الحدث – القاهرة
تعريف:
في فضاء التفاعل بين مكونات الحياة ذات التأثير المتبادل نصادف أحد الركائز الهامة للعلاقة التفاعلية في المجتمعات والشعوب والدول وقواهم المختلفة المؤثرة وعلاقاتهم ببعضهم وبمحيطهم وهي الاتصال السياسي، ويمكننا وبالرغم من وجود عدة تعاريف أن نقول أن الاتصال السياسي هو “العلاقات التفاعلية وشبكة المعلومات المنقولة التي تربط بين مختلف أطراف الحياة أو مايسميه البعض اللعبة السياسية و بالأخص بين الافـراد المكونين للفضاء السياسي من فاعلين سياسيين و حكام و رجال/نساء السياسة والدبلوماسية و قادة ومختصوا الاتصال وجمهـور النـاخبين أو عامة الناس أو المجتمع بالمجمل، والصحفيين والإعلاميين وحتى التقنيين بقصد تبادل المعلومات و الآراء وبذلك التأثير”. و الجدير بالإشارة أن هذا التعريف يرمي إلى تخطي الحدود الدلالية التـي تفصل بين الاتصال السياسي و السياسة والدبلوماسية.
وكما أن الاتصال السياسي يشمل النشاط السياسي الموجه الذي يقوم به الساسة أو الإعلاميون أو عامة أفراد الشعب أو مؤسسات والذي يعكس أهدافاً سياسية محددة تتعلق بقضايا البيئة السياسية وتؤثر في النظام والحكومة والسلطة أو الرأي العام أو الحياة الخاصة للأفراد أو مستقبلهم وكذلك مصير و مستقبل المجتمعات والشعوب من خلال وسائل الاتصال المتعددة والمؤثرة.
فهذا التعريف – إذن – يتضمن أربعة عناصر أساسية يقوم عليها الاتصال السياسي:
النشاط السياسي: وهو مضمون العملية الاتصالية السياسية والعلاقاتية.
القائم بالاتصال: وهم الساسة أو الدبلوماسيون أو الإعلاميون أو عامة أفراد الشعب أو أي كوادر في مؤسسة أو تنظيم تختص بالتواصل السياسي.
3-الهدف: الذي يتضمن الأثر المقصود من الرسالة والتواصل، سواء أكان متعلقاً بوظيفة التأثير في الرأي العام أم في عملية التنشئة السياسية أو توجيه بوصلة الحياة السياسية في المجتمع.
4-الوسيلة: وهي كل وسيلة اتصالية تجسد النشاط السياسي الذي تمارسه الحكومة أو السلطة أو الإعلاميون أو أفراد الشعب المؤثرون أو أي جهة سياسية أو إعلامية.
على الرغم من إمكانية تتبع مراحل نشأة الاتصال السياسي في أزمنة موغلة في القدم، إلى أنه من السهولة بمكان ملاحظة الاهتمام المتزايد بعلم الاتصال السياسي كعامل متغير في البحوث السلوكية التي ظهرت في عقد الخمسينيات الميلادية من هذا القرن. فقد ظهرت محاولات التنظير لما يسمى بـ “الاتصال السياسي” في عام 1956م كأحد عناصر البحث في موضوعات العالقة بين القيادة السياسية والجماعات النشطة العاملة في المجتمع، وذلك بدراسة المحاولات التي تقوم بها القيادات في التأثير على سلوك المجتمع و الناخبين.
وإذا انتقلنا إلى دائرة أوسع من دائرة التأثير المقصود على الفرد فإن لوسائل الإعلام التي تستهدف المجتمع أثراً كبيراً على الرأي العام في تشكيل وجهة نظره ورؤيته للقضايا التي تواجه المجتمع. فمن خلال التركيز على قضايا معينة، وتجاهل أخرى تحدد وسائل الإعلام أولويات أفراد المجتمع في الاهتمام بالقضايا المتعلقة بقطاعات متعددة ومتنوعة في المجتمع. وهنا يظهر أمامنا الطريقة العلمية التي يتم تحديد أو ترتيب هذه الأولويات في الاتصال السياسي وهي ما تسمى عند المتخصصين في الإعلام بـ “نظرية ترتيب الأولويات” هذه النظرية عرفها ستيفن باترسون (Patterson Steven) بأنها “العلمية التي تُبرز فيها وسائل الإعلام قضايا معينة على أنها قضايا مهمة وتستحق ردود فعل الحكومة”
وحقيقة أن وسائل الإعلام تقوم بدور كبير في تحديد أو ترتيب أولويات أفراد المجتمع تؤكدها الدراسات التي أجراها – أوالاً – مكتشف هذه النظرية ماكسويل ماكومبس (Maxwell McCombs) وزملائه الذين أظهرت نتائج دراساتهم أن لوسائل الإعلام دوراً مؤثراً في صياغة وتشكيل الحقيقة الإجتماعية (Reality Social) فالناس والمجتمعات والشعوب تتعرف على القضايا المتعلقة بأفراد المجتمع من خلال وسائل الإعلام ، بل إن هذه الأفراد و المجتمعات أيضاً تستطيع أن تحدد أي هذه القضايا أهم من غيرها، وذلك من خلال حجم التغطية الإعلامية التي تقدمها وسائل الإعلام لقضايا معينة دون أخرى.
ومن المهم التطرق إلى بعض الفواعل والمتغيرات في الاتصال السياسي:
1- اللغة السياسية :
إن ثقافة الفرد السياسية واطلاعه على ما يستجد من آراء تتعلق بالقضايا السياسية على الصعيدين المحلي والخارجي هي – في الغالب – نتاج ما يقع من أحداث في محيط الشخص وتحملها إليه وسائل الإعلام والميديا المختلفة، وليس بسبب أن هذا الفرد يسعى – بدافع ذاتي – إلى محاولة الاطلاع ومعرفة ما يستجد على الساحة السياسية . وفحوى هذه الرؤية يؤكد أن الفرد يتابع ما يحدث بعد وقوع الفعل السياسي عبر وسائل الإعلام والتواصل التي تتابع تطورات هذا الفعل وتقدمها إلى الناس، والشك أن هذا الفعل يصاحب بلغة تفسره وتوضحه من أجل إقناع الرأي العام به، وقد يسبق هذا الفعل حملة خطابية تحاول تهيئة الرأي العام لقبوله، وبالتالي البناء عليهم لصالح رؤية وتوجه معين.
عند وقوع أحداث معينة تتطلب من العاملين في السياسة استخدام لغة مؤثرة ومقنعة في تقديم وجهات نظرهم إلى الرأي العام، مثلما هو الحال في الأزمات السياسية ، أو في الحروب واندلاع المشكلات السياسية التي تتطلب ردود فعل معينة من القادة أو من لهم عالقة مباشرة بهذه القضايا.
ولأن النشاط الإنساني ككل يمكن أن يفهم على أنه محاوالات واعية من أشخاص المتحدثين لإقناع آخرين المستمعين لتبني مواقف معينة، فإن الباحثيين في مجال الاتصال السياسي ينطلقون من هذه الرؤية في دراساتهم لأثر اللغة السياسية المستخدمة من المتحدثين بها على جمهور المستمعين والمتلقين – أي على الرأي العام، وبخاصة إذا كانت هذه اللغة متميزة في مستوى إعدادها البلاغي من حيث الدقة في اختيار العبارة المؤثرة، وطريقة إلقاء هذه الجمل والعبارات ذات المستوى الاتصالي الرفيع الذي يقدم المعنى المقصود بشكل ضمني أوصريح. كما أن البعض يقول أن السياسية هي تأثير مزدوج للقوة واللغة وهنا يظهر أهمية اللغة السياسية كعنصر فاعل ومؤثر في الاتصال السياسي والبئية والحياة السياسية للمجتمعات والشعوب والدول.
2- الإعلان السياسي:
الذي بات متغيراً رئيساً لا يمكن إغفاله أو تجاهله في العملية السياسية، ,وهو”العملية الاتصالية التي يدفع فيها المصدر ثمناً مقابل ما يتاح له من فرصة في وسيلة إعلامية يعرض فيها على الناس وسائل سياسية ذات هدف محدد ومقصود من أجل التأثير على مواقفهم وأفكارهم وسلوكهم”. ويعد الإعلان السياسي أكثر أنواع الاتصال السياسي تأثيراً على الشعوب والمجتمعات وبخاصة في هذا الوقت الذي يشهد ثورة اتصالية كبيرة، حيث وظف كثير من القادة والساسة وسائط الاتصال – وبخاصة الإلكترونية منها – لخدمة أهدافهم وتحقيق غاياتهم. ومن أجل هذا يُتهم هذا النوع من الاتصال بأنه السبب المباشر والرئيس في كثير من المشكلات التي عانت منها الشعوب مثل؛ ظهور النازية في ألمانيا بقيادة هتلر الذي نجح في توظيف الإعلان السياسي والدعاية السياسية في خداع الجماهير والمجتمع، ومثل تسويق المرشحين عبر الإعلانات السياسية كما تُسوق الأفلام والمسلسلات التلفزيونية لبعض القادة والشخصيات والمراحل كما يفعله اردوغان وتركيا، والمبالغة في إعطاء المرشحين السياسيين صفات لا تمت إلى الحقيقة بصلة، والمساهمة في خلخلة الأنظمة السياسية وإعاقتها عن القيام بوظائفها الحقيقة من خلال تركيز هذه الإعلانات على الصفات الشخصية للمرشح أو الشخص ومحاولتها تحسين صورته النمطية في أذهان الناخبين أو المجتمع عامة على حساب القضايا الرئيسة التي يعاني منها المجتمع والتي تحتاج إلى سرعة معالجتها ووضع الحلول الديمقراطية المطلوبة لها.
3- الدعاية السياسية :
وهي محاولة مدبرة من قبل فرد أو جماعة أو جهة لتكوين آراء جماعات أخرى ومجتمع وتغييرها والسيطرة عليها؛ باستخدام وسائل الاتصال بحيث تتوافق ردود أفعالهم مع رغبات رجل الدعاية.
وهنا علينا الفرق بين الدعاية والإعلام من حيث معيارين:
1- معيار الصدق والحقيقة:
فالإعلام هو التعبير عن الحقيقة سواء بالنسبة للرسالة أو المرسل، أما الدعاية فتعمد إلى صنع التأثير بغض النظر عن الحقيقة، بل إنها تتعمد إخفاء الحقيقة أو تشويهها وقد قال جوت وأوودنيل (1986م) “إن الكلمات الرديفة للدعاية هي “الكذب، والحرب النفسية، وغسيل الدماغ، والخداع”
2_ الموضوعية في الطرح والعرض:
الرسالة الإعلامية هي تعبير موضوعي وعاقل عن الآراء والأفكار، في حين أن الدعاية – في أغلب أحوالها – ضرب من التهيج والإثارة،. فالدعاية تخلق جواً مشحوناً من العواطف والانفعالات فإذا بنوع من الضباب يسيطر على المنطق الذاتي دون وعي من جانبه يخفي الرؤية الحقيقية ويقود إلى نتائج غير صحيحة وإضافة إلى العواطف والانفعالات – التي تصعد غالباً في الحالات السياسية كالأزمات والحروب – فإن الدعاية تلجأ إلى أسلوب الإيحاء والاستهواء، وعلى المحاكاة والتقليد، وعلى استغلال المواقف التي يشترك بها أكبر عدد من الناس.
ونستطيع القول إن الدعاية تضييق منطقة التردد في الأفراد والجماعات بقدر المستطاع، ولهذا تعتمد على الكلمات البراقة المألوفة والصيغ المحفوظة، والمعلومات الشائعة بين الجمهور.
4-التنشئة السياسية :
هي عملية تطورية يكتسب فيها الناشئة معلومات ومعارف عن البيئة السياسية من خلال مصادر اجتماعية متعددة مثل الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام بطريقة تساعدهم على فهم عناصر هذه البيئة وتؤثر في وعيه ومواقفه وسلوكهم.
ولتأثير وسائل الإعلام في عملية التنشئة السياسية ثالثة أنواع:
1-التأثير المعرفي: ويقصد به معرفة العلاقة بين التعرض لوسائل الإعلام وزيادة الوعي المعرفي والثقافي بالبيئة السياسية.
2-التأثير العاطفي: ويقصد به مدى تأثير وسائل الإعلام في تحديد المواقف وتشكيل الاتجاهات التي يتبناها الناشئة تجاه القضايا المتعلقة بالبيئة السياسية.
3-التأثير السلوكي: ويقصد به معرفة العلاقة بين التعرض لوسائل الإعلام والمشاركات الحقيقية في نشاطات البيئة السياسية.
5- نظرية الاستخدامات و الاشباعات:
تهتم بجمهور الوسيلة الإعلامية وليس بعنصر الرسالة ذاتها كما في نظرية ترتيب الأولويات. هذه النظرية تقول إن جمهور الوسيلة الإعلامية هو جمهور يتميز بخصائص عديدة، أهمها القدرة على اختيار الرسائل الإعلامية التي تلبي رغباته وتشبع حاجاته الكامنة في ذاته. ومعنى ذلك أن الجمهور ليس سلبياً يقبل كل ما تعرضه عليه وسائل الإعلام. فالجمهور – بهذا المعنى – له غاية محددة من تعرضه لوسائل الإعلام، ويسعى إلى تحقيق هذه الغاية من خلال التعرض الاختياري الذي تمليه عليه حاجاته ورغباته والبحث عن حل مشكلاته.
وتتحدد علاقة هذه النظرية بالاتصال السياسي في أمرين:
أن الشريحة الأكبر من الجماهير التي تستخدم وسائل الإعلام لإشباع حاجاتها ورغباتها هي الشريحة التي تهتم بالرسائل ذات الطابع السياسي.
أن هذه النظرية – بناء على ما سبق ذكره – يمكن أن تكون ذات صبغة سياسية إذا كانت متعلقة ببحوث الأثر. فإن التأثير السياسي لوسائل الإعلام هو أكثر أنواع التأثير طَرْقاً في بحوث ودراسات المتخصصين في الإعلام.
6- نظرية المعالجة المعلوماتية:
تُعنى بالكيفية التي يتعامل بها الجمهور مع المعلومات التي يستقبلها من وسائل الاتصال، والتي تهتم بالمعلومات ذاتها (محتوى الرسالة ) بالقدر الذي يسمح لها في شرح وتفسير هذه الكيفية – كيفية استقبالها. وهي تبحث في الكيفية التي يستقبل بها الناس المعلومات ويخزنها في ذهنه ومن ثم يطوعها ويستخدمها بما ينسجم مع رغبته وتوجهاته وتتلخص في:
1-ما انطباعات الجمهور عن الوسيلة الإعلامية وكيف تؤثر هذه الانطباعات على الكيفية التي يستقبلون بها المعلومة؟
2-ما استراتيجيات معالجة المعلومات السياسية لدى الجمهور؟
ما المعوقات الذهنية والمعرفية التي تمنع استجابة الجمهور للرسالة الإعلامية؟ 3-
4-ما العلاقة بين الانطباعات التي يحملها الجمهور عن القائمين بالتواصل وحجم الأثر الذي تحمله رسائلهم؟
5- ما الطرق التي يُفسر بها الجمهور المعلومات أو يستخدمها أو يُقومها وبين فهمهم للبيئة المحيطة بهم؟
7- نظُم الإعلام وملكيتها في المجتمعات الشمولية:
1-عدم السماح للمواطنين بتملك الوسيلة الإعلامية؛ والمشتغلون في وسائل الإعلام الحكومية خاضعون لسياسات رقابية صارمة موجهة لخدمة النظام السياسي، ولا تتيح مجالاً للنقد أو مساحة للمشاركة السياسية، وهذه فلسفة ذلك النوع من الأنظمة الشمولية التي ترى أن وسائل الإعلام هي لسان حال الدولة وخاضعة لسيطرتها وأن دور وسائل الإعلام يتمثل في تقديم دعم كامل لكل ما تقدمه الحكومة. وهو إعلام تعبئة موجه يسير في خط موازي للحكومة وسياساتها.
2-السماح للمواطنين بتملك وسائل الإعلام المطبوعة مع بقاء الإذاعة والتلفزيون تحت سيطرة النظام. وهذا النوع من النظم الإعلامية شبيه بالذي قبله، إلا أن الفارق الجوهري بينهما هو في مساحة الحرية المعطاة للصحفيين. إذ تتمتع وسائل الإعلام المطبوعة في هذا النوع من النظم بقدر من الحرية في ممارسة المهنة بعيداً عن الرقابة الصارمة التي تمنع الرأي الآخر أو تحول دون المشاركة الحقيقة للمواطنين في العلمية السياسية من خلال وسائل الإعلام. وهذا النوع موجود في الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في التنمية والاستقرار الأمني، وهي قليلة العدد.
والرقابة على الإعلام ووسائله هي ما يفرق بين النظم الشمولية والنظم الديمقراطية. حتى وإن أدَّعت كثير من المجتمعات التي تحكمها النظم السياسية الشمولية شيئاً من الحرية في قوانينها الإعلامية، فإن الناظر إلى هذه القوانين يلحظ الفجوة الكبيرة بين ما هو نظري يوحي بأن هناك مساحة للحرية وبين ما هو مطبق في الواقع ولذلك فإننا لا نستطيع أن نصف علاقة الحكومة بوسائل الإعلام في المجتمعات الشمولية من خلال قوانين الإعلام والمطبوعات..بل يجب ملاحظة الواقع المخالف لتلك القوانين، ولعل مثال تركيا يوضح الإعلام في النظم الشمولية بكل وضوح.
أما ملكية وسائل الإنتاج في هذه الأنظمة لاتخرج عن الأمرين فتكون:
1- ملكية جميع وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية تابعة للدولة، مادياً وفكرياً.
2- أن تسمح الحكومات بالملكية الخاصة للأفراد في مجال الوسائل الإعلامية المطبوعة بعد الحصول على التراخيص اللآزمة لذلك، لكن هذه الوسائل وإن كانت مادياً لا تتبع الحكومة ولكنها خاضعة لقوانين الحكومة في طبيعة العمل والممارسة، وتسير معها في خطين متوازيين ليست بينهما مساحة للنقد والأختلاف في الرأي، لأن هذه الوسائل قبلت بشروط إصدار الترخيص التي تخدم فلسفة الدول والحكومات
8- نظم الإعلام وملكيتها في المجتمعات الديمقراطية:
مصطلحان رئيسان تقوم عليهما نُظُم الإعلام في المجتمعات الديمقراطية هما:
1-مجتمع السوق : الذين اسسوا لهذا لمصطلح مجتمع السوق يقولون إن المجتمع لا بد أن يكون بمثابة السوق الحرة للأفكار. وما هو رديء يصاب بالكساد ويضمحل. وهذا المفهوم ينطلق من الفرضية التي تقول: إن المواطنين هم أعضاء قادرون على التمييز بين هذين النوعين.
المشاركة : أن المواطنين هم أعضاء مشاركون في العملية الديمقراطية ومن طرائق مشاركتهم الفاعلة من ضمان حريتهم في التعبير عن كل ما له عالقة بحياتهم الخاصة وكل ما له علاقة بشؤون المجتمع الذي يعيشون فيه بالوسائل التي يريدونها وعندما نستعرض مفاهيم الحرية التي تبناها أساتذة علم الاتصال في المجتمعات الديمقراطية نجدهم يتحدثون عن مجموعة من الحقوق تخول الفرد القائم بالاتصال والمؤسسة الإعلامية لمزاولة العمل الإعلامي. من هذه الحقوق: حرية الرأي، وحرية التعبير، وحرية ملكية وسيلة الاتصال، وحرية المشاركة السياسية، وحرية التجمع، وحرية مزاولة مهنة النشر والتوزيع بدون إذن مسبق للحصول على رخصة نظامية في الوسائل المطبوعة على وجه الخصوص والحماية القانونية للإعلاميين وحرية الإعلامي في الحصول على المعلومات والاتصال بمصادرها.
أما ملكية وسائل الإعلام فتتوزع بين ثلاثة نماذج:
الملكية العامة : بمعنى أن تكون بعض وسائل الإعلام مملوكة للدولة. وهذا النوع قليل جداً، بل إن وسائل الإعلام التي تكون ملكيتها تابعة للدولة ليس لها تأثير في داخل المجتمع وتكاد تنحصر في وسائل الإعلام الدعائي الموجه خارج الحدود.
الملكية المختلطة: الملكية المختلطة هي مزيج من الملكية الخاصة والعامة الحكومية فيما يتعلق بالدعم المالي، والبث البرامجي، وتشغيل محطات الإذاعة والتلفزيون.
الملكية الخاصة: لوسائل الإعلام لها أشكال وصور متعددة تكاد تكون موجودة في أغلب المجتمعات الديمقراطية،
9- مراحل التغطية الإعلامية للأزمات السياسية:
التغطية الإعلامية للأزمات السياسية أشبه ما تكون بسيناريو درامي يمر بمراحل ثلاث: التغطية العشوائية للأزمة، ثم التعبئة المنظمة من قبل الوسيلة الإعلامية لتغطية الحدث أو الأزمة، وأخيراً تأتي مرحلة التكيف الإعلامي مع واقع “ما بعد الحدث” للبناء عليه وخلق واقع جديد.
نماذج الاتصال السياسي:
:(Le Modèle Stratégique )1-النموذج الاستراتيجي
هنا مصطلح “إستراتيجي ” يعني عملية إتصالية موجهة نحو أهداف موافقة لمصالح الفاعل أو القائم بالاتصال، أي أن العملية الاتصالية هنا تأخذ طابع الاستراتيجية التي وضعت لنفسها أهداف والتي تسخر مجموعة من الوسائل لبلـوغ هذه الأهداف بنجاح . وهذا النموذج يصب اهتمامه على وضعيتين صعبتين قد تعترض الحياة السياسية و التي قد تمر بهـا الانظمـة السياسية عندما تكون في حالة الحرب، أو في حالة الصراع و التنازع للاستيلاء على النفوذ و الحكم ، لقد اعتبر عالم الإستراتيجية كلاوزفيتز (Clausevitz) الحرب على انها استمرار للسياسة و لكن هذا لا يكون إلا بوسائل أخرى، إن لإدماج الحرب و إلصاقها بصفة ضيقة بالحياة السياسية له تأثير مباشر على الاتصال السياسي ذلك أنه لهزيمة العدو أثناء الحروب أوفي حالة التغلب على الخصم و الظفر بالحكم و السلطة والإدارة ، لابد من أن يكون للحكـام أو القادة درايـة بأهمية التواصل بهدف التأثير في الذين يتوجه إليهم بالكلمة (المحكومين) أو المجتمع و أن ينقلوا لهم رسائل كقيامهم بتوجيه أرائهم وسلوكياتهم في اتجاه محدد باعتمادهم على استراتجيات تواصلية التي تعني أن الكلمة السياسية المرافقة للحرب أو لأية أزمة سياسية هي مرتبطة أساساً بفن إعداد الخطط الحربية أو السياسية أو القدرة على تجميع وتسيير عمليات عديدة قصد بلوغ هدف ما.
إن النموذج الإستراتيجي،حسب Cazenave Hugues ،يقوم على فكرة عدم مساواة الأطراف المتداخلـة فـي العملية الاتصالية السياسية، فالمرسل الوحيد في المجال السياسي عادة ما يكون هم الحكام والقادة، سواء كانوا قائدي جيوش أو من رجال السلطة أو في الطريق الوصول إليها ، فهم وحدهم المؤهلين لأخذ الكلمة ولكن في حالة ما لا يكون المرسل منتميا إلى الدائرة الضيقة للفئة الحاكمة و هذا يعني أنه خاضع لأوامر القائد و ضحية تلاعب وتضليل مـن طـرف زعيم الحرب، فالزعيم حسب tzu sun، غالبا ما يعتمد على شبكة من الأعوان الذين يتولون مهمة التضليل وتحويـل للمعلومة الأساسية بتشويهها بقصد” تغليط “الرأي العام و نشر الأخبار الكاذبة لكسر صفوف العدو . ففي كل الأحوال يكون المرسل هو الحاكم، في حين أ نه يوكل للمحكومين دور المتلقين السلبين، إنهم في كـل لحظة مدعوون لمساندة المسؤول، لتعبئتهم وإحباط معنويات العدو أو للتصويت لصالح مترشح ما ،
إن أهمية الكتابـات النظرية المعتمدة على النموذج الإستراتيجي تكمن أساسا في الدراسة المفصلة لمختلف تقنيات والوسائل التي يسـتعملها المسؤول لبلوغ أهدافه، ومن ذلك مثلا كتاب فن الحرب لـ tzu sun الذي يعرض فيه أهم الاساليب التلاعبية المسـتخدمة من طرف الساسة الذين يطمحون في تلميع صورتهم أمام الجمهور الناخبين أو تشويه صور الخصوم كما يعرض كل الوصفات الصالحة لتشويه وتوجيه و إخفاء، وتعزيز أو التلاعب بالواقع الموضحة في الشروط التي لا تزال صـالحة حتى اليوم.
لهذا النموذج حدود ذات طبيعة سياسية راجعة للصيغة البراغماتية الطاغية على هذا النموذج، فالنموذج يقوم على البحث عن الفاعلية بأية وسيلة ومهما كان الثمن ،إن انعدام التوازن في الأدوار الموكلة لكل من الحاكم والمحكوم(المرسل والمتلقي أو القادة والمجتمع) تؤثر بصفة كبيرة على علاقة الحاكم بالمحكوم بالإضافة إلى غياب الالتزام بمبادئ أو أخلاقيات التي تتميز بها الإجراءات التي تتخذها الحكومات مع المحكومين تدخل في تناقض مع فكرة ممارسة الديمقراطية. و لقد كانت الديمقراطية المعاصرة مسرحاً لتطبيقات اتصالية لهذا النموذج أثناء حرب الخليج إلى كل هذا يضاف غياب العقل والمنطق في العملية الاتصالية و كذا في توازن الأدوار الموكلـة لكـل مـن الحاكم فهو يخاطب بالدرجة الاولى العاطفة لتأجيج المشاعر وإثارة الحماس الشعبي مهمشا القدرات العقلية للمحكومين، إنه باختصار شديد، يستعير نفس أساليب الدعاية القائمة على تهييج الحشود بدل من الإقناع بالحجة . كما نشير إلى كون هذا النموذج يتعامل مع المحكومين كجماهير حاشدة سلبية ،حيث لا يعتبر الأفـرد علـى كونهم متلقيين أحرار مستقلين بآرائهم وسلوكاتهم ومسؤولين عنها ،ولكنهم كحشد سلبي يتمتع بكيان خاص يتعدى إرادة الفرد ويسيطر عليه.
2- النموذج النسقي Le modèle systémique)):
إن النموذج النسقي يحلل الاتصال السياسي بوضعه في مجموع الأنساق التي يتفاعل معها (النظـام السياسـي، الإقتصادي، الإجتماعي، الثقافي والمكونة للمجتمع. هذا النموذج يعرف إذن الاتصال السياسي كعملية تبادل المعلومـات بين مختلف الأطراف المشكلة للنظام السياسي كبنية مستقلة نسبيا هذا من جهة و بين النظام السياسي كله وما يحيط به من جهة أخرى . و يضيف كازناف Gazenave) ) في هذا الشأن أن الأنساق على العموم تخضع لثلاث مبادئ أساسـية تـتحكم فـي سيرها
1- مبدأ الإرتباط المتبادل:الذي يرى أن العناصر المكونة للنسق مرتبطة فيمـا بينهـا وأن النظام ككل يتفاعل مع محيطه بنفس الكيفية.
2- مبدأ الكليانية :الذي ينظر إلى النظام ككيان كلي يتعدى العناصر المكونة له ويتجاوزها.
3-مبدأ إعادة الفعل :الذي يرى أن الظاهرة تؤثر على السبب الذي أحدثها والسبب بدوره يحدث أثر على الظاهرة.
أما تطبيق النموذج النسقي في المجال السياسة، يمكن أن نستشهد في هذا المضمار بدراستين بـارزتين : الأولـى لــ A.G Almond
تنتمي الدراسة الأولى إلى التحليل الوظيفي إذ ترى أن الاتصال السياسي بالنسبة إليها ما هو إلا وظيفة سياسية تختلف عن وظيفة الإدماج،و الحس الإجتماعي والتجنيد و هذه الوظيفة مدروسة وفق 4 معايير التي يمكن تلخيصـها فما يلي
هي1- تجانس المعلومات السياسية.
2-تحرك المعلومات السياسية.
3-حجم المعلومات السياسية .
4-إتجاه المعلومات السياسية.
على ضوء هذه المعايير، قام الباحث بعقد مقارنة بين الأنظمة السياسية من خلال طبيعة الاتصال السياسـي المتبني في مختلف الانظمة المدروسة ، وانتهوا إلى إبراز أوجه الإختلاف بين الأنظمة الديمقراطية والشـمولية من جهة، وكذلك بين البلدان الصناعية والبلدان السائرة في طريق النمو.
أما W.K Deutsche فقد إنتهج خط النموذج السيبرنيطيقي إنه ينظر إلى الاتصال السياسي كسـيل للمعلومـات المتدفقة سواء من خارج النظام، أومن داخل النظام، وهي المعلومات المحفوظة بها في ذاكرة النظام أو المتكونة من كليهما. – هذه المعلومات تمر عبر قنوات تعمل على تصفيتها و غربلتها إلى أن تصل إلى مركز القرار، حيث تتحول إلى معلومات مصنفة ضمن السياسة الداخلية أو السياسة الخارجية ، وعليه نجد أن النظام ككل يعيش في حالة بحث مستمر عن التوازن سواء كان ذلك بين عناصره الداخلية أو مع المحيط الخارجي.
3- النموذج السلوكي (Le modèle comportementaliste ou Behaviaourist ):
يقول Gazenave أن لهذا النموذج علاقة مباشرة بنظرية “الإبرة تحت الجلدية” الذي يعود الفضل في وضـع أسسها عالم الاتصال والسياسة الأمريكي هارولد لاسويل (Harold lasswell) كما لها إرتباط وثيق بأعمال عالم الاجتماع لازارسفيلد ( (Lazarsfeld في الثلاثينات والأربعينات ، إذ كان ينظر وقتئد إلى المجتمع كمجتمع جماهيري يتكون من أفراد سلبين، منعزلين، مذررين ويتقبلون دون مقاومة كل ما تبثـه وسـائل الإعلام من أراء ومواقف ونماذج سلوكية . يقوم النموذج السلوكي على برنامج بحوث أمبريقية هدفها إثبات أو نفي هذا التصور لعلاقـة وسـائل الإعـلام بالجمهور،لقد لخص lasswell هذا البرنامج في سلسلة من الاسئلة الشهيرة “من، يقول ماذا، بأية قناة وبأي تأثير؟ “. فالاتصال السياسي في هذا النموذج يعرف على كونه علاقة قائمة بين مرسـل (مـن؟ ) و رسـالة (مـاذا ( ومستقبل (لمن؟)، قناة (بأية قناة؟) وذات تأثير (بأي تأثير؟) إذ ينظر هذا التعريف إلى الاتصال السياسي كعملية خطيـة لإنتقال المعلومات وهو يصب كل إهتمامه على العنصر الأخير من سؤال lasswell وهو عنصر التأثير الذي إستقطب إهتمام معظم الدراسات الإعلامية لما بعد الحرب العالمية الثانية وفي مقدمة التأثيرات التي ستجلب إهتمام الباحثين الذي إنصب أساسا على موضوع الدعاية الحربية (lasswell )و فيما بعد إنتقل إهتمام الباحثين إلى ما يسمى بتأثير الحملات الإنتخابية بفضل الاعمال الذي قام بها (Lazarsfeld) أنذاك، إن هذه الأبحاث كانت بمتابة مقدمـة لظهـور نظريـة التأثير المحدود التي اوضحت بصفة جلية ميكانيزمات مقاومة الافراد أثناء تعرضهم للوسائل الاعلامية ، لقد كانت هذه النظرية بمتابة النظرية المفنذة لنظرية التأثير المفرط أو الأبرة تحت الجلدية. إنها ترتكز على المستقبل وميكانيزمـات مقاومة الجمهور لتأثير وسائل الإعلام إعتمادا على ما أسماه هؤولاء الباحثون بإنتقائية التعرض، وإنتقائية الإدراك وكذا إنتقائية التنكر لدى الأقراد فضلا عن متغيرات أخرى كالسن، والإنتماء السياسي وشبكة العلاقات الشخصية التي تحد من آثار وسائل الإعلام . وتؤكد هذه النظرية على أهمية الجماعات الأولية في تكوين الآراء السياسية للأفراد وإنتقاء المعلومـات التـي تأثيهم من وسائل الإعلام. وهذا ما جسدته نظرية التدفق على مرحلتين (Lazarsfeld) ودور قادة الرأي في الوسـاطة بين وسائل الإعلام والجمهور.
لا شك أن هذا النموذج هو الذي هيمن على الدراسات والبحوث الاتصالية بعد الحرب العالمية الثانية و في هذا الشأن قدم أستاذ العلوم السياسية فرانسيس بال (Francis Balle) تفسيرا مفصلا عن هذه السيطرة بإرجاعها إلى الطابع الإجرائي والعملي للسؤال المركزي (Lasswell (والبرنامج الذي تلاه ، فنموذج lasswell سمح بتجزئة مجال البحث إلى عناصر أساسـية تمثـل هـي بدورها مجالات مصغرة للبحث وبالتالي التحكم فيه بتخصيص دراسات لكل عنصر من العناصر المكونـة للنمـوذج على حدا كالدراسة الخاصة بكل من : المرسل و المستقبل و القناة والرسالة والأثار أو التأثير . ويعاب على هذا النموذج ثلاثة أشياء:
1-تركيزه فقط على الأثار القريبة المدى المباشرة لوسائل الإعلام مهملة الأثار العميقة والبعيدة المدى
2-تركيزه على جوانب التغيير الذي يحدثه التعرض لوسائل الإعلام في حين أنه، كما يقول Gitlin Told فالأهم من هذه الدراسات هو القدرة على دراسة درجة المقاومة لأثار وسائل الإعلام عبر الأمور الثابتة
3-التركيز على عنصر الآثار وحده في سلسلة Lasswell وإهمال العناصر الأربعة الأخرى وخاصة الجمهـور.
4-النموذج النقدي (( Le modèle Critique:
إنه مرتبط بأعمال وأفكار مدرسة فرنكفورت التي تضم عددا من المفكرين البارزين وجلهم ألمان إنهم فلاسفة أخذوا على عاتقهم رد الإعتبار لمكانة العقل والتفكير العقلاني في المجتمع على غرار فلاسفة القرن الثامن عشر، هؤلاء الفلاسفة لا يعرفون الاتصال كعملية إرسال المعلومات من مرسل إلى مستقبل ولا يهتمون بمحتوى الرسالة المتبادلة، فالاتصال بالنسبة إليهم هو مجموع الشروط والظروف التي يتم فيها إنتاج الواقع الإجتماعي والسياسي هذا الواقع الذي يتم إنتاجه عبر تفاعل التصورات الذاتية ، يتم إنتاج المعاني حول الواقع والعالم والوجود من الناحيـة الاتصالية بفضل إجتماع فردين متفاعلين ومدركين لأهمية العملية الاتصالية ، فمن هنا تحتل اللغة والحوار والمحاجة أهمية بالغة في النظرية النقدية لتكوين تصور للعالم والمجتمع
إن النظرية النقدية قائمة على شبه مسلمة بخصوص علاقة الجمهور بوسائل الإعلام مفادها أن وسائل الإعـلام كاملة الجبروت وذات تأثير قوي على الرأي العام مما يجعلها تنظر إلى النموذج السلوكي كالنموذج الاتصالي المهـين، فنظرية مدرسة فرنكفورت تذهب إذن أبعد من Lazarsfeld الذي يرى أن وسائل الإعلام ذات تأثير محدود وأن نموذج lasswell يبالغ في نظرته لقوة وسائل الإعلام.
النظرية النقدية تعتبر أن Lazarsfeld لم يلاحظ التأثير القوي والعميق لوسائل الإعلام لأن أبحاثـه أمبريفيـة قريبة المدى تتناول فقط الآثار المباشرة لوسائل الإعلام متجاهلة الآثار العميقة التي تتطلب ملاحظة أطول وأعمق. فكل ما كانت ترمي إليه النظرية النقدية هو تحليل الآثار القوية والطويلة المدى لوسائل الاعـلام علـى الآراء السياسـية و الاجتماعية للأفراد ، كما كانت تطمح إلى تفسير سبب عدم توضيح الاثار السلبية لوسائل الإعلام من طـرف مدرسـة لازرسفيلد الامبريقية ، فقد إنتقدت دراساته التي كانت تعيب عليها بأنها كانت مقتصرة إلا على الكشف عن التغيـرات التي تحدث على مستوى الآراء فقط ، في الحين كانت نظرتها مغايرة لذلك معتبرة ان وظيفة وسائل الاعلام هي إعادة الانتاج ، فهي بمتابة أحد عوامل الاستقرار ، فبدلا من أن تقول للفرد ماذا يجب أن يفكر فيه أو ما عليه أن يفكر فيه أو كيف يجب ان يفكر ، فوسائل الاعلام تقول له فيما لا يجب أن يفكر فيه.
الاتصال والديمقراطية إضافة إلى تركيز النظرية
النقدية على طرح جبروت وسائل الإعلام، فإنها تركز أيضا على تحليل الديمقراطيـة الغربية التي يحتل في كنفها مفهوم الاتصال معانيه الكاملة نظريا أو مكانة مركزية يصف سلوك الفاعلين عبـر أربـع أنواع من الأفعال:
1-هو الأفعال التكنولوجية أي تلك الموجهة نحو غاية الفاعل يحدد هدفها ويسـخر الوسـائل الكفيلـة بتحقيقه بنجاح.
2-النوع الثاني هو الأفعال القيمية والقائمة على الإمتثال لمجموعة من المعايير والقيم والضوابط الإجتماعية التـي تحددها جماعة اجتماعية ما .
3- هو الفعل الدرامي أو المسرحي حيث يلعب كل فاعل دورا معينا ضمن الجماعة ويسعى كل فاعـل لإعطاء صورة عن نفسه مقبولة لدى الأخرين أو يرغب الوصول إلى تحقيقها و تكون مواتية لهذا الدور.
4-أخيرا لدينا الفعل الاتصالي وهو صلب النظرية الديمقراطية وهو قائم على الحوار بواسطة اللغة بين فاعلين، هذا الحوار لابد أن يخلو من كل تلاعب أو تحايل. فالفعل الاتصالي هذا هو الكفيل بخلق نظرة مشتركة للمحيط الإجتماعي.
فالديمقراطية هي تلك الوضعية التي يدخل فيها المجتمع في حالة نقاش وحوار مستمرين بدون هيمنة طرف على طرف، والديمقراطية هي محل هذا الحوار التالي، الذي يتبادل فيه مختلف الأطراف والفاعلين والحجج والبراهين فـي جو عقلاني . وهذا النموذج يتقاطع مع أفكار الماركسية من حيث سعيه لتحرير العقل والفرد من التلاعب بالعقول وتعويضـها بالنقاش الحر والمتبادل والحوار المفتوح الخالي من كل هيمنة وحيث يعبر كل طرف عن أرآئه.
علينا أن نربط بالنموذج النقدي نظرية شهيرة التي نطلق عليها إسم “لولب الصمت” المقترحة من طرف إليزابت نوال نيومان Noêlle Neumann Elisabeth فالسؤال الذي يطرح نفسه علينا هو لماذا هذا الربط ؟ وفيمـا تكمـن العلاقة بينهما ؟ بالفعل نجد أن هذه النظرية تقترب في طرحها المتعلق بنظرتها للفرد بالطرح الذي قدمه منظروا المجتمع الجماهيري ، فالفرد بالنسبة لأصحاب هذه النظرية منعزل و بعيد عن الآخرين بدون إمكانية التواصل معهم ، مجهول الهوية بالنسبة للقائم بالاتصال .باستتناء وسائل الاعلام الذين يتمتعون بسلطة إرسال المعلومات أي بمعنى أن لهم سلطة المساهمة في تحديد شرعي للواقع الاجتماعي و السياسي، فاللولب الذي تتحدث عنه النظرية يخص صـمت الافراد الذين يرفضون الامتثال إلى رأي الأغلبية بالصورة التي تقدمها وسائل الاعلام، فالحدود الاساسية المعترف بها للنموذج النقدي يكمن في الصعوبة التي نصطدم بها عندما نريد إخضاع اقتراحات مؤسسوها إلى التثبيـت الامبريقـي للتأكد من صحتها ، إذ لم نجد في أعمال هؤلاء أي آثار لتحقيقات إجتماعية ميدانية حول الموضوع فهناك إجماع على عدم قابلية تزوير نتائج أبحاث هذه المدرسة و لكن المشكل المطروح هو أنه لا يمكن إثبات بأنها صحيحة أم أنها خاطئة أي بمعنى أنها غير علمية ، و هذا ما يؤدي بنا إلى التأسف لغياب تحليل دقيق لتطبيقات ميدانية فعلية للاتصال السياسي
5-النموذج التحاوري(Le Modèle Dialogique):
إن هذا النموذج يظهر كتكملة للنموذج السابق (النقدي) ذلك أنه في حين أن النمـوذج النقـدي ينتقـد المجتمـع الصناعي والديمقراطية الرأسمالية كما هي ممثلة في الواقع، فإن هذا النموذج يطرح بصفة معينة المجتمع المثالي . هذا النموذج يقوم على مبدأ الحوار في الاتصال السياسي فبوصفه لواقع الاتصال الحـديث فـي المجتمعـات الرأسمالية وتركيزه على صفة الاغتراب الذي يميز الفرد الذي يعيش في كنفها، فإن هؤلاء الفلاسفة النقديون بانتقـادهم لهاته المجتمعات نجدهم في آن واحد يطرحون نموذج جديد يطلق عليه إسم النموذج التحاوري ، يقوم هذا الاخير على فكرة أن الاتصال هو تبادل للحجج والبراهين قصد الإقناع بين مختلف الأفراد المكونين للمجتمع، والاتصال السياسي في هذا النموذج قائم إذن على فكرة العقلانية ،و أن المعلومات المتبادلة فيه هي براهين وحجج عقلانية قبل كل شيء، كما انه يصف خاصية أخرى للاتصال السائد فـي هـذا النمـوذج يتمثـل فـي تبـادل الأدوار كما يبينه جليا Gilles Schache بقوله أن كل فرد يمكن أن يكون مرسلا ومستقبلا فـي العملية الاتصالية، و من هنا يتجلى لدينا بأن النموذج التحاوري يتناقض كلية مع النمودج الإستراتيجي في هذه النقطة بالذات ، حيث لا يؤمن هذا الاخير بوجود فئة من الأفراد أم الفاعلين (الحكام والساسة)الذين يملكون الحق المطلق في احتكار التعبير الإجتماعي والخطاب العام كما هو الشأن في النموذج الإستراتيجي . أخيرا، إن هدف الاتصال السياسي في هذا النموذج هو الوصول إلى تحقيق الصالح العام ، فتبـادل الحجـج والبراهين الإقناعية لا يمكن ان تكون لها معنى إلا إذا انصب في واقع المصلحة العامة وما يمـس مصـالح شـريحة عريضة من المجتمع ، و بهذا يصل الاتصال إلى إكتساب صفة العالمية والملاحظ هنا على أن هذا النموذج يتقاطع في العديد من النقاط مع النظام السياسي الذي كان سائدا في القرن 18.
6-النموذج التقني (Le Modèle Techniciste):
لقد ظهر هذا النموذج في الستينات مع المفكر الكندي الاصل Marchall Mc Luhan حسب هذا المفكر، فإن وسائل الإعلام هي حقيقة ذات تأثير قوي على الجمهور لكن Mc Luhan يعتبر أن السبب في ذلك لا يكمن في الرسالة وإنما في تقنية الإرسال المستعملة أي في القناة، فهو يرى أن تكنولوجيات الاتصال المهيمنة في عصر معين هي التي تشكل المتغير المستقل (مثلا الطباعة، الراديو والتلفزيون) أما أساليب التفكير وطرق تنظيم المعلومـات فهي تشكل المتغير التابع لمتغير التقنية ، و عليه فلا يمكن أن نقول على أن الآراء والمواقف والسلوكات هي التي تتأثر بوسائل الإعلام، لكون هذه الأخيرة و بكل بساطة لا تؤثر مباشرة في محتوى المعلومات والرسائل، فعمليـة ومفعـول وسائل الإعلام يقوم أساسا على كيفية تأطير المعلومات وتنظيم التفكير . إن هذا الشكل من الحتمية التكنولوجية يمكن أن نصوره بوضوح في مثال تاريخ ظهور الطباعة و التغيـرات التي أحدثتها في المجتمعات ، فالمؤرخ Chaunu pierre بين في مؤلفاته كيف أن تطور الطباعة فـي القـرن 15 أدى إلى تراجع الأمية فضل نشر تراجيم الإنجيل . لقد تلقى النموذج التقني وأطروحات Mc Luhan انتقادات لاذعة من طرف مختلف الباحثين ، وهذا راجـع لعدم قبول Mc luhan نفسه كباحث في الاختصاص من طرف المجموعة العلمية التـي لـم تعتـرف بأعمالـه لافتقارها إلى الأسلوب العلمي من جهة وميلها إلى الخطاب الإستفزازي من جهة أخرى .
و يؤكد Cazenave Hugues أنه من بـين هـذه النمـاذج السـت (6 ( المذكورة سابقا تبقى الهيمنة ولا شك للنموذج السلوكي على بحوث الاتصال السياسي ، فهذا النموذج السلوكي يعـد أول من أطر لبحوث الاتصال السياسي ،إذ مازالت إلى يومنا الحالي تدور في إطاره أغلب البحوث، فهو الذي يعـود لـه الفضل في ضبط وحصر أهم مجالات البحث في الاتصال، كما هو الذي ألزم النماذج الأخرى أن تتموقع بالإسـتناد إلى فرضياته ومفاهيمه ومناهجه والدليل على ذلك أن النماذج المنافسة لم تتمكن إلى حد الآن
من طرح بـديل حقيقـي للنموذج السلوكي وقد بين ذلك Ellili Katz ،بقوله أن هذه النماذج جميعها ما زالت تبحث عن صياغة نظرية وافيـة لمفهوم التأثير.
وعليه نجد أن للاتصال السياسي ونماذجه وأدواته وفواعله دور مؤثر في بناء أي تأثير أو توجه أو رؤية في الناس والمجتمع وحتى الدول والمجتمعات المحيطة والبعيدة وكذلك تمهيد الطريق لأي مستجد من قبل فاعل الاتصال السياسي، وكما تستخدمه القوة السلطوية وقوى الهيمنة العالمية وهي التي تحتكر الغالبية العظمى من وسائل الاتصال وإن بطرق مختلفة، فأيضاً تستطيع قوى المقاومة وقوى الشعوب والحرية والديمقراطية والمجتمعية أيضاً الاستفادة من الاتصال السياسي ونماذجه وتأثيراتها وخصوصاً في ظل وجود إمكانيات ومقدرة وافرة بعد التطور التقني ووسائل الاتصال السياسية المتعددة وعدم وجود إمكانية لاحتكار المعلومة لفترات طويلة. لكن هذا الواقع المتشعب والمتعدد في الأدواة والوسائل يفرض الجودة والمهنية والحرفية بكل الأمور من الفاعل والوسيلة والهدف وكذلك القدرة على التصويب في الوقت اللازم مع استمرار تدفق الحياة ووجود المؤثرات المختلفة وتطور اليومي لهذه المؤثرات وتشعبها وبالتالي تكون الحياة والبيئة السياسية والعلاقة التفاعلية أمام تحدي وفرص كثيرة لتصحيح الخطأ وتعزيز وتثبيت الصحيح لما فيه فائدة للأفراد و للمجتمعات والشعوب ودول المنطقة في إطار السعي نحو تحقيق التحول الديمقراطي في الدول والتخلص من الاحتكار والسلطوية والمركزية الشديدة وبالتالي تحقيق الديمقراطية وتوسيع ساحة حرية المجتمعات والشعوب أمام الدول والاعتراف المتبادل لتحقيق الحرية والديمقراطية لكافة الشعوب والحالة التكاملية المجتمعية الديمقراطية لكل المنطقة بما يعزز إرادتها ووحدتها الطوعية وحريتها وتماسكها أمام التحديات الداخلية والخارجية والسير في مسار السياسية الديمقراطية لحل اي قضية وطنية عالقة.