الحدث – القاهرة
قضية تجديد الخطاب الديني أو الإصلاح الديني أو دمقرطـة الاسلام تعتبـر مـن الإشكاليات المهمة والقضايا الاساسية التي تقتضي الطرح السليم وبدقة علمية ولباقة متناهية واحترام كبير للموروث الديني والثقافي المتراكم، والدراسة الواقعية في عصرنا الراهن . لكن حتى الآن لـم يـتم وضع الحلول الوافية على اسس علمية لهذه المشكلة، والتي تشكل عقبة كبيرة في المنطقة امـام جميع انظمة التطوير والتجديد والتحديث في الوقت الراهن في الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد. بل أن مواجهة استغلال الإسلام و الإرهاب والتزمت والمطلقية والإقصاء والإنكار والإبادة الجماعية التي تقمصت الرداء القوموي الدموي والتقسيمي والتابع للهيمنة العالمية الخارجية يتطلب الدخول في هذا المعترك بكل بد، و مع العلم أن دمقرطة الدين الاسلامي على أسس مبـادئ التحرر الاجتماعي والعقائدي والانساني ، ليست من الامور السهلة ، ولا يمكن الاستهانة بها وتتطلب منظومة عمل و برامج وجهود ومعارف علمية واجتماعية ودينية وشجاعة للتطرق وتحمل التبعات على مدار المراحل والمستويات المختلفة المطلوبة. وإذا لم تحصل هذه العملية التطويرية والتجديدية والديمقراطية فلن تستطيع مجتمعات و شعوب ودول المنطقة من تحقيق النهضة والتنوير المطلوب ومواجهة التحديات المختلفة ، حيث الدوران في حلقات وهيمنات فكرية واقتصادية وسياسية خارجية ستكون هي السائدة بمختلف توجهاتها و تياراتها اليمينية واليسارية والمركزية البعيدة عن ثقافة المنطقة وقيم شعوبها ومجتمعاتها، وكل حركات الاحتجاج والثورات ومطالب الحرية والديمقراطية والتنيمة والتغيير والاجتهاد ستذهب هباءً منثورة مالم تنتبه إلى هذه القضايا وتأخذها كأولويات مصيرية وحياتية.
في القارة الأوربية وبداية نهضتها، كانت توجد عدد من الأسباب التي سهلت لشعوبها ودولها ومجتمعاتها حل عقدة الدين المسيحي، أي اجراء التحول الديمقراطي فيها وهي:
كتابة الكتاب المقدس عدة مرات .
تأويل القديسين كل على حدا لتعاليم الدين المسيحي .
نضوج الظروف الموضوعية لإحداث التغييرات والاصلاحات لتتلائم وتواكب ورح العصر .
إن الطابع العام للعلوم الاجتماعية في القرن الثامن عشر، كان طابعاً استدلالياً ونقدياً في جوهره ، فلقد ظهرت العلوم الى الوجود ، كحركة احتجاج ضد الافكار التقليدية التي كانت فيها الكنائس تسيطر من خلالها على ممارسات الحياة الاجتماعية . فكان هدفها الأول تحطيم الاسس الثقافية والاخلاقية ، التي تقوم عليها الصورة التقليدية للمجتمع ، وذلك عن طريق النقد الفكري و الفلسفي .
لكي تخطو اوروبا الخطوات نحو دمقرطة الدين المسيحي وبمـا يـتلائم ومصالح انظمتها السياسية، ومع ضـرورة متطلبات العصر الملحة . فإنها لم تواجه الدين بشكل مباشر وعلني . حيث لم يكن لإعلان الديمقراطية تأثيراً ظاهراً حتى جاءت مرحلة الإصلاح الديني . فظهرت المذاهب الاصلاحية في أوروبا ، مثل اللوثرية في المانيا، والكالفينية في فرنسا ، والانغكيلانية في انكلترا . لترفض بذلك الحكم الكنيسي الكهنوتي وتعلـن افكارهـا الدنيويـة ، وقربهـا مـن المجتمـع الانساني . وذلك لا يعنـي رفضها للدين ، ولا حتى التصـوف ، ولكـن فقـط التشديد نحـو حرية الفرد الدينية ، وعدم اعتماده الكلي على الخدمات الكنيسية .
حيث تم اعلان ميثاق حقوق الانسان في الحكم ، وحق الانتخاب . وهنـا قـام طـلاب الـعلـوم الانسانية بإصـلاح الوثائق الاغريقيـة ، اليهودية وترجمتها ، وبذلك اضافوا ثقلاً جديداً لسلطة الكتاب المقدس ، وبالا عتمـاد على اللفظ الحرفي لمـا جـاء في الانجيل ، تخلصـوا مـن التناقضات التي جاءت على السنة خلفاء بطرس الرسول ، فاضطرت البرجوازية التي نمت وتطورت باضطراد بعد ظهورها كطبقة جديدة ، ان تخوض نضالها في البداية ضد النظام الاقطاعي ، الذي بقي واقفاً بالاستناد كلياً الى الدين.
لقد تطـورت التيارات الفلسفية خـارج الـدين بـزخم اكبر ، وبـدأت بتعزيز مواقعها . حينها شهدت فترة انتقال نشيط من الدين الى الفلسفة ، وذلك لأن البرجوازية مضطرة لأن توجد ايديولوجيتها الخاصة مقابل الدين الذي هو المنطق الايديولوجي باسم الاقطاع ، وتنقـل سـاحة الصراع الى الميـدان السياسي مع مرور الزمن .
لذلك فان أوروبا احدثت التحولات في نظامها السياسي ، وحققت الديمقراطيـة البرجوازية ، وحقـوق الانسان والحريات المدنيـة ، والاعتقـاد الديني ، وذلك عبر النضال الفلسفي والايديولوجي الذي خاضها ضد العقائد الدينية الجامدة ، وافكارها ، وذلك عبر ما خلفته من نظام التعليم والتدريب وتوعية المجتمع وبالاستفادة من منجزات تطـور العلوم بجميع مجالاتها ، لإضعاف سيطرة الكنيسة في الدولة والسلطة السياسية ، وتهيئة الناس لتحقيق الانقلابات النوعية بفصل سلطة الدين عن نظام الدولة ، ولتتحول بذلك الى مؤسـسة روحيـة ومعنوية لا أكثر في المجتمع ، وبذلك ترسخ التجربة الديمقراطية والحريات الدينية والمدنية .
ان دمقرطـة الاسلام ، هي بحد ذاتهـا تحـرر الدين من العلاقات الجامـدة ، وخلـق مرحلـة التعـايش مع الأفكـار والايديولوجيات والاديـان الأخـرى داخليـاً وخارجيـاً، وتـرك نمـط التفكيـر الـرافض للأفكـار والبنـي السياسية الأخـرى والنضـال المشـترك جنبـاً الـى جنـب مـع المفاهيم الايديولوجيـة والسياسية والنظم الأخـرى المختلفة. ولكـن تواجـه الانظمة السياسية ومجتمعاتهـا عقبات جدية ، لدمقرطة الدين الاسلامي في الشرق الاوسط والمنطقة عامة. فظروف الشرق الاوسط وظروف ظهور الدين الاسلامي تختلف عن الظروف التي عاشتها اأوروبا . فلتحقيق التحول الديمقراطي في الشرق الاوسط ، يجب رؤية وتحليل هذه العقبات والفروقات ما بين الديانة المسيحية والديانة الاسلامية.
ومازالت النقاشات مستمرة حول احداث التحول الديمقراطي في الدين الاسلامي وكيفيـة حـدوث ذلك منذ عصر الخلافة العباسية وظهور المدارس الفكرية والفلسفية حينها، و ربما لو تم إنجاز التحول والإصلاح الديني و تبني المقاربات الفلسفية وقتها لربما استطاعت الخلافة الإسلامية أو الامبراطورية أو الدولة العباسية من تجديد نفسها ودولتها والدخول إلى مرحلة البناء الجديدة ولأنجزت عصر النهضة والتنوير الذي اقامته أوربا فيما بعد ذلك عندها و كان سيكون شعوب المنطقة وأوضاع الشعوب والدول الإسلامية ليست كما هي اليوم، ولما تمكن بالإساس المغول والتتار من احتلال بغداد والسيطرة على البلدان والإمارات الإسلامية وتمهيد الأرضية لقدوم الاحتلال العثماني وغيره من المحتلين والمستعمرين أبان القرن الثامن وصولاً للقرن التاسع عشر .
ومن العقبات التي تواجـه دمقرطة الاسلام أو تجديد الخطاب الديني:
كون النص والأيات في القرآن ثابتة وواضحة منذ حوالي 1400 عام وحتى الآن ولا تقبل الجدال عليها قطعاً وتفسيرها واضح ايضاً .
2- انعكاس القرآن على جميع نواحي الحياة في المجتمع في تلك الفترة ، وتفسير وايصال القرآن الى مرحلة يتلائم فيهـا مع متطلبات واحتياجات المجتمع ، وذلك عبر الاحاديث النبوية .
3- ان قوانين التشريع الاسلامي لحياة المجتمع المدنية واضحة ولا تقبل الاعتراض والجدال عليها ، وليست كالمسيحية التي تمتلك نوعاً من القابلية لتأويلات اخلاقية وحقوقية مختلفة .
4- كون الدين الاسلامي قد رأى الجانب المعنوي والروحي والنفسي في المجتمع واستطاع ببلاغة واسلوب القرآن ، والمقدرة الادبية الخطابيـة لاحاديـث سيدنا مـحمـد عليه الصلاة والسلام، ان يدخل الى نفوس الجماهير ، ليغدو بذلك سلطة روحية لا ترد . وتصـون الدين الاسلامي وتعاليمه ، وتصبح بذلك نظاماً فكرياً عقائدياً حتى الوقت الراهن .
5- اعتبار الدين الاسلامي من أخر الاديان السماوية.
6- ان الدين الاسلامي ونظام السلطة لم ينفصم عراهما عن البعض حتى الآن ، مثلاً : مازالت الانظمة السياسية في الشرق الاوسط تحكمها الاطر والمنطلقات الدينية ، فما زالت الانظمة تحدد وتشترط في و اختيارها للرئيس ان يكون منتمياً الى الدين الاسلامي .
7- مطلقية الاسلام في احكامه الاخلاقية والفكرية والفلسفية والقانونية والتي ترد بشدة جميع الافكار التي تعارضها وترفضها رفضاً مطلقاً وبشكل صارم .
ولكن لم يتم وإلى الآن تناول الدين الإسلامي ودراسته دراسة علمية ووافية وكيفية دمقرطة الدين ، واعتباره من المهام الملحة. حيث يجب توجيه الانتقادات الفلسفية، والعلمية لهذا الدين ونظامه السياسي. ولذا لابد من إجراء دراسة وافية تاريخية وفلسفية للدين الإسلامي. وبأخذ العوامل السابقة بعين الاعتبار يتوضح لنا ، أن دمقرطة الدين ليست من الأمور السهلة التي يمكن تحقيقها بدون التعمق فيه. فقد ظهرت أثناء حكم الخلافة الإسلامية العربية و الاحتلال العثماني، عدة حركات في مجال الطب والفلك والفلسفة التي تم أخذها عن اليونانيين وحضارتهم. أو حتى بشكل ظهور طرائق ومذاهب، محاولة أحداث التغييرات في الدين وشرائعه بما يتلائم روح العصر. ولكن ظهور هذه الحركات ليست كما هي في المسيحية، إذ إن هذه المذاهب والحركات لم تستطع أن تحدث أية تحولات نوعية في البنية وتركيبة الدين وعقائده، حسب متطلبات التحولات الاجتماعية في المجتمع. بل انغمست في أوحال وأوهام الوصول إلى الزعامة والخلافة الدينية. لذا زادت من بذور الشقاق والنزاعات. وبدلاً من أن تكوّن زخماً من التيارات الفكرية والفلسفية الجديدة، التي تستلهم قدراتها من تأثيرها على الناس، لكنها هي أيضاً زادت من قوة وتأثير الخلافة الإسلامية والدين في دوره السلبي الذي لم يمهد بدوره لحدوث أي تغيرات وتطورات ملحة في بنية الدين، ولم يساعد ذلك أيضاً في انتصار الحركات الإصلاحية والمذهبية أو الفلسفية.
فعلى سبيل المثال انتشرت عقائد المعتزلة، خلال حكم الخلافة العباسية. وفي بادئ الأمر اعتنقت هذه المبادئ سراً من قبل عدد من العلماء الخارجين عن الدين والفلسفة، والذين تأثروا بالفلسفة اليونانية ال
قديمة، لكن علماء المذهب السني صادروا كتب فلاسفة المعتزلة واحرقوها، لان المجتمع الذي يرتبط فيه نظام الحكم والقانون والأخلاق بالعقيدة الدينية، يرى في كل خروج عن تلك العقيدة تهديداً خطيراً للنظام الاجتماعي نفسه، وينتهي بالإمحاء والقتل.
ومن الأسباب التي أدت إلى انتصار علماء السنة، وانحصار العلماء الفلاسفة تكمن في وجود خليفة محافظ ومتمسك بدينه ودعم الحرس التركي الوافدين الجدد، وولاء الناس الطبيعي لعقائدهم الموروثة. وفي ذلك الوقت كان الأتراك حديثي العهد بالإسلام، وحاقدين على الفرس، وغريبين عن الفكر اليوناني، فاندفعوا بكل ما فيهم من قوة لتأييد السياسة التي ترمي إلى نصرة الدين بحد السيف. حيث قاموا بإخراج المعتزلة، وغيرهم من المجتهدين عن مناصب الدول، والوظائف التعليمية. وحرم الجهر بالآراء المخالفة لآراء أهل السنة في الفلسفة والأدب. أي لعب الاتراك واسلافهم دور سلبي في هذه المراحل المصيرية والمفصلية وحتى بعد ذلك وتحكمهم عبر الاحتلال العثماني سد الطريق أمام الشعوب الإسلامية لأي تجديد وتطوير و يلاحظ بأنه لم يتم إفساح المجال لأي آراء فلسفية جديدة، أو حتى الحرية الدينية في الاعتقاد. وهنا يظهر النظام الديني الذي تم فرضه على المجتمع، والذي لم يدع أية حركات إصلاحية للدين نفسه، بل اضطهدها وعمل على الحد من تأثيرها وإحراق الكتب التي تبشر بالعهد الجديد. فمثلاً كان أثر ابن رشد العلامة في المسيحية أعظم منه في بلاد الإسلام، فقد اضطهد معاصروه في الإسلام، ولذلك فإن التوفيق فيما بين الفلسفة اليونانية والدين ، ما هي إلا مواقف متحاشية لبطش الدين ومذهبه الذي قيد العقل في الوقت الذي كانت المسيحية مقبلة على أخصب عصور الفلسفة.
ويمكـن تلـخـيص اسـبـاب عـدم انتصـار الحركـات المذهبيـة والاصلاحية والفلسفية الجديدة ، الى ما يلي :
تجذر السلطة الدينية في السلطة السياسية ( الخلافة ) والتي تعارض كل محاولات تجديد واصلاح للدين الاسلامي .
عدم وضوح النهج الفلسفي للطرائق والحركات الفلسفية ، بل كان توفيقياً ، مابين الفلسفة اليونانية وعقائد الدين .
لـم تستطع أن تسـتند علـى بنيـة طبقيـة واضحة ، وتكـون بالموقع المؤثر على روحية الناس التي تعتنق الدين بتعصب شديد
لـم تـكـن هنـاك اصـلاً مـذاهب اصـلاحية تفكـر فـي تطـور شريعة الدين الاسلامي .
أما في عهد الاحتلال العثماني فقد منعت جميع المحاولات التي استهدفت إصلاح الدين والحركات التي قامت بها، كذلك حظرت علاقات النظام الجديد وبشكل مطلق تمنع الخروج عن علاقات النظام الإقطاعي المستند على الدين. محافظة بذلك على أسلوب الإنتاج الإقطاعي. ومنع ظهور حركات التنوير والنهضة في كافة مجالات الحياة في المجتمع. ويمكننا القول أن العهد العثماني يشكل أهم عوامل التخلف والتشرذم والأزمات المستمرة حتى اليوم.
من الخطوات الملحة التي يجب إتباعها أولاً في دمقرطة الدين الإسلامي أو تجديد الخطاب الديني هي:
فصل الدين عن الدولة والسياسة، وإبقاء الدين كمؤسسة روحية معنوية لا أكثر في المجتمع.
إفساح الطريق أمام الحريات المدنية، وحرية الاعتقاد الديني، وحرية الفرد في الفكر.
يجب تحطيم القوالب الجامدة التي وضعها الدين أمام مقدرة العقل الإنساني على الإبداع، والتطوير الخلاق.
النضال ضد كافة أنواع التعصب الديني، والمذهبي وفصله عن النضال السياسي في المجتمع. ولتبقى بذلك وسيلة التواصل الروحي بين الفرد وربه.
إذاً لابد من القراءة الصحيحة و التحليل ومعرفة الشرق الأوسط، والذي يعاني من تخلف شديد من جميع النواحي الاقتصادية، والفلسفية والعلمية والاجتماعية. وإيجاد الحلول لمشاكله. وعلى رأس هذه المشاكل، دمقرطة الدين الإسلامي وفق المعايير العصرية.
فالأنظمة الدينية الإسلامية هي إحدى الأسباب التي رسخت التخلف الثقافي والحضاري في مجتمعات الشرق الأوسط، وبشكل مؤثر بإتباع سياسات مستندة على التعصب الديني، وجور هذه الأنظمة التي ما تزال تستخدم الدين كسلاح سياسي في يدها ضد المعتقدات والمذاهب الأخرى وحتى الشعوب والمجتمعات الأخرى. وان الاعتقاد الديني مترسخ في عقلية المجتمع، والذي يرتبط به بشكل روحي متعصب إلى حد ما، ويصونه في نفس الوقت من كل محاولات التغيير، أو الدمقرطة على الأغلب. لذلك فان الآثار السلبية التي خلقتها الأنظمة الدينية تناهض أية تطورات وتحولات بنيوية وجذرية، أو حدوث تطور في مجالات العلوم والتقدم الحضاري، وإعلاء مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات المدنية.
ولابد من الإشارة أن الأنظمة القومية في المنطقة ودويلاتها القومية هي أيضاً تجسيد وبشكل مختلف لنفس التشديد والانغلاق والمطلقية والاحادية للنظم الدينية الرافضة للتطوير والتجديد والدمقرطة في الشرق الأوسط ولو أن القومية أتت من أوربا على أساس الاستشراقية والهيمنة الأوربية ومصالحها ولكنها قومية مركزية واشتقاق للتصلب والتعنت الديني ولكن بلبوس قومي حسب ظروف القرن التاسع عشر وتعاظم دور البعد الاقتصادي في الحياة السياسية ورغبة نظام الهيمنة نهب المنطقة عبر إنشاء الدول القومية.
لذا علينا القيام بتحليل هذه الحقائق مجتمعة على أسس نظرية علمية سليمة، وإظهار أهم السلبيات التي تشكل العائق أمام دمقرطة الدين وإيجاد الحلول لها.
يمكن أن نعتمد في تحليلنا على أسس علمية واضحة، وننتقد كافة أشكال التعصب الديني، والقوالب الجامدة التي مازالت راسخة في المجتمع، والتي تمنع حدوث التحول الديمقراطي في المجتمع، وإفساح المجال للحريات المدنية والدينية، على أسس ومبادئ المساواة والعدالة والإنسانية، والتي تشكل القاعدة الأساسية لبناء الديمقراطية التي تفترض في تمثيلها، تمثيل جميع شرائح وطبقات المجتمع، بأديانه ومذاهبه. وضمان مشاركتهم الفعالة في جميع ميادين المجتمع الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، ولا يخفى على أحد أنه لا يتم ذلك أن لم تكن هناك الحريات في الاعتقاد الديني والمذهبي. والابتعاد عن مواقف التعصب بكل أشكاله.
إن تحقيق التقارب بين الأديان والمذاهب عبر إظهار القيم الروحية والمعنوية والأخلاقية المشتركة الايجابية، وأحداث الحوار البناء السليم، على أسس حضارية لأنه من المهام الملحة التي على أبناء المنطقة العمل عليها. وعلينا تطوير حلول مثل بناء أكاديميات البحث في الإلهيات كوسيلة لمعرفة الديانات، والقيم المشتركة بينها، مثل التسامح والعدالة والمساواة وحب العلم، الحق والخير… وما إلى ذلك من القيم التي تسهل من دمقرطة الدين وتجديد الخطاب الديني.
وجوهر السياسة الصحيحة في دمقرطة الأنظمة الإسلامية تكمن في فصل الدين عن النظام السياسي، وبناء نظام علماني حضاري، يستطيع بذلك منح الحريات الدينية، وحق المشاركة لكافة أفراد المجتمع مهما كان اعتقادهم الديني أو المذهبي أو العرقي في الفعاليات الديمقراطية، وحق الترشيح والانتخاب.
ولكن المهمة الأخرى والملحة أيضاً هي في النضال وبلا هوادة، ضد كافة الآثار السلبية والقوالب الجامدة التي خلقتها الأنظمة الدينية الإسلامية، والتي فرضت على المجتمع الفلسفات الجامدة، والمعادية للتغيير والإصلاح. وما الفلسفة القدرية الأخير مثال عليها، حيث خلقت فرداً في مجتمعات الشرق الأوسط، يقبل واقع هذا المجتمع المتخلف والفقير من جميع نواحي الحياة، كقدر مقدر عليه من عند الله، والابتعاد بذلك عن ورح العصر الخلاقة المبدعة. خلقت فرداً ذو سيكولوجية روحية بعيدة عن روح التطور والخلق المبدع. لذلك فانه من الضروري نقد أثار الدين السلبية على المجتمع الذي رفض في البداية التيارات الفلسفية والفكرية. وتطور المجتمع الذي يعتمد في أسسه على المحاكمة العقلية والمنطقية في تغيير الواقع دون اللجوء إلى التفسير الميتافيزيقي.
للوصول إلى حقائق النظام الديمقراطي في مجتمعات الشرق الأوسط والمنطقة، لابد من تنظيم المجتمع وتوعيته بالثقافة الديمقراطية والتأثير عليه من هذا المنطلق. فان لم تتطور الثقافة الديمقراطية ومبادئها في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ولم يتم قبولها وفهمها في المجتمع نفسه، فانه من غير الممكن تحقيق التحول الديمقراطي البناء، ولا يمكن أن يتم الحوار البناء بين جميع الأديان والمذاهب، سوى في نظام ديمقراطي سياسي مشترك يقبل ويحترم التنوع والتعدد.
ومن هذا المنطلق فان علينا وباستمرار ،العمل على إجراء الحوار البناء بين الأديان وذلك بعد تحليل أسس هذه الأديان، والقيم الإنسانية ا،لايجابية المشتركة التي تجمع هذا التنوع الثقافي والديني في الشرق الأوسط. ولتكن ممهدة لرفاه الاجتماعي الخالي من كل أنواع التعصب المعادي للديمقراطية والعلم.
إن القيام بالبحث والتدقيق في الأديان السماوية يشكل الخدمة الجليلة لحركة الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإنشاء أكاديميات في بحث الإلهيات يساعد على تحليل جوهر الدين السليم والقيم الايجابية التي تقرب بين الأديان وتوحدها مع بعضها البعض لخدمة الديمقراطية في المجتمع، وفي المنطقة حتى الآن لم يتم التجرؤ على مناقشة مسألة دمقرطة الدين وتجديد الخطاب من قبل الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة، وحتى علماء الاجتماع، أيضاً، فان القيام بعمل كهذا سيمهد بسهولة الطريق إلى دمقرطة الدين وتحقيق الاستقرار والسلام والأمن والتحول الديمقراطي في دول المنطقة ومواجهة الإرهاب كداعش والإخوان والقاعدة والدول التي تدعمهم كتركيا وغيرها ومحاسبتهم.