لم يكن أردوغان ليرتكب كل هذه الجرائم والانتهاكات والتدخل في شؤون الآخرين لولا صمت المجتمع الدولي وتواطؤ دول ورؤساء كبار, في ظل غياب آلية دولية تدينه أو تدعوه إلى التوقف. فالصمت الدولي على ممارسات (أردوغان) شكلت غطاءً له وشجعته على التمادي أكثر.
ربما الإحساس بهذا الأمر هو الذي دفع بـ (جو بايدن ) عندما كان يدير حملته الانتخابية قبل أشهر بالقول: “أيام توجيه التعليمات لتركيا قد ولّت”, وأنه لن يتأخر في دعم المعارضة التركية لإنهاء حكم أردوغان.
اليوم, بدخول جو بايدن البيت الأبيض، يبدو أن الكابوس قد بدأ بالنسبة لأردوغان, وعليه الاستعداد للمرحلة الجديدة والصعبة في علاقاته مع واشنطن. وهذه العلاقات ستواجه جملة من العراقيل لوجود خلاف حاد بين الطرفين على الكثير من الملفات.
جل خلافات (بايدن – أردوغان) خلال الفترة السابقة تركزت حول ملفات الكرد والأرمن وقبرص واليونان والتدخل في سوريا وليبيا وحماس والعلاقة بروسيا … وما أكثر المرات التي خيب فيها أردوغان آمال بايدن طوال سنوات عدة، كونه لم يأخذ بنصائحه أو تهديداته. وما تبقى من الأمل بالنسبة لأردوغان هو التعاون والتنسيق الاستراتيجي التركي الأميركي الهش من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحتى هذه الشراكة عرضتها صفقة إس 400 مع روسيا للانهيار.
يبدو جلياً أن الرئاسة الأمريكية الجديدة لن تتخلى عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سوريا، وأن (بايدن) يعارض العمليات العسكرية التركية في سوريا، كما أنه لن يفرط بالعلاقات الأميركية القوية مع الحلفاء الجدد ومع الدول التي تواجه مشكلات كثيرة مع أنقرة. كما أنه يرفض بالمطلق التقارب التركي الروسي والذي يكاد يتحول إلى تنسيق استراتيجي، إلى جانب كل ذلك يفكر بايدن بالبحث عن قاعدة بديلة وسحب الأسلحة الأمريكية من قاعدة أنجرليك التركية.
والطريف في الأمر أن الخط الهاتفي الساخن لن يكون فعالاً لأردوغان كما كان في أيام ترامب. ومجلس نواب يقوده الحزب الديمقراطي سيشكل أكبر أزمة في مسار العلاقات التركية الأميركية، خاصة وأن فريق عمل بايدن في غالبيتهم ليسوا على علاقة جيدة بأردوغان.
وبذلك فلن تكون المشكلة فقط مع بايدن بل مع فريق عمله أيضاً هؤلاء الذين تقاعدوا أو أحالهم ترامب إلى التقاعد وكلها شخصيات اعتبارية لها دور بارز في السياسة الأمريكية كمستشار الأمن القومي جون بولتون، والرئيس الأسبق لجهاز المخابرات جيمس كومي، والسفير الأميركي الأسبق في تركيا إريك إديلمان.
بصراحة, أنتظر بفارغ الصبر اللحظة والطريقة التي سيحاول فيها اردوغان التقرب من بايدن, والاسلوب الذي سينتهجه محاولاً ترميم هذه العلاقة في وقت يبدو أن ذلك آخر ما يفكر به الرئيس الأمريكي الجديد.. ويقال “في السياسة ليس هناك أصدقاء دائمون, كما أنه ليس هناك أعداء دائمون”.