الحدث – القاهرة
– العناصر الرئيسية فى التحليل:
– أولاً: إستراتيجية “الإحتواء الجديدة” لحلف الناتو لإحتواء الصين فى مناطق نفوذه للدول الأعضاء فى الحلف
– ثانياً: إستراتيجية الناتو لمواجهة التحديات الأمنية ٢٠٣٠، بالتأكيد على الأولوية الأولى لمواجهة الصين
– ثالثاً: التغيرات فى خطط وإستراتيجيات “حلف الناتو” تجاه الصين فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، بعد توقيع “إتفاقية أوكوس الدفاعية الجديدة” بقيادة واشنطن
– رابعاً: تأثير إتفاقية أوكوس على الإستراتيجية الجديدة لتوسع أعضاء حلف شمال الأطلسى “الناتو”، والتخطيط الأمريكى لإنضمام أستراليا واليابان للحلف لإحتواء الصين فى منطقة “الإندو-باسيفيك”، والتحدى الأمريكى لدستور وميثاق نشأة “الناتو”
– خامساً: الإستراتيجية الأمنية والدفاعية والعسكرية الجديدة للصين أمام التحديات العالمية لمواجهة النفوذ الأمريكى وسياسات الناتو
– سادساً: نجاح الصين فى إختراق “سوق الدفاع الأوروبية”، وعقد صفقات عسكرية مع أعضاء حلف الناتو، لتطويق وإحتواء الحديقة الخلفية للحلف
– سابعاً: التهديد الصينى لمناطق نفوذ حلف الناتو، بالتوقيع الصينى ل (الإتفاقية الشاملة للإستثمار مع الإتحاد الأوروبى) فى ديسمبر ٢٠٢٠
– ثامناً: تحدى النفوذ الصينى للإستثمار فى (إدارة وتشغيل الموانئ الرئيسية الأوروبية) للدول الأعضاء فى حلف الناتو، بما فيها سيطرة الصين على (ميناء لونغ بيتش) فى ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية ذاتها
Port of Long Beach
– تاسعاً: التقارب بين الصين ودول البلطيق للتأثير على نفوذ حلف الناتو، وتوقيع الصين لمبادرة (١٧ + ١) بهدف (توسيع التعاون الإقتصادى بين بكين والدول الأعضاء فى أوروبا الوسطى والشرقية)
– عاشراً: الدور الأمريكى لبناء موانئ وشبكات البنى التحتية والرقمية فى أوروبا لخدمة أهداف “حلف الناتو” فى مواجهة الصين، وطرح (مشروع أمريكى بديل لطريق الحرير الصينى) فى قمة مجموعة السبعة الإقتصادية
– تمهيد
إستطاعت الصين الوصول إلى عمق الموانئ الرئيسية فى أوروبا، وبالأخص الموانئ الإيطالية لتوسيع أعمالها ضمن مبادرتها للحزام والطريق، وبات التواجد الصينى ومن بعده الروسى أقوى، خاصةً مع (إطلاق كلاً من روسيا والصين لسلسلة من المناورات العسكرية والتدريبات المشتركة، وذلك فى مناطق موانئ آسيا الوسطى والأقاليم القطبية وفى بحر البلطيق وفى البحر الأسود والبحر المتوسط، وهى ذاتها مناطق النفوذ البحرية المطلة على الدول الأعضاء فى حلف الناتو)، فضلاً عن تزايد حدة مخاوف مسئولى حلف شمال الأطلسى (الناتو) من تزايد نفوذ وسيطرة الصين على مناطق موانئهم البحرية، والتغلغل الصينى فى عمق الموانئ الأوروبية الرئيسية.
ونتيجة لهذا التمدد الصينى وفقاً للإستراتيجية الأمريكية الجديدة، ومحاولتها تصدير تلك المخاوف للناتو من أجل وضع الخطط التكتيكية والأهداف الإستراتيجية البعيدة للحلف وأعضاؤه الثلاثين، ومن هنا بات لزاماً على قيادات (حلف الناتو) مواجهة “إستراتيجية الزحف الصينى”، وفقاً لما أطلقه “الناتو” عليها بتشجيع وقيادة واشنطن له، وهو ما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تتزعمه من خلال “شركة تمويل التنمية الدولية الحكومية الأمريكية” من خلال إسهامها فى تمويل تطوير وإنشاء موانئ أمريكية فى اليونان وإيطاليا بالأساس فى مواجهة المشروعات الصينية المقابلة لتطوير تلك الموانئ، فضلاً عن تزعم الولايات المتحدة الأمريكية لحلف الناتو بطرح “مشروع أمريكى بديل لطريق الحزام والطريق الصينى”، وذلك خلال قمة مجموعة السبعة الإقتصادية الأخيرة فى عام ٢٠٢١. وفى إعتقادى الشخصى كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، بأن ذلك يعد من أعنف المواجهات بين واشنطن وبكين عالمياً.
وبناءاً عليه، يمكننا فهم آليات وأبعاد التنافس والصراع بين الصين وحلف الناتو، وإستراتيجية رد الفعل الصينى للسيطرة على أعضاء حلف الناتو إقتصادياً ولوجستياً، بالسيطرة على أكبر الموانئ الأوروبية الرئيسية المطلة على البحار والمحيطات بالإدارة والتشغيل أو تطوير تلك الموانئ وجعلها مصدر لإدارة وتشغيل الحاويات وسفن الشحن الصينية العملاقة، ثم (رد الفعل الأمريكى ودول حلف الناتو الأعضاء لتطويق وإحتواء الصين، وإطلاق عدد من الإستراتيجيات الجديدة للناتو بهدف تحجيم الصين فى مناطقهم الهامة)، وذلك على النحو الآتى:
– أولاً: إستراتيجية “الإحتواء الجديدة” لحلف الناتو لإحتواء الصين فى مناطق نفوذه للدول الأعضاء فى الحلف
بناءاً على التهديد الصينى لمناطق نفوذ حلف شمال الأطلسى “الناتو” وفقاً لتقديراته، فقد تواترت على مدى أكثر من عام مطالب مسئولى الحلف علانيةً للسيطرة على النفوذ والزحف الصينى فى المناطق الرئيسية لدول البلطيق وأوروبا وشرق ووسط وغرب أوروبا، فجاءت الردود وآلية المواجهة لقيادات الناتو للصين، على النحو الآتى:
١) أقر الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” بضرورة مواجهة التهديد الصينى المتصاعد، مؤكداً: “أن الصين ترد بطريقة عدوانية على الآخرين عند أى إنتقاد يوجه لها”، مقراً فى الوقت ذاته حول الإختلاف وبعض “النقاشات الصعبة” بين دول الحلف خلال فترة وجود “دونالد ترامب” فى البيت الأبيض.
٢) كذلك باتت “نظرية الإحتواء الجديدة للصين” تتضمن “خلافات مالية حول تقاسم أعباء مواجهة الصين بين الأعضاء الثلاثين فى حلف شمال الأطلسى “الناتو”، وهو ما صرح به “ستولتنبرغ” بصفته أمين الحلف، بقوله:
“غالباً ما اشتكى ترامب من أن أعضاء الحلف الآخرين لا يدفعون نصيبهم العادل من الأعباء المالية المتعلقة بالدفاع المشترك، إلى درجة أنه تحدث عن سحب بلاده من الحلف”
٣) أما عن “إستراتيجية حلف الناتو الجديدة تجاه الصين فى عهد إدارة جو بايدن”، فهذا ما أوضحه “ستولتنبرغ”، مصرحاً بأنه:
“لقد بات لدينا الآن رئيس أمريكى جديد أشد إلتزاماً من سلفه “ترامب” تجاه واجبات حلف شمال الأطلسى ويدعم أمن أوروبا ومستعد لزيادة الإستثمار أيضاً فى حلف الناتو”
٤) كذلك بدأت (بوادر التحول الجديدة تجاه التحديات الأمنية القادمة من ناحية الصين، وإقرار حلف الناتو بأنها تدخل فى صميم دفاعاته ومناطق نفوذه)، وظهر هذا التحول الجديد نحو “تحدى التهديد الصينى” خلال قمة الناتو فى لندن عام ٢٠١٩، عندما صرح أمين حلف الناتو “ستولتنبرغ”، محذراً دول الحلف الأعضاء، قائلاً:
“بات على دول الحلف أن تواجه حقيقة أن الصين باتت تقترب أكثر فأكثر فى أفريقيا والقطب الشمالى، والفضاء الإلكترونى، وحتى فى أوروبا”
٥) وبذلك نفهم تزايد النفوذ الأمريكى داخل “الناتو”، ونجاح واشنطن فى خلق مناخ عام مناهض للصين بين دول الناتو الثلاثين، وذلك عبر بيان “قمة لندن لإجتماع الناتو لعام ٢٠١٩”، وإصدار البيان الختامى لأول مرة إعلان صرح فيه:
“أن الصين تمثل تهديداً استراتيجياً محتملاً، وأن “النفوذ المتزايد للصين فى السياسات الدولية” يقدم فرصاً وتحديات، نحتاج إلى مواجهتها معاً كتحالف”
٦) ويبقى لدينا هنا التحليل الأهم، وهو أن “خطابات الناتو باتت مطابقة لنفس الخطابات الأمريكية بشأن الصين بدون تقديم أية دلائل لأى إتهامات تتعلق بها”، ويبقى التحليل الإستراتيجى هنا، بشأن:
ما طبيعة التحدى الذى تمثله الصين للناتو ودوله، على الرغم مما يبدو من تباعد جغرافى بين الجانبين وإختلاف مناطق النفوذ؟
٧) ورغم عدم وضوح “آلية التهديد المباشر للصين بالنسبة لأمن أوروبا وحلف شمال الأطلسى “الناتو”، إلا أن واشنطن تؤكد بأن أمن أوروبا وأعضاء الناتو فى خطر، لأن الصين تمثل طيفاً كاملاً من التحديات بالنسبة للناتو، وهو ما دفع قادة الناتو العسكريين – بعد تفهمهم لوجهة النظر الأمريكية – بالتأكيد على:
“أنه وعلى الرغم من أن الصين لا تمثل تهديداً عسكرياً مباشراً للناتو، فإن النفوذ المتنامى لبكين ودبلوماسيتها الواثقة فى أوروبا قد أدى إلى تداعيات كبيرة على الأمن والإقتصاد عبر الأطلسى”
٨) ونجد هنا (ربط أعضاء حلف الناتو بين التمدد الإقتصادى لمبادرة الحزام والطريق الصينية إلى أوروبا والتأثير على أمن دول الناتو)، وقد جاء ذلك عبر بيان معلن عبروا فيه عن:
“أن إستثمارات الصين فى مشاريع البنية التحتية الحيوية فى أوروبا، إبتداءً بشبكات الإتصالات وإنتهاءً بمنشآت الموانئ، قد تضعف قدرة الناتو على الإستجابة للأزمات الدولية دبلوماسياً أو عسكرياً إن لزم الأمر”
٩) ووفقاً النقاشات المثارة وغير المفهومة بين الأعضاء فى الناتو، وهى من وجهة نظرى ترديداً غير مباشر لنفس الإتهامات المسترسلة الأمريكية ضد الصين، فإن الناتو أكد “خطر شركة هواوى الصينية على أمن الناتو”، عبر التأكيد:
“إذا أقدم بعض الحلفاء فى الناتو على إدراج معدات شركة “هواوى” فى شبكاتهم للجيل الخامس، فإنه يمكن أن تثار الأسئلة بشأن سلامة هذه الشبكات، نظراً للعلاقة الوثيقة بين الشركة والحزب الشيوعى الصينى”… وذلك وفق تعبيرهم الدقيق
١٠) وهنا نجد الربط العسكرى والإستراتيجى للناتو، وبين تزايد النفوذ الصينى وفقاً لبيانات صادرة عنهم، بالتصريح:
“أن سلاسل الإمداد العسكرية الحساسة لتحالف الناتو، قد تصبح معتمدة إلى حد كبير على الصين، كما حصل أخيراً فى مقاتلات إف-٣٥”
١١) وفى محاولة جديدة لتغيير إستراتيجية حلف الناتو، عبر (الربط بين الأدوار العسكرية للناتو وضرورة لعبه لأدوار سياسية أخرى)، فقد جاءت التصريحات العلنية للأمين العام لحلف شمال الأطلسى (الناتو) “ينس ستولتنبرغ”، بضرورة:
“يجب أن يضطلع تحالف الناتو بدور سياسى أكبر فى الشؤون العالمية، وحتى لمساعدة دول المحيطين الهندى والهادئ على التنافس مع صعود الصين”
١٢) وفى إقرار رسمى من قبل أعضاء الناتو، بالتهديد العسكرى الصينى بالنسبة لأمنهم، فقد جاء ذلك فى بيان قمة حلف الناتو فى العاصمة لندن (٣ – ٤ ديسمبر ٢٠١٩)، فقد نص البيان الختامى بصراحة، ولأول مرة فى تاريخ قمم الحلف عالمياً، على:
“يجب علينا إعتبار القوة العسكرية الصينية لصاعدة بمثابة عدواً جديداً محتملاً”
١٣) وفى إشارة لهذا النص الصريح عن أولوية التهديد الصينى فى “الأجندة الأمنية الجديدة لحلف شمال الأطلسى وأعضاؤه”، فقد تمثل ذلك فى مبادرة مرتقبة للناتو، تمثل تحول كبير بالنسبة لأهداف الحلف الأساسية، فضلاً عن أهدافه الإستراتيجية والدفاعية. فقد أكد بيان “حلف الناتو” ذلك، بتأكيده على:
“ندرك أن التأثير المتزايد للصين وسياستها الدولية يمثل فرصاً وتحديات فى الوقت ذاته، وهنا يجب علينا كحلف التعامل معها بشكل مشترك”
لقراءة المذيد أضغط هنا :