الحدث – القاهرة
قضية اللاجئين السوريين من أكثر القضايا التي تثير قلق المجتمع الدولي، تخوفاً من موجات هجرة جديدة، في ظل عدم وجود أية حلول لإنهاء الأزمة السورية على المدى المنظور. فاستمرار العمليات العسكرية، وتردي الأوضاع المعيشية وتفاقمها في ظل عقوبات قانون قيصر، وجائحة كورونا، كل ذلك أسهم في تزايد نسبة ممن هم معرضون للعيش تحت خط الفقر، والتي وصلت إلى أكثر من 80%، وشح الخدمات الأساسية، واستمرار الإرهاب أيديولوجياً عبر الخلايا النائمة، وتدمير شبه كلي في البنية التحية.
كل تلك الأسباب مجتمعة كفيلة بجعل الإبقاء على ملف قضية اللاجئين السوريين مفتوحاً، وأخذ حيز كبير من اهتمامات الرأي العام العالمي، وإثارة مخاوف وقلق دول الجوار، ممن تضرروا من قضية اللاجئين السوريين والتي أثقلت كاهلهم، وبشكل خاص ممن يعانون من أزمات ومشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية، إلى جانب دول أخرى وجدتها ورقة رابحة لاستثمارها كورقة ضغط لابتزاز المجتمع الدولي لتمرير مشاريعها وأجنداتها.
وبالرغم من أخذ القضية حيزاً من اهتمام الرأي العام العالمي، وعقد العديد من المؤتمرات إلا أنها لم تكن بالمستوى المطلوب لترتقي إلى وضع حد لهذه الأزمة؛ إنما اكتفت بتقديم حلول مرحلية وقتية، لتكون عبارة عن مساعدات مالية وإغاثية، وفي بعض الأحيان رشاوي لدول لإسكاتها. في حقيقة الأمر لا يمكن التعويل عليهم أكثر من ذلك، كون حل القضية ووضع حد لمعاناة اللاجئين يتوقف بالدرجة الأولى على إنهاء الأزمة السورية ككل. ولكن ذلك لا يبرر للمجتمع الدولي التهرب من مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية؛ وترك مصير اللاجئين رهيناً بيد بعض الدول التي تتحكم بهم بما يخدم أجنداتها.
لكن ليس من قبيل المصادفة أن نرى تصريحات من قبل دولة الاحتلال التركي بضرورة عودة اللاجئين إلى ديارهم، بحجة أن الأوضاع باتت آمنة ومستقرة، بالتزامن مع تصريحات الحكومة المركزية في دمشق وداعميها بالدرجة الأولى الروس بأن الأوضاع آمنة، وهناك موجات كبيرة تشهدها البلاد بعودة اللاجئين إلى ديارهم.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل هناك توافقاً تركياً– سورياً برعاية روسيا لإجبار السوريين على العودة؟. وما هو المقابل الذي حصل عليه الطرف التركي حتى تتناغم تصريحاته مع الحكومة المركزية في دمشق، التي طالما نعتها الطرف التركي بالديكتاتورية وضرورة إسقاطها؟.
بكل بد سعت روسيا ومازالت إلى إضفاء الشريعة على السلطة الحاكمة في دمشق؛ وعملت العديد من المحاولات سواء بإعادتها إلى محيطها العربي، أو إعادة بعض المناطق بالعسكرة إلى سيطرتها، ومن بين تلك المساعي عقد مؤتمرين دوليين حول قضية عودة اللاجئين في دمشق؛ أحدهما في نهاية العام المنصرم أي قبل الانتخابات الرئاسية، والآخر بعد إجراءها، وذلك لإيهام الرأي العام العالمي بأن الانتخابات جرت في ظروف طبيعية وشرعية، وأن سوريا تتمتع بالاستقرار والأمان، ولكن بالمحصلة بقيت المساعي الروسية غير مجدية ولم تلقَ قبولاً، ومن ضمنها المؤتمرين حيث ظلت شكلية، ولم تحدث أي تقدم ملموس في ملف اللاجئين، وإن حصلت بعض حالات العودة فإنها كانت فردية، وغالبيتها بالإكراه، لكون الغالبية العظمى من الشروط والأسباب التي أدت إلى حدوث موجات الهجرة والنزوح والتي بلغت ثلاثة عشر مليوناً؛ أي أكثر من نصف سكان سوريا ما زالت حاضرة بقوة، بل أصبحت أكثر تعقيداً وتأزماً في ظل الظروف الراهنة؛ وباتت مسألة عودة اللاجئين في غاية الصعوبة، وإن لم نقل مستحيلة بشكل طوعي.
فشكلت قضية اللاجئين السورين أرضية متينة لتلاقي المصالح الروسية –التركية واستثمارها بما يخدم الطرفين. بالعودة إلى جميع التوافقات الروسية -التركية والتي غالباً ما كانت عبر مقايضات منطقة مقابل الأخرى، وبالنتيجة عمليات ترحيل قسرية للسوريين عبر الباصات الخضراء؛ والضحية دوماً كان الشعب.
وبالعودة إلى تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء لقاءه الأخير مع الرئيس السوري بشار الأسد؛ بأن الجغرافية السورية المحررة بات تشكل 90% وهو ما يخالف المعطيات على أرض الواقع، وهل يمكن أن نفهم من تصريحه هذا بأنه تخلى عن 10 % والتي تشكل نسبة الأراضي المحتلة من قبل دولة الاحتلال التركي بشكل مباشر؛ مقابل إجبارها للاجئين على العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام؛ وإيهام الرأي العالمي بأن سوريا آمنة، وليس هناك أية مشكلة بين الشعب والسلطة الحاكمة، وأن مسألة هجرتهم من البلاد كانت مؤقتة بسبب الإرهاب وإزالة أسبابه، وباتت عودة اللاجئين إلى ديارهم آمنة. وربما البداية كانت عندما امتنعت روسيا عن استخدام حق النقض الفيتو؛ والسماح بإعادة تفويض معبر باب الهوى، وإيجاد آلية للتنسيق بين تركيا والنظام حول توزيع المساعدات برعاية أممية. ومن ثم في الأزمة الأخيرة التي شهدتها مدينة درعا، بالرغم من دعوات أهالي درعا بالهجرة الجماعية إلى تركيا أو الأردن؛ وهذه المرة على عكس عادة أردوغان، لم نسمع منه أي تصريح، على خلاف ما كان يدعي بمواقفه الإنسانية واحتضانه اللاجئين السوريين بداية الأزمة السورية؛ والنتيجة كانت اخضاع أهالي درعا بالقوة وفرض الاستسلام عليهم وعودتها –درعا- إلى سيطرة النظام.
وروسيا معروفة بتوجهاتها السياسية والداعمة للنظم المركزية، لذا الإبقاء على الحكم على ما هو عليه يخدم أجنداتها في المنطقة أكثر، وبالتالي الحفاظ على هكذا أنظمة تابعة لها؛ تشكل ورقة ضغط قوية في وجه القوى العالمية والإقليمية الأخرى المتدخلة في الأزمة السورية.
وهكذا خطوة في المرحلة الحالية تخدم أجندات ومصالح حكومة العدالة والتنمية؛ في ظل تنامي معارضيها وبشكل خاص حيال قضية اللاجئين، ورفضهم لتواجدهم على الأراضي التركية، فترحيل قسم من اللاجئين كوسيلة لتهيئة الأجواء وإزالة الاحتقان؛ وخاصة أن تركيا مقبلة على مرحلة انتخابية أولاً، وثانياً تكون بمثابة ضغط على المجتمع الدولي؛ للحصول على المزيد من المستحقات المالية مقابل إبقاء اللاجئين؛ ريثما يتم حلحلة الأزمة السورية، أو تحقيقاً لمشروعها التي تنادي به بإحداث مناطق آمنة تحت سيطرتها في الشمال السوري، وترحيل اللاجئين للتوطين فيها مستكملة بذلك عملياتها للتغيير الديمغرافي، وأضعف الإيمان أن يتم التوافق بينها وبين الروس، والاعتراف لتركيا بما احتلته من الأراضي، وبذلك تكون قد حققت جزءاً من مشروعها الموسم بـ “الميثاق الملي”، وانتصار جزئي لسياساتها الخارجية.
بالمحصلة حكومة العدالة والتنمية لن تتخلى عن ورقة اللاجئين؛ كونها حققت لها مكسباً وحضوراً في الأزمة السورية بشكل مباشر أولاً؛ وثانياً ابتزازاً للمجتمع الدولي، وتمرير أجنداتها التي مازالت تستثمر بها بقوة، وثالثاً حققت لها أهداف ومشاريع على صعيد سياساتها الخارجية والداخلية.
فإذا قامت بترحيل اللاجئين السورين سيكون جزئياً، وهي تعلم ما تقوم به من مقايضات مع الروس والإيرانيين، و لن يكتب لها النجاح كما هو مخطط ومرسوم لها من قبل الدول الثلاثة؛ وأن أي حل يفضي إلى حلحلة أزمة اللاجئين يجب أن يكون بتوافق دولي وإقليمي؛ ومتوافقاً مع المواثيق والأعراف والقوانين الدولية والإنسانية، وبشكل خاص القرارات الأممية ذات الصلة بالأزمة السورية.
بكل تأكيد المساعي الروسية “الحكومة المركزية”– التركية ستبقى مستمرة في هذا المضمار بما يخدم أجنداتهم وأهدافهم السياسية، والعودة إن حصلت ستكون إجبارية في غالبيتها العظمى، ولن تكون بشكل طوعي في ظل المعطيات والوضع الكارثي الذي تعاني منه سوريا على كافة الصعد.
وأي عودة بِما يخالف القرارات الأممية الخاصة بالأزمة السورية؛ ستكون في غير مصلحة الشعب السوري وتأزيم للوضع الإنساني أكثر مما هو عليه الآن؛ وتعريض مصير الآلاف للخطر في ظل ما تشهده مناطق النظام من قبضة أمنية وتردي للأوضاع المعيشية؛ وانعدام البنية التحتية والخدمية، ومناطق سيطرة الفصائل المرتهنة لتركية، أو تلك المناطق التي تخضع لاحتلالها بشكل مباشر، من انتشار للفساد والتطرف والجرائم والإرهاب والأوضاع الإنسانية والاقتصادية المتردية؛ وخاصة إذا لم تكن برعاية وضمانات دولية.