الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

أحمد شيخو يكتب : العلاقات الكردية العربية تحولت إلى شراكة استراتيجية

الحدث – القاهرة

العلاقات الكردية – العربية، ذات جذور تاريخية، ومع إعلان الإدارة الذاتية وتأسيس قوات سوريا الديمقراطية تحولت هذه العلاقة إلى شراكة استراتيجية، وقاتلت في خندق واحد ضد كل الهجمات التي واجهتها سواء من الداخل أو الخارج.

الكرد والعرب شعبان تعايشا معاً في المنطقة الواقعة بين النهرين والمسماة (ميزوبوتاميا)، وللعلاقات الكردية العربية جذور تاريخية تعود إلى آلاف السنين.
دافع كلا العنصرين معاً عن المنطقة من هجمات القوى الخارجية لا سيما  القوات الصليبية في عصر صلاح الدين والعثمانيين.
من ناحية أخرى فإن العلاقات الاجتماعية والثقافية بين الكرد والعرب تعبّر عن شكل من أشكال التعايش بينهم.
كما سلط القائد عبد الله أوجلان الضوء على أهمية تعزيز العلاقات بين مكونات المنطقة من خلال تقديم مشروع الأمة الديمقراطية الذي يعطي الأهمية لكل المكونات بدلاً من الدولة القومية ذات اللغة الواحدة والثقافة الواحدة والعلم الواحد.

لعب أوجلان دوراً كبيراً في العلاقات الكردية العربية

أجاب الكاتب والباحث أحمد شيخو عن سؤال حول كيفية تقييم القائد عبدالله أوجلان العلاقة بين الكرد والعرب في خطاباته قائلاً :

” للقائد عبدالله أوجلان إسهام كبير في العلاقات العربية-الكردية بتقديمه الحل الديمقراطي للقضية الكردية وأي قضية وطنية، ذلك الحل القائم على نظرية الحداثة الديمقراطية التي تستند إلى الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية التي تلعب المرأة والشباب فيه دور الريادة والمحرك الأساسي ومرتكزاته الأساسية هي المجتمع الديمقراطي وحرية المرأة واحترام الطبيعة والبيئة. وكما كان القائد أوجلان وحركته من أوائل الحركات الكردية المجتمعية الديمقراطية التي عملت على بناء علاقات وتحالفات مع شعوب المنطقة ومنها الشعب العربي والسعي لتطوير تلك العلاقات إلى شراكات استراتيجية.

ولعل  قدوم القائد أوجلان بعد انقلاب 1980 في تركيا إلى الشعوب والبلدان العربية  في الشرق الأوسط رغم  توفر إمكانية الذهاب لأوربا وغيرها، وكذلك عمله الدائم لمدة 20 سنة  لبناء العلاقات مع الشخصيات والتيارات  والعشائر والقوى المجتمعية والسياسية العربية و كذلك علاقته مع الحركات الفلسطينية في الثمانينات ومعركة قلعة الشقيف وكذلك انضمام العديد من الأخوة العرب إلى حزب العمال الكردستاني ومقاتلي الكريلا ومنهم الشهيد عزيز عرب وغيرها كلها شواهد للممارسة  الفعلية والرغبة الحقيقية والرؤية الاستراتيجية  للعلاقات بين الشعوب ومنها العلاقة العربية-الكردية.

ويؤكد القائد أوجلان أن الكرد بحاجة  إلى دبلوماسية فعالة بينهم وبين جيرانهم العرب، حيث لهذه الفعاليات الدبلوماسية دور إيجابي وهام في الحفاظ على وجود الكرد ونيل حريتهم.  وأن الشعب الكردي كان من أكثر من تعرض للألاعيب الدبلوماسية عالمياً خلال القرون الماضية.

مع انطلاق ثورة 19 تموز وتنفيذ مشروع الأمة الديمقراطية في الغرب ثم امتداده لمناطق شمال وشرق سوريا ، عادت العلاقات بين مكونات المنطقة إلى جذورها التاريخية. فمنذ ظهور نظام الدولة القومية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية ، أهملت الأنظمة الديكتاتورية العربية الكرد كمكون رئيسي وحليف للشعب العربي. ولم تقتصر الأنظمة العربية القمعية على ذلك ، بل حاولت أيضاً القضاء على اللغة والثقافة الكردية وحاولت نشر الفتن والاضطرابات بين الكرد والعرب ، وهذه المحاولات مازالت مستمرة حتى يومنا هذا.
في سوريا لم تهدأ محاولات النظام البعثي الشوفيني عن نشر الفتن والاضطرابات حتى هذه اللحظة، ولكن تحت مظلة الإدارة الذاتية والعلاقات الكردية العربية القديمة ، فشلت كل جهود النظام.

الإدارة الذاتية تأخذ على عاتقها تقوية العلاقات بين شعوب المنطقة

ولفت أحمد شيخو الانتباه إلى تجربة الإدارة الذاتية قائلاً  “في ظل الأزمة السورية ودخولها في العقد الثاني لو نظرنا للوضع في سوريا وللمشاريع التي ظهرت، في المراحل المختلفة من الأزمة السورية ، نجد أن مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا هو الذي جسّد ثقافة المنطقة وقيمها وإرادتها وتنوعها الغني . ولودققنا في مشروع الإدارة الذاتية نجد أنها مشروع قائم على تعزيز وتمتين العلاقة بين شعوب المنطقة وعلى رأسهم  الشعبان العربي والكردي وغيرهم. وماحققته الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية للشعبين من تحرير ملايين العرب والكرد من داعش والتنظيمات الإرهابية وكذلك من تحقيق الاستقرار و توفير سبل الحياة والعيش الكريم رغم كل الظروف القاسية وحالة الحصار والهجمات المستمرة. يؤكد أن العلاقة العربية الكردية القائمة هي علاقة على أسس ديمقراطية وصحيحة وتخدم قضايا ومصالح شعوب شمال وشرق سوريا وقد حافظت هذه العلاقة ودافعت عن وحدة سوريا وسيادتها في وجه الاحتلال التركي كما مقاومة قوات سوريا الديمقراطية في منطقة عفرين وكما حصل في مواجهة الاحتلال التركي في رأس العين وتل  أبيض”.

وذكر شيخوأن “إنجازات مشروع أخوة الشعوب والتعايش والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا هي نتيجة العمل العظيم والذي قام به  القائد عبد الله أوجلان”.

مع تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من كرد وعرب وتركمان وشركس تشكلت أرضية  تعاون وشراكة بين جميع المكونات. فمن خلال النضال التعاوني للمكونات داخل QSD ، أعيد إحياء جذور العلاقة التاريخية بين هذه المكونات.

تأسيس قسد كان بنجاح إرادة الشعوب

ويقول أمين عام التجمع العربي لنصرة القضية الكردية الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي ” فإنّ الواقع الميداني هو من يجيب إذ أن ملاحم بطولية خاضتها وتخوضها قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من مختلف أطياف أبناء المنطقة وبمقدمتهم العرب والكرد لها دلالة فعلية مهمة وليست مجرد رمز لفكرة”.

وأضاف “ونحن نجد أن اشتراك شعوب المنطقة بخطاب (التصدي) للحملات الانكشارية الأخوانية التي تحاول اجترار العثمانية العتيقة بأخرى تستولدها اليوم له معنى واحد أن هذه الشعوب موحدة في ردّ بل ردع الهجوم الغادر الذي يتوهم إمكان إحياء المنقرض بغزو بلدان المنطقة سواء بقوات أرسلها إلى لبيبا أم بجولات همجية في الشمالين العراقي والسوري وحتى بإرساله قوات لصب الزيت على نيران الخلاف بين أذربيجان وأرمينيا”.

وتابع الآلوسي “لكن نحن بحاجة لتسليط مزيد الأضواء على خطاب ثقافي جديد نوعياً يمكنه توحيد أرضية الدفاع عن السلام وعن التعايش بين شعوب المنطقة بخلاف نهج تفكيكها وإثارة الخلافات بينها”.

واعتبر أمين عام التجمع العربي لنصرة القضية الكردية “إن مجرد تشكيل هذه القوات هو بحد ذاته انتصا لإرادة الشعوب وتطلعاتها في التحرر والانعتاق وهو تجسيد لوحدتها في مجابهة معركتها ضد الهمجية وتغول وحشيتها ممثلة بالمرتزقة وقوات الانكشارية العثمانية التي تحاول فرض المنقرض مجددا”. مضيفاً “كما أن معاركها تبرهن يوماً بعد آخر قدراتها منطلقة من خزين إيمانها بقضيتها ممثلة بأهداف الشعب بجانب الخبرات الناجمة عن خوضها معارك متعاقبة لم تسمح لتلك المعارك أن تجرها إلى مناطق اشتباك خارج إطار خططها في توجيه المعركة لصالحها”.

ويرى الآلوسي أن” استمرار تلك القوات يعتمد على مزيد ربطها بالقضية الأساس لتحقيق السلام واسترجاع وجوده في ربوع الوطن وعلى جملة العلاقات الحرة غير المشروطة مع كل القوى الخارجية والداخلية الصديقة الداعمة لمنجزها وأدائها فضلاً عن تمكينها من ثقافة التعايش ورعاية حقوق الإنسان واحترامها”.

إن انتصاراتها قائمة على هوية العلاقة بالشعب وإرادته وعلى امتدادها بين حلقات ممثلي أطياف التنوع العرقي القومي والديني ما سيبقى علامة لمستقبل سوريا الديموقراطية الجديدة “.

وطالب الآلوسي” المثقف العربي بحركة مضاعفة في قدرة إنتاج ثقافة التعايش السلمي وتمكينها من دعم حق تقرير المصير والوصول مجدداً إلى بدائل نوعية تنتمي لعصرنا وخطابه التحرري المنعتق من ثغرات سلبية خطيرة ومن هنا تحديداً وُلِد التجمع العربي لنصرة القضية الكوردية بوقوفه الثابت مع حمل رسالة تضامنية صادقة وواعية تدرك التعقيدات وأشكال التشوش والتشويه لجذب أوسع قطاعات شعبية من أجل استعادة الانتصار لثقافة الأنسنة والسلام ومبادئ المساواة والعدل وبالتأكيد تلبية إشادة الكونفيدراليات الأنجع والأنسب لتجسيد رسائل التحالف الاستراتيجي الراسخ بين العرب والكورد بعيداً عن أية تصورات تضيق بالخطاب أو تستغله بطريقة غير موضوعية”.

لا شك أن التنظيم القبلي على هذه الأرض لعب دوراً مهما في حماية الشعوب من الاضطهاد،  فالعشائر كانت هي المؤسسات الأولى التي اجتمع فيها الناس حول زعيم القبيلة وحلوا مشاكلهم. كما لعبت القبائل دوراً مهماً في بناء العلاقات بين شعوب المنطقة ، وخاصة بين الشعبين العربي والكردي. وهكذا لعبت العشائر دوراً مهماً وأساسياً في بناء العلاقات بين شعوب المنطقة لاسيما بين الكرد والعرب.

حاول النظام البعثي عمداً القضاء على الثقافة القبلية كما أراد من ناحية أخرى التأثير على هذه القبائل”.

لعبت العشائر دوراً كبيراً في تعزيز العلاقات بين الكورد والعرب’

وتحدث عبد الرحمن الرشيد أحد شيوخ عشيرة الجوالة لوكالتنا عن التنظيم القبلي ودوره في العلاقات بين مكونات المنطقة” على الرغم من محاولات سرقتها واستغلالها من قبل الدول الاستعمارية والأنظمة الاستبدادية إلا أن المنظومة العشائرية في مناطق الجزيرة وشمال وشرق سوريا بشكل عام قاومت كل تلك المحاولات التي سعت لإحداث خلل في هذه المنظومة ومن ثم إحداث اقتتال بين العشائر العربية والكردية.”

وتحدث الرشيد عن الكفاح المشترك للقبائل الكردية والعربية في منطقة الجزيرة وقال “العشائر العربية والكردية في منطقة الجزيرة لها تاريخ مشرف وكبير في الاتحاد ضد الظلم والاستعمار في المنطقة ومعركة بياندور التي اتحدت فيها العشائر الكردية مع العشائر العربية وخصوصاً عشيرة الجوالة”.

ماذا حدث في بياندور؟

في عام 1923 ، عندما اجتاحت القوات الغازية الفرنسية منطقة الجزيرة ، أقامت قاعدة لها في قرية بايندور غربي مدينة تربسبي، ويقال أن الحاكم (القائم مقام) الذي وظفته فرنسا جاسم أفندي وعساكره قد ارتكبوا تجاوزات غير أخلاقية ومارسوا الظلم بحق شعوب المنطقة.
بمساعدة كرد من جنوب كردستان ، ثار كرد وعرب من قبيلة الجوالة ضد الفرنسيين في قرية بياندور لإنهاء القمع الفرنسي. وبالتعاون مع الكرد والعرب ونتيجة للحرب التي استمرت ثلاثة أيام ، انسحبت القوات الفرنسية من القرية وقتل جاسم أفندي.
يشير العديد من الكتاب والمعلقين إلى الحرب في بياندور على أنها انتفاضة اجتماعية.
ولفت الرشيد إلى أن هذا الدور المهم للقبائل مستمر حتى يومنا هذا وقال”
ضد الظلم الذي مارسه الضابط الفرنسي روكان أكبر شاهد ودليل على أهمية دور هذه العشائر في تمتين وتقوية العلاقات العربية والكردية”.

هذا الدور العشائري المهم استمر إلى يومنا هذا، حيث تجسد في اتحاد المكونين العربي والكردي في قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش والاحتلال التركي.

خلال المراحل العصيبة التي مرت على المنطقة كانت المنظومة العشائرية بعيدة عن كل حسابات المصالح السياسية وتمكنت أن تكون بمثابة الحبل الذي يربط بين المكونين العربي والكردي رغم محاولات قطع هذه العلاقة الموروثة.

to top