قال الكاتب التركي سميح إدز في مقال نشره اليوم الخميس بموقع “المونيتور” الأمريكي، بعنوان: “إدلب وانهيار سياسة أردوغان الخارجية”، إن تداعيات انهيار التفاهمات التركية-الروسية حول إدلب تتجاوز سوريا، وتمثل انهيار لنهج رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في السياسة الخارجية المستندة على توجهه “المتأسم”.
ووصف الكاتب التركي بلاده بأنها دولة معزولة اليوم ولديها علاقات تتسم بالمواجهة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك العالم العربي واوروبا، وتحاول ضمان مصالحها الأمنية الحيوية في ظل هذه الخلفية الصعبة، “لكن الأصدقاء القلائل الذين تركتهم أنقرة، مثل قطر أو باكستان أو أذربيجان، لا يمنحون تركيا أي قيمة إستراتيجية يمكن أن تعزز يدها ضد خصومها”.
واعتبر “إدز” إن الخيار الوحيد الذي يجب أن يواجهه أردوغان هو محاولة التلاعب بين الولايات المتحدة وروسيا ضد بعضهما البعض، كما كان يفعل لبعض الوقت، ولكن الآن يبدو أن هذا النهج قد وصل إلى نهايته.
ان اسلوب اردوغان في ادارة العلاقات الدولية وازدراء الاساليب الدبلوماسية وتجاهل مشورة الدبلوماسيين المحترفين، قد يكون له اثر جيد مع مؤيديه المتعصبين، لكن العديد من المحللين الاتراك بمن فيهم بعض المؤيدين السابقين لأردوغان، يرون ان الوضع الذي تجد أنقرة نفسها فيه في سوريا، يرجع بالاساس إلى اخطاء أردوغان، ويخشون أيضا أن تنشأ كارثة مماثلة في ليبيا، حيث بدأ الجنود الأتراك أيضا في تكبد الخسائر، بحسب الكاتب.
وتحدث الكاتب التركي عن المواجهة بين أنقرة والولايات المتحدة قبل العدوات التركي على شمال شرق سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: “منذ 4 اشهر فقط قبل أن يأمر أردوغان بإطلاق عملية (ما تسميها أنقرة) نبع السلام ضد وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، كانت هناك تكهنات حول مواجهة محتملة بين القوات التركية والأمريكية”، وفي نفس الوقت كان وزير الخارجية التركي يصف “العلاقات الاستراتيجية” التي كانت تطورها تركيا ظاهريا مع روسيا بأنها “لا تتزعزع”، حيث كانت تأمل أنقرة في أن تؤدي هذه العلاقات إلى موازنة علاقة تركيا المتدهورة مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة.
واشار الكاتب إلى أن قرار أردوغان بشراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز S-400 – ، رغم اعتراضات حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كان يعتبر أيضًا بمثابة مجرد تحدٍ للغرب، أكثر من كونه خطوة متماسكة تقوم على أساس منطق عسكري سليم.
واعتبر الكاتب ان اكثر خطأ في حسابات أردوغان الخارجية ثبت أنه اعتماده على روسيا.
وحتى بعد تهدئة الوضع في إدلب، كما هو محتمل في النهاية، على الأرجح بتكلفة على تركيا، ولأن حربا تركية-روسية ليست شيئًا يمكن أن تتحمله أنقرة، ستبقى الخلافات في العلاقة بين أنقرة وموسكو.
يشير أردوغان بإصبع الاتهام إلى روسيا الآن ويشير إليها بعبارات لا تخلو من كلمة “المعتدي”، في هذه الأثناء، لجأ إلى الولايات المتحدة مرة أخرى للحصول على الدعم، حتى إنه دعاها إلى نشر منظومة صواريخ باتريوت ضد التهديد السوري-الروسي.
ولم يعد من المستغرب أن يقترح بعض المعلقين الساخرين أنه بدلاً من البحث عن صواريخ باتريوت الأمريكية، يجب على أنقرة نشر صواريخ S-400 الروسية لدرء التهديد الروسي في سوريا.
“كلفت الحملة التركية في إدلب ضد الجيش السوري أرواح 18 جنديًا تركيًا ومقاولًا عسكريًا، قُتل بعضهم على يد القوات الجوية الروسية، ومن المتوقع أن يرتفع عدد الضحايا في الأيام والأسابيع القادمة مع تصميم أردوغان على المضي قدماً في ما تعتقد المعارضة أنها حربه، وليس حرب تركيا.”
قال المعلق السياسي المخضرم فكرت بيلا إنه يعتقد أن هذه حرب لا يمكن أن يفوز بها أردوغان. وقال إن الأهداف الرئيسية لتركيا في سوريا هي الإطاحة بنظام الأسد وتأمين حضور للإسلاميين المتطرفين في ذلك البلد، ولا يعتقد “بيلا” أن هذه الأهداف قابلة للتحقيق.
وكتب بيلا: “هزيمة جيش النظام السوري، الذي تدعمه روسيا… لا يبدو أنه في نطاق الاحتمالات”.
فهمي كورو، وهو كاتب عمود مخضرم آخر كان قريبًا من أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، متشائم أيضًا بشأن نجاح سياسات أردوغان. وبالإشارة إلى تذبذب أنقرة بين واشنطن وموسكو، يشك “كورو”، في أن أي نتائج يمكن اعتبارها “انتصارًا” لتركيا سيتم الحصول عليها من هذا النهج.
كتب كورو في مدونته الشخصية “أخشى أن السياسات التي تطبقها تركيا في سوريا منذ عام 2011 … ستؤدي جميعها إلى الفشل”.
من الواضح أن أردوغان غاضب من مثل هذا التعليق المُحبط. ومن أجل تعزيز الدعم المحلي لسياسته تجاه سوريا، وضع مستوى تدخل تركيا في سوريا إلى مستوى حرب الاستقلال التركية 1919-1922. وفي كلمته التي ألقاها أمام أعضاء الحزب في 15 شباط/ فبراير الجاري، حين أدلى بهذه الملاحظة، كرر أردوغان أيضًا إنذاره لسوريا لسحب قواتها إلى خط وقف إطلاق النار المتفق عليه مع روسيا في سوتشي، في تموز/ سبتمبر 2018.
وحذر أردوغان من أنه إذا لم ينسحب الجيش السوري بحلول نهاية شباط/ فبراير الجاري، فإن تركيا ستجبره على القيام بذلك عسكريًا. وأكد الكاتب التركي إن محاولة أردوغان تشبيه سياسته في سوريا بحرب الاستقلال التركية لا تقنع احد.
كما اشار إلى أن أسلوب أردوغان الذي ينطوي على عمليات عسكرية على أراضي بلد آخر، وهو ما يطرح “قضايا قانونية دولية وفقًا للقواعد التي حددتها الأمم المتحدة”.
واشار الكاتب الى مخاطبة اردوغان لمخاوف الاتراك بشأن وجود فيضان جديد من اللاجئين السوريين، لكن لا احد يقتنع بأن شنه لحرب في سوريا يمكن ان تحل هذه الازمة بل ستفاقمها.
واضاف: “مع ذلك، يفشل الكثيرون في رؤية كيف يتوقع أردوغان حل مشكلة اللاجئين عن طريق خوض الحرب ضد النظام السوري عندما يمكن أن يتحدث معه لرسم مسار عقلاني. لكن أردوغان يرفض أي فكرة للتحدث إلى الرئيس السوري بشار الأسد. يعتقد أردوغان، المليء بنظرة أيديولوجية راسخة قائمة على أساس سني، وتعاطفًا فطريًا مع جماعة الإخوان المسلمين بجميع أشكالها، أن التحدث مع الأسد سيكون خيانةً لأتباعه. الأسد العلوي، والعلويون هم فرع من الإسلام الشيعي”، بحسب الكاتب.
ويواصل أردوغان إرسال تعزيزات إلى اجزاء قليلة من إدلب التي لا تزال تركيا تسيطر عليها بدعم من مرتزقة “الجيش الوطني السوري” التي يمولها ويسلحها أردوغان، بالاضافة مجموعات متنوعة من “المقاتلين الجهاديين”.
واوضح الكاتب ان أردوغان يرفض تماما كل الدعوات المحلية من المعارضة لسحب القوات التركية من سوريا لأن هذا سيكون بمثابة اعتراف بالهزيمة. ومع استمرار الأمور، تتفاقم مشاكله السياسية في الداخل بسبب مجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية.
واشار الكاتب إلى مقال للسفيرين المتقاعدان علي تويجان ويوسف بولوك، اشارا فيه إلى “الخلل الأكثر وضوحًا” في سياسة أردوغان تجاه سوريا هو “افتقارها التام إلى التأييد الوطني”.
قال أردوغان إن العمليات العسكرية يمكن أن تبدأ في أي لحظة. ومع ذلك، لا يعرف الأتراك إلى أين تتجه البلاد إلا أن أبنائهم سيتعرضون لأذى قاتل إذا لم تستجب دمشق للتحذير، حسبما كتب تويجان وبولوك في مدونة “الرأي الدبلوماسي”.
وأضافوا: “على الأقل في هذا المنعطف الحرج، يحق لشعب تركيا أن يعرف بالضبط أيًا من مصالحه سيتم خدمتها، واي من القضايا سيتم الدفاع عنها، والأدوات التي سيتم استخدامها وبأي تكلفة”. وفي إشارة إلى فشل محاولة تركيا لتغيير النظام في سوريا ، قال تويجان وبولوك: “لقد حان الوقت للحكومة التركية كي تنهض وتواجه الواقع على الأرض”. وأوصوا بانسحاب القوات التركية من إدلب والعودة إلى المسار الدبلوماسي.
واستبعد الكاتب قدرة أردوغان على مواجهة الواقع على الارض في سوريا، معتبرا إن التعامل مع الواقع على الارض في سوريا “لم يكن قط نقطة قوة لأردوغان”، مختتما المقال بالقول: “مع استمرار الأمور هكذا، يبدو أنه مصمم على جر تركيا إلى المستنقع. إذا فاز، سيضمن فوزًا كبيرًا لنفسه. إذا خسر، فإن البلد سيخسر معه.”