الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

محمد أرسلان يكتب : ثمة أمل بين ركام آلام الفوضى

الحدث – القاهرة

ما زالت الفوضى تضرب بعصاها لتنشر غبار الشك بكل شيء والسؤال الذي لا جواب له حتى الآن غير الدوران في حلقة مفرغة من الردود غير المنطقية لأي استفسار نسعى لمعرفة أسباب ما نعيشه الآن من حالة عدم استقرار وأزمة بنيوية فكرية وثقافية ومجتمعية وسيكولوجية. تحولت الأسئلة إلى أمواج متلاطمة مع بعضها البعض أحياناً وتلطم رؤوسنا المتصدعة أساساً في كثير من الأحايين.

وفي هذه الفترة من الفوضى المستمرة لا زلنا متمسكين بالبحث عن أسبابها كللبَّانة نمضغها منذ عقود خلت ونتهم القوى الخارجية التي لا تتوقف لحياكة المؤامرات علينا بدءاً من التقسيم الأول في بدايات القرن المنصرم حتى الآن ونحن في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرون، وما زلنا نكرر نفس الأمر بأن المؤامرة مستمرة علينا لتقسيمنا ثانية ولو بعد قرن من الزمن.ربما كانت القوى الناهبة لها مخططات من هذا القبيل وأن مشروعها أو حتى وجودها كقوى مرتهن بتقسيمنا منهب خيرات أوطاننا، وهي تعمل على ذلك بكل وضوح وعلانية إن كان بشكل مباشر عبر أدواتها من الأنظمة الحاكمة والخنوعة لتلك القوى أو بشكل غير مباشر عبر أدواتها من التيارات والأحزاب والأشخاص والمؤسسات التي تدعي الوطنية، لكن قلبها يعشق القوى التي تمنحها مالاً أكثر. وما بين هاتين الأداتين يتم تمزيق الوطن وتشتيت المجتمعات ونشر اليأس بين البشر. قوى وأدوات امتهنت وسائل النفاق والبلطجة السياسية والثقافية والاجتماعية حتى حولت الظالم إلى مظلوم والمظلوم بات ظالماً ينفر منه حتى الأقربون.

أنها السياسة التي لا أخلاق لها والمصلحة التي أعمت بصيرة الحكام ومن حولهم. وفوق كل ذلك يدّعون الوطنية وأنهم خدمٌ للشعب ويقسمون باسم الله والشعب بأن يصونوا الوطن وسيادته ووحدته من العدو الخارجي. وبعد الانتهاء من القسم يتحول العدو الخارجي إلى صديق صدوق والشعب إلى عدو يتربص بالحاكم. ويبدأ عمل دوائر الأمن على الاعتقال والقتل والترهيب من أجل حماية الزعيم وقدسيته الربانية، لتخرج المعارضة المنسوخة من عقلية النظام التي رباها “كل شبر بندر” كما يُقال. ولتبدأ عملية هدم الوطن وبيع السيادة بين نظام يتكئ على أنظمة تدعمه لأجنداتها ومعارضة ارتهنت للخارج لتدمير ما تبقى من الوطن.

بين نظام متهالك ومعارضة منسوخة وأسوء منه يعيش الشعب جحيم التهجير والقتل والدمار والاغتصاب وجهنم الهوية القومية والطائفية. ليتم رسم لوحة باسم الوطن لم يتبقَ منه سوى ركام وأطلال ينوح عليها الشعب المتبقي والمتمسك بقشة الوطن.

وبكل تأكيد ما بين النظام والمعارضة ثمة مجتمع وشعوب لم ترتهن لكليهما وراحت تبني مشروعها المستقبلي رغم كل الهجمات التي تتم عليها من كلِ حدب وصوب، إلا أن إرادتها وعزيمتها يفرضان عليها مواصلة البناء على وبين ما تبقى من ركام الوطن. فلسفة تعتمد بناء الانسان أساساً لها لأنه اللبنة التي سيتم بناء المجتمع من خلاله.فعملية بناء الانسان أصعب بكثير من بناء الأوطان والدول. كثيرة الدول التي ثارت وتحررت ونسيت أو تناست بناء الانسان، نراها الآن تسقط الواحدة تلو الأخرى كما أحجار الدومينو. دائماً ثمة أمل بين ركام آلام الفوضى التي تسعى القوى الخارجية لنشرها وإيصالنا لمرحلة عدم معرفة ما سنفعله أو ما نعيشه في الحاضر، دعك عن بناء المستقبل أو إلى أين نحن متجهون.

كل المشاريع التي أكل عليها الزمن لن يكون لها مكان في قادم الأيام وإن تمكيجت بألف لون ولون. مهما فعلت ومهما قالت فلن يكون بمقدورها خداع الشعوب ثانية كما كان في القرن المنصرم. فلا النزعة القومجية مهما كانت ولا التطرف الديني مهما كان سيمتلك الدواء للداء الذي تعاين منه المجتمعات المغلوب على أمرها. ولَّى زمن الشعارات القومجية الزائفة والرنانة التي كنا نتغنى بها في سالف الأزمان ونفس الأمر للشعارات الدينية المتطرفة ليس لها مكان في بناء المجتمع المستقبلي. فقط القيم الإنسانية والأخلاق المجتمعية ستكون المحدد الرئيس سيكون المحدد والمقياس الرئيس لبناء الأوطان والمجتمعات والانسان في قام الأيام. وغير ذلك ليس إلا هراء سيتم تكراراه من قبل القطيع الذي تربى على العبودية الفكرية للغير والذي ينتظر المخلص كي يأتي ويظهر ليخلصه من مستنقع العبودية الذي هو فيه.

فلا أردوغان تركيا ومشروعه العثماني السنّي الزائل ولا فقيه إيران ومشروعه الصفوي الشيعي الآفل ولا نتنياهو إسرائيل ومشروعه الصهيوني، كل هذه المشاريع المتطرفة والشوفينية لن ترى النور في منطقة كانت منذ الأزل مهد الحضارات للإنسانية جمعاء. وعبر تاريخها لم تكن لدين معين ولا لقومية بخدِ ذاتها، بل المنطقة لكل شعوبها المتنوعة واختلاف ثقافاتها التي كانت عنصر عنى وقوة ووحدة وحضارة. الأمة الديمقراطية هي البديل الموجود على الأقل كفلسفة حياة لكل المشاريع الأحادية الدينية والشوفينية القومجية. أخوة الشعوب والتعايش السلمي هو البديل للاقتتال ما بين الشعوب ونشر العنف.

بناء كونفدرالية الشرق الأوسط الديمقراطي سيكون ربما الحل لما تعانيه شعوب المنطقة ومجتمعاتها من حالة التمزق والتشتت والاقتتال والدمار المستمر منذ قرونٍ من الزمن.

 

to top