كثيراً ما كانت داعش تعمل ما تقوله وخاصة في أنها لا تعترف بالدول والحكومات المتواجدة وأنها أي هذه الدول والحكومات ما هي إلا كفرة ويجب التخلص منهم بأي وسيلة كانت، والوسيلة الوحيدة التي كانت تفهمها وتقصدها داعش هي القتل والنحر. لأنه وفق مفهوم داعش أن الدولة الإسلامية المزمعة انشاؤها لا تعترف بالحدود ولا بالدول وكانت تسعى لإقامة أوهامها في دولة إسلامية مترامية الأطراف. أوهاماً كانت تعتقدها داعش أنها صالحة لكل زمان ومكان واستغلت الدين للوصول لأوهامها تلك، ومن الدين أخذت الشكل وتركت جوهره في العدل والرحمة وأن كلمة الله هي العليا. بل راحت تنحر بهذا وتحرق ذاك بتهم جاهزة وهي أنهم كفرة ومرتدين وبهذا زرعت الرعب والترهيب في قلوب الناس والمجتمعات تحت اسم الدين.
لم تدم دولتهم ولا أوهامهم وسرعان ما تم القضاء عليهم وعلى مشاريعهم الخرافية رغم ما لاقوه من دعم ومساندة من خليفتهم أردوغان الذي كان يعتمد عليهم لتوسيع رقعة أوهامه من الدولة إلى الإمبراطورية الاردوغانية العثمانية الجديدة. سقطت أوهام أردوغان مع سقوط آخر معاقل خرافة داعش في الباغوز على يد قوات سوريا الديمقراطية بدعم من قوات التحالف.
يحاول الآن أردوغان على تنفيذ ما عجزت عنه داعش في هدم الدول وإزالة الحدود لبناء امبراطوريته المزعومة العثمانية الجديدة على انقاض الدول والمجتمعات كما كانت داعش تفعل. وما يفعله أردوغان لا يختلف البتة عما كانت تقوم به داعش من قتل وتدمير وتهجير وحرق ونحر للإنسان والمجتمعات. حيث شكل جيش من المرتزقة الانكشاريين الذين دينهم ومعبودهم هو المال والجنس والقتل، وهم بعيدون كل البعد عن كل شيء يمت للإنسانية بصلة.
وأينما حلَّ اردوغان بمرتزقته نرى أن داعش يتم انعاشها من جديد وتقديم قبلة واكسير الحياة لها مجدداً من قبل أردوغان. هذا ما يحصل في سوريا حينما تعمل مرتزقته على تهريب داعش وعوائلهم من مخيمات الاعتقال في شمالي سوريا نحو تركيا، وكذلك في العراق حيث معسكر بعشيقة ما هو إلا كامب لحماية عناصر داعش المتواجدين في الموصل أو مناطق أخرى، يحتمون به حينما تضيق عليهم الدينا جراء ملاحقتهم من قبل الجيش العراقي. ونفس الأمر في ليبيا حيث نقل آلاف المرتزقة العرب والأجانب من سوريا ومالي والصومال إلى ليبيا وإعلان داعش عن تواجدهم في نفس المنطقة المحتلة من قبل تركيا في الشمال الغربي من ليبيا، ما هو إلا دليل على توافق عقلية داعش واردوغان في أهدافهما وتمزيق الحدود والدول لبناء دولتهم الخرافية على حساب الشعوب.
على خُطى داعش ما زال أردوغان يسير متوعداً هذا ومهدداً ذاك وبين هذا وذاك لا نرى أي موقف للقوى التي تدعي الشرعية الدولية، بل على العكس من ذلك نراها تغض النظر عمَّا يقوم به أردوغان من عربدة في البحر المتوسط وكأنه بلطجي يهدد كل من يقف في وجه عربدته وعنجهيته العثمانية.
مصر التي قطعت الطريق على عربدته تلك في المتوسط وكذلك في ليبيا، أصابته ومشروعه الخرافي في الصميم، وراحت كل اتفاقياته مع السراج أدراج رياح المتوسط، وكذلك الجيش الليبي الذي وقف حجر عثرة أمام أوهام وأطماع أردوغان ومرتزقته على الرمال الليبية. هي نفسها الرمال التي انهت الاستعمار الفرنسي ومن بعده الطلياني والآن العثماني الاردوغاني يسير على نفس تلك الرمال ليغوص بها أكثر وأكثر ليختنق هو ومن معه في كثبان ورمال ومقاومة الشعب الليبي الذي لا يقبل غروره أن يحكمه شخص معتوه ولص وقرصان سليل التاريخ المزور وجغرافيا الوهم.
على خُطى داعش يتوهم أردوغان أنَّ بمقدوره تحقيق خرافته العثمانية وبكل تأكيد أنه يسير على خُطى داعش في زواله والقضاء عليه ومشروعه الفنكوشي. فكما قضت قوات سوريا الديمقراطية على أداة أردوغان داعش قبل عامين من الآن، حتماً سيتم القضاء على أوهام وخرافة أردوغان في القريب العاجل وحينها لن يسعفه أحدٌ ممن تبقى من جماعة الاخوان المسلمين والذين سيرحلون مع خليفتهم إن عاجلاً أو آجلاً.