منذ تأسيس أول حزب سياسي 1957 في الجزء الجنوبي الغربي من كردستان والملحق بسوريا والحركة السياسية الكردية التي تعمل وتناضل من أجل حقوق الشعب الكردي هنا تسعى جاهدة وفي معظم أهدافها التي كانت تتصدر جرائدها وصحفها الحزبية, كانت الحقوق الثقافية تندرج في إطار هذه الأهداف التي تناضل من أجلها هذه القوى والأحزاب السياسية والتي انبثقت فيما بعد من هذا الحزب الرئيسي والأساسي في حياة كرد سوريا, إلى جانب قيام العديد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية التي كانت بدورها تدعو بالدرجة الأولى إلى ضرورة السماح بالتكلم والتعلم باللغة الكردية والتي هي اللغة الأم للكرد. كانت الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية من أولى وأهم الأهداف التي كانت تناضل من أجلها جميع تلك الأحزاب والقوى الكردية والكردستانية على حدٍ سواء.
سبحان مغير الأحوال, ففي هذه الأيام المباركة والمجيدة في تاريخ المناطق الكردية الملحقة بسوريا والتي تشهد ثورة في كل شيء، ابتداء باللغة وانتهاء بالعادات والتقاليد البالية والعودة إلى القيم والمبادئ الإنسانية وإقرار حقوق المرأة, في هذه المرحلة المصيرية التي نعيشها هنا في روج آفا والتي أثبتت للعالم اجمع أن الشعب الكردي حي ولديه لغة يعتز ويفتخر بها ويتباهى بكُتّابه وأدبائه ومثقفيه بين الأمم والشعوب، فلديه أحمدي خاني وملحمته الخالدة مم وزين والتي تضاهي في جماليتها روميو وجولييت شكسبير, إلى جانب الرواد الأوائل الذين كتبوا بالكردية وتغنوا بجمالها وجمال كردستان وطبيعتها الساحرة أمثال فقيه تيران وملاي جزري وسيداي جكر خوين وسيداي كلش وتيريج وغيرهم الكثيرين من عظماء الكرد, بالإضافة إلى الأمير جلادت بدرخان الذي وضع الأحرف اللاتينية للغة الكردية التي كانت تُكتب بالأحرف العربية وأصدر مجلة هاوار التي نشرت المئات من المقالات والقصائد والقصص باللغة الكردية وأصبحت مدرسة لتعلم اللغة. هذه الأيام المصيرية التي نعيشها ونتغنى بها وننشد نشيدنا الوطني أي رقيب ويتعلم جيلنا الصاعد لغته الأم, الله ما أجمل التعلم باللغة الأم, أتذكر فيما مضى من تاريخنا المعاصر حينما كُنت معلماً وكيلاً في الأرياف, عندما كنت أعلم تلاميذ الصف الأول في القرى الكردية المتناثرة في أرجاء هذا الوطن الشاسع وأقول لهم: ما هذا اللون كانوا يقولون بكل براءة وبصوت مرتفع sore نعم في حقيقة الأمر كان اللون أحمر باللغة الكردية، لكنني كُنت مرغماً أن أقول لهم: خطأ، هذا اللون أحمر, هو بالفعل كان أحمر وبالكردي صور كم كان يحز في نفسي أن أُعلم أبناء وطني وشعبي بلغة ليست لغتهم الأم وحتى فيما بعد صدرت مراسيم من النظام البعثي العنصري تحت مسمى “ممنوع التكلم في المدارس بغير اللغة العربية” كان القصد منها منع الكرد من التكلم بلغتهم الأم حتى في الفرصة والاستراحة والشارع والبيت. كان هناك تعتيم إعلامي كبير على هذه الممارسات الشوفينية العنصرية بحق شعبنا الكردي. لكن الآن ونحن نعيش في خضم ثورتنا المباركة ثورة 19 تموز 2012، ثورة روج آفا والتي من نتاجها التعلم باللغة الكردية لأبناء الشعب الكردي وفق منهاج دراسي منظم ومتكامل وبعيد عن الأيديولوجيا السياسية محافظاً على القيم والمبادئ الإنسانية وافتتاح مئات المدارس على امتداد هذه الوطن إلى جانب تأهيل عشرات الآلاف من المدرسين والمعلمين وفي جميع الاختصاصات الدراسية وكذلك فتح معاهد اللغة، والصرح الأكبر والأهم كان في افتتاح جامعة روج آفا وفق اختصاصات متعددة، منها الهندسات بفروعها المختلفة وكذلك الآداب (اللغة الكردية – العربية – السريانية)، والعلوم المالية والمصرفية والطب والحقوق ومؤخراً الإعلام. بعد كل هذا الجهد الكبير والعمل المتفاني من أجل اللغة الكردية وتطويرها وزرعها في نفوس أبنائنا, فإن ما يحز في النفس أن تأتي قوى وأحزاب سياسية كردية تطالب بإلغاء التدريس باللغة الكردية والعودة إلى مناهج النظام وكأنها ليست قوى كردية ولم تطالب في يوم من الأيام بالحقوق الثقافية والتي تأتي في مقدمتها التعلم باللغة الأم. لو كان لدى هذه القوى ذرة من الإحساس بالوطنية والقومية الكردية والتي تُعدُّ اللغةُ الأساسَ لها, لما طالبت بإلغاء التعلم باللغة الكردية! يستغرب المرء عندما يسمع هذه الأحاديث حول طلب الإخوة في المجلس الوطني الكردي في حواراتهم مع أحزاب الوحدة الوطنية من أجل توحيد الصف الكردي وترتيبه؛ بأن يطلبوا إلغاء العمل بالمنهاج التدريسي الكردي والعودة إلى منهاج النظام البائد! عجيب أمر هؤلاء الإخوة! ألم يكونوا هم من طالبوا منذ أكثر من سبعين عاماً بالحقوق الثقافية الكردية؟ لماذا الآن ونحن بالفعل قد نلنا حقوقنا الثقافية بفضل دماء شهدائنا وصار أطفالنا يرددون شعارنا الوطني أي رقيب في المدارس, يتعلمون بالكردية ويفكرون بالكردية ويكتبون بالكردية ويتكلمون بالكردية, لماذا علينا الآن إلغاء هذا المنهاج التعليمي والعودة إلى نظام البعث الشوفيني العنصري؟! أليس في هذا الشرط تعجيز لرفض الوحدة الوطنية, أليس فيه إرضاء لنظام البعث والنظام التركي الرافضين لكل ما هو كردي؟! أليس الأجدر بهؤلاء الإخوة بدعم ومساندة هذه التجربة الرائدة للإدارة الذاتية الديمقراطية من خلال الانخراط فيها ودعمها وتصحيح مسارها إن كان هناك فيها خلل؟ هذا ما كنا نتوقعه من الإخوة في المجلس الوطني الكردي وليس ما يقال الآن حول رفضهم للتدريس باللغة الكردية.