الحدث – القاهرة
بالرغم من التعهدات التي قدمتها حركة طالبان للمجتمع الدولي والأمريكان بتغيير سلوكياتها؛ والسماح لموظفي الدولة بمزاولة وظائفهم، ودعوة المرأة للانخراط في الحكومة الجديدة، وعدم السماح لأية قوة أو جهة بأن تستخدم أراضيها للقيام بالأعمال إرهابية تشكل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. إلا أنّ هذه التعهدات لم تتمكن من خلق الطمأنينة والثقة لدى غالبية الشعب الأفغاني، حيث شكلت سيطرة الحركة السريعة وغير المتوقعة في فترة زمنية وجيزة على مساحات شاسعة من الجغرافية الأفغانية، وبالأخص سيطرتها على العاصمة كابل، الأمر الذي تسببت بحدوث موجات هجرة وبأعداد لم تكن متوقعة من قبل العديد من المتابعين لتطورات المشهد في أفغانستان.
وتندرج حركة الهجرة والنزوح هذه من حالة الرفض التام للشعب الأفغاني للحركة وعدم الثقة بتعهداتها، وربما ليس الشعب وحده وإنما حتى الدول المتفاوضة مع الحركة، التي أظهرت عدم قناعتها بذلك، فسارعت بإصدار تصريحات لإجلاء رعاياها والأفغان العاملين معهم.
الصور التي جسدت حركة الاكتظاظ بالناس في مطار كابول الدولي، والتعلق بأجنحة الطائرات؛ بالرغم من أنهم يعلمون خير اليقين بأن الموت ينتظرهم، إلا أنها باعتقادي كانت ربما بمثابة بصيص من الأمل لانتشالهم من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم في البلاد؛ وكما يقال الغريق يتمسك بالقشة.
بالرغم من حجم المعاناة والمأساة التي حلت بالشعب الأفغاني، والذي ناضل على مر عقود من الزمن في مكافحة الإرهاب والتطرف للوصول إلى نظام حكم يضمن له المواطنة، ليقدم بعد كل تلك التضحيات والمعاناة على طبق من الذهب لحركة طالبان.
حالة الاستنكار والاستياء الشعبي من عملية الاستلام والتسليم هذه في ظل تخاذل المجتمع الدولي؛ وترك الشعب الأفغاني وحده لمواجهة مصيره، دفع بالكثير إلى الهجرة والنزوح، وهذا ما آثار حفيظة وقلق المجتمع الدولي من حصول موجهات هجرة جديدة؛ تفوق طاقة العديد من الدول لاستيعابها، وخاصة بعد اجتياح آلاف المهاجرين لعديد من البلدان جراء اندلاع الحركات الاحتجاجية؛ والمسماة بربيع الشعوب في العديد من بلدان شرق الأوسط.
وربما يأتي تخوف المجتمع الدولي وبشكل خاص من تسلل العديد من الإرهابين سواء اكانوا العاملين مع طالبان أو من البلدان الأخرى ضمن الفصائل والتنظيمات المتطرفة من جهة؛ ومن جهة أخرى رفض شعوبهم وخاصةً من اليمين المتشدد لقبول المهاجرين؛ مما قد يتسبب بحدوث تناقضات داخل المجتمع الواحد بين الرافض و الموافق لاستقبال اللاجئين، وتفاقم انتشار ثقافة الكراهية، وعدم قبول الأخر في المجتمعات الأوروبية وغيرها، وهو ما سيلقي بتداعيات كبيرة في المستقبل على السلم والتماسك المجتمعي.
ومعظم الدول التي أبدت استعدادها لقبول اللاجئين كانت التي لها نفوذ في أفغانستان وبشكل خاص العاملين معهم كخطوة استباقية لمنع تعرض لأي تهديد من قبل الحركة، ولكن الملفت لمتابع تطورات الأحداث في أفغانستان هو إبداء تركية استعدادها لاستقبال أكبر عدد من اللاجئين الأفغان، في ظل ظروف عصيبة تعاني منها الدولة التركية، كالأعداد الكبيرة للاجئين السوريين؛ والذي يفوق أعدادهم ثلاثة ملايين ونصف مما شكل عبئاً كبيراً عليها؛ ومطالبتها بشكل مستمر من المجتمع الدولي بإيجاد حل لتلك المعضلة، وطرح حلول تخدم مشاريعها الاحتلالية عبر إقامة مناطق آمنة تحت رعايتها في سوريا، أو استخدامهم كورقة ضغط ضد الأوروبيين لتمرير أجنداتها.
بالإضافة إلى تراجع الليرة التركية أمام الدولار، وتدني المستوى المعيشي، وأزمات سياسية تعيشها الحكومة مع معارضيها، ومؤخراً مما عانته من حجم الاضرار التي تسببها الكوارث الطبيعية سواء من حرق مساحات شاسعة من الغابات أو الفيضانات التي اجتاحت البلاد.
السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي الأسباب التي تدفع بتركيا لاستقبال اللاجئين الأفغان؟ وماهي الغرض من وراء ذلك؟
بالعودة إلى بداية الحراك الثوري لشعب السوري، وتسارع الدولة التركية بإطلاق التصريحات التي تدعو لاستقبال السوريين تحت غطاء الإنسانية، ولكن كان الزمن كفيلاً بكشف الغطاء عن نواياها السياسية القذرة بحق الشعب السوري يوماً بعد يوم.
مع الأزمة الأفغانية نلاحظ الدولة التركية كانت من الدول السباقة لاستقبال اللاجئين الأفغان، وتأكيد أردوغان على ضرورة مواجهة خطر الهجرة الجماعية، وإبداء التعاون مع الدول أخرى.
فكانت من بين ثلاثة دول التي قدمت وثائق مؤقتة سنوية لاستقبال اللاجئين طوال العام الحالي لـ 125 ألف بطاقة، وألمانيا 33 ألف وثيقة، وتليها الحكومة اليونانية بمنحها أكثر من 20 ألف إقامة مؤقتة.
من جهة أخرى، طالب الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الاتحاد الأوروبي الالتزام بالاتفاقات السابقة المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين، مع تزايد المخاوف من موجة نزوح جماعي من أفغانستان.
وكما صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه سيعمل مع باكستان على إحلال الاستقرار في أفغانستان؛ وتجنب موجة جديدة من اللاجئين إلى تركيا. وشرعت الحكومة في بناء جدار على الحدود مع إيران من أجل صد المهاجرين.
من خلال قراءتنا ومتابعتنا لتصريحات السيد أردوغان وتسليطه الضوء على قضية اللاجئين وكيفية معالجتها؛ ربما تأتي في سياق تبنيها للتدخل والحضور بشكل مباشر في الأزمة الأفغانية، من خلال طلبها بحماية مطار كابل من قبل التحالف الدولي بعد الانسحاب الأمريكي، وإرسال دعوات لتفاوض والحوار مع حركة طالبان.
إذا تركيا على خلاف سياساتها السابقة بالوقوف إلى جانب المعارضة لتمرير سياساتها ضد الحكومات، اليوم في أفغانستان نرى مشهداً مخالفاً بعض الشيء؛ فتارة تفتح أبوابها أمام الشعب واحتواهم كلاجئين، ومن جهة أخرى ترسل الدعوات لحركة طالبان للتفاوض معها؛ والذي جوبه بالرفض من قبل الحركة، وبشكل خاص تواجدها في مطار كابل ورفض الحركة لأي تواجد أجبني في البلاد.
ربما في قادم الأيام يتكشف الستار أكثر فأكثر عن أجندات وأطماع أردوغان في أفغانستان؛ وبالعودة إلى قضية استقبال اللاجئين في ظل رفض غالبية الدول لاستقبال اللاجئين، ما الذي يدفع تركيا لاستقبالهم في ظل معارضة شديدة من قبل الأحزاب المعارضة لحكومة العدالة والتنمية، ربما يأتي إصرار أردوغان لاستغلاله قضية اللاجئين من خلال:
• امتلاكه ورقة قوية تضمن حضور تركيا في أية طروحات أو حلول سياسية مستقبلية في أفغانستان كما هي الحالة في سوريا.
• ورقة تستخدمها ضد الحركة في حال استمرارها بالرفض للتعاون مع تركيا، والتسبب لها بالقلاقل وافتعال الأزمات من خلال تواجدها لأجل حماية مطار كابل.
• تحقيق توازن مع الدول الإقليمية العدوة لها من خلال تواجدها وحضورها في الأزمة الأفغانية وعدم ترك الساحة للأخرين؛ وبشكل خاص الجمهورية الإيرانية عبر دعمها للأقلية الشيعية في أفغانستان؛ وعلاقاتها مع حركة طالبان، ودعمها لها أثناء صراعها مع السلطات الأفغانية.
• تحقيقاً لحلم أردوغان بترأسه للخلافة الإسلامية وقيادة العالم الإسلامي وأفغانستان بعد سيطرة الحركة عليها وإعلانها إمارة إسلامية.
• الاستفادة من المخصصات المالية للاجئين في تمويل تداخلاتها الخارجية.
• وربما نشاهد في المستقبل تجنيس اللاجئين الأفغان أسوة باللاجئين السورين، والاستفادة من أصواتهم في الانتخابات المستقبلية تشهدها تركيا في ظل تراجع شعبيته.
• ورقة ضغط تستخدمها لابتزاز الدول الأوروبية لتمرير سياساتها في المنطقة، كما تفعلها مع اللاجئين السوريين.
• تجنيدهم في حروبها الخارجية، كالمرتزقة السوريين.
أسباب كثيرة، وسيناريوهات متعددة يمكن التكهن بها لمستقبل اللاجئين الأفغان في تركيا؛ لذا لابد قبل استفحال الأزمة واستغلالها من قبل أي جهة، وتحويلهم إلى قنابل موقوتة يصعب السيطرة عليها كما هي حال المرتزقة السوريين، وتحولها من قضية تعاطف دولي وإنساني إلى نبذ وفوبيا تخشاها الإنسانية، وخلق وافتعال أزمات جديدة في المنطقة، هي بغنى عنها. ولهذا؛ يتطلب من الشعب الأفغاني بالدرجة الأولى أخذ الحذر والحيطة وعدم الانجرار إلى مستنقعات الدولة التركية؛ واستخلاص دورس من التجربة السورية، وأيضاً يتطلب من المجتمع الدولي القيام بمسؤوليات الأخلاقية والإنسانية، ومعالجة قضية اللاجئين الأفغان وفق القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية، ومنع استغلالها لأجندات ومآرب سياسية يكون ضحيتها الشعب الأفغاني؛ كما فعلت الدولة التركية بالشعب السوري.