أحمد وصفي زكريا… خمسةُ وسبعونَ عاماً من العطاءِ والعلمِ
193
4 سنوات مضت
حسام اسماعيل –
روناهي/عين عيسى ـ كثرةَ حلِّه وترحالهِ وأسفاره جعلتْ علومه غنيَّة للغايَّة فلم يمتلك بيتاً ولا ملكاً بل ورث علماً نافعاً وقلد الكثير من المناصب أنه العلامة أحمد وصفي زكريا.
عَرف كثيراً منا بعضاً مما ألفه عالم دمشق الكبير أحمد وصفي زكريا، أو قرأ أو سمع فهو الموسوعي والمؤرخ المدقق، يَعرفُ ذلك كل من قرأ له، كما يَعرف أنهُ باحثٌ دؤوبٌ ذو شهرة في المجالات العلميَّة والأثرية والزراعية في سوريا وبعض البلدان العربية فقد قدم خدماته وخبراته لكل من سوريا ولبنان وفلسطين واليمن والعراق والأردن إضافة إلى جهوده الوطنية وخبرته العملية.
عاش العلامة حياته دارساً باحثاً حتى كان رُغم تقدم سنه يُسرع الخُطى متوكئاً على عصاه مُتنقلاً من تلٍ إلى تل ومن قريَّةٍ إلى أخرى مُقتفياً عن نهرِ مرا ( امرأة) الذي كان حديث الشعراء والرَّحالة، وقد بقيت آثارهُ مجهولةً حتى تَمكن من الكشف عن بعض أماكنها وتحديدها، وأعد بحثاً عنه نُشِرَ بعد وفاتهِ في (مجلة الحوليَّات الأثريَّة).
تقلدَ العديد من المناصب
ولد أحمد وصفي زكريا عام (1889) في دمشق، وأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية، وانتقل إلى اسطنبول، والتحق بمدرستها الزراعية العليا، وتخرج منها عام 1912م مهندساً زراعياً، وقد كان أولى أعماله أنْ عُين في (السلمية) التابعة لمحافظة حماه بمدرستها الزراعية التي قد أنشئت حديثاً ثم أصبح مديراً لها ثم شغل منصباً في (مديرية دار الحرية) في بيروت عام 1914م، وفي المدرسة الزراعية في الأطرون بين (القدس ويافا)، ثم كُلف بمهمة مكافحة الجراد في دير الزور عام 1916م، وفي عهد الحكومة الفيصليَّة شغل منصب مدير مدرسة السلمية الزراعية، وفي عام 1924م عين مفتشاً لأملاك الدولة، وفي العام 1936م استدعي إلى اليمن مستشاراً فنياً زراعياً، وقد قدم الكثير هناك فأدخل أصنافاً من المزروعات الجديدة التي تناسبها البيئة اليمنية مقيماً فيها لسنتين، وبالرغم من استدعاء حكومة العراق له ليُدرس في مدرسة (دار المعلمين) الريفية ببغداد، إلا أنه بقيَّ على اتصال مع مسؤولي اليمن، ومختصي الزراعة فيها للاطمئنان عن نتائج أبحاثه وحسن سيرها في حقل الزراعة، وقد ترك الكثير من الرسائل، والأوراق التي تُثبت متابعته، واهتمامه بذلك رغم تَركه اليمن، وبقي في العراق حتى عام 1941م أيام ثورة رشيد عالي الكيلاني ثم استدعته حكومة شرقي الأردن عام 1943م ليكون مديراً عاماً لوزارة الزراعة في عمان 1950م حيث أحيل على التقاعد لبلوغه السن القانونية، وقد اختارته سوريا في أواخر حياته عضواً في المجلس الأعلى للعلوم والآداب.
عاش العلامة أحمد وصفي زكريا في فترة تاريخية عصيبة فقد عاش أواخر أيام الحكم العثماني ثم الاحتلال الفرنسي، وعاش الاستقلال العربي وكان يجيد اللغة العربية والتركية والفرنسية مما سهل عليه تداول الكثير من المصادر للبحث وآفاق علمية واسعة وكان شغوفاً بالرحلات والأسفار والدراسات التاريخية الجغرافية، فوفر ذلك له حصيلة علمية وتاريخية وجغرافية وأثرية غنية ظهرت في مؤلفاته التاريخية الهامة التي تركها.
كان العلامة وصفي زكريا رائداً في العلوم الزراعية فهو أول من أسس المدارس الزراعية في كل من سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن واليمن، ووضع منهاجها، وهو أول من عرَّب المصطلحات الزراعية وألف الكتب الزراعية ولا تزال هذه الكتب من أهم الكتب المعنية في مجال الزراعية وأدقها، وتخرج به عدداً كبيراً من المهندسين الزراعيين أثناء عمله استاذاً في كلية الزراعة بدمشق.
مؤلفاته
كان رائداً متميزاً في تدقيق المعلومات، والتقصي، والبحث فقد كان يعتمد على المشاهدة والحس، كما كان يستقرئ المعلومات، ويناقش فيها أصدقاءه من العلماء والأدباء، وأهل الدراية إضافة إلى جمع المعلومات المتوفرة لدى العامة، وذلك استكمالاً لكافة جوانب بحثه، ترك أحمد وصفي زكريا الكثير من المؤلفات الزراعية والتاريخية والجغرافية والأثرية ففي ميدان الزراعة (اختصاصه المهني) خلف الآثار التالية:
1ـ الدروس الزراعية للصفوف الابتدائية في ثلاث أجزاء صدر عام 1925م.
2ـ المفكرة الزراعية وتتضمن خلاصة الفنون والأعمال الزراعية، وقد صدرت عام1930م.
3ـ زراعة المحاصيل الحقلية في بلاد الشام في جزأين صدر عام 1951م.
في المجال التاريخي والأثري والجغرافي
1ـ جولة أثرية في بعض البلاد الشامية صدر عام 1934م.
2ـ عشائر الشام في جزأين صدر عام 1945م.
3ـ الريف السوري في جزأين صدر ما بين عامي 1955م ـ 1957م.
المخطوطات التي تركها هي:
1ـ حيوانات بلاد الشام البرية.
2ـ مقالات عن رحلته إلى اليمن وتاريخ اليمن وأعماله.
3ـ مقالات مختلفة زراعية وتاريخية وأثرية وجغرافية كانت قد نشرت في الصحف والمجلات السورية والعربية، يضاف إلى ذلك بعض المقالات التي نشرت اعتباراً من عام 1936ـ 1957 في بعض الصحف والمجلات العربية كالمقتطف المصرية والمعرفة السورية، ومجلة الشرطة، ومجلة غرفة زراعة حلب، وصحيفة النصر، ومجلة الحوليات الأُثرية السورية وغيرها.
لم يمتلك بيتاً ولا ملكاً… بل ورث علماً نافعاً
إلى جانب الكثير من الأبحاث المخطوطة والمقالات التي لم تنشر، وقد وُجِدتْ في أدراج مكتبته باللغة العربية وبعضها الأخر باللغة التركية، وقيل أن بعض المخطوطات في اليمن لا نعرف عنها شيئاً، وكان يجد صعوبة كبيرة في توفير المال اللازم لطبع كتبه ونشرها، في زمن قل فيه راغبو الثقافة وعشاق الكتب، مما كان له تأثير كبير على عيشه وعيش أسرته، فقد كان ما يجنيه من المال ينفقه على الإنتاج العلمي ونشره، فلم يمتلك بيتاً أو سيارة، ولم يترك لأولاده شيئاً إلا أنه ترك علماً ينتفع به.
لم ينل العلامة أحمد وصفي زكريا الاهتمام الذي يستحقه عالم مثله فهو لم يحظ بأي اهتمام أو تقدير رسمي من أي دولة لا في حياته ولا في مماته، ولم ينهض أي باحث بدراسة عنه سوى ما أورده محمد أبو الفرج العش مقدمة لمقال لم يكتمل نشره في مجلة (الحوليات الأثرية السورية)، كما قام المرحوم الأستاذ عبد القادر عياش بتقديم دراسة عن حياته في كتاب أصدره يتضمن ذكريات أحمد وصفي زكريا عن وادي الفرات عام 1916م.
توفي في الحادي والعشرين من شهر نيسان عام 1964م في مدينة دمشق عن عمر يناهز الخامسة والسبعون عاماً، بانفجار في الدماغ أثناء مراجعتهُ الأخيرة لكتابه المخطوط (حيوانات بلاد الشام)، والذي لم يطبع إلى الآن.