الحدث – القاهرة
بعيدًا عن التحليلات والتنظيرات السياسية، فإننا نستطيع أن نؤكد أن أمريكا قد هُزمت للمرة الثانية فى أفغانستان، بعد 20 عامًا من الاحتلال تحت مسمى الديمقراطية وحقوق الإنسان.
فالمشهد الأفغانى لا يحتاج إلى تعليق، وهناك لغز دولى فى السرعة غير المتوقعة التى سيطرت بها حركة طالبان على كبرى المدن الأفغانية فى ساعات قليلة، والكارثة الكبرى أن الرئيس الأفغانى أشرف غنى باع شعبه، وغادر الدولة بطائرة محملة بالأموال بعد أن سلمه جنوده سلاحهم، وحاصرت طالبان قصر الرئاسة نفسه فى المنطقة الخضراء التى كان من الصعب الوصول إليها، حسب الادعاءات الأمريكية، والغريب أن مسمى المنطقة الخضراء فى كابول يُطلق على المنطقة الخضراء فى بغداد.. وما بين بغداد الحزينة وكابول المنهارة سنوات وسنوات من الفوضى الأمريكية داخل العراق وأفغانستان.
والشىء المثير للدهشة والتعجب أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية والغربية كانت تؤكد أن كابول ستقاوم وستصمد على الأقل لمدة 3 شهور، ولكن أن تسقط خلال (3 دقائق!) وسط ذهول العالم وهروب المسئولين من الوزراء والقادة وحتى رئيس الدولة نفسه فهذا كان مخططًا ومتفقًا عليه مع طالبان.. الصورة تؤكد ذلك، والواقع يؤكد الصورة التى لا تكذب بأنه لم تكن توجد دولة بل وهم وخداع وسراب.
المصيبة أن الرئيس «غنى» ترك الشعب فريسة للمجهول.. وهذه هى الخيانة العظمى، بينما طالبان تؤكد أنها ستتسلم السلطة كاملة ولن تكون هناك حكومة انتقالية أو أى من هذه المسميات، بل إنها لن تسمح لأحد بأن يكون معها فى المشهد السياسى فى المرحلة القادمة.
والتصريحات التى خرجت من إنجلترا وفرنسا وألمانيا والتى تطالب بعدم الاعتراف بالحركة أحاديًّا، بل من خلال تنسيق مسبق هى تصريحات تؤكد أن هناك شيئًا ما يتم الترتيب له فى الخفاء بين هذه الدول وأمريكا التى تتحكم فى مصير الشعوب والدول وتُسقط الحكومات والدول وهى تدعى الحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
والشىء المثير فى هذا الموقف الأفغانى أن عمليات النهب والسرقة للمحلات والمتاجر تتم من خلال عناصر من الجيش والشرطة الأفغانية وكأنهم يبعثون برسالة بأن الفوضى عمت ووصلت لكل مفاصل الدولة.
ولكن ما يتردد بأن قوات الأمن ملتزمة بالدفاع عن كابول هو ذر للرماد فى العيون، ومجرد أقوال وليست أفعالًا.. لأن دخول حركة طالبان إلى القصر الرئاسى بهذه السرعة ومغادرة الرئيس إلى طاجيكستان فى نفس لحظة دخول الحركة يجعلان المشهد سرياليًّا وغير مفهوم.
كل هذا يجرى بسرعة غير متوقعة، بينما نسمع النصائح الأمريكية إلى الرئيس التونسى بالحفاظ على الديمقراطية، وهذا يدعو إلى العجب والتعجب، وكما يقول المثل الشعبى (المتغطى بالأمريكان عريان)، وما كان يردده الرئيس السادات بأن 99% من أوراق اللعبة فى يد الأمريكان أكدت الأحداث المستقبلية أن الأمريكان لا يعترفون باللعبة أصلًا ولا يعترفون إلا بمصالحهم وبمصالح إسرائيل.
فهل ما يجرى فى أفغانستان هو رسالة لدول العالم الثالث بأن الاعتراض على الأمريكان مصيره الفوضى والتخريب؟
أعتقد أن المسألة لم تنته بهذا الشكل، وهناك بوادر حرب أهلية وهناك عناصر وحركات أخرى ستخرج إلى النور بعد سقوط الدولة وهروب الرئيس وتفكيك الجيش الوهمى وقوات الأمن التى تم الصرف عليها من خلال الحكومة الأمريكية، وظنوا أنهم أعدوا جيشًا قويًّا بأحدث أنواع الأسلحة والتكنولوجيا الحديثة، وكانت النتيجة السقوط قبل المقاومة، وهذا يدل على الفشل الذريع للأمريكان وهزيمتهم للمرة الثانية، لأنهم لم يفهموا الطبيعة القبلية المسيطرة على السياسة الأفغانية.
وهذا السيناريو قد تكرر من قبل فى فيتنام منذ 60 عامًا عندما تركها الأمريكان للفوضى والنهب والسرقة.
وهذا يجعل الأفعال الأمريكية السابقة تتكرر كصورة بالكربون لما يحدث الآن فى أفغانستان التى يدفع شعبها الطيب فاتورة الفساد والإفساد والمصالح الدولية على أراضيها؛ حتى أصبحت مرتعًا للقاعدة وأخواته، وتحققت نبوءة الملا عمر سياسيًّا بأنهم سيصلون للحكم مثل إخوان مصر الذين سرعان ما أسقطهم الشعب المصرى العظيم.
والتساؤل: أين حلف الأطلسى والقواعد الأمريكية والغربية فى أفغانستان؟ رغم حساسية موقعها الجغرافى والسياسى ما بين الحدود الروسية والصينية والإيرانية؟
هذا التخلى الغريب عن الدور الغربى فى أفغانستان وسقوط الدولة فى دقائق يؤكد أن الأمور ستتجه فى الفترة القادمة إلى المجهول فى أفغانستان، وذعر المواطن الأفغانى فى كل الأقاليم أكثر من أى كلام وتحليل، فكابول أصبحت تحت الحصار من حركة طالبان ومن التدخل الدولى، وأصبح مطار كابول هو مركز عمليات دول العالم لسرعة إجلاء رعاياها ودبلوماسييها.
وهناك عبء أخلاقى على الإدارة الأمريكية التى تترك الشعب الأفغانى الذى وعدته بالتحرر فريسة لحركة متطرفة مثل طالبان لم يعترف بها
أحد.. فهل هى تدعم التطرف؟
إن الغطاء قد سقط عن العورات الأمريكية، والحجاب الذى يحكم أفغانستان سواء حجابًا سياسيًّا أو أخلاقيًّا سيعود بقوة السلاح والبطش.. وادعاءات طالبان باحترام المرأة هى ادعاءات مردود عليها بسوابق الحركة عندما حكمت فى التسعينيات.. ومشهد خروج القوات الأمريكية فيه إذلال وهزيمة وانكسار، وكل قضية بايدن أنه يقوم باتصالات ولا يفعل شيئًا بأى شىء.
وكل هذا يؤكد دائمًا ودومًا أن أمريكا عندما تدخل أى دولة تعيث فى الأرض فسادًا وخرابًا على شعبها وأهلها.
وأخيرًا ستكون أفغانستان إمارة إسلامية برعاية أمريكية.
“وسلم لي على القاعدة وإيران”
فانتبهوا يا عرب.