بعد الانفجار المرعب الذي شهده قلب لبنان بيروت والذي خلف الكثير من الدمار والمعاناة، إذ أسفر عن آلاف الضحايا والمفقودين، إضافةً إلى تدمير آلاف المنازل وترك عشرات الآلاف من المواطنين دون مأوى. هرع المواطنون اللبنانيون ليظهروا مرة أخرى الوجه الحقيقي والحضاري للبنان، من خلال تقديم المساعدة والعون لاستضافة الأشخاص الذين فقدوا منازلهم، حيث فتحوا أبواب بيوتهم لاستقبال المتضررين وتقديم المساعدة والدعم للمنكوبين. في الوقت التي كانت فيها الدولة وكل أجهزتها الفاسدة في سبات عميق. أثبت الشعب اللبناني إلى جانب جيشه الوطني بأنه الضمان الحقيقي لهذا الوطن المنكوب والمفجوع، ليس فقط جراء هول الكارثة بل بسبب هذه المنظومة السياسية الفاسدة والعاجزة.
في الوقت الذي أظهر فيه عدد كبير من الدول العربية والغربية تضامنها مع الشعب جراء الكارثة التي حلت على لبنان، نرى مدى اغتراب السلطة عن نفسها وعن آلام الناس وبعد مرور أسابيع على الفاجعة نرى غياب السلطة التام عن متابعة تداعيات هذه الكارثة، حيث لم تمد يد العون والمساعدة.
وقد عشنا تداعيات هذه الكارثة بكافة تجلياتها، حيث تعرض مركز رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية في بيروت منطقة الصيفي لدمار كبير من الداخل، ورغم مناشدتنا الجهات المعنية والرسمية إلا أنه مرة ثانية كشف هذا الانفجار الزلزالي عن الوجه الحقيقي لسلطة المحاصصة والزبانية التي تركت أصحاب البيوت المهدمة لمصيرها، وتركت المستشفيات التي تعاني من قلة المستلزمات الطبية أيضاً بمفردها تصارع الكم الهائل من الجرحى من جهة، والمصابين المتزايد عددهم تدريجياً جراء وباء كورونا من جهة ثانية.
لكن الناحية التي أود التطرق إليها هي حالة الاستنفار الشعبي والوطني التي شملت معظم جمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الناشطة منذ الساعات الأولى لوقوع الكارثة، حيث استنفر الصبايا والشباب لتقديم المساعدة الميدانية مجاناً، لتخفيف الأعباء المالية عن المتضررين.
هذا الحراك الشبابي الجميل والمتعدد الألوان والعابر للطائفية والمناطقية بدأ بإزالة الركام من مركز رابطة نوروز بروح ملؤها العنفوان والمحبة والجماعية. حتى أن الكثير من الجمعيات بدأت بتقديم العون في عملية الترميم والتصليح من دون انتظار مساعدات من سلطتنا الفاشلة والملتهية بصراعات تشكيل الحكومة الجديدة والصفقات.
إن ظاهرة التضامن الشعبي الراقي مع المناطق المنكوبة وأهلها، والتي تجاوزت كل الحواجز الحزبية والسياسية، المناطقية والطائفية، جسدت الرد الوطني الشامل على تقاعس الدولة، والسلطة الفاسدة عن القيام بمسؤولياتها في لملمة جراح العاصمة المنكوبة، وأكدت عدم ثقة الدول المانحة بنزاهة الأجهزة والسلطة الرسمية، وفضلت التعامل مباشرةً مع منظمات المجتمع المدني.
معجزة المبادرة الوطنية بعد النكبة شغلت اهتمام العالم وحظيت بتقدير واحترام كبيرين محلياً وإقليمياً وحتى دولياً.