الحدث – القاهرة
مقدمة:
يسعدني اليوم ونحن نعلن النتائج المبدئية لبحث ” التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإرهاب”، وذلك بالتعاون والشراكة بين وزارة التضامن الاجتماعي والمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن نلتقي بنخبة من المفكرين البارزين والباحثين والخبراء والإعلاميين المتميزين الذين بذلوا جهودا عظيمة في مجال مكافحة الإرهاب الفكري والمادي، وساهموا بعلمهم وفكرهم في تقوية دعائم الدولة الوطنية الحديثة التي تقوم على الدستور والقانون والمواطنة والمدنية والاقتصاد الإنتاجي والتنمية المستدامة.
كما يسعدني أن أرحب بممثلي المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، الوزارات المعنية، والمجلس القومي لحقوق الانسان ومكتبة الإسكندرية، الذين نعتبر مشاركتهم اليوم وتعليقاتهم على البحث بمثابة اللبنة الأولى لتطويره وبلورة نتائجه.
بدأت فكرة هذا البحث بتكليف رئاسي من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإجراء بحث حول تقدير التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإرهاب في مصر والدول الاسلامية. وإعلان نتائج هذا البحث للمواطنين من خلال وسائل الاعلام المختلفة، ليتعرفوا على الحقائق وحجم الخسائر التي تكبدتها الدولة والمواطنين من جراء موجات الإرهاب المختلفة التي شهدتها مصر.
وبالرغم من المعالجات الفكرية والبحثية الواسعة دوليا ووطنياً لرصد ظاهرة الإرهاب وأسبابه محلياً واقليمياً ودولياً، إلا ان هناك ندرة في الأبحاث العلمية الموثقة التي تناولت حساب تكلفة الإرهاب التي تكبدها المجتمع وتحملتها الدولة. ويعتبر بحثنا هذا، هو الأول في مصر لحساب تكلفة الإرهاب على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية والثقافية في مصر على مدى ثلاثة عقود متتالية، منذ تسعينات القرن الماضي وحتى الآن.
يُعرف القانون المصري العمل الإرهابي بأنه “كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع في الداخل أو الخارج، بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو الخاصة أو أمنهم للخطر، أو غيرها من الحريات والحقوق التي كفلها الدستور والقانون، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي….” (قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015)
وتكمن الخطورة الحقيقة لجرائم الإرهاب في المنظومة الفكرية المتشددة والظلامية التي تبرره وتجعله عملا بطولياً في نظر الشخص الإرهابي والمحيط الذي يشجعه، وهو ما يمكن تسميته “بالحاضنة الفكرية للإرهاب”. هذه المنظومة الفكرية المتشددة والتكفيرية والتمييزية المتغلغلة في بعض قطاعات الثقافة المجتمعية لا تختفي بتوقف الإرهاب المادي. ويظل خطر الإرهاب المادي قائما -حتى ولو اختفى لبعض الوقت – طالما الأساس الفكري لم يزل متوفراً.
وإذا كان الإرهاب المادي قد أزهق الأرواح الغالية من شهداء القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، وكبد الاقتصاد المصري خسائر مادية فادحة وفرصا ضائعة، فان الإرهاب الفكري والمعنوي قد كلف المجتمع المصري الكثير من أمنه وسلامه وتماسكه الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، شكل تحدياً كبير لتقاليد وقيم المواطنة والحداثة للدولة الوطنية، ومعوقاً لمشروعات الإصلاح المؤسسي، والسياسي والتقدم الاجتماعي والتنموي.
ومن هنا، فان مشروع بحث “التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإرهاب” لا يتناول فقط التكلفة المادية للإرهاب، بل يتضمن دراسة تكلفة الإرهاب في أربعة محاور رئيسية هي: الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وتجري في كل محور دراسة تكلفة الإرهاب وأسبابه وسبل المواجهة والتصدي.
ويهدف المشروع إلى تعميق المعرفة في مجال تكلفة الإرهاب، ورفع وعي المواطنين بفداحة تكلفة الإرهاب الفكري والمادي، وتطوير استراتيجيات الحكومة والمجتمع المدني والإعلام في التصدي ومواجهة المنظومة الفكرية المشجعة للإرهاب من جهة، وبناء قيم وثقافة المواطنة وقبول التنوع والاختلاف من جهة أخرى.
الاستراتيجية الشاملة للتصدي للإرهاب
لقد أيقنت الحكومة المصرية ان استراتيجية مواجهة الإرهاب لا يمكنها ان تعتمد على جانب واحد فقط ” أمني أو ديني” وأنها لابد أن تعتمد على التكامل بين كافة الأبعاد الأمنية والقانونية الدينية والثقافية والتربوية والتنموية، والتنسيق الكامل بين كافة الوزارات والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني.
وفي هذا الإطار، تعمل عدد من الكيانات الرسمية كآلية للتنسيق المتابعة بين الوزارات والهيئات المعنية، على رأسها :
اللجنة العليا لمكافحة الاحداث الطائفية بالمجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف.
التقرير الوطني لجمهورية مصر العربية حول مكافحة الإرهاب، الذي يصدر سنوياً عن وحدة مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية.
لجنة الحريات الدينية / اللجنة العليا لحقوق الانسان بوزارة الخارجية
استراتيجيات وزارة التضامن الاجتماعي للتصدي للإرهاب
ان الدور المنوط بوزارة التضامن الاجتماعي في التصدي للإرهاب حساس ودقيق للغاية، لأنها الوزارة التي تتعامل من الفئات الاجتماعية الأكثر احتياجاً وهشاشةً. ولا تكاد تخلو دراسة وطنية أو دولية عن أسباب الإرهاب من ذكر الفقر والتهميش الاجتماعي بوصفهما من الدوافع المحفزة لتبني الأفكار المتشددة وايدولوجيا الإرهاب وخاصة وسط النشء والشباب.
وتعتمد استراتيجيات وزارة التضامن على عدد من العناصر المباشرة وغير المباشرة، نذكر منها ما يلي:
أولا : التوسع في مظلة الحماية الاجتماعية ، وتنمية شعور المواطن بالأمن الاجتماعي:
فخلال الثلاث سنوات الماضية، توسعت وزارة التضامن الاجتماعي في مد مظلة الحماية الاجتماعية للأسر الأولى بالرعاية من أجل تحسين مستوى معيشتهم وربطهم بشبكات الحماية الاجتماعية، والتي تشكل اللبنة الأولى في تنمية شعور المواطن بالأمان والتكافل الاجتماعي ضد شعور التهميش والانعزال.
وفي هــذا الإطار، فقد ارتفعت أعــداد الأســـر المستفيدة من برامج الدعــم النقــدي المشروط “تكافل وكرامة ” لتصل في عام 2020 إلى 3,81 أسرة بزيادة قدرها 523 ألف أسرة عن العام السابق. كما ارتفع إجمالي المستفيدين من 1,75 مليون مستفيد عام 2015 إلى 3,8 مليون مستفيد بنسبة 118% كما ارتفعت الموازنة المخصصة للدعم النقدي من 6.9 مليار جنيه في عام 2015 إلى 19 مليار في عام 2020 بنسبة 175% .
كما حرصت وزارة التضامن على مبادئ تكافؤ الفرص التعليمية لتعزيز العدالة الاجتماعية وتبنت منهج الدعم النقدي المشروط مما يُلزم الأسر بتوجيه الدعم إلى الاستثمار في رأس المال البشرى من خلال المشروطية التعليمية والصحية. ويبلغ عدد الأطفال المستفيدين من البرنامج 5 مليون طفل بنسبة 44% من إجمالي أفراد الأسر.
وقد خصص الرئيس عبد الفتاح السيسي ميزانية تقدر بمليار جنيه لدعم طلاب الجامعات من الأسر المستفيدة من برنامج تكافل وكرامة ، وبذلك يكون قد تم دعم كافة أطفال وشباب هذه الأسرة تعليمياً من فترة الحضانة وحتى الجامعة.
كما خصصت وزارة التضامن حزمة من تدخلات الحماية الاجتماعية في شمال سيناء
شملت إضافة 6000 أسرة أولى بالرعاية إلى برنامج الدعم النقدي المشروط، بزيادة قدرها 35% عن الأسر المسجلة في محافظة شمال سيناء. وإصدار 2000 ” بطاقة خدمات متكاملة ” للأشخاص ذوي الإعاقة، بإجمالي 92 مليون جنيه. وتدريب الشباب من أبناء سيناء على صيانة الأجهزة التعويضية للأشخاص ذوي الإعاقة. وكذلك تخصيص حوالي 6000 بطاقة تموين. وتخصيص 80 مليون جنيه سنوياً مساعدات للأسر المتضررة من جراء الإرهاب.
وفي مجال التعليم: تخصيص 3 مليون جنية لرعاية الطلاب الجامعيين المغتربين من شمال سيناء، وكذلك تخصيص منح دراسية لــ10 الاف طالب
وطالبة لتغطية المصروفات الدراسية لهم. ودعم مركز التكوين المهني بالمحافظة بمبلغ 2 مليون جنية. وتجهيز المدن الجامعية للطلاب لتشجيعهم على الاستمرار في الدراسة.
وفي مجال التمكين الاقتصادي : تخصيص 3000 قرض من بنك ناصر الاجتماعي وبرنامج فرصة بوزارة التضامن بإجمالي 20 مليون جنيه، للتمكين الاقتصادي للشباب والسيدات.
وخلال أزمة الكورونا تحملت وزارة التضامن صرف اعانات شهرية للصيادين تعويض لهم عن توقف العمل بمبلغ 20 مليون جنيه سنوياً.
وقد خصصت وزارة التضامن الاجتماعي 130 مليون جنيه في العامين السابقين لتغطية تكلفة تعويضات ضحايا الحوادث والأزمات الطائفية والإرهاب.
ثانيا: دعم الأبحاث الاجتماعية التي تعمق المعرفة العلمية حول أسباب التطرف والإرهاب وعلاقتهما بالتنمية، وتساهم في رسم السياسات العامة والتدخلات الخاصة بالمواجهة على أساس علمي قائم على الدليل.
دراسة ميدانية حول “الاحتياجات التنموية لمحافظة شمال سيناء ومراكزها الستة “، قام بها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (2021).
“التنمية وتعزيز قيم المواطنة في صعيد مصر … دراسة حالة لبعض قرى المنيا”. وترصد الدراسات أسباب التشدد والعنف الديني في ريف المنيا واستراتيجيات المواجهة، قام بها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (2021).
بحث التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإرهاب في مصر والدول الإسلامية، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (جاري العمل)
ثالثا: البرامج والتدخلات التنموية للتصدي للتطرف والإرهاب وتعزيز قيم المواطنة واحترام التنوع
تبنت وزارة التضامن الاجتماعي منذ ثلاث سنوات عدداً من المشروعات والمبادرات التنموية الهادفة إلى دمج مكون قيم وثقافة المواطنة وقبول التنوع الديني والثقافي فـي البرامج التنموية “الاقتصادية والبيئية والثقافية” المختلفة في المناطق الأكثر فقراً وتعرضاً لخطر التطرف، والاحداث الطائفية والإرهاب.
تقوم هذه البرامج على استراتيجية أساسية تسعى إلى دمج كافة المواطنين من خلفيات ” دينية وثقافية وعرقية واجتماعية مختلفة ” في أنشطة التنمية وخدمة المجتمعات المحلية، وذلك من أجل التوعية بثقافة المواطنة بصورة عملية مُعاشة. وتعتمد استراتيجيات وزارة التضامن الاجتماعي أيضاً على دعم الجمعيات الأهلية مادياً وفنياً لتكون شريكاً لها في تنفيذ هذه المبادرات في المجتمعات المحلية. من أهم تلك المبادرات ما يلي:
برنامج تعزيز قيم وممارسات المواطنة في القرى الأكثر تضرراً من الأحداث الطائفية بمحافظة المنيا، والذي يعمل في 44 قرية من القرى “الأكثر تضرراً من التطرف والأحداث الطائفية” منذ سبتمبر 2020. وتنفذ الوزارة العمل في هذه القرى عن طريق الدعم الفني والمادي الذي يبلغ 12 مليون جنيه، والمقدم من صندوق دعم الجمعيات الأهلية إلى سبع جمعيات أهلية كبيرة، تتعاون بدورها مع شبكة كبيرة من الجمعيات الأهلية المحلية في القرى. وذلك بالتنسيق مع ديوان عام محافظة المنيا والوزارات ذات الصلة.
نجح هذا البرنامج في تعزيز إجراءات الحماية الاجتماعية والدمج الاجتماعي للمواطنين من كافة الخلفيات الدينية والاجتماعية، وتنمية الوعي لدى الأطفال والشباب بقيم المواطنة واحترام التنوع وخاصة من خلال الانشطة الفنية والزيارات للمواقع الحضارية والأثرية.
التعاون بين وزارتي التضامن الاجتماعي والثقافة في دعم المرحلة الثانية من مسرح التجوال والمواجهة في القرى، من أجل أن يصل المسرح إلى كافة القرى والنجوع المحرومة من خدمات الثقافة والتوعية. ويهدف مسرح التجوال والمواجهة إلى بناء الشخصية المصرية وتنمية الوعي من خلال
المسرحيات الفنية الهادفة والتي تتضمن رسائل تنويرية لمجابهة الأفكار المتطرفة والتعصب الديني والاجتماعي. بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الرسائل الاجتماعية التي تدعم حقوق المرأة والطفل وقيم العمل والمبادرة والمشاركة الاجتماعية للشباب. استهدفت المرحلة الثانية من مسرح المواجهة والتجوال تقديم 325 ليلة عرض في 20 محافظة.
مبادرة وعي من أجل التنمية والحياة الكريمة والتي تهدف إلى تطوير الوعي ودعم الاتجاهات الإيجابية المجتمعية الخاصة بالتنمية المجتمعية والتكامل الوطني في مراكز وقرى حياة كريمة. وتعتمد على استراتيجية تكوين كوادر دينية إسلامية ومسيحية ومجتمعية وإعلامية وتمكينهم من التواصل مع الجمهور برسائل علمية وثقافية ودينية وقانونية متكاملة وموحدة. وذلك بالتنسيق مع كافة المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية والجمعيات الاهلية.
في النهاية أتمنى ان نستفيد من يومنا هذا بنقاشات جادة حول النتائج الأولية لبحث التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للإرهاب، تصب في تطويره وبلورة نتائجه. كما أتمنى الانتهاء منه في وقت قريب ليكون إضافة معتبرة في معركة الدولة والمجتمع ضد الإرهاب بكافة أشكاله.