الحدث – القاهرة – بقلم المفكر المصري الكبير دكتور محمد سعيد
كانت تشعر بالقهر والجَزع إزاء من يأخذ منها أي شيء تملكه، كما أنها لا ترى مبرراً يدفعها للعطاء، وبلغ حبها لنفسها مبلغاً يدعو للدهشة؛ فكأن حب نفسها فوق كل أنواع الحب الذي يعرفه الناس،وباءت كل المحاولات لإقناعها بقيمة الإيثار بفشل كبير، وما زلتَ ترى التعبير الانفعالي الذي يشير إلى أنها إنسانة تملّك منها حب نفسها حتى أنها لم تعد ترى في حبها غيرها.
يرى علماء النفس أن حب الذات أمر طبيعي للغاية، بل إن حب الذات هو الغريزة التي تعمل على بقاء الإنسان حياً، ولكن القضية التي تشغل علماء النفس أيضاً هي مقدار هذا الحب وعلاقته بأشكال المحبة التي تربطنا بالآخرين. إن العلاقات الطبيعية هي التي يُحدث فيها الإنسان توازناً بين حبه لذاته وحبه للآخرين، بل إن السعي الإنساني في ارتقائه بالنفس البشرية يصبو إلى قيمة عالية من القيم النبيلة التي تحرص عليها المجتمعات الراقية –والأديان من قبلها– وهي قيمة الإيثار، والتي تتجلى في تفضيل الآخر على الذات، مما يستلزم ترويضاً للنفس لكي تطيق إيثار الآخر فتصل إلى منزلة البر الذي يتضمن الإنفاق مما تحب عن طواعية واختيار.
والسؤال الحائر الذي شغل أذهان الناس قديماً وحديثاً: لماذا لا يستطيع البعض الوصول بالنفس إلى هذه القيمة الإنسانية العالية والمتمثلة في الإيثار؟ والجواب يأتي على لسان علماء التربية الذين يرون أن السبب الرئيس وراء ذلك هو عدم تعليم الطفل هذه القيمة منذ الصغر، إضافة إلى الاستجابة المستمرة لرغباته المُلحّة، وإحاطته بمناخ مصطنع من الحب المبالغ فيه، والتدليل الزائد عن حد الاعتدال، وإشعاره أنه مصدر سعادة الأسرة الأوحد، وواجبتلك الأسرة يتقلص في الاستجابة لحاجات الطفل.. ما يصلح منها وما لا يصلح، فيما تطيقه الأسرة وفيما لا تطيقه. وبمرور الوقت يكتسب الفرد حباً ذاتياً مُفرطاً يقوده إلى تطرف في تقدير الذات لا يستطيع التخلص منه على مر الأيام.
إن التوازن في الاستجابة لرغبات الطفل وتعليمه أن يضع الآخرين في اعتباره أمر لازم في التربية السوية، كما تقتضي تلك التربية تعويد الفرد مقاومة رغبات نفسه، وتحمل الحرمان الذي قد تفرضه مقتضيات الحياة الطبيعية.
يذكرني هذا بمقولة الراحل الدكتور مصطفى محمود الذي سُئل يوماً عن الحكمة التي توصل إليها بعد عمر طويل من الحياة الفكرية والروحية والعلمية؛ فقال في إيجاز: “أن تقاوم ما تحب وتتحمل ما تكره“. إن سر وجودنا ليس فيما نحصل عليه وإنما فيما نقدمه، حينها نكون قد فهمنا معنى الحياة بجلالها؛ فالعطاء سر هذه الحياة.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت