الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

محمد أرسلان يكتب : حينما أجلسنا سايكس بيكو على العرش

الحدث – القاهرة

الآن وبعد أن تم تسيير المخططات والألاعيب على العرب والكرد والأرمن وغيرهم من الشعوب، بمقدورنا القول إنه يمكننا أن نستمر بقيادة هذه الدول التي صنعناها ورسمنا حدودها وفق أطماعنا لقرنٍ من الزمن. وبعد ذلك يمكن إجراء بعض التعديلات عليها وكذلك تغيير من وضعناهم على سدة الحكم. خدعة بناء الوطن المقدس المحاط بالحدود السياسية المقدسة تم قبولها على أنها الفردوس المفقود الذي سيجدون فيه كرامتهم وحريتهم التي رسمناها لهم. وصنعنا لهم أعلامهم ورايتهم المقدسة بعد أن حددنا يوم استقلالهم ليحتفلوا به بخروجنا الشكلي. كتبوا دساتيرهم وفق ما أمليناه عليهم، حتى بات أهم من كتابهم المقدس مع أن الكتابين يقرأونه ولا يطبقون منه شيئاً.
حوار ساذج ما بين سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي بعد قرن من تقسيم المنطقة لأشباه دول متصارعة ومتنازعة فيما بينها على أمتار هنا أو هناك. وكلنا نلعن هذين الشخصين لما قاموا به في المنطقة وتقسيمها على أساس سياسة “فرق تسد” البريطانية. سياسة كانت لها ايجابياتها على من عمل على تشتيت المنطقة وكم هائل من السلبيات أو المآسي والتراجيديا على شعوبها بمختلف مكوناتهم الأثنية والعرقية والمذهبية والطائفية.
بعد قرن ما زلنا نتصارع فيما بيننا ونكرّس التقسيم ونقدسه أكثر من الذين قسموا منطقتنا بآلاف المرات. ووصلنا لمرحلة نصف كل من يفكر يإزالة أو تغيير هذه الحدود بأنه خائن وعميل وينبغي التخلص منه بأي وسيلة كانت. أصبحنا بيكويين وسايكسيين أكثر من سايكس بيكو بحد ذاتهم حتى وصلنا لأن نسجد أمام عرش هيمنة القوى الغربية التي جعلت من نفسها المخلص والمنتظر كي ينقذنا مما أقحمونا به في أقفاص ذهبية سميناها وطن ودولة.
أهي لعنة ينبغي أن نعيشها كما هي وكأنها أمر واقع وعلينا التعايش معها ونحني رؤوسنا صاغرين ومنفذين لكل ما يُقال لنا، أم أنه علينا إعادة التفكير في الكثير من الأمور التي نعيشها على الأقل كي نخرج من حالة الاغتراب الذاتي التي نعيشها.
هجرنا ديننا عمداً كما هجرنا تاريخنا وكتبناه زوراً وكذلك اغتربنا عن جغرافيتنا التي كانت السبب في حضارتنا التي انتشرت في العالم. الدين تركنا جوهره وتمسكنا بقشوره التي لم تنجينا مما نحن عليه وفيه. تاريخنا معظمه افتراء ورياء ونفاق ولا شيء فيه نتمسك به سوى بطولاتنا الجوفاء وشجاعتنا الرعناء وكرامتنا المهزومة أمام موائد قوى الهيمنة الناهبة الغربية منها والشرقية.
قرن كامل ونحن نحتفل بالاستقلال الوطني المزيف ونصفق لأعيادنا الوطنية في دحر العدوان والتحرير الكاذب. نرقص لميلاد زعماؤنا ورؤساؤنا وملوكنا الميمونون، الذي لولا ولادتهم لكنا تهنا في صحراء المجهول في العلم والمعرفة الوضيعة. قرن ونحن نحمي حدوداً ليست تعنينا بشيء سوى بالحفاظ على أجندات وأطماع من رسمها لنا في غفلة من الزمن، وسادية معظم أنظمتنا وحكامنا الدُمى الذين وكلوهم علينا.
نحن من أعلى ورفع من شأن من قسمونا وشتتونا، وأجلسناهم على العرش كي يتولوا أمرنا وننفذ ما يطلبوه منّا من كل قلوبنا. وحتى الآن في الأمور الاستراتيجية نأخذ رأيهم معظم الأحيان كي لا نثير حفيظتهم ونعمتهم على بقاء حكامنا على كرسيهم وسلطتهم. عملية تكاملية لا بدّ لها أن تسير وفق ما هو مخطط لها.
بعد قرن من الزمن وما نراه من تطورات هائلة في التكنولوجيا والمعلوماتية حتى بتنا نعيش الحدث أثناء وقوعه مباشرة وباتت كمية المعلومات غزيرة، كل ذلك كشف الكثير عن المجهول الذي كنا نعيشه من المعلومات ومن الأحداث التي تم تصويرها لنا بشكل مغاير. التطورات في العالم الرقمي أزاحت الستار عن الكثير من الأمور المخفية عنّا منذ عقود من الزمن وكشفت الكثير من الحقائق التي لم نكن قد سمعنا بها. وكذلك كشفت حقيقة معظم زعماءنا ورؤساءنا وملوكنا على أنهم ليسوا سوى دُمى في أحسن الأحول بيد نفس القوى المهيمنة التي قسمت منطقتنا لمجموعة من أشباه دول، بعدما كانت المنطقة مجموعة من الثقافات والشعوب. هذا التقسيم الذي جعل الشعوب والثقافات تتقاتل فيما بينها لنيل قطعة صغيرة من أرض تبني عليها زوراً كياناً اسمه وطن
حينما شعر أولياء سايكس بيكو بالخطر الداهم عليهم من وعي الشعوب وإدراكهم للحقيقة التي كانت مخفية وراء الحكام الذين سلطوها عليهم، الآن وبعد قرن من الزمن يريدون الحفاظ على المنطقة تحت سيطرتهم وكي يحجموا من غضب الشعوب التي هبّت باحثةً عن كرامتها وهويتها الحقيقة، بدأوا بفوضى الربيع العربي ليجعلوا من الاخوان المسلمين أداة ليقضوا من خلالهم على طموح وآمال الشعوب في الخلاص والحرية من استغلال قوى الهيمنة وأدواتهم في المنطقة. ربما نجح الاخوان في مهمتهم الموكلة لهم مِن قبل مَن يجلس على عرش الهيمنة الدولية، لكن هذا لا يعني أن الشعوب سوف تستكين لهذه الأداة وتقبل ما تمليه عليهم، بل ستعمل الشعوب على إيجاد طرق ووسائل خاصة بها كي تعبر من خلالها عن ذاتها وهويتها الحرة.
خطابات وأفكار كثيرة تنهال على الشعوب من أجل تهدئتها من أجل الخروج من عنق الزجاجة الذي دخلته قوى السلطة ومريديهم الذين لا زالوا يعولون على شعاراتهم القومجية والحزبوية لاستعادة امجاد الماضي التليد الغابر. أفكار مثل؛ لنهدأ قليلا ونفكر بدولة المواطنة أو الدولة المدنية أو مدنية الدولة وغيرها من المصطلحات القديمة الجديدة التي كنا نلوكها منذ قرن حتى الآن ولم نطبقها. الآن ربما أصحاب النيات الحسنة يروجون لها تحت ضغط قوى السلطة لعبور مرحلة فوضى انهيار الدول التي نعيشها، وننتظر حتى تستعيد الدولة عافيتها حينها سنفكر بما اتفقنا عليه في بناء دولة المواطنة والمدنية. ربما ما يقولونه يشبه حوار الطرشان أو الجدل البيزنطي السفسطائي الذي كان سببا لسقوط روما. ولمن لا يعرف كيف سقطت روما عليه على الأقل أن يتابع ما نعيشه الآن في منطقتنا لأنه متماثل لدرجة كبيرة حتى تسقط المنطقة برمتها.
للخروج من هذا مستنقع الفوضى الذي نحن فيه علينا قبل كل شيء أن ننزل من وضعناهم على العرش بأيدينا ونضعهم في مكانهم المناسب، وأنَّ من عليه أن يجلس على هذا العرش همّ فقط من يعملون على بناء المجتمع والانسان الحر صاحب الكرامة المجتمعية والذين يعملون على التعايش المشترك بين الشعوب للوصول لتكريس الأمة الديمقراطية التي ستكون عنوان القرن المقبل، بعيداً عن إملاءات قوى الهيمنة الدولية، بل ستعمل وفق ما تمليه الأخلاق المجتمعية التي هي أساس تطور المجتمعات وبناء الحضارة الإنسانية.

to top