الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

من الكرامة نحو المال ثوار آخر زمن

منى زيدو

كما في معظم الثورات التي حصلت بالتاريخ نفس الأمر يتكرر فيما سُمي بثورات الربيع العربي التي أطلقتها الشعوب من أجل نيل كرامتها المسروقة من قبل الأنظمة القمعية والسلطوية، إلا أن الذين ادّعوا الثورة من أجل الشعب، سرعان ما بانت حقيقتهم وسقوط القناع الذي كانوا خلفه يلتحفون، بمجرد رؤيتهم للمال المغدق عليهم من قبل سلطانهم العثمانوي. ثورة تم تحويلها لجمع الثروات على حساب تهجير الشعوب وتدمير المجتمعات وحتى أن المال أعمى بصرهم وبصيرتهم ومن أجله راحوا يقاتلون في كل مكان يزجونهم به.

حفنة من سارقي آمال وأحلام الشعوب التواقة دائما للكرامة والشرق والحرية. منذ الاحتلال العثماني للمنطقة وما حدث من بعدها لتفتيت هذه التركة الثقيلة وتشكيل أشباه دول (مستقلة)، عانت المجتمعات والشعوب من جور وظلم الأنظمة التي تربعت على السلطة وراحت تسرق المال وتنشر الفساد حتى حولت المجتمعات لمجرد أشباه بشر كل همهم تحصيل لقمة العيش لا غير وتأمين مسكن مع قليلًا من الكرامة.

حتى الكرامة لم تتركها النظم الحاكمة ملكًا للشعب وراحت بتأميمها كما أمَّمت وخصخصة الكثير من الممتلكات حتى مسمى السوق الحرة والاتجاه نحو اللبرلة. تحول المجتمع نحو أشباه بشر مستهلكين وابتعدوا عن الإنتاج والتفكير وكأنه لا يلزمهم ما دامت الأنظمة هي التي تكفلت بالإنتاج والتفكير وما على المجتمع إلا قبول ما تمنحهم إياه تلك الأنظمة. وارتفعت مكانة حاشية الأنظمة على غرار حاشية الملوك والسلاطين وراحوا ينشرون الفساد والمحسوبية والرشوة أينما حلّوا، وانقسم المجتمع إلى طبقة الملوك والزعماء وحاشيتهم وطبقة دُنيا من عامة الشعب غير مطلوب منهم سوى الطاعة والخنوع والاستسلام.

حينما ثار المجتمع على هذه الحالة التي لم يرضاها وراح يبحث عن كرامته بعيدًا عن هذه الحاشية التي كانت ملكًا أكثر من الملك نفسه، وسعت لتغيير ما هو واقع كان كالحمل الثقيل على أحلام الشعب التي دائمًا ما تتوق للحرية والعيش بكرامة وفي وطن تشعر بالانتماء له. ولكن حينما يتحول الوطن إلى سجن كبير للشعوب حينها تتمرد على هذه الأنظمة لأنه لا شيء ستخسره سوى قيودها.

هذا ما حصل في سوريا والعراق وليبيا واليمن وبعيدًا عن المؤامرات والألاعيب الغربية وأطماع القوى المهيمنة، إلا أن العلّة تكمن فينا قبل أن نبحث عمّا حصل في الخارج لنتهمه بأنه سبب البلاء الذي نعانيه والمصيبة التي حلّت علينا. بكل تأكيد أنه للقوى الإقليمية والدولية مطامع كثيرة في منطقتنا ولكن ثورة الشعوب في هذه الدول كانت من أجل الكرامة وقليلًا من الحرية لا غير، لكن الذين تسلقوا هذه الثورات وأخرجوها عن مسارها لتتجه نحو أسلمة الثورة هم السبب فيما وصلت إليه هذه الدول من دمار وخراب وتهجير وفساد وسرقات وقتل. هم الذين الآن يعتلون كراسي المعارضة ويبهروننا ببياناتهم وتصريحاتهم الخلابية، هم نفسهم كان معظمهم من حاشية الأنظمة ومسؤوليها الذين يطبلون لهم بكرة وعشيا. وبقدرة قادر تحول لصوص الأمس إلى ثوار اليوم على حساب الشعوب وأحلامهم.

لصوص بكل معنى الكلمة تحت اسم المعارضة الذين ارتموا في أحضان أردوغان السلطان الذي وعدهم بأن يحقق لهم أمانيهم في أن يتحولوا بأقصر وقت ممكن إلى لصوص بكل معنى الكلمة ويملؤوا حساباتهم البنكية ويصرفوا منها ما شاؤوا وأينما شاؤوا، ولو كان لمعرفة جنس المولود كما حصل مع ابن اللص والمعارض السوري ابن رئيس المكتب القانوني للائتلاف السوري المعارض “أنس هشام مروة” حيث أقام في برج الخليفة بدبيّ وأنفق 90 ألف دولار لمدة 3 دقائق فقط وذلك لمعرفة نوع مولوده.

مثل هذه الأقزام اعتلوا منصة المعارضة وراح أردوغان يقدمهم على أنهم من يمثلون الثورة السورية. وطبعًا كما يقول المثل الشعبي (كل إناءٍ ينضح بما فيه)، وهذا هو حال المعارضة التي تشبه أردوغان في سلوكياته وسلطته في تركيا.

فقد حول أردوغان الثوار إلى جامعي ثروة لا همّ لهم الشعب ولا سوريا كوطن وكسيادة وكانتماء، وكل ما يفكرون به هو مصالحهم الشخصية والعائلية ولتذهب سوريا للجحيم مع شعبها. من الكرامة لجني المال إنهم بحق ثوار آخر زمن نراه ونعايشه بكل تفاصيله وجزئياته. لذلك لا يمكن أن تبنى الأوطان على أكتاف أمثال هؤلاء اللصوص ومن تبعهم ممن يدعون الثورة إن كانوا في الشمال السوري أو ممن نقلهم أردوغان إلى ليبيا ليتحولوا بذلك لبنادق مأجورة وعند الطلب أينما كان.

to top