاهل هذا القانون الحق الرئيسي، الحق في الحياة”.
كان هذا مجرد غيض من فيض. فقد أدى الصراع المتجدد بين الدولة وحزب العمال الكردستاني الذي قاد تمردا ضدها في الجنوب الشرقي لعقود، (( والذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجموعة إرهابية )) ، إلى مقتل أكثر من 5 آلاف فرد منذ أواخر سنة 2015، بما في ذلك 519 مدنيا، وذلك وفقا لتقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية هذا الأسبوع.
كما شملت اجراءات الحكومة فرض حظر تجول أبقى سكان العديد من المدن الجنوبية الشرقية في منازلهم من أواخر سنة 2015 إلى مطلع سنة 2016.
وقالت فينكانسي، في إشارة إلى حظر التجول الذي استمر 79 يوما في جزيرة ابن عمر، إن الجرحى والمرضى لم يتمكنوا من الذهاب إلى المستشفى رغم أن حياتهم كانت في خطر.
ربطت الحكومة حزب العدالة والتنمية بحزب العمال الكردستاني ووصفت أعضاءه بالإرهابيين. ومع نهاية سنة 2015 ، بدأت الدولة في عزل رؤساء بلديات الحزب الموالي للأكراد واستبدالهم بأشخاص اختارتهم هي. وإلى حدود الشهر الحالي، عزل حزب العدالة والتنمية نحو 130 من رؤساء البلديات في عملية غير قانونية، في حين أمر بإلقاء القبض على أبرز الشخصيات في الحزب، مثل الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش، بتهم مشكوك في صحتها. وطالت هذه الإنتهاكات حوالي ثلث أعضاء الحزب بما في ذلك 33 شخصا خلال الأسبوع الماضي.
وقالت صحيفة واشنطن بوست في مقال نشر يوم الاثنين إن عزل هذا العدد الكبير من رؤساء البلديات المنتخبين الذين يمثلون إرادة ملايين الناخبين كان دليلا صارخا على الأخطار التي تواجه الديمقراطية في البلاد.
وفي مقال صحفي نُشر في أواخر سنة 2015، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيلكنت في أنقرة بيرك إيسن، والمؤلفة المشاركة شبنام غيميشجي من كلية ميدلبري بأن تركيا أصبحت نظاما استبداديا بالفعل، حيث لم تعد تلبي الحد الأدنى من معايير الديمقراطية.
وبقي إيسن على موقفه، لكنه أشار إلى أن معاملة الحكومة للسياسيين والمواطنين في المناطق الكردية قد تتطلب تسمية أكثر صرامة. وأخبر موقع أحوال تركية: “قد توصف تركيا بأنها دولة استبدادية في الجنوب الشرقي… في المقاطعات الجنوبية الشرقية نجد نظاما استبداديا أقوى بكثير ضد المعارضة”. كما لاحظ تشديد أردوغان لقبضته على السلطة منذ ذلك الحين.
ويشارك سنان سيدي، الأستاذ المساعد في جامعة جورجتاون ورئيس معهد الدراسات التركية، هذا الرأي. وأشار إلى أن الرئيس التركي خلق نظاما خاصا به منذ الانقلاب الفاشل سنة 2016.
وأخبر موقع أحوال تركية أن “محاولة الانقلاب أتاحت له الفرصة لصياغة نظام وحكومة حولت تركيا من جمهورية تركيا إلى ما يشير إليه البعض ومنهم أنا باسم جمهورية طيب أردوغان”.
ويرتكز هذا النظام على عدة ممارسات من أهمها ربط الدولة لجميع الأصوات الناقدة بحزب العمال الكردستاني أو بحركة فتح الله غولن التتي تتهمها الحكومة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة.
وقالت رئيسة مؤسسة حقوق الإنسان في تركيا إن السلط تعتبر أي شخص إرهابي حتى يتسنى لها اعتقاله أو احتجازه أو سجنه.
وأشارت إلى رجل الأعمال والناشط المدنيّ في مجال حقوق الإنسان عثمان كافالا، وهو في السجن منذ ما يصل إلى ثلاث سنوات، ورئيس فرع منظمة العفو الدولية في تركيا تانر كيليتش، والذي حُكم عليه مؤخّرا بالسجن لأكثر من ست سنوات.
وواجهت فينكانسي نفسها العديد من التهم، قبل تبرئتها خلال الشهر الحالي، وذلك بسبب مشاركتها في حملة تضامن مع صحيفة مؤيدة للأكراد مغلقة حاليا.
وقالت: “لم يكن من السهل أبدا في تركيا أن تكون مدافعا عن حقوق الإنسان. ولكن الأمر أصبح أكثر صعوبة. جميعنا متّهمون بالإرهاب بينما نحاول حماية حقوق الإنسان ومكافحة التعذيب”.
شيّدت تركيا 94 سجنا جديدا في السنوات الخمس الأخيرة، مما أدى إلى زيادة عدد نزلاء السجون ووضع الدولة في المرتبة الثانية بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث عددهم. وقالت فينكانسي إن عدد حالات التعذيب في تركيا تضاعف في السنوات الخمس الماضية، بما يتجاوز العدوان البوليسي التقليدي في جنوب شرق تركيا.
وتابعت: “هناك أساليب تعذيب شديدة تمارس أثناء الاحتجاز. تصلنا من جل السجون ادعاءات بالتعذيب… أصبح التعذيب للأسف ممارسة شائعة، مع تجاهل اتفاقية مناهضته تماما”.
ويعتبر تعديل جديد لقانون المحامين أحدث ضربة وجهتها الدولة للديمقراطية. ويسمح بإنشاء أكثر من نقابة في الولايات التي يتجاوز عدد المحامين فيها 5 آلاف بما في ذلك إسطنبول وإزمير وأنقرة.
وقالت منظمة العفو الدولية إن القانون الجديد سيقسم المحامين على أسس سياسية ويضعف تأثير نقاباتهم القائمة، والتي ضاعفت انتقاداتها للحكومة في السنوات الأخيرة. وقال حزب العدالة والتنمية إن القانون الجديد سيخلق نظاما قانونيا أكثر ديمقراطية وتعددية. وتساءلت فينكانسي: “كيف يمكن لنقابات المحامين الحالية، التي يجري اختيارها عن طريق الانتخابات، أن تكون غير ديمقراطية؟”
وقالت إن “كل شيء لا يتناسب مع الحكومة أو رأيها يمكن تعديله من خلال بعض اللوائح القانونية بسهولة “.
ذكّر سنان سيدي بأول انتخابات متعددة الأحزاب في تركيا في 1950، عندما كان من المتوقع أن يخسر الرئيس عصمت إينونو، الذي خلف مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك، أمام عدنان مندريس مرشح الحزب الديمقراطي. وحين أخبره القادة العسكريون بأنهم يستطيعون دعمه وإلغاء التصويت، رد بأن هزيمته في الانتخابات ستكون أكبر انتصار للبلاد.
بعد 70 عاما، قال سيدي إن ممارسات أردوغان المناهضة للديمقراطية في السنوات الأخيرة تركت المواطنين الأتراك غير قادرين على فهم الأضرار التي لحقت ببلادهم.
واضاف: “لم يعد بوسعنا أن نتتبع مدى الاعتداء على حقوق الإنسان أو سيادة القانون أو الحكم الديمقراطي. إن من الصعب معرفة مقدار الخسائر”.