أزمتنا معرفية وليست سياسية فقط
منى زيدو
من الخطأ توسيم ما يحدث في العالم وفي شرق المتوسط وخاصة في سوريا بأنها أزمة سياسية وحتى يصار إلى الحل لا بد من حلول سياسية فقط. يكاد يكون هذا التوسيم مساهمة أخرى في تعميق الأزمة رغم النظرة الاجرائية الأولية بأنه الخطو ووضع التصور الأولي إلى الحل.
فالأزمات أيًا كانت فإن لها البعد المعرفي أيضًا، والأزمة السورية التي تبدو اليوم العقدة الكأداء فإن مسبباتها وبالتالي حلولها ونتائجها متعلقة أولًا وأساسًا بالجانب المعرفي، الحل وبالرغم من الاتفاق عليه بأنه لا بد أن يكون سياسيًا لكن من المؤكد بأن هذا يتعلق بالأسباب التي أدت إلى كل هذه الدماء وكل هذا العنف والتدمير المجتمعي؛ والأزمة السورية لها علاقة بداية ونهاية بالاستبداد الفكري الذي انطلق أساسًا من المفاهيم السلطوية القوموية البعثية وما رافق ذلك من إقصاء ثقافي ومعرفي وفكري بكل ما عداه، واعتمد في ذلك على الزمرة الاستبدادية والمركزية السياسية وتفصيل كل الأمور وفق هوى هذه النظرة المخلة المعتلة اللا منتمية إلى ثقافة الشرق الأوسط ؛ أما التماهي الكمي الأخير فأتى عن غير وعي وإقدام جبري له في أحسن الأحوال. مثل هذا الشكل الاستبدادي الطارئ لم يأتِ لوحده سواء في سوريا أو العراق وإنما في تركيا أيضا وفي إيران الأخرى فكانت كلها تحمل الجنين المشوه نفسه مع قوام مختلف.
الخطأ هو الخطأ سواء كان معرفيا أم سياسيا أم اقتصاديا أو حتى ثقافيا يمكن له الدوام وبقاء مدة أطول؛ لكن من المؤكد وبسبب أنه الطارئ فلابد له من الانتهاء، وفي سوريا فإن الاستبداد المركزي الجالب للاستبداد الإرهابي الداعشي والأخير الذي ارتكز عليه وعلى منظومة حوكمته كان الجالب للتنظيم الأسود المسمى داعش والذي قلد استبداد النظام وفاقه استبدادا وممارسة ورأت بعض الأنظمة الشرق أوسطية بأنها فرصة سانحة كي تجذٍّر سلطويتها واستبدادها ببلدانها. والحراك الثوري السوري انقض عليه ثلاث استبداديات: استبداد النظام واستبداد بعض صنوف المعارضة المشابهة للنظام واستبداد أنظمة الجوار التي ارتعبت من الحراك الثوري فكانت الداعمة لداعش ولكل من شابهها.
ومن أجل ذلك كانت هذه الاستبداديات وبوتائر مختلفة ضد ثورة 19 تموز 2012 التي قامت في روج آفا/ شمال سوريا وفي مدينة المقاومة كوباني وانتقلت إلى باقي المناطق الأخرى وفق نظرية وفلسفة ثورية تؤسس للأمة الديمقراطية كحل ونموذج ناجح لكل مشاكل الشرق الأوسط والمتوسط منه على وجه العجلة، وكانت الإدارة الذاتية الديمقراطية الجسد الذي مثلت هذه النظرية وحققت اللحظة في عامها السادس انجازات وإذا ما تم مقارنتها بالثورات التي حدثت في التاريخ فإنه من المؤكد وغير المبالغ بأن هذه الثورة فعلت ما لم تفعله الثورات الأخرى لعشرات السنين، وكمية الهجوم الكبير الميداني والنظري على هذه الإدارة الناشئة دليل على قوتها وحلها، وكل الاختلالات التركية التي حدثت بحق مناطق كاملة سورية وبحق شعبها وبمقدراته تعبير حاقد وضعيف ومريض بأن الأعداء بدأوا بالانكسار والهزيمة.