أحلام أردوغان الكثيرة والكبيرة والتي لا تكاد تنتهي، ومن الواضح أنه ليس لها نهاية، وغروره وحبه للسلطة ومحاولاته المستمرة والحثيثة في استعادة أمجاد إمبراطورية أجداده العثمانيين القتلة، وشغفه لنيل شرف لقب السلطان أردوغان ووضع صورته إلى جانب صورة مؤسس الجمهورية التركية مصطفى أتاتورك وربما مكانها، والذي بدوره أسس الدولة التركية على حساب الدولة الكردية وقضم أجزاء من أراض الشعوب المجاورة.
كل هذه الأحلام والرغبات الكبيرة تجعله في حالة تخبط مستمرة في سبيل تحقيقها، فها هو يزرع الشر والدمار والقتل في الدول المجاورة ويحتضن الإرهابيين من كل دول العالم ويدربهم ثم يرسلهم إلى دول المنطقة ليعيثوا فيها فساداً وقتلاً وحرقاً، كما يسرق أموال الدول التي أرسل إليها مرتزقته ليعيد بناء اقتصاد تركيا المنهار بسبب مغامراته السياسية على حساب أموال الشعوب التي احتل أرضها ومزّق وحدتها.
أما في الداخل التركي فقام بحملةٍ ممنهجة على خصومه السياسيين والمعارضين لسياساته، والسجون التركية اليوم تعجّ بالمعتقلين الذين نُسبت إليهم تهمٌ ملفقة منها “الإرهاب وإهانة الرئيس” لمجرد إبداء رأيهم في قضايا سياسية أو حتى اجتماعية أو لانتقادهم ورفضهم لسياسات أردوغان السلطوية، وطبعاً هذه التهم حججٌ مدفوعة سياسياً، وذلك بهدف قمع خصومه السياسيين وترهيبهم وتخويف وسائل الإعلام المعارضة، هذه الاتهامات أصبحت كالسيوف على رقاب كل من يفكر يوماً في انتقاد سياسة أردوغان والوقوف في وجهه وأمام أحلامه وطموحاته، لذلك تستمر السلطات التركية بشن حملات اعتقال طالت الآلاف منذ “المحاولة الانقلابية”، تحت ذريعة الاتصال بجماعة غولن الذي يزعم أردوغان وحزبه أنه دبر المحاولة الانقلابية، ذلك الانقلاب الذي دبّره أردوغان لتصفية معارضيه من الجنود والسياسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والصحفيين والحقوقيين، أما قبل الانقلاب فكانت حجة الدولة التركية في حملات اعتقالاتها الانتماء لحزب العمال الكردستاني.
وتواصل حكومة العدالة والتنمية عمليات القمع والتضييق على الحريات في البلاد، حيث أنها احتلت المركز الثاني بين أكثر دول العالم تضييقاً على حرية الرأي خلال الأعوام العشرة الأخيرة، حتى أنها حكمت على الكثير من الصحفيين والحقوقيين ورؤساء البلديات في المناطق الكردية ونواب عن حزب الشعوب الديمقراطي ورئيسها المشترك السابق المناضل صلاح الدين ديمرتاش الذي لا يزال إلى الآن في غياهب سجون حكومة العدالة والتنمية، وصادرت العديد من الصحف وأغلقت قنوات تلفزيونية كثيرة.
هؤلاء الذين انتقدوا سياساته الفاشلة في إدارة البلاد وتدخلاته اللامحدودة في شؤون دول المنطقة هذا بالإضافة إلى تسببه بالعديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها تركيا ومنها انهيار الليرة التركية والاقتصاد التركي. وممن أصبحوا ضحية سياسات أردوغان وحزبه التعسفي المحامية الكردية إيبرو تيمتك التي حكم عليها بالسجن لمدة 13 سنة بعد إدانتها مع زميلها المحامي أيتاج اوتسال بانتمائهما إلى “منظمة إرهابية” وهما عضوان في رابطة المحامين المعاصرين المتخصصة في الدفاع عن القضايا الحساسة سياسياً، وقد انضما للإضراب عن الطعام احتجاجاً على التهم الباطلة التي نسِبت إليهما، ونتيجة التعذيب والمعاملة السيئة التي لقياها في سجون أردوغان، حيث كان مطلبهما الوحيد محاكمة عادلة ونزيهة محاكمة تعيد لهما حريتهما المسلوبة وتنفي عنهما تلك الأكاذيب والتهم الملفقة.
طالبت إيبرو بقضاء عادل في بلدٍ ينخر جسده الفساد، بلدٍ لرجل واحد وبإشارة منه يحيي ويميت وهي التي درست الحقوق وحلمت أن تسود العدالة في المجتمع ويعيش أفراده حياة حرة كريمة. بل وجدت عدالةً تلفظ أنفاسها الأخيرة بعدما تسبب باستشهادها أردوغان وحزبه، وحرية لا ترى سوى في الأحلام.
بقيت المحامية إيبرو تيمتك على موقفها فلم ترضَ بالظلم وبحياة الذل، وبقيت مضربة عن الطعام 238 يوماً، وبالرغم من وضعها الصحي المتدهور والذي لم يسمح لها بالبقاء في السجن؛ رفضت المحكمة الإفراج عنها، وقدم طلب آخر إلى المحكمة الدستورية وقوبل هو الآخر بالرفض، ثم نقلت إلى المستشفى في تموز واستشهدت بعد مقاومة بطولية وإصرار على إحقاق الحق والعدل، فهي بطلة العدالة وحاملة شعارها.
استشهدت وهي لا تزال تحلم بالعدالة التي قتلها أردوغان بمقصلته التي قطعت حياة الكثيرين ممن يعشقون الحرية ويتطلعون إليها. فهل ستكون إيبرو حاملة المشعل في مسيرة انتفاضة كاوا ضد الظلم والطغيان، وتكون مشعلاً يحمله كلّ عاشق للحرية ورافضٍ للظلم والعبودية ليسير به ويشق الظلام الذي أطبقه أردوغان على عيون الشعب، ولتخرج الجماهير وتهتف بأعلى صوتها نعم للحرية، نعم للعدالة، لا للطاغية لا للعثمانية الجديدة.