السبت 23 نوفمبر 2024
القاهرة °C

نادية حلمي تكتب : تأثير القاعدة الجوية الروسية فى “حميميم” والقواعد البحرية فى مينائى اللاذقية وطرطوس بسوريا على تطورات الملف النووى الإيرانى فى مواجهة دول المنطقة بعد أزمة أوكرانيا

الحدث – القاهرة

بعد بدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، ظهرت العديد من التساؤلات، حول: مدى تأثير تلك الحرب على العلاقات بين موسكو والشرق الأوسط، وتحديداً “إيران، إسرائيل، الخليج العربى”، وذلك فيما يتعلق بتطورات الملف النووى الإيرانى، ومدى ملائمة الموقف الروسى الحالى فى مواجهة السياسات الأمريكية والغربية لمساومتهم فى الملف النووى الإيرانى فى مقابل تقديم تنازلات لصالح روسيا فيما يتعلق بحربها الدائرة مع أوكرانيا، بل والتساؤل، حول: (مدى تأثير ذلك على علاقات روسيا بتلك الميليشيات الإيرانية فى سوريا وحزب الله على الحدود الجنوبية من لبنان، ثم التواجد الإسرائيلى فى هضبة الجولان السورية. ومدى تأثير التواجد الروسى القوى فى سوريا على أمن تل أبيب ذاتها كشريكة وثيقة من الولايات المتحدة الأمريكية العدو اللدود لموسكو فى صراعها مع أوكرانيا).

وعلى المستوى الأكاديمى والتحليلى، إهتمت الباحثة المصرية بشكل كبير بتحليل تأثير وجود (قاعدة حميميم الجوية العسكرية الروسية فى جنوب شرق مدينة اللاذقية السورية بالقرب من القاعدة البحرية الروسية فى مينائى اللاذقية وطرطوس السوريين)، بالقرب من الحدود (اللبنانية، الإيرانية، الإسرائيلية)، وذلك على ملف التفاوض بشأن الأزمة الروسية الحالية مع أوكرانيا، ثم (مدى إمكانية المساومة الروسية) فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى الغرب بشأن التفاوض حول الملف النووى الإيرانى.

– وإجمالاً، تمكنت الباحثة المصرية من رصد وتحليل مواقف الدول والأطراف التالية من الأزمة الأوكرانية مع روسيا، ومدى تأثيرها على الشرق الأوسط ودوله، ومسار التفاوض مع الجانب الإيرانى لإحراز أى تقدم فى تلك المحادثات الدائرة فى فيينا، ومدى إمكانية تأثير روسيا على إيران وكافة الأطراف الإقليمية المتشابكة معها، وذلك (بالنظر لقرب القاعدة الجوية الروسية وقاعدتيها البحريتين فى مينائى اللاذقية وطرطوس السوريين) على حدود إسرائيل، إيران، لبنان، وذلك على النحو التالى:

١- كان التساؤل الحقيقى منذ بدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، يدور حول: (مدى تأثير التواجد الروسى المستقر والقوى فى سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية والإيرانية والإسرائيلية على الشرق الأوسط بشكل عام، وعلى إمكانية إبداء وتمرير بعض الضغوط أو التنازلات من قبل روسيا مع أى طرف من أطراف تلك الأزمة المتشابكة بشأن المفاوضات النووية مع طهران)، وذلك مقابل تقديم الأطراف الأخرى لتنازلات للجانب الروسى عند بدء العملية التفاوضية بعد توقف الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وتأثير كل ذلك على بلدان الشرق الأوسط الإقليمية، كإسرائيل، إيران، دول الخليج العربى، خاصةً مع تشارك القاعدة الجوية الروسية مع بعض مسارات الهبوط فى (مطار باسل الأسد الدولى)، رغم إقتصارها فقط على العمال الروس دون غيرهم وفقاً لإتفاق بين روسيا والرئيس السورى “بشار الأسد”. وهو الأمر الذى يتيح لروسيا إيجاد موطئ قدم فى (مواجهة التواجد الإيرانى فى سوريا والإحتلال الإسرائيلى لهضبة الجولان السورية، وصولاً بمدى قدرة روسيا على إحداث ضغوط على إسرائيل كحليفة لواشنطن وتحييدها بشأن تلك الأزمة الروسية مع أوكرانيا).

٢- وتأتى أهمية تلك القاعدة الجوية الروسية صغيرة المساحة فى سوريا، بالنظر (لقربها من القواعد البحرية الروسية والصينية الأخرى فى مينائى اللاذقية وطرطوس السوريين على البحر المتوسط فى مواجهة مينائى “حيفا وأشدود الإسرائيليين” على البحر المتوسط). وقد وقع الإتفاق بين روسيا والرئيس السورى “بشار الأسد” فى أغسطس ٢٠١٥، بما (يمنح الحق للقوات العسكرية الروسية بإستخدام قاعدة حميميم فى كل وقت من دون مقابل ولأجل غير مسمى). ولقد إستخدمت روسيا تلك القاعدة الجوية لتنفيذ عدة مهام عسكرية ضد فصائل المعارضة السورية. وبعد مرور سنة على التواجد الروسى فى قاعدة حميميم، أعلنت بعدها موسكو عن عزمها على (توسيع قاعدة حميميم الجوية فى سوريا بغرض تحويلها إلى قاعدة جوية عسكرية مجهزة بشكل متكامل لدعم التواجد العسكرى الروسى المستقر فى المنطقة بشكل دائم).

٣- لذلك، فإن تحليل الباحثة المصرية يذهب فى إتجاه مدى إمكانية إسهام التدخل الروسى عسكرياً فى العمق الأوكرانى فى الإسراع بإحياء أو إبطاء الإتفاق النووى الإيرانى، بالنظر (للقرب الروسى من طهران وتل أبيب والخليج العربى عموماً عن طريق تلك القواعد البحرية والجوية الروسية فى سوريا)، وإمكانية المساومة الروسية فى ملف العقوبات الإقتصادية والمالية المفروضة عليها أمريكياً وغربياً بسبب تحركاتها فى أوكرانيا بإحداث (ضغوط وتهديدات روسية مستمرة على تل أبيب كشريكة للولايات المتحدة الأمريكية وتهديد مصالح الدولة العبرية فى هضبة الجولان السورية المحتلة من قبل إسرائيل، بل وتأثير ذلك على الدور الروسى فى الملف التفاوضى مع إيران فى مواجهة المصالح الخليجية وأمن إسرائيل ذاتها)؟ ثم أخيراً، يأتى هذا التساؤل، بشأن: الموقف الإسرائيلى المعلن بعدم إلزامها بأى إتفاق يوقعه الغرب والمجتمع الدولى وواشنطن مع طهران، بالنظر لعدم الثقة فى المواقف والمناورات التفاوضية الإيرانية وتعقد مساراتها.

٤- وهناك تخوفات فعلية مشتركة بين قادة ودول “حلف الناتو” بشأن (تأثير تلك القواعد الجوية الروسية بالأساس ثم البحرية فى اللاذقية وطرطوس فى سوريا على أمن الشرق الأوسط وتطورات الملف النووى الإيرانى)، وهو ما سيتيح للجانب الروسى القدرة على المناورة فيه، بل وإحراز ضغط على أطرافه الإقليمية الأخرى، مما سيؤثر على أمن إسرائيل فى هضبة الجولان السورية المحتلة خاصةً فى ظل الحرب الروسية ضد أوكرانيا، والرغبة الروسية فى تحييد إسرائيل فى سوريا والمنطقة. وهو ما أكده القائد الأعلى لقوات حلف الناتو فى أوروبا الجنرال “فيليب بريدلوف” فى سبتمبر ٢٠١٨، بتأكيده على:

“أن هذا النوع من البنية التحتية العسكرية الروسية فى سوريا بما فى ذلك مضادات الطائرات الروسية ونظم الدفاع سيتسبب بحكم الأمر الواقع فى حظر الطيران على مستوى تلك المنطقة فى سوريا مع تطور أنظمة الدفاع الجوى الروسى فى سوريا، لذلك بالقلق يبدو من إمكانية أن تنشئ روسيا لمنطقة حظر الطيران فى شرق البحر المتوسط، وهو ما سيؤثر حتماً على الأمن الإقليمى والعالمى”

٥- وتنبع خطورة المنشأة أو القاعدة البحرية الروسية فى مدينة طرطوس السورية، بإعتبارها بالأساس (منشأة عسكرية مؤجرة للبحرية الروسية على الحافة الشمالية للميناء البحرى لمدينة طرطوس السورية فى الشرق الأوسط فى مواجهة إسرائيل، إيران والخليج العربى، فضلاً عن مساسها بمنطقة الشرق الأوسط وكافة تفاعلاته)، كما تستخدم لأغراض عسكرية وإستراتيجية روسية ولتنفيذ بعض المناورات العسكرية البحرية أو التدريبات المشتركة أو لمراقبة تلك الدول الغربية بالأساس التى تطل على البحر المتوسط، كما أن (القواعد البحرية الروسية والصينية فى مينائى اللاذقية وطرطوس يوفر لهما بديلاً عن مينائى حيفا وأشدود الإسرائيليين مع الرفض الأمريكى لأى تواجد صينى أو روسى بهما لعدم الإضرار بأمن الأسطول السادس البحرى الأمريكى وقواعده على البحر المتوسط من ناحية إسرائيل).

٦- وهنا تبدو خطورة تلك القواعد البحرية الروسية والصينية فى سوريا فى التأثير على مسار الأزمة مع أوكرانيا، من خلال تحليلى وتصورى للمشهد عسكرياً وأمنياً وبحرياً، والتى تكمن فى إمكانية إستخدام الجانب الروسى ورقة الضغط الخاصة بتمركزه الدائم فى “قاعدة طرطوس السورية”، بإعتبارها النقطة الوحيدة للبحرية الروسية فى البحر الأبيض المتوسط، مما (يجنب السفن الحربية الروسية رحلة العودة إلى قواعدها عبر المضائق التركية فى البحر الأسود، وهو الأمر الذى يفوت أو يضيع الفرصة على الدول الحلفاء الغربيون فى “حلف الناتو” ممارسة ضغوط على روسيا من ناحية الضغط على تركيا وطموحاتها فى تعزيز دورها عسكرياً مع دول الناتو).

٧- ولذلك فقد إعتمدت الإدارة الأمريكية (مبدأ فصل المسارات فى التعامل مع روسيا)، وذلك بشأن الأزمتين الأوكرانية والإيرانية، بمعنى أن: واشنطن لا ترغب فى إستبعاد روسيا تماماً من ملف إلزام إيران بتوقيع الإتفاق النووى الجديد وإحداث إنفراجة فى مفاوضات فيينا النووية بالنظر للتواجد الروسى بالقرب من طهران وعلى حدودها، من خلال القواعد الجوية والبحرية الروسية فى سوريا، فضلاً عن ذلك (التأثير الروسى الكبير على الميليشيات الإيرانية فى سوريا، وقدرته على تهدئة أو عرقلة وتحجيم تصعيدها ضد إسرائيل)، مما يسمح لروسيا بهامش من المناورة والتلاعب بواشنطن عبر إحتفاظ روسيا بالتهديد بإتخاذ موقف تصعيدى سياسى وإقتصادى ضدها فى الأزمة الأوكرانية من جهة (الضغط على الجبهة الإسرائيلية ومنافذها الأخرى فى البحر المتوسط عبر منشآتها العسكرية المتواجدة والمتمركزة بشكل دائم فى تلك المنطقة فى طرطوس واللاذقية فى سوريا).

٨- أما عن العلاقة بين الأزمة الأوكرانية والتواجد الروسى فى سوريا، فيكمن فى (إتاحة الإتفاقية السورية لإستخدام روسيا قواعد ومنشآت عسكرية جوية وبحرية فى طرطوس السورية لتوصيل الأسلحة والإمدادات من قبل سفن الإنزال وسفن الشحن التى تعبر المضائق من ميناء البحر الأسود إلى سوريا فى “ميناء نوفوروسيسك الروسى”، والذى تعتبره روسيا والعالم بأنه بمثابة الخطوط السورية السريعة لمصالح موسكو). ولذلك تكمن التخوفات لدول حلف الناتو، من إمكانية أن تستخدم روسيا تلك القواعد الجوية والبحرية فى سوريا لأغراض العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.

٩- وعلى الجانب الآخر، وفى ظل قرار إستبعاد وطرد روسيا من (نظام سويفت المالى للتحويلات البنكية)، فهذا الأمر قد يدفع الجانب الروسى لوقف صادراتها من النفط، والتى تتعدى ١١ مليون برميل يومياً، فضلاً عن هذا الإنتاج الروسى الضخم من الغاز الطبيعى، بالأخص مع عدم قدرة روسيا فى الوقت الحالى بسبب الحرب على أوكرانيا على إسترداد عائداتها المالية بالعملات الصعبة، وهذا ما قد يجعل من إيران بديلاً ضرورياً من أجل (تعويض النقص الحادث عالمياً فى مصادر الطاقة على حساب المصالح الروسية ذاتها)، مما قد يدفع بروسيا (للإضطرار لمنع عبور أى ناقلات أو شحنات إيرانية للعالم حتى فى حالة رفع العقوبات على طهران، عبر مراقبة روسيا لتطورات الموقف الإيرانى وتواجدها فى العمق السورى).

١٠- لذلك نفهم من الموقف الإيرانى، الأسباب الكامنة وراء تبرير عدد من المسؤولين فى إيران بعد الغزو الروسى لأوكرانيا لموقف روسيا فى مواجهة أوكرانيا والغرب، وهذا ما يتضح من تأكيد وزير الخارجية الإيرانى “حسين أمير عبد اللهيان”، بأن أزمة أوكرانيا متجذرة فى إستفزازات الناتو. ونفس الأمر أكده بيان المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية “سعيد خطيب زاده”، بالنظر لأن (منطقة أوراسيا تواجه محاولات أمريكية مريبة بسبب تحركات الناتو لضم أوكرانيا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مما سيؤثر على أمن روسيا إقليمياً ودولياً).

١١- وهنا تحاول واشنطن (الحصول على ضمانات روسية من أجل ممارسة دورها وضغوطها على الجانب الإيرانى لمنعها من تطوير برنامجها النووى بالإنتقال إلى مستويات متقدمة، من شأنها تعطيل المسارات التفاوضية وتعقيدها)، وقد تنقلها إلى مستويات أخرى مختلفة، لدرجة تكون الولايات المتحدة الأمريكية مجبرة فيها على التعامل مع الإيرانيين من منطلق مختلف، خاصةً فى حالة إستغلال إيران للأزمة الأوكرانية لتطوير تخصيب اليورانيوم.

١٢- ونجد هنا أهمية الضغط الروسى فى الملف النووى الإيرانى، وإعتبار (ورقة الضغط الإيرانية واحدة من أبرز الأوراق فى يد روسيا قبل الذهاب إلى طاولة التفاوض مع واشنطن والمجتمع الدولى بشأن أزمتها الحالية مع أوكرانيا). ونحلل ذلك، بالمساومة الروسية المتوقعة وورقة (الربط الروسى بين إحراز تقدم مع إيران فى مفاوضات فيينا النووية، ثم تأثير ونتائج ذلك على المصالح الروسية مع العالم، ربما على حساب المصالح الإيرانية ذاتها).

١٣- وعند تحليلى الجديد بشأن (تأثير إخراج وطرد روسيا من نظام سويفت المالى للتحويلات على علاقتها مع إيران والعالم)، خاصةً مع الإدراك الروسى، بأن أى تقدم فى الإتفاق النووى يعنى رفع وإلغاء العقوبات الإقتصادية المفروضة على إيران، وبالتالى تخفيف حدة ورقة المساومة الروسية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى الغرب، بإستخدام الورقة الإيرانية.

١٤- ومن وجهة النظر الروسية، فإن تسريع التوصل لإتفاق عادل مع إيران بشأن ملفها النووى، من شأنه (الإضرار بكافة المصالح الروسية الإقتصادية والسياسية والتفاوضية عالمياً والتأثير عليها سلباً، وذلك بفقد روسيا لعنصر ورقة الضغط

الإيرانية فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى الغرب، فضلاً عن تأثيراته السلبية على مصالح روسيا الإقتصادية، بفتح الأسواق العالمية أمام الصادرات الإيرانية فى قطاعى النفط والغاز مما يؤثر بالسلب على المصالح الإقتصادية والسوق الروسى).

١٥- وبناءً على التحليل السابق، تدرك موسكو جيداً بأن إبطاؤها لإحراز أى تقدم فى الإتفاق النووى مع إيران سيحقق حتماً المصالح الروسية، مع الفهم الروسى الكامل للمشهد العام من وجهة نظرى التحليلية والتفسيرية بأن ذلك (الإبقاء الروسى بتعطيل أو تعليق التقدم فى مفاوضات فيينا النووية مع إيران سيقطع الطريق أمام واشنطن والدول الأوروبية فى تأمين وإيجاد أو الحصول على أى مصادر بديلة أخرى للطاقة بعيداً عن المصدر الروسى، مما سيفقد موسكو ورقة ضغط خطيرة عند التفاوض بشأن أزمة حربها مع أوكرانيا، خاصةً فى حال تطورت تلك الأزمة الروسية الأوكرانية إلى مستويات أكثر تعقيداً).

١٦- وربما سأذهب بتحليلى للموقف لأبعد من ذلك بكثير، بأن (الجانب الإيرانى ذاته قد يستغل جيداً مدى الإنشغال الروسى فى حربه ضد أوكرانيا وفرض العقوبات الإقتصادية على روسيا، من أجل توقيع إتفاقية نووية جديدة فى فيينا بشكل مستقل بعيداً عن تلك الحسابات الروسية البعيدة والمعقدة بالربط بين مفاوضات الأزمتين الأوكرانية والإيرانية النووية)، وبالتالى إضعاف قدرة الجانب الروسى على المناورة بورقة الضغط الإيرانية.

١٧- وتماشياً مع النقطة السابقة فى تحليلى، فربما (ستتمكن إيران من تحقيق الفوز فى كل الأحوال، سواء فى حال قبولها بالتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب فى ملفها النووى بشكل مستقل بعيداً عن الوساطة الروسية فى التفاوض، وأيضاً عن إمكانية إستغلال إيران للأزمة الروسية الأوكرانية من جانب آخر، مستغلة الإنشغال الدولى بها، وبالتالى تطوير برنامجها النووى بالإنتقال إلى مستويات متقدمة فيه، مما يدفع واشنطن والمجتمع الدولى لتقديم تنازلات لصالح إيران).

١٨- وفى إعتقادى الشخصى، فإن إيران صارت هى الطرف الوحيد من أزمة الحرب الروسية ضد أوكرانيا، من خلال (تمكين الإيرانييين من لعب أدوار تفاوضية مستقلة، وربما المساومة الإيرانية فى مواجهة واشنطن والغرب لإلغاء ورفع العقوبات الأمريكية عليها، وبالتالى ستكون النتيجة أو تلك المحصلة النهائية هى تحول إيران لشريك دولى هام فى قطاع الطاقة وإمدادات النفط والغاز بديلاً عن روسيا). مع الإدراك والفهم الإيرانى الكامل لتلك الأزمة الدولية والأوروبية بسبب إضطرارهم لفرض عقوبات إقتصادية على روسيا بسبب تطورات غزو أوكرانيا.

١٩- ووفقاً لتحليلى للمشهد الواقعى للأزمة حتى هذه اللحظة، فأعتقد بأن (المسار التفاوضى مع إيران قد دخل فى حالة من الفراغ والأزمة والشك)، مع إعلان كبير المفاوضين الإيرانيين “على باقرى كنى” عن عودته إلى طهران مرة أخرى بعد فشله فى الوصول لأى إتفاق فى فيينا عند مناقشة الملف النووى الإيرانى فى ٢٥ فبراير ٢٠٢٢.

– وهنا نجد أن الغزو أو الدخول الروسى إلى أوكرانيا قد يساهم فى خلط الأوراق على طاولة التفاوض فى فيينا حول الملف النووى الإيرانى، بسبب (فشل جهود الإدارة الأمريكية فى إبقاء خط الإتصال مفتوحاً مع روسيا فيما يتعلق بجهود منع إيران من تطوير أسلحة نووية).

٢١- وهناك مخاوف أساسية باتت أبعد وأوسع من مجرد تحقيق ونجاح الإتفاق فى الملف النووى الإيرانى بسبب التداعيات التى سببتها الحرب الروسية- الأوكرانية، خاصةً وأن هذا الغزو الروسى لأوكرانيا، قد (يعطى إيران الضوء الأخضر لتطوير سلاح نووى مستغلة إنشغال الولايات المتحدة الأمريكية والعالم كله بإدارة تلك الحرب فى مواجهة روسيا).

٢٢- أما عن الموقف الإسرائيلى إزاء تقدم المفاوضات النووية مع إيران، فنلاحظ هنا (الرفض الإسرائيلى التام لتوقيع أى إتفاقية نووية جديدة مع الجانب الإيرانى، كما ترفض الحكومة الإسرائيلية رفع أى عقوبات عن طهران، خاصةً مع تقاطع وتشابك الحدود الجنوبية اللبنانية مع المنطقة الشمالية من إسرائيل، وبالتالى تبدو التخوفات الإسرائيلية وفق ما أعلنته الصحافة العبرية من وجود أكثر من ٢٥٠ ألف صاروخ إيرانى بالتعاون مع “حركة حزب الله فى جنوب لبنان” محاطاً بإسرائيل من حدودها الجنوبية مع لبنان)، مع وجود إتهامات إسرائيلية صريحة لإيران بنيتها العمل على تدمير إسرائيل، وإستهداف أمن تل أبيب، بمواصلة الإيرانيين تطوير برنامجها النووى وتخصيب اليورانيوم. لذلك، جاء الرفض الإسرائيلى التام لرفع العقوبات ضد إيران، بل والذهاب لأبعد من ذلك برفض الجلوس مع الإيرانيين للتفاوض حول برنامجها النووى من الأساس.

٢٣- وعلى الناحية الأخرى بشأن (الموقف الأمريكى ذاته من وجهة النظر الإسرائيلية حول رفض التفاوض مع إيران)، فهناك رفض أمريكى للموقف الإسرائيلى، وبالأخص مع حساسية العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فى هذا الملف. حيث باتت (تتخوف إسرائيل من قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للدول الخمسة الشريكة معها في المفاوضات النووية مع طهران، ورضوخ الجميع فى النهاية لتلك المطالب والإبتزازات الإيرانية وقبولهم جميعاً تقديم تنازلات عديدة للجانب الإيرانى فى ملف المفاوضات النووية)، بدون أى ضمانات قد تأخذ فى مواجهة الإيرانيين، مما يضر بأمن إسرائيل.

٢٤- وربما كانت تلك النقطة السابقة مباشرةً فى تحليلى، هى أحد الأسباب المباشرة للتقارب الإسرائيلى مع روسيا فى مواجهة إيران ومحاولة الإسرائيليين إفساد شكل العلاقات بين إيران وروسيا. حيث تحاول إسرائيل هنا (كسب الموقف الروسى لصالحها لموازنة شكوكها أمام الموقف الأمريكى المتهادن والمرن مع الإيرانيين فى مواجهة إيران من وجهة نظر الإسرائيليين).

٢٥- وتكمن تلك الخطة أو اللعبة الإسرائيلية الأخيرة بعد إندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، بمحاولة (إستغلال كل الفرص المتاحة لتوتر العلاقات بين روسيا وإيران، ومحاولة دفع الروس لتبنى موقفاً متشدداً ضد إيران فى المفاوضات النووية). ولهذا فى رأيى الأكاديمى والشخصى، فقد (جاء القرار الإسرائيلى بالإمتناع عن التصويت على القرار الذى تبنته الولايات المتحدة الأمريكية لإدانة روسيا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد ضمها لشبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، وهو ما تسبب بالفعل فى توتر شديد وأزمة كبيرة حينها فى شكل العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية).

٢٦- وهناك تنسيق روسى – إسرائيلى مشترك بالفعل فى عدة ملفات تتعلق بالشرق الأوسط، وعلى رأسها (الملف السورى)، خاصةً مع الإحتلال الإسرائيلى لهضبة الجولان السورية، وتدخل روسيا عسكرياً فى الحرب الأهلية السورية فى عام ٢٠١٥، فضلاً عن الأهم من وجهة نظرى وهو تواجد (القاعدة الجوية الروسية فى حميميم التى تبعد ١٥ كيلو متر عن ميناء اللاذقية السورى). لذلك، تحاول إسرائيل مهادنة الكثير من المواقف الروسية، حفاظاً على أمن إسرائيل من أى تهديد إيرانى من عمق الأراضى السورية بمساعدة ميليشيات حزب الله فى جنوب لبنان لشن هجمات عليها، وذلك فى مقابل (تنسيق المواقف الإسرائيلية – الروسية، لعدم إدانة إسرائيل للوجود الروسى فى سوريا).

٢٧- وهنا سيظهر (الدور الخليجى المحورى مع واشنطن للضغط على إيران بشأن ملفها النووى، مع الحاجة الملحة للولايات المتحدة الأمريكية إلى حلفائها وشركائها فى الخليج)، وتزايد حاجتها إليهم بعد أزمة أوكرانيا، وطلب دعم تلك الجهود الأمريكية لتأمين تدفق إمدادات الطاقة من الخليج إلى الأسواق العالمية، بالنظر لتحسب واشنطن لأى موقف إنتقامى من قبل روسيا بإستخدام الطاقة كسلاح، لذلك فباتت (الفرصة الوحيدة المتاحة لدول الخليج هى ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الخمس المشتركة فى المفاوضات النووية مع طهران، لضمان ممارسة بعض الضغوط والحصول على تنازلات من إيران لصالح أمن الخليج العربى وحرية الملاحة فى باب المندب والمنطقة).

وبذلك نستنتج من هذا التحليل الشامل، مدى تأثير تلك التطورات العسكرية الأوكرانية – الروسية على كافة التطورات المتعلقة بالملف النووى الإيرانى، بالنظر لبحث كل طرف من الأطراف الإقليمية (إيران، إسرائيل، الخليج العربى) على مصالحه فى مواجهة الطرف الآخر. وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الدور الروسى فى الملف النووى الإيرانى بعد أزمتها مع أوكرانيا، قد بات (لا يحظى بإجماع سياسى فى ايران، فليست جميع القوى والأحزاب السياسية الايرانية توافق على الدور الروسى فى الملف بعد إندلاع الحرب الروسية فى أوكرانيا، بالتخوف من اللعب الروسى بالملف النووى الإيرانى لمصلحته، بل توجه إنتقادات شديدة من قبل شخصيات إصلاحية لهذا الدور ودعوات إلى تهميشه)، كما تعتقد عدد من دوائر صنع القرار فى إيران، بأن روسيا تتعمد إبقاء العلاقة متوترة بين إيران والغرب والولايات المتحدة الأمريكية بعد أزمة أوكرانيا بالأساس، وذلك لضمان بقاء طهران إلى جانب حليفها الروسى لموازنة الضغوط عليها بشأن أزمة أوكرانيا.

 

to top