الحدث – وكالات
احتلت الولايات المتحدة أفغانستان (كرد انتقامي على أحداث 11 أيلول عام 2001م) (وأسقطت نظام حكم طالبان المتحالف مع القاعدة تحت مسمى محاربة الإرهاب وتشكيل حكومة موالية للغرب) (بعد عشر سنوات من هذه الواقعة وتصفية أسامة بن لادن ووفاة الملا عمر في ظروف غامضة، برزت العديد من الدعوات في الداخل الأمريكي بسحب القوات الأمريكية من هذه البلاد، الأمر الذي مهد لإجراء مباحثات غير مباشرة بين أمريكا وحركة طالبان لتثمر في شباط من عام 2020م عن توقيع اتفاقية سلام بين الطرفين في الدوحة، التي تلخصت بانسحاب أمريكي من البلاد مقابل تعهد الحركة بمنع أي أعمال عدوانية تجاه أمريكا ومصالحها انطلاقاً من مناطق سيطرتها)، فالانسحاب الامريكي جاء بعد مفاوضات مع حركة طالبان.
على الرغم من أن الإدارة الأمريكية أكدت على أنها حققت أهدافها من حملتها العسكرية على أفغانستان، إلا أن العديد من المحللين السياسيين أشاروا إلى هزيمة أمريكا في أفغانستان وإن الولايات المتحدة خرجت منها خالية الوفاض مستدلين بعدم قدرتها على القضاء على كل من حركة طالبان والقاعدة، والتكلفة العسكرية الكبيرة التي تكبدتها والتي قدرت بتريليون دولار بحسب المصادر الأمريكية وعدم استثمارها للثروات المعدنية ومصادر الطاقة التي تمتاز بها البلاد، والتي يحتمل أن تسيطر عليها بعض الدول المجاورة كالصين وإيران، ولكن يجب أن لا يغيب عن البال بأن فاتورة الحرب الأمريكية يتم دفع حسابها من ثروات المنطقة التي تسيطر عليها كما في العراق وحرب الخليج وغيرها. إنّ المتابع للسياسات الأمريكية القديمة والحديثة نسبياً يدرك بأن وراء كل خطوة أمريكية تكمن استراتيجية مدروسة تتجاوز فكرة الهيمنة على بعض الثروات أو التخلص من حركة طالبان، لذا من المرجح أن تجني مكاسب أكبر من تلك المكاسب التي قد تجنيها من بقائها، من أبرز المؤشرات على ذلك تنامي نفوذ بعض القوى المنافسة لأمريكا والتي تسعى للهيمنة على الوضع الجيوسياسي في وسط آسيا كالصين وروسيا وإيران، وبحسب المعايير الحديثة للصراع الدولي لا تستطيع أمريكا خوض مواجهة مباشرة مع هذه القوى لذا تميل إلى خلق فوضى خلاقة في المنطقة تؤثر سلباً على استراتيجيات تلك الدول، الاقتصادية والعسكرية والسياسية والأمنية، يبدو أن إشراك تركيا في هذه الفوضى على غرار مشاركتها في الفوضى التي تعاني منها بعض بلدان الشرق الأوسط يبين بجلاء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في الهيمنة، لذا تبدو المسألة قضية صراع دولي مستمر أكثر من كونها قضية انتصار أو هزيمة.
قبل الانسحاب الأمريكي:
الانسحاب الأمريكي:
الأوضاع الإقليمية:
كل هذه الأمور وغيرها ستؤثر بالتأكيد على الأمن الإقليمي في وسط آسيا وستحاول كل دولة تأمين أمنها القومي ومصالحها الإقليمية، وكل الدول لها مصلحة في علاقات ودية مع نظام الحكم الجديد في أفغانستان أو ترسيخ هيمنتها على المنطقة ومن المتوقع أن يستمر التحالف التقليدي بين كلا من روسيا والصين وإيران على مبدأ مواجهة التهديدات الأمريكية وحلفائها مع ازدياد عمق العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وباكستان المدعومان من الغرب، ومن المتوقع أن تتشتت القوى الأفغانية بين هذين المحورين في حال بروز حرباً أهلية جديدة.
من هذا السياق نفهم أن الولايات المتحدة بانسحابها من أفغانستان رغم ما يُقال عن الخسائر المادية وعدم تحقيق كامل أهدافها قد خلطت الأوراق في آسيا الوسطى ومع اختلاف الأهداف والمصالح الدولية في أفغانستان قد تخلق خلافات سياسية اقتصادية وعسكرية بين تلك الدول وتركيا بسياستها الحالية ستكون المحرك الأساسي في خلق الفوضى في المنطقة الأمر الذي سيلهي كل من الصين وروسيا في تنفيذ مشاريعها الخاصة بالمنطقة، إلى جانب تهيئة ظروف مناسبة لعودة نشاط التنظيمات الجهادية هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن تقليل النفقات العسكرية الأمريكية في الأزمات الدولية وتوظيفها بشكل مدروس في مناطق أخرى سيساهم في نمو اقتصادها بشكل أسرع وتزيد الفجوة الاقتصادية مع الصين لصالحها. أما مسألة أن الولايات المتحدة قد خسرت الحرب في أفغانستان فهذا مرتبط بالنتائج التي ستجنيها بعد انسحابها ومدى قدرتها على ضمان هيمنتها العالمية وأمنها القومي.