الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

جمهورية آرتساخ (ناغورني قرباغ)… حقيقة النزاع بين الأذريين والأرمن

دجوار أحمد آغا

كنا قد تحدثنا في مقال سابق عن بلاد القوقاز أو قفقاسيا بشكل عام وخاصة جمهوريات أذربيجان وجورجيا وأرمينيا، وكان المقال مخصصاً عن جمهورية كردستان الحمراء ذات الحكم الذاتي ضمن أذربيجان التي تأسست في عهد لينين عام 1923 وانتهت في عهد ستالين عام 1929. هذه المقالة تختلف عن سابقتها ولكي نتعرف على حقيقة مجريات الأحداث الساخنة التي تجري في منطقة القوقاز بين أذربيجان وأرمينيا علينا أن نعود إلى الخلفية التاريخية لهذه المنطقة وطبيعتها الاجتماعية.

القوقاز أو القفقاز أو القفقاس هي منطقة جغرافية سياسية تقع عند حدود أوروبا وآسيا، وعُرفت بهذا الاسم نسبة إلى قوقاز حفيد يافث ثالث أبناء نوح – كما يُقال -, تقع فيها سلسلة جبال القوقاز التي تضم جبل ألبروز 5642 متر والذي يأتي في المرتبة العاشرة عالمياً من حيث الارتفاع. كما أنها غنية  بالثروات الباطنية مثل النفط والفحم والغاز الطبيعي والحديد والمنغنيز والنحاس والرصاص والزنك إلى جانب غناها بالغابات والنباتات والحيوانات النادرة.

كانت الشعوب الأصلية في المنطقة (الأرمن – الكرد – الكرج) تؤمن بديانات مختلفة مثل الزردشتية والمانوية واليهودية والمسيحية. ولم يكن هناك وجود للأذريين الذين جاؤوا إلى المنطقة بمجيء قبائل الأوغوز “الغز” التركية من الأورال في أواسط آسيا واستوطنوا في شمال إيران وجنوب شرق القفقاز أو ما يُعرف الآن أذربيجان, وكانت قبلهم في المنطقة هناك دولة الخزر التي كان يحكمها اليهود. بمجيء الإسلام سنة 639 تم السيطرة على أذربيجان والقضاء على دولة الخزر.

كانت القوقاز عبر التاريخ ساحة للصراعات العسكرية وممراً للتدخلات والتوسعات بين مختلف القوى المتصارعة, وكانت بلاد اللان وشيروان ونخجيفان هي التي تضررت أكثر من غيرها كونها متاخمة لحدود الدولة القاجارية في إيران والعثمانية في تركيا. في العصور الحديثة، كانت منطقة القوقاز ساحة صراع ومعارك بين السلطنة العثمانية، الشاهنشاهية الإيرانية، الإمبراطورية الروسية، حتى سيطرت عليها أخيراً روسيا القيصرية وفق معاهدة تركمان جاي عام 1828. بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا سنة 1917 مُنِحت بلدان القوقاز استقلالها حيث ظهرت جمهوريات أرمينيا وجورجيا وأذربيجان, إلى جانب جمهوريات ذات حكم ذاتي مثل كردستان وداغستان وأوستيا وأبخازيا وغيرها.

لكن مع وفاة لينين ومجيء ستالين للحكم قام بنفي وتشريد ونقل عشرات ومئات الآلاف من الكرد والشيشان والأبخاز والأرمن إلى سهوب كازاخستان وأصقاع سيبيريا, بالإضافة إلى إنهاء الجمهوريات ذات الحكم الذاتي. التواجد الروسي على الأرض أدى بدوره إلى توقف الصراع بين الإثنيات والقوميات إلى أن تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. بعد السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي, بدأت جمهورياته السابقة تستقل الواحدة تلو الأخرى وبرزت النزعة العرقية الشوفينية لدى قادة هذه الجمهوريات مما أدى بدوره إلى نشوب الصراع الذي كانَ من المتوقع أن يظهر في أي لحظة بين معظم المكونات، فكانت كردستان الحمراء وكانت الشيشان وكانت أوستيا ومن ثم أبخازيا والآن جمهورية آرتساخ ( ناغورني قرباغ) التي أعلنت استقلالها عن أذربيجان في 6 كانون الثاني 1992. هذه الجمهورية معظم سكانها من الأرمن إلا أنها كانت قد ضُمَّت لأذربيجان. والمراقب لتداخل الخرائط في المنطقة يلاحظ بشكل واضح كيف أن جمهورية نختشيفان تم ربطها بأذربيجان وكذلك لاجين وارتساخ, علماً بأن معظم سكان هذه المناطق هم من الأرمن والكرد واللاز وغيرهم.

صنع وخلق صراعات مستمرة وطويلة الأمد هي السياسة المتبعة لدى الأنظمة المستبدة والمتسلطة, تركيا نموذجاً. تركيا أردوغان تتدخل في الشؤون الداخلية لدول مستقلة وذات سيادة مثل ليبيا، سوريا، اليمن, قبرص, فما بالك بإقليم كاراباخ!! لذلك لن ينتهي الصراع والنزاع القائم قريباً, قد يتوقف لفترة وجيزة لكنه في المحصلة سوف يؤدي إلى حرب عبثية في القوقاز. اندلعت المعارك بين الطرفين عقب إعلان جمهورية آرتساخ رغبتها في الانضمام إلى جمهورية أرمينيا واستمرت الحرب حتى عام 1994 حيث عُقد اتفاق بين الطرفين برعاية روسية في بيشيك عاصمة طاجاكستان. لكن بحلول عام 2008 ومع زيادة عائدات النفط والغاز في أذربيجان والذي أدى الى قلب التوازن العسكري لصالحها، اندلعت الاشتباكات مجدداً في الأعوام 2008 و2010 و2014 و2016، وآخرها الآن 2020.

 تعتبر تركيا الداعم الأساسي لأذربيجان في المنطقة، ورفضت إقامة علاقات دبلوماسية مع أرمينيا تضامناً مع الأذريين بسبب كاراباخ، كما أن الحدود الأرمينية – التركية مغلقة منذ عام 1993 بينما العلاقة بين أذربيجان وتركيا تسير في اتجاه تصاعدي منذ استقلال أذربيجان بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ويمكن القول أنها في ظل إردوغان والرئيس الأذري إلهام علييف ابن حيدر علييف وصلت إلى ذروتها. إن الدعم المطلق من قبل القادة الأتراك لأذربيجان في خضم نزاعها مع أرمينيا، والتدريبات المشتركة اللاحقة والتدريبات بين قواتهما المسلحة والزيارات المتبادلة المتكررة لكبار المسؤولين متجاهلين الوباء المتفشي، هي بعض النقاط البارزة في العلاقات الثنائية بين البلدين في الأشهر الأخيرة. وصرح أردوغان بخصوص هذا الدعم وبكل وضوح حول كيفية حل النزاع ووقف الاشتباكات “لكي يكون هناك حل، يجب على المحتلين [الأرمن] الانسحاب من هذه الأراضي”.

تشيد الدولتان الناطقتان باللغة التركية بروابطهما تحت شعار: «أمة واحدة – دولتان»، وتشعران بضرورة التعامل مع التهديدات الأمنية المشتركة التي تشكلها بنظرهما تهديدات أرمينيا الإقليمية، والوجود العسكري الروسي، والمصالح الأمنية في جنوب القوقاز.

هناك مصادر تفيد بأن تركيا نقلت نحو 1000 سوري غالبيتهم من ميليشيات “فرقة السلطان مراد” و”لواء السلطان سليمان شاه”, قيل لهم إن وجهتهم أذربيجان بحجة حماية مواقع حدودية مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 1500 و2000 دولار شهرياً، والحقيقة أن المبلغ هو فقط 600 دولار.

تُرى إلى متى سيبقى هؤلاء السوريون أدوات في يد أردوغان يحركهم كيفما يشاء، تارة في ليبيا وتارة أخرى في أذربيجان وربما في مرة قادمة في اليمن أو غيرها من الأماكن التي يشعل النزاعات والفتن فيها تمهيداً لتدخله فيها, وبالتالي الحصول على تنازلات من القوى الكبرى سواء أمريكا أو روسيا. عليهم أن يعودوا إلى رشدهم ويعلموا بأن أردوغان يستخدمهم وفقاً لأجندته ومصالحه, كما يجب على الشعب الأذري أن يعلم بأن ما يقوم به أردوغان في بلدهم ليس محبة فيهم, إنما لمصالحه الجيوسياسية ولكي يثبت لروسيا وإيران قدرته على منافستهما في منطقة تعتبرالحديقة الخلفية لهما وتهدد مصالحهما بحيث يحصل من خلال ذلك على تنازلات في الملفين السوري والليبي، ومتى ما حصل على مبتغاه سوف يتخلى عنهم مثلما تخلى عن المعارضة السورية من قبل والسراج في ليبيا لاحقاً.

to top