دكتور محمود زايد يكتب : حزب الشعوب الديموقراطي والإقصاء الأردوغاني
157
3 سنوات مضت
الحدث – القاهرة
ما يجذبني للكتابة عن حزب الشعوب الديمقراطي ليس فقط لأنه يختلف في بعض أدبياته عن كل أحزاب العالم باستثناء بعض الأحزاب في شمال وشرق سوريا، وإنما لنجاحه وقدرته واقعيًّا تطبيق بعضَ هذه الأدبيات المتفردة، بداية من رئاسته حتى أصغر عضو في قاعدته، مع ما تكتنفه من غرابة وصعوبة قبولها في مجتمعاتنا الشرق أوسطية التي اعتمد بعضها طيلة تاريخه على الحكم الأوحد، والتسلط الذكوري، والتلقي من أعلى، وانتظار توجيهات الزعيم الملهم أو السلطان القابع على العرش، ظل الله في الأرض!
إن حزب الشعوب الديمقراطي بأغلبيته الكُردية وُلِدَ قويًّا (2012م)، بعد عدة مخاضات عسيرة تمكنت من القفز على صعوبات وعقبات واجهت إخوانه السابقين، فلم تمر بضعة سنوات قليلة حتى أصبح أحد أهم أحزاب المعارضة في تركيا، ووصل عدد أعضائه في البرلمان في انتخابات 2015م إلى 80 عضوًا بنسبة تزيد قليلا عن 13% من مقاعد البرلمان التركي، وأعضاؤه في اشتباك سياسي وقضائي دائم مع نظرائهم من حزب أوردغان، وبالتالي تم فصل عدد من نواب (HDP) من البرلمان وسجن آخرين، ومع ذلك لا يزال حزب يقاوم ويعارض لما يعتبره استبدادًا وذهابًا بتركيا إلى أوضاع سياسية واقتصادية صعبة، مبرهنين بحالة التردي الأخيرة للاقتصاد التركي وانهيار الليرة أمام الدولار.
إن الحزب فيما يسعى إليه ثقافيًّا ومجتمعيًّا وسياسيًّا يعد ثورة ذهنية جديدة على منطقتنا، يقول إن هدفه في ذلك إنقاذها من الاستبداد والحكم المطلق بتجذير الإدارات المحلية والحكم الذاتي الديمقراطي، وانتشال مجتمعها وشعوبها من الرجعية الغائصة فيها، وكذلك تقليم أنياب الذكورية المتجنية على كينونة المرأة التي لم تحظَ بحقوقها منذ الأزل، وذلك بالمناصفة في تحمل المسؤولية بينها وبين الرجل، ولذلك تم ابتكار مصطلح “الرئاسة المشتركة”، بمعنى أنه لا يوجد منصب سياسي أو إداري إلا ويرأسه رجل باسم “الرئيس المشترك”، وإمرأة باسم “الرئيسة المشتركة”، وهذا مطبق على أرض الواقع حاليا في نطاق حزب الشعوب الديمقراطية في تركيا، وأيضًا في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
ما سبق وغيره يتم تحت مظلة كبيرة فلسف لها عبد الله أوجلان بهدف خلق “شرق أوسط ديمقراطي” لا تكون شعوبه مرهونة لأحزاب النظام الحاكم، ولا قابلة لسياسة القطيع، وإنما إلزامية العمل لتأسيس عالم حر جديد يضمن مساواة الشعوب، ويكون خاليا من الحروب والاستغلال، وبالتالي لابد من مواجهة كافة أشكال الإمبريالية المتوغلة في العالم وفي أدغال المجتمع الشرق أوسطي.
في رأيي: إن النجاح السريع لـ (HDP) مبعثه بالأساس الفلسفة التي قام عليها المعتمدة على ما دشنه عبدالله أوجلان في كتاباته ومرافعاته فيما يتعلق بمقرطة الشرق الأوسط من خلال العمل والمساواة والحرية والسلام والعدالة للجميع حتى لا يكون في المجتمع مضطهدون ومهمشون على اختلاف معتقداتهم الدينية وتوجهاتهم السياسية والثقافية. ودافع ذلك أن الحزب يؤمن بأن مشكلات الإنسان أيًا كان جنسه أو دينه، مرتبطة ببعضها، بمعنى إذا تعرض شخص ما للظلم في مكان ما فإنه حسب أدبيات الحزب لا يمكن لأي أحد أن يكون حرًا أو يشعر بالمساواة.
طبيعي جدًا ألا يعمل مثل حزب الشعوب الديمقراطي بأهدافه وفلسفته تلك في ظروف عادية ولا في أجواء مقبولة، بل إنه يواجه أشد أنواع المواجهات من قبل حزب العدالة والتنمية والسائرين في ركابه على مدى العشر سنوات الماضية. إن ولادة (HDP) بأغلبيته الكردية القويّة لم ترق للحزب الحاكم في تركيا، ضاربًا عرض الحائط بقانونية وجوده، وبقاعدته العريضة، ونجاحات وإنجازات أعضائه الذين تولوا – قبل إقصائهم – مسؤوليات بعض البلديات والمؤسسات في جنوب شرق تركيا، لاسيما ديار بكر (آمد).
إن حزب الشعوب الديمقراطي يمرّ اليوم بحملة إقصائية شرسة من أوردغان وحزبه. فهل ستخضع يد القضاء الدستوري في تركيا للدعوة المرفوعة من قبل الحزب الحاكم لضغوطات السلطان بتجميد نشاط (HDP) وغلقه؟ أم إن العدل سيأخذ مجراه ويرفض هذه الدعوة بسبب عدم قانونيتها؟!