رياض درار
ماورد في المقابلة الأخيرة لرئيس النظام السوري تعبير عن هروب النظام من مسؤولياته، كونه يتحمل الجزء الأكبر فيما آلت إليه الأمور، نتيجة تعنته وإصراره على معالجتها من وجهة نظره الضيقة، وإصراره على النظر وكأن سوريا لم تشهد أي تغيير يذكر.
فالرئيس يتحدث بالمنطق ذاته، منطق التعالي على الواقع والحقيقة. وفي ظرف يتطلب التفهم والتجاوب مع النضالات التي قدمها الكرد خاصة في شمال وشرق سوريا، ويتطلب التقارب مع المحاولات الجادة للانخراط في عملية سياسية، والحوار والانفتاح على الحلول الديمقراطية، من خلال التفاوض الذي يقوم بوساطة روسية. نجد الحديث الذي أجراه يتناغم مع السياسات التركية المعادية للمكون الكردي، وماتقوم به من انتهاكات وخرق للسيادة السورية، وينسى بأن مناطق شمال وشرق سوريا هي الأكثر دفاعاً عن سوريا وتنوعها ووحدتها، وأن المقاومة التي ظهرت في عفرين وكذلك في رأس العين وتل أبيض هي ضد عدوان الطورانية التركية، ويتجاهل سنوات من المقاومة ضد داعش لم تكن إلا لمنع تحول سوريا لولاية تركية، وألا تكون مركزاً للخلافة البائدة، في ذات الوقت الذي كان النظام السوري يلتزم الصمت وكأن ما يجري في عموم هذه المناطق هو خارج الإطار السوري.
لايمكن للسياسة السورية أن تعتدل إلا إذا تمكنت مكونات سوريا البشرية من نيل حقوقها دستوريا، والاعتراف بالكرد وهم من أعرق وأقدم سكان منطقة الشرق الأوسط الذين حل عليهم سوء الطالع بمعاناة وظروف جيوسياسية جعلت العيش الإشكالي قدرا محتوما عليهم، فكانوا الشعب الأكثر اضطهاداً في المنطقة منذ أكثر من مئة عام، ورغم انهم قومية كبيرة وعريقة وراسخة القدم في المنطقة، غير أنهم وقعوا ضحية النزعات القومية التي حكمتهم، ومصالح الدول الاستعمارية التي قسمت أرضهم التاريخية، حيث تعرضوا لحالات الصهروالذوبان في أرواح غير أرواحهم ويلبسون أجساداً غير أجسادهم، وهم يمثلون إحدى أكثر الظواهر التاريخية والإجتماعية التي يطالها الإنكار والإبادة، ولم يتوقف نضالهم من أجل إثبات الوجود الذي استغرق كل هذه الفترة الزمنية منذ سايكس بيكو إلى يومنا هذا، وقد مر فيها محطات فكرية ثقافية وأخرى عملية تنظيمية وحركية جعلت العالم يلتفت إلى الوجود الكوردي وحقوقهم في تقرير مصيرهم. بينما يستمر الانكار والتعالي من رئيس النظام في حديثه ليغازل التركي ويرضي طموحه من أجل اتفاق مصلحي مؤقت، تطلبه اتفاق روسي تركي، وعلى حساب المصالح السورية العليا وسيادة السوريين على أرضهم.
لقد ساهم الكورد في الدفاع عن الأراضي السورية من هجمات التنظيمات المتشددة وعمدوا بالدم نضالاتهم، ومنعوا هذه التنظيمات من تحقيق انتصارات لهم على الأرض السورية، ومازالوا يلاحقون فلولهم في مناطق كثيرة حتى يخلصوا البلاد من شرورهم، وبطولات المقاتلات والمقاتلين تجعل كل وطني شريف ينحني لها ويناصرهم.
نحن في سوريا ولحل المشكلات العالقة في القضية الكوردية، علينا أن نتطلع إلى النظام اللامركزي الذي هو شرط لتحقيق الوحدة في سوريا، وليس عامل تقسيم كما يدعي رئيس النظام فقد رأت القوى السياسية في منطقة شمال وشرق سوريا أن البديل عن الدولة المركزية التي صارت مفككة بفعل الحرب والصراع الدامي مع المتطرفين والثائرين، هو قيام نظام لامركزي ديمقراطي، وهذا يستوجب بناء وتجديد القواعد السياسية والقانونية والاقتصادية للبلاد وفقا لقيم المواطنة، وبما يوفر الحقوق والحريات الأساسية ويحقق العدالة الاجتماعية، عبر توزيع عادل للأراضي والمياه ومصادر الطاقة، ومن خلال حكومة تولي اهتمامها للتنوع وللروابط التاريخية بين السكان، وتعمل على تسوية إدارية اجتماعية جديدة عبر انشاء هيكل ديمقراطي يحل محل الدولة المفككة، ويكون قادرا على الانتقال السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة نزيهة، والتمسك بحرية المرأة ودورها في المشاركة القيادية في كافة مفاصل الدولة. وفي بلدنا سوريا يمكن أن تكون الأمة السورية الديمقراطية هي الاسم الجامع بعيدأ عن كل بعد قوموي أو طائفي أو ديني أو عرقي أحادي. فتكون حديقة تزدهر فيها أنواع الورود ومن مختلف الألوان، وهي تقوم ضمن إطار وطن ديمقراطي وسياسة ديمقراطية. لإن التعددية وقبول الفوارق هي أساس الاتحاد لهذه الأمة، كما أن تفعيل الإدارات المحلية وتوزيع السلطة المركزية على الولايات والأقاليم والمناطق والنواحي هي من إحدى متطلبات التعددية والديمقراطية للوطن الديمقراطي، بالإضافة إلى أن قدرة جميع الشرائح والمكونات والأطياف في التعبير عن نفسها ومطالبها عبر الأحزاب والمنظمات السياسية، هي من إحدى الصفات الأساسية للسياسة السلمية، وبهذا تضمن الأمة الديمقراطية تمثيل هوية جميع الأطياف والثقافات والقوميات في بلد موحد معافى.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت