مدير تحرير الأهرام المصرية يطالب بحملة دولية للإفراج عن أوجلان أسوة بالمناضل التاريخي مانديلا
دعا الكاتب المصري فتحي محمود إلى إنهاء العزلة المفروضة على القائد الكردي عبدالله أوجلان، أسوة بشخصية المناضل الأفريقي الكبير نيسلون مانديلا، مؤكدا أن أوجلان قدم إلى شعوب المنطقة الحل الديمقراطي السلمي للمسألة الكردية والشرق أوسطية.
وفيما يلي نص المقال:
نحو حملة دولية للإفراج عن أوجلان
بقلم/ فتحى محمود
(مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية)
شكلت القضية الكردية معضلة مهمة فى منطقة الشرق الأوسط منذ عقود طويلة، فالكرد الذين يعتبرون من أصل آرى سكنوا منطقة الجبال المتواصلة بين إيران وتركيا والعراق والتى عرفت باسم كردستان ودخلوا عبر التاريخ فى صراعات كثيرة شهدتها تلك المنطقة، حتى جاءت الفتوحات الإسلامية ودخلت القبائل الكردية فى الإسلام ونصروه فى مواضع كثيرة أشهرها ما قام به القائد الكردى صلاح الدين الأيويى من تحرير القدس وتأسيس الدولة الأيوبية، وتصدى الكرد للمغول بقيادة هولاكو.
وبعد سقوط المغول، تنازعت الدولة الصفوية والدولة العثمانية السيطرة على اقليم كردستان، وتقاسمت الدولتان الاقليم وكان الجزء الأكبر من نصيب الدولة العثمانية، لكن الكرد استغلوا الحرب العالمية الأولى فى الدعوة لقضيتهم الخاصة بإقامة دولة مستقلة، وحصلوا على وعود من الحلفاء بذلك، بل أن معاهدة سيفر التى عقدت فى باريس عام 1920 لتقاسم ممتلكات الامبراطورية العثمانية منحت كرد تركيا منطقة حكم ذاتى تمهيدا لإقامة دولة مستقلة خلال عام، لكن حكومة كمال اتاتورك لم تعترف بعد ذلك بهذه المعاهدة وتخلى الحلفاء عن الكرد بحثا عن مصالحهم مع النظام الجديد فى تركيا، مما اشعل ثورة كردية عام 1921 أخمدتها تركيا بعنف شديد، ووجد الكرد انفسهم مقسمين بين أربعة دول هى تركيا وإيران والعراق وسوريا، واصبحوا أكبر شعب فى الشرق الأوسط يعيش على أرضه بدون دولة.
وطوال عقود تعرض الكرد خاصة فى تركيا لعمليات قمع وإقصاء وحشية، حاولوا مواجهتها عبر حركات نضالية عديدة أبرزها حزب العمال الكردستانى الذى أسسه قائده التاريخى عبد الله أوجلان خلال السبعينيات فى جنوب شرق تركيا بهدف إقامة دولة كردية مستقلة، وخاض صراعا مسلحا طويلا منذ الثمانينات وردت تركيا بتدمير آلاف القرى الكردية، وطاردت أوجلان نفسه فى كل مكان لمدة عشرين عاما، وكادت القوات التركية تكتسح سوريا عام 1998 للقبض على أوجلان الذى غادر دمشق متنقلا بين عدة دول حتى نجحت المخابرات التركية فى اختطافه من مطار نيروبى فى 15 فبراير 1999، بمساعدة المخابرات الاسرائيلية الموساد ، ومنذ ذلك الوقت يقبع أوجلان فى سجن إمرال التركى فى ظروف سيئة للغاية، بعد أن حكم عليه بالإعدام وخفف الحكم إلى السجن المؤبد تحت ضغوط أوروبية.
والحقيقة أن المتتبع لمسيرة أوجلان قبل وخلال سجنه الطويل يكتشف أنه امام مفكر وليس مجرد قائد لجماعة نضالية، وأن حزب العمال الكردستانى تحول إلى حركة تحرر وطنى وليس حركة انفصالية، فقد سبق أن اعلن أوجلان عامى 1993و1995 عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد لكن الحكومة التركية كانت ترفض ذلك، وفى ديسمبر 1998 أى قبل القبض عليه بشهرين أعلن اتخاذه النهج السلمى سبيلا للنضال بدلا من الكفاح المسلح، لكن تركيا استمرت فى عمليات قمع الكرد بوحشية كبيرة، بدلا من أن تكون فرصة للوصول إلى حل سلمى للمسألة الكردية.
لقد ناقش أوجلان كثير من القضايا المهمة فى سلسلة مجلدات حملت عنوان (مانيفستو الحضارة الديمقراطية)، وشهدت مسيرته الفكرية تطورا كبيرا من الإيمان بالكفاح المسلح سبيلا وحيدا لإقامة دولة كردية مستقلة إلى العمل من أجل الحل الديمقراطى السلمى، وقدم خارطة طريق توضح تفاصيل هذا الحل، وهو الأمر الذى رد عليه النظام التركى باستمرار حرب الإبادة ضد الكرد، وفى رؤية أوجلان المتكاملة للتحول إلى أمة ديمقراطية يوضح أن الاعتراف بحق التحول إلى أمة ديمقراطية كان الحل الأنجع والأنجح والقابل للتطبيق، دون الحاجة إلى دولة قومية كردية، بل ودون الحاجة لتحويل الدولة القومية الحاكمة إلى أشكال من الطراز الفيدرالى، وبناء على ذلك فخارطة الطريق التى قدمتها على خلفية الحوار مع الدولة التركية كانت تعبر كفاية عن مبادئ الحل والسلام المأمولين، لكن جهاز الدعاية والتحريض فى الدولة والمتأثرة جدا بتقاليد التطهير العرقى عاجزة عن البت فى قرار السلم والحل الديمقراطى، فرغم محاولات وقف اطلاق النار التى اعلنها حزب العمال الكردستانى مرات عديدة من طرف واحد، إلا أنه لم يلق الجواب اللازم، ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلا، فإما أنه سيتم ولوج سياق السلم والحل الديمقراطى المستدام والمشرف، والذى يتفق فيه الطرفان على ثوابته ومبادئه الأساسية، وهو سلام تاريخى ونمط حل سياسى ديمقراطى سيكون مثالا تقتدى به شعوب المنطقة والإنسانية قاطبة، أو سنعود إلى حرب جديدة حاسمة.
هكذا يقدم عبد الله أوجلان حلا سلميا لواحدة من أهم المعضلات التى تواجه الشرق الأوسط، لكن النظام التركى الذى أدمن جرائم التطهير العرقى لا يرغب فى السلام، ولا يهمه سوى استمرار سطوته ومغامراته التوسعية وعلاقاته المشبوهة مع مرتزقة داعش والإخوان، حتى لو كان الثمن بحورا من الدم.
إن أوجلان الآن يقدم نموذجا شبيها للمناضل الافريقى الكبير نيلسون مانديلا، الذى اعتقل بعد عام واحد من توليه رئاسة الجناح العسكرى للمجلس الافريقى القومى الذى قاد النضال الشعبى ضد نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا، وظل 27 عاما فى السجن مدافعا عن حقوق شعبه، قبل أن يتم الإفراج عنه بسبب الضغوط الدولية المكثفة ليصبح أول رئيس أسود للبلاد.
وبعد مرور 21 عاما على سجن أوجلان الذى مد يده بالسلام أكثر من مرة رغم الجرائم المروعة للنظام التركى، حان الوقت من أجل تنظيم حملة دولية مكثفة للإفراج عنه، لا تقتصر المشاركة فيها على الكرد المتواجدين فى أماكن مختلفة فقط، ولكن تضم كل المؤمنين بقيم الحرية والديمقراطية والتحرر الوطنى فى مختلف دول العالم، وخاصة من المثقفين والرموز الأدبية والفنية والإجتماعية والرياضية والتيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى على المستويين المحلى والدولى، وتكون لها لجنة تنسيقية معلنة، وخطة تصاعدية للعمل من أجل مواجهة إجرام النظام التركى باستخدام كافة السبل المتاحة، وحشد الرأى العام العالمى لإجبار نظام اردوغان القمعى على الإفراج عن أوجلان، وفضح كل ممارسات هذا النظام الإجرامية ضد الكرد وغيرهم، وفرض عقوبات دولية عليه حتى يتراجع عن حماقاته واحلامه التوسعية التى يسعى إليها ولو على انقاض المنطقة.