الحدث – القاهرة
شرفت بدعوة كريمة لتغطية احتفالات الأكراد بعيد النيروز في معقل الأكراد ديار بكر جنوب تركيا ولا انكر أني كنت اشعر ببعض القلق كوني مهاجم دائم لتركيا وسياستها الاستعمارية في عدد من المنابر الإعلامية ولكن قلقي هذا لم يثنيني عن الذهاب لفعاليات عيد النيروز في تركيا فسلمت امري لله فالصحفي كماتعلمنا هو مواطن في مدينة ( لا ) وليس لديه تآمين علي نفسه ضد الاعتقال ولا علي أصابعه ضد الكسر .
المهم أني أعددت حقيبتي وودعت اهلي واتجهت الي المطار لأجد في انتظاري بمطار القاهرة صحبة رائعة من صحفيين ومثقفين مصريين وممثلين للمجتمع المدني كلهم علي درجة عالية من الرقي .
اجتمعنا جميعا علي بغضنا للسياسة التركية ووقوفنا بجانب حق الشعب الكردي في الحياة وعليها توجهنا بالطائرة الي مطار إسطنبول كبداية لنجد في استقبالنا صديق كردي تركي هو محمد امين الذي كان بحق نعم الرفيق في رحلتنا .
ونظرا لسوء الأحوال الجوية في مطار إسطنبول اضافة الي احتياطات امنية من مضيفينا علي مااعتقد فلم نتوجه من فورنا الي ديار بكر بالطائرة مقر احتفالية الأكراد ولكننا توجهنا الي انقرة بالباص ولاحظت اننا طوال الطريق لم يستوقفنا اي كمين للشرطة التركية ولم نلتقي باي شرطي علي العكس تماما مما وجدناه في ديار بكر مقر الاحتفالية حيث وصلنا قبل الاحتفالية بيوم فوجدنا المدينة اشبه بثكنة عسكرية فمدرعات الشرطة التركية تنتشر في كل مكان وهو مايعكس مدي القلق التركي من الأكراد .
وفور وصولنا وبعد فترة قليلة من استراحتنا من عناء السفر بدا مضيفينا في أخذنا بجولة شملت معالم المدينة الكردية ديار بكر الأثرية وكذلك راينا السجون التركية التي شهدت فيماسبق اعتقال آلاف الأكراد وتعذيبهم وقتل عدد كبير منهم وسمعنا من سيف الدين وعبد الرازق الذين رافقونا عن كم الوحشية التي يتعامل بها الأتراك مع الشعب الكردي رجالا ونساءا وأطفالا والتي وصلت الي حد قطع ثدي احدي الكرديات اثناء اعتقالها وانتحار بعض النساء الكرديات في السجون هروبا من التعذيب الممنهج ضدهم .
حتي ان مرافقينا ومنهم سيف الدين تم سجنه لمدة عام في فترة شبابه كماان محمد امين قد فصل من عمله بأحدي المستشفيات التركية نظرا لكونه كردي طالب بحقه .
المهم اننا في صبيحة اليوم التالي وهو يوم عيد النيروز الذي يعتبر رآس السنة الكردية توجهنا برفقة مضيفينا الاكراد الي مقر قاعة النيروز لنجد كما كبيرا من الشرطة والمدرعات والاستحكامات الأمنية في طريقنا حيث مررنا بعدد من الحواجز وراينا بأعيننا اصرار الشعب الكردي علي النفاذ من كل هذه الحواجز رغم إلقاء الأتراك قنابل الغاز عليهم بل انه قاموا باعتقال ٢٦٠ شابا حاولوا الدخول والحق ان مضيفينا من ديار بكر كانوا حريصين اشد الحرص علي سلامتنا فقد اعطونا كارنيهات لدخول الاحتفالية وذهبوا بنا بعد بدايتها وأخرجونا قبل نهايتها حتي يقللوا من احتكاكنا بالأمن التركي قدر المستطاع .
والمثير للانتباه انه خلال تواجدنا بمقر الاحتفالية شاهدنا آلاف الأكراد موجودين في مكان شبيه بأستاذ القاهرة وهم يحتفلون علي طريقتهم بالرقصات الفلكلورية الكردية وبالشعارات الكردية التي ينادون بها ( نيروز بيروز ) ولكن اللافت للنظر اننا راينا من المنصة المرتفعة التي كنا نجلس بها راينا أعدادا من الشعب الكردي خارج مقر الاحتفالية يتجاوز عددهم المليون علي اقل تقدير كلهم يحتفلون بطريقة سلمية رغم منعهم من الوصول الي مقر الاحتفال .
والجدير بالذكر ان مالفت نظري هو مدي تعصب الدولة التركية ورفضها الشديد لأي مظهر كردي للاحتفال ومحاولاتها لمنعهم من المشاركة به واعتقال من يرفض ذلك وفي المقابل راينا حرصا شديدا من اكراد ديار بكر السلميين علي المشاركة بازيائهم الكردية المميزة ورقصاتهم الفلكلورية وهتافاتهم الوطنية السلمية .
وعلي هامش الاحتفال التقينا بممثلين عن الاكراد من الاردن من العراق والأردن ولبنان والمغرب وسوريا وتونس ودارت بيننا نقاشات مطولة شمل جزء منها الحديث عن مصر بالطبع حيث سمعنا بآذاننا مدي حب اشقاءنا العرب والأكراد لمصر ولكن جزءا منهم كان لديهم معلومات مغلوطة نتيجة للدعاية المضادة وقد حاولنا انا وزملائي تصحيح هذه المعلومات من خلال النقاش الذي كان يحتد احيانا حتي وصل للتشابك بالأيدي احيانا للاسف وأحيانا اخري كان النقاش بالاقناع يجدي نفعا ، كمااقيمت لقاءات نسوية لمنظمات المجتمع المدني والتقينا أيضا بنواب اكراد من حزب الشعوب الديمقراطي المعارض للسياسة التركية .
واعتقد من جانبي ان سماح الدولة التركية المتعصبة بإقامة هذه الاحتفالية ومشاركة جنسيات اخري فيها ووجود حزب تركي كردي معارض في تركيا ليس سببه ديمقراطية تركيا ولكن هو محاولة إظهار تركيا بشكل حضاري امام المجتمع الأوروبي طمعا في الدخول للاتحاد الأوروبي الذي اعتقد أيضا ان تركيا لن تناله نظرا لمدي تعصبها وقمعها واعتقالها لمن يخالف وجهة نظرها .
أضيف الي ذلك مدي وطنية الاكراد في تركيا ونضالهم المستمر منذ سنوات وحتي الان وتحملهم للقهر والتهجير من منازلهم وهدمها في بعض الأحيان لطرد سكانها وإسكان المقربين من الدولة التركية بديلا عن الاكراد .
وأتساءل من جانبي كيف يتم حرمان العالم من هذه الثقافة الكردية الجميلة وكيف يتم اعتقال وتعذيب أفراد الشعب الكردي المطالب بحقه في العيش بسلام وامان .
ومن خلال جولتي في تركيا والتي استمرت لعدة أيام أستطيع ان اجزم بمدي تعصب الدولة التركية والشعب التركي فهو شعب جامد غير مبتسم وغير مضياف فعندما تذهب الي مكان داخل تركيا تجد اصرار علي الحديث بالتركية ورفضا للحديث باي لغة اخري سواء كانت انجليزية اوعربية وهو مامثل لي ولزملائي عقبة في التواصل حتي في المطار ضاعت علينا رحلتنا في العودة واستمر وجودنا في المطار لمدة ١٤ ساعة حتي موعد الرحلة الاخري بدون طعام أو نقود ولولا تعاطف شخص مصري كريم يتعلم أولاده في تركيا حيث احضر لنا طعاما من بيته لكان موقفنا اصبح صعبا ، أضف الي ذلك ان مضيفينا الاكراد الذين تواصلنا معهم هاتفيا قاموا بحجز تذاكر طائرة جديدة لنا متحملين في هذا تكلفة عالية ، ولولا ذلك لكان موقفي انا وزملائي صعبا جدا .
ختاما فقد عدنا بسلام الي مصر ارض الوطن بلد المحبة والسلام التي تحترم كل الجنسيات وكل اللاجئين علي ارضها والذين يعيشون بيننا كأحد مواطنينا دون تفريق اوتمييز مصر التي تحترم كل الشعوب ومنها الاكراد فلدي مصر ممثلية لاكراد سوريا وممثلية لاكراد العراق .
مصر العظيمة التي سمحت لنا بالذهاب الي احتفالية الاكراد في تركيا حيث خرجنا من مصر وعدنا دون اي عقبات ، مصر التي تهاجمها تركيا بحجة حقوق الإنسان بينما تركيا تنتهك ابسط حقوق الإنسان الكردي في الاحتفال وفقا لمعتقداته ، وتعذب وتسجن وتقتل وتهجر الاكراد من منازلهم ، اتمني ان يعطي الساسة الأتراك للأكراد حقوقهم المشروعة ، ويتوقفوا في المقابل عن التدخل في شئون الآخرين بحجة حقوق الإنسان التي اعتقد انهم بعيدون كل البعد عن فهمها .
wlydalrmaly@gmail.com