معاناة المرأة المبدعة لا تختلف عما تكابده المرأة العاملة؛ التي كافحت من أجل الخروج إلى ميادين العمل، فعلى الرغم من أن الكتابة الحقيقية لا جنس لها؛ كونها تعبر عن هموم إنسانية مشتركة، نجد أن الوسط الثقافي ينظر إلى إبداع المرأة بشيء من عدم الاهتمام، واللامبالاة، كما لو أنه مقصور على جنس محدد فقط؛ فتتعرض الكاتبة لاضطهاد موارب من المثقفين من جهة، ومن جانب المؤسسات الثقافية من جهة أخرى؛ وكأنهم يولون ظهورهم للحقيقة التي تُطِلُّ برأسها دائماً، معلنة أن الأدب هو نتاج فكرٍ حرّ لعقولٍ نيّرة.
يتمثل تهميش المرأة، والعقبات ضد ذاتها المبدعة في حيثيات كثيرة من حياتها، فالمرأة ومنذ وجودها كمكوّن أساسي في المجتمع، لم تتحرر من سلطة الرجل والثقافة الذكورية، ومن منطلقات مختلفة، ومرجعيات متعددة، ويعود سبب ذلك إلى غياب المحاولات الجادة لتحرير المرأة من وصاية الرجل، وسلطة التقاليد والأعراف التي شكلت عائقاً حقيقياً وقاهراً ضد تجربة الكتابة، علاوة على أسباب أخرى تتعلق بالمرأة ذاتها، ودرجة وعيها وتجاربها ونشاطاتها المتنوعة وعلاقاتها العائلية والاجتماعية، كون فعل الكتابة يعتبر عملاً زائداً لها، ولا يدخل في أولوياتها، وهو ما يتوافق مع نظرة الرجل الدونية إلى نتاجاتها الأدبية.
تعتبر المرأة المبدعة فعل الكتابة تحقيقاً لحقيقتها وهويتها، يمنحها إحساساً بأهمية كينونتها الثقافية والاجتماعية ككائن ذي حضور حيّ، وذاتٍ لا يختلف عمن حوله من الذوات، وشعوراً بالتحرر للجسد والروح معاً من الأحكام والمواقف الظالمة بحقها، والتي تمس كرامتها وإنسانيتها، ودورها في تطور الحياة، وفي سيرة المجتمع التي تأخذ منحىً جديداً كل يوم، بفعل التطورات المستمرة لوسائل التواصل الاجتماعي، والاختراعات التي لن تفسح مجالاً للتكاسل، فبات الجميع بمن فيهم المرأة رهينة للوقت المتسارع؛ طلباً للالتحاق بركب الحضارة الحديثة، لذلك عمدت المرأة من خلال الكتابة إلى أن تؤكد حضورها في الساحة الثقافية، وترسم مجرى حياتها؛ وفق تطلعاتها وشروطها هي، وفق قدراتها وطاقاتها وجوهرها الخاص، مع تحريرها من كل ما يعرقل تلك التطلعات والطموحات في تغيير واقعٍ فُرض عليها، رفضاً لركنها في زاوية منسية معتمة، فهدمت بكتاباتها سور التهميش المحيط بها من كل الجوانب، فأثبتت وجودها ككائن إنساني، ونهضت بذاتها، لتمارس حياتها في مختلف المجالات، انطلاقاً من هذا الوعي.
إن اقتحام المرأة مجال الكتابة يعدّ انطلاقاً نحو فضاء واسع يعجّ بهمومها ومعاركها الوجودية، لتخوض بذلك بحراً لا قرار له من المشاكل والعوائق التي ما برحت تؤرق مخيلتها، وتمنعها من تحرير قلمها، الذي يعتبر تحريراً لذاتها من الأغلال والقيود، فالكتابة بالنسبة للمرأة هي لحظة نهوض من كبوتها، لحظة مواجهة مع إرث طويل من الاستعباد والاضطهاد، والاستبعاد الاجتماعي الثقافي القسري الذي ينظر إليها في استعلاء مُجحف، يقيناً منها بمكانتها المشرفة، ومنزلتها المتميزة، فهي تسعى من خلال إقدامها على الكتابة إلى أن تذلل العقبات التي تحيل دون وعيها بشخصيتها، فتعيد تشكيل نفسها من جديد حرة واثقة بكيان مستقل تماماً.