الحدث – القاهرة
لاشك أنه في ظل الظروف والتغييرات والأحداث التي تحث في المنطقة عامة وفي الشرق الأوسط والإقليم خاصة، يتحتم على جميع شعوب المنطقة التكامل والتكاتف والتعاضد و البحث عن مقومات ومرتكزات للإستقرار والأمن والسلام في ظل الحروب والصراعات التي تعصف بالمنطقة والتي لم تعرف نتائجها بعد، كما في ظل تعدد المشاريع الإقلمية والعالمية التي تود مرة أخرى السيطرة والهيمنة على شعوب المنطقة ومقدراتهم، دون أي إعتبار لإرادة الشعوب والمجتمعات المحلية وعلى رأسهم الشعب العربي والكردي.
ومن الجيد ذكر بعض الأسباب و أهم الموجبات و الدوافع الحتمية للعلاقة العربية_الكردية ومنها:
1_وجود الفوضى والتقسيم الجاري وبذلك تزايد محاولات إضعاف المنطقة وهشاشتها وتهيئتها للمشاريع الخارجية الجاهزة البعيدة عن مصالح شعوبنا ومجتمعاتنا وثقافتنا وقيمنا الحضارية والأخلاقية والإنسانية.
2_الدعم الموجود للتوجهات و التيارات والأدوات المحلية المتواطئة حتى تكون حاملة للأجندات والمشاريع الخارجية وتلعب دور حصان طروادة في إنهيار الإرادة الحرة للمجتمعات وقبولها بالمشاريع الخارجية كأمر واقع.
3_إعادة ترتيب النظام الإقليمي الجاري في المنطقة، حتى تضمن القوى العالمية المهيمنة مصالحها وهيمنتها على المنطقة في ظل الأزمات الحادة في المنطقة والعالم التي تشكل كافة المجالات من الإقتصادية والإحتماعية حتى الأمنية والثقافية.
4_إنفتاح القوى العالمية على التعامل والتفاعل مع الكيانات والأطر غير الرسمية في الدول واستخدام مختلف أنواع الأعمال والانواع الدبلوماسية والقوى الناعمة لزيادة التاثير وخلق الإنطباعات اللازمة لها ضمن المجتمعات والدول المستهدفة.
5_ إنتشار ظاهرة الإرهاب مدعوماً من بعض الدول الإقليمية وتهديدها لكافة شعوب ودول المنطقة وتوظيف القوى الإقليمية والعالمية لهذا الخطر فيما يخدم مصالحها ومشاريعها.
6_تزييف الوعي وضخ الشائعات والأكاذيب من قبل الجهات التي لها مشاريع تمددية وإحتلالية واسترتيجيات تخص المنطقة وقلب الوقائع والحقائق وتحريف الرأي العام عن القضايا المصيرية غلى قضايا ثانوية تخدم توجهاتها.
7_ تزايد نشر خطاب الكراهية في وسائل الإعلام والتواصل المختلفة وتحت بنود عدة ودون وجود محاسبة رغم تاثيرها السلبي على المجتمعات وأمانها وتعايشها السلمي، بل أن بعض الدول تستخدم منصات الإعلام المختلفة ووفق سياسية تحريرية معادية لعدد من الدول والقوى المجتمعية والديمقراطية المؤثرة في المنطقة وجل عملها شيطنة الآخر والتهجم عليه.
8_زيادة المخاوف المتبادلة بين الشعوب والدول والحاجة إلى تبديدها نتيجة إنعدام أو قلة جسور التواصل والتعارف بسبب الذهنيات الإنكارية والأحادية والمطلقية التي نشرها بيننا وفي المنطقة من كان يسعى لتقسيم المنطقة والهيمنة عليها وخلق أدواة وقوى تابعة له.
9_عدم وجود إطر ومؤسسات إجتماعية وثقافية وحتى اقتصادية تعزز وتفعل العمل والتبادل المشترك مستفيدة من الطاقة والجهد والإمكانيات الموجودة لخلق وبناء منطقة قوية ومتماسكة ومكتفية اقتصادياً.
10_ ماتشكله الاحتلال و الهجمات التركية على مناطق تواجد الكرد من خطر على المناطق والدول العربية كما الآن في الهجمات التركية على مناطق متينا و زاب وافاشين والتي استعملت الدولة التركية الاسلحة الكيميائية لاكثر من 13 مرة. وكذلك مافعلته تركيا في عفرين وسري كانية (رأس العين) وكري سبي( تل أبيض) وقبلها في سور آمد ونصيبين وجزيرة بوطان وشرناخ وكفر وغيرها ، حيث أن احتلال تركيا للمناطق الكردية هي خطوة أولى للتوغل والإحتلال بعدها للدول والمناطق العربية.
11_ عدم وجود آلية دولية لإرغام تركيا على تنفيذ ما يتوجب عليها فعلها عند إتخاذ بعض القرارات الدولية، مع عدم وجود الرغبة لدى السلطات التركية الحالية لفهم اللغة الدبلوماسية والسياسية وتنفيذ الإلتزمات والوعود التي تقطعها على نفسها مع الآخريين وتحاول دائماً الإستفادة من كافة الأوضاع والظروف حتى تستمر في تمددها وإحتلالاتها.
ومن المفيد الإشارة إلى أن المنطقة وخاصة بشعبيها العربي والكردي لم يفقدوا على مر التاريخ التواجد والعمل والتفاعل المشترك لبناء الحياة الحرة ومواجهة التحديات المشتركة رغم كل الظروف والمعوقات والتحديات الكبيرة. ولكن بعد فقدان المنطقة لإدارة نفسها بنفسها وقدوم العثمانيين وثم الإستعمار البريطاني والفرنسي والتأثير والهيمنة والنفوذ الروسي والأمريكي والأوربي بعدها. أصابت المنطقة داء شديد وهو التقوقع وضياع الإرادة والتفتت وقلة التفاعل وزيادة المخاوف بين شعوبها وكل ذلك فيما أوجدته الظروف والقوى المسيطرة في أوقاتها. ولكن في الوقت نفسه كان هناك الكثير من المحطات المشتركة الناصعة والتي كانت تعبير عن وحدة المنطقة وتكاتفها وتكاملها كما من حصن حسكيف في باكور كردستان في جنوب شرق تركيا الآن حتى بلاد الشام ومصر والحجاز في أيام الأيوبيين. وكما كانت أيام بناء العباسيين وأبو مسلم الخرساني الخلافة العباسية التي كانت أكثر مرونة وإنفتاحاً على الشعوب والأقوام من الخلافة الأموية الصارمة والشديدة.
ولاشك مافعله يوسف العظمة الكردي وزير الحربية في الدفاع عن دمشق في وجه الإحتلال الفرنسي وشهادته وكما إبر اهيم هنانو وغيره الكثيرين كما بطولة سليمان الحلبي العفريني الكردي الذي قتل كليبر في مصر بمشهد وإرادة بطولي يفوق التصور.
ولعل دفاع كوادر حزب العمال الكردستاني الذين كانوا يتدربون مع الحركات الفلسطينية أعوام الثمانينات عن بيروت وصيدا ومعركة قلعة الشقيف ضد إسرائيل وإستشهاد حوالي 12 مقاتل وإعتقال العشرات، تشكل غيظ من فيض.
ومن أحدث الأمثلة مافعله وأنجزته قوات سوريا الديمقراطية كأقوى تحالف وشراكة كردية عربية بعد شراكة صلاح الدين مع العرب في بلاد الشام ومصر. وما أنجزته قوات سوريا الديمقراطية من هزيمة داعش وخلاص ملايين العرب والكرد من سوادها وظلمها تشكل اقرب وأوضح مثال عن أهمية وفاعلية الشراكة والعمل والتفاعل العربي الكردي المشترك. رغم كل محاولة القوى الإستبدادية والقمعية والأداتية الوظيفية لصالح الأطراف الخارجية من محاولات زعزعة الاستقرار ومحاولات إيقاظ الفتن وإشعالها لضرب التحالف التاريخي بين الكرد والعرب في شمال وشرق سوريا مع بقية المكونات والخصوصيات الأخرى.
وإذا عرفنا تواجد الكرد في تركيا الذي يتجاوز حوالي 33% من سكان تركيا المقارب ل 30 مليون وفي إيران حوالي 16 مليون، ولو نظرنا للجغرافية وتموضع الشعب الكردي من شمال الخليج العربي في جنوب غرب إيران وبشكل قوس يشكله سلاسل جبال زاغروس وطورس حتى عفرين ولواء إسكندرون وأضنة، بين الشعب العربي ودولتي إيران وتركيا لأدركنا أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الكرد و تأثيره على حماية المشرق العربي والشعب العربي بالمجمل طالما أن السلطات في تركيا وإيران لها مشاريع تمددية ورغبة في السيطرة والهيمنة على المنطقة والدول العربية ومقدراتها.إضافة إلى وجود حوالي 15 مليون مواطن في الدول العربية من اصول كردية ماعدا سوريا والعراق لهم إسهامات كبيرة في كافة المجالات لبناء الحياة العامة في تلك الدول.
إن الحقيقة التاريخية للأمن القومي العربي وكما هو معلوم مرتبط بالجغرافية والتموضع والمكان ولايتغير في غالب الأوقات كما ذكره العلامة المصري جمال حمدان . وكما قال محمد علي الكبير الكردي باني مصر الحديثة وإبنه إبراهيم باشاٌ الذي هزم العثمانيين و الذي كاد أن يسقط إسطنبول وينهي العثمانية لولا تدخل بريطانيا وروسيا وفرنسا وأيضا سليمان الفرنساوي وحتى نابليون عندما تواجد في مصر حيث قالوا جميعاً، أن أمن مصر المتضمن حينها السودان وليبيا يبدأ من جبال طوروس أي من كردستان. وهنا نقول إن كان أمن مصر يبدأ من كردستان من جبالها جبال طوروس فكيف يكون بالنسبة للدول العربية ال 12 القريبة من كردستان والواقعة في المشرق العربي.
وحالياً في ظل أهمية امتلاك عوامل القوى والضغط في التفاوضات و معرفة عوامل القوة والإستفادة منها و المفاعيل المختلفة للعلاقات بين الشعوب والتكوينات المجتمعية، وفي ظل ومقابل سعي القوى الإقليمية للتدخل في شؤون البلاد العربية وإجراءاتها وممارساتها الأحادية المتجاوزة لكل القوانيين والأعراف، يشكل الشعب الكردي وبقواها الفاعلة وتطوير العلاقات معه قوة أساسية ورصيد إضافي لقوى ومرتكزات الأمن القومي العربي الذي يستطيع أن يمتلك عوامل قوة كبيرة إن تفاعل بإيجابية مع الشعب الكردي وريادتها الفاعلة وثورتها وقواها الديمقراطية والمجتمعية التي تناضل منذ 50 سنة لنيل حرية شعبها ودمقراطة تركيا
وإيران والعراق وسوريا والمنطقة وليس تقسيم هذه الدول وتفتيتها كما تروجها تركيا وأدواتها وابواقها لزيادة الهوة والفجوة بين الشعبين العربي والكردي. ومن المهم لكافة القوى في المنطقة والعالم عدم النظر بالعيون والرؤية التركية للقضية الكردية بل من الأهمية للأمن القومي العربي إستوعاب الكرد والتعامل معهم ومع نضالهم وحقوقهم كجزء من الأمن القومي العربي حيث أن حصول الكرد على حقوقهم سوف يلغي الرغبة لدى الدول التي تعطي حقوق الكرد من التمدد وتهديد الأمن القومي العربي لأن عندها تكون قد تحولت وتبدلت وحققت الإصلاح الديمقراطي الذي سوف يلغي تهديد الآخرين وحربهم لأن أغلب حروب تركيا داخلها وخارجها هي لأنها لم تحل القضية الأساسية في تركيا القضية الكردية.
ومن الممكن ان يكون العلاقات وحتى الحوار والتواصل وليس إقامة تحالفات استراتيجية بين الشعبين العربي والكردي مصدر قلق للقوى الإقليمية و الدولية وللنظام العالمي، حيث أنهم لايقبلون ببناء وتفاعلات وعلاقات خارجة عن تحكمهم و إرادتهم وتحجم مشاريعهم وتقدم بدائل من حضارة المنطقة وجوهر قيمها وإرادتها الذاتية المجتمعية الحرة. ولكن زيادة تماسك المنطقة وتقويتها ورصف صفوفها ستجعل حتى القوى العالمية مضطرة على مراعاة مستوى وعي وتماسك وتنظيم ووحدة وقوة المنطقة في مشاريعها واستراتيجياتها وربما احياناً الإستفادة منها ومحاولة ترويضها إن كانت ذات قوة وتاثير كبير في المنطقة وإن رأت تأثيرها وفعاليتها.
وعليه ونتيجة ظروف التوتر والقلق وإنتشار الإرهاب وذهاب المنطقة ربما إلى مزيد من الفوضى والإضطراب حتى تتهيئ لترتيب وتشكيل نظام إقليمي جديد و مع زيادة رغبات التوسع والتمدد من قبل القوى الإقليمية ومن ورائها الدولية، يبقى للعلاقات بين الشعوب و البدء بحوارات ونقاشات جادة أهمية كبيرة وفعالية قصوى وخصوصاً بين الشعبين العربي والكردي الذين تعرضا للظلم والغبن اثناء تشكيل المنطقة بعد إنهيار العثمانية البائدة، حتى لايتكرر ما حصل ويتشكل نظام إقليمي جديد خارج عن إرادتهم ولاتراعي مصالحهم ومصالح شعوب المنطقة الأساسية.
ويبقى للمشروع الذي قدمه المفكر والقائد عبدالله أوجلان العصرانية الديمقراطية أو الكونفدرالية الديمقراطية أو الأمة الديمقراطية قدرتها وأهميتها في تقديم نموذج مجتمعي وديمقراطي وحر و بديل لمشاريع الهيمنة والسلطة و بناء علاقات صحيحة بين الشعوب وصيانة وحماية المجتمعات والشعوب في المنطقة،كونه يقدم حل لكافة القضايا الوطنية وقضايا الشرق الأوسط المتراكمة والمعيقة لتطوير العلاقات وتعميقه وإقامة التحالفات الاستراتيجية بين شعوب المنطقة. ولانه يركز على دبلوماسية الأمة الديمقراطية التي هي وسيلة لتكريس السلم والعلاقات المفيدة، وتطوير وتمكين سيرورة المراحل التي تدار بالنفع المتبادل وتعزز الصداقة بين الشعوب المتجاورة وتعبر عن قوة بناء المجتمعات التشاركية والتركيبات الجديدة لمجتمعات أرقى، وليس لإشعال الحروب وتأمين الربح الأقصى. والدسائس الدبلوماسية ودبلوماسيات الدول القومية في النظام العالمي المهيمن الذي جعل الكرد والعرب يلعبون دور كبش الفداء كما خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وتقسيمهم للكرد والعرب.