الحوار السوريّ السوريّ طريق النجاة من الأزمة
إلهام أحمد –
كلّ جولات التفاوض التي جرت في جنيف، أستانه، سوتشي أفرزت مخاضات أليمة للشعب السوريّ، والمجتمع الدولي لا زال متمسكاً بمخرجات جنيف بأعدادها المتسلسلة، علماً أنّ هذه المحادثات وصلت لدرجة العقم ولم تعد قادرة على إنتاج مخرجات جديدة.
أستانه أيضاً كان لها الدور في إعادة سلطة النظام الى المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل المسلّحة، ونقلهم من منطقة إلى أخرى، وبالتالي خلق حالة جديدة في سوريا، قد تهيئ الأرضيّة لحرب أهليّة جديدة في سوريا.
أما مؤتمر سوتشي الذي انعقد بضمّ أعداد كبيرةٍ من السوريين (النظام والموالين له)، وسُمّي بمؤتمر المصالحة الوطنيّة. ولم يكن لمخرجات سوتشي التأثير على الواقع السوريّ بفرض حلٍّ جذريّ. فقد لعب الفيتو التركيّ دوره في كلّ تلك المؤتمرات، والدول التي تخشى على مصالحها مع تركيا، عملت دائما لصالح تركيا وتخلّت عن جزءٍ كبير وأساسيّ من المعارضة السوريّة كان بإمكانه إنقاذ الثورة وسوريا من الحرب التي أكلت الأخضر واليابس معاً.
كلّ تلك المؤتمرات لم يتواجد فيها طرفٌ سوريّ حقيقيّ، الأطراف السوريّة موجودة بالواجهة، لكنها متخاصمة وترفض اللقاء في قاعة وجهاً لوجه لتناقش ما يجري داخل سوريا. والأطراف التي تلتقي خلف الستار في قوى أجنبيّة ليست سوريّة، تضع الخرائط وترسم الخطط، لصالح من؟ العنوان العريض هو مؤتمرات أصدقاء سوريا، ومؤتمرات الحلّ والسلام لسوريا. لكن أثناء وبعد انتهاء كلّ جولة تبدأ حملة التصعيد بشكل لا يمكن تقديره ولا تصوّره، مقابل ماذا؟ مقابل أن تبقى المصالح التي تعمل فعلها.
الآن يتمّ الحديث عن الحلّ السياسيّ والحوار السوريّ ــ السوريّ، ما هي المكابرات التي ستظهر في محاولات الحوار السوريّ ــ السوريّ حتى يبدأ، لا بد أن تتوفر بعض الشروط في كلّ الأطراف الساعية للحلّ.
أولاً: توفر القناعة لدى الأطراف، بأنّ ما حدث في سوريا هو نتاج بينة النظام الذي أنتج قضايا بثقل الجبل من تراكمات السياسات التي مارسها النظام بعقليّاته القديمة التي ركّزت على التوحيد والإصابة بمرض التوحّد.
ثانياً: بما أنّ الأزمة سوريّة وداخليّة، هذا يعني أنّ الحلَّ أيضاً يجب أن يكون سوريّاً، وهذا أمرٌ حتميّ وواقعيّ وصحيحٌ، والأطراف التي تسبّبت بتفجير الأزمة، قادرة على طرح البديل أيضاً، وضروريّ أن يتمّ التخلصُ من بعض الثوابت التي ظهرت في مرحلة الأزمة وهي الاعتماد على الخارج والبحث عن الحلول خارج إطار السوريّ -السوريّ.
ثالثاً: كلّ الحلول المطروحة من الخارج بعيدة عن واقع المجتمع السوريّ ومتطلباته، والسوريون أدرى بما يطلبون وما يحتاجون، وسبعة أعوام من الحرب والقتال والدمار، أعطتهم الدرسَ بأن يروا النور بأعينهم، والنظر للأزمة السوريّة بمنظار خارجيّ سيطرح حلولاً بعيدة عن الواقع، لذلك أعتقد أنّ القدرة على الرؤية الصحيحة أصبحت متوفرة لدى قسم من الأطراف السوريّة.
رابعاً: وجود القرار للبدء بالحلّ، لمجرّد حصول القناعة بأنّ سبعة أعوام من الحرب تكفينا لنتعقّل ونأخذ الدروس من أخطائنا، وهذا يعني وضع العربة على السكة، فتوفر القرار بتصحيح المسار كافٍ لبدء العملية السياسيّة.
خامساً: بعد التوصل للقرار، وكي تبدأ العملية السياسيّة، لا بد من بذل الجهود الحثيثة والإصرار على الحلّ، وإلا فالمواقف التكتيكيّة من العملية السياسيّة ستؤدّي لكارثة تزيد من المأساة السوريّة.
اذا ممكن مناقشة الثوابت والمتغيرات التي أسست لمبادئ قادت البلد بالشكل الحالي والتي أصبحت تشكل عائقاً جديّاً أمام أيّ خطوة قد تؤدّي إلى الحل. والثوابت التي تؤسس لدولة قوميّة تضع مسلمات تتحوّل لخطوط حمراء لا يمكن تغييرها فيما بعد، وتكثر فيما بعد الثوابت والمقدسات. فعندما تكثر تلك الثوابت يصبح من الصعب الوصول لحلّ واقعيّ يخدم مصلحة جميع أبناء البلد.
لهذا البحث عن التقاطعات بين الأطراف، ومن ثم العمل على تقارب وجهات النظر بين المختلفات وحلّها بشكل جذريّ يرضي الأطراف ويضمن حقوق كلّ المواطنين بمختلف القوميات والثقافات والعقائد، وجعلها مبادئ فوق دستوريّة تشكّل حلاً جذريّاً للقضايا.