“بعد تصعيد فاشل آخر في سوريا، أصبح الرئيس التركي أردوغان معزولًا بشكل متزايد في الخارج ويخضع حكمه لمحاسبة في الداخل”، هكذا وصف مقال تحليلي للكاتب والمحلل الأمريكي، كون هالينان، موقف رئيس النظام التركي “الذي فشل في وقف الحصار والتصعيد في إدلب”، معتبرا إن مغامرته الجديدة في سوريا تهدد بتصاعد “المقاومة المحلية” المتنامية لحكمه الإستبدادي.
واستعرض الكاتب تطورات التصعيد العسكري الاخير في إدلب الذي خسر فيه الجيش التركي عشرات الجنود، مشيرا إلى أن معلومات موثوقة تشير إلى أن طائرات عسكرية روسية هي من استهدفت كتيبة مشاة ميكانيكية تركية مكونة من حوالي 400 جنديا، على الرغم من انكار الروس تورط طائرتهم، حيث ألقى الأتراك باللوم على دمشق، لكن كما جرت العادة كانت “الحقيقة هي أول ضحية للحرب”.
وأوضح الكاتب إن عدم وجود غطاء جوي أجبر القوات والمعدات التي حشدتها تركيا على الانسحاب. لكن الجبهة الداخلية تزداد اشتعالا.
واشار المقال إلى أنه قبل الأزمة الحالية كانت المعارضة التركية تطالب أردوغان بإطلاع البرلمان على الوضع في إدلب، لكن حزب العدالة والتنمية التابع للرئيس رفض هذا الطلب. فيما دعت جميع الاحزاب المعارضة إلى مفاوضات مباشرة في سوريا.
“أبرمت تركيا اتفاقية مع روسيا في عام 2018 للسماح لتركيا بإنشاء مراكز مراقبة في إدلب إذا تعهدت بعدم دعم المتطرفين مثل هيئة تحرير الشام، لكن أنقرة سهلت دخول هذه الجماعات إلى سوريا منذ بداية الحرب ، مما أعطى لهم حرية المرور وتزويدهم بكميات هائلة من المواد الكيميائية لصنع القنابل. على أي حال، قام المتطرفون بالقضاء على أي جماعات معارضة “معتدلة” قبل سنوات.” ونقل المقال تصريحات عدد من قادة الاحزاب التركية الذين أكدوا ان تركيا لم تستطع فصل العناصر التي تصفها بالمعتدلة عن “الراديكاليين”، موضحين إن إدلب أصبحت معقلا للإرهابيين تحت حماية أردوغان.
واشار الكاتب الأمريكي إلى أن أردوغان قام بسجن العديد من اعضاء البرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطي وعزل رؤساء البلديات الكرد، كما تم سجن عشرات الآلاف من الأشخاص، وعزل عشرات الآلاف من وظائفهمن وتم إسكات وسائل الإعلام إلى حد كبير من خلال القمع المباشر، حيث سجنت تركيا عددًا أكبر من الصحفيين من أي بلد في العالم، أو من خلال ملكية رجال أعمال مؤيدين لأردوغان لوسائل الإعلام. كما أدخل أردوغان البلاد في الحرب السورية التي تبدو كمستنقع لا يعرف كيف يخرج منه، فالحرب مكلفة في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من مشاكل اقتصادية خطيرة. البطالة مرتفعة، وتستمر الليرة في فقدان قيمتها.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأتراك، نحو 57 بالمائة، يهتمون بالاقتصاد أكثر من الإرهاب، وقبل الحادث الأخير عارض أكثر من نصف السكان أي تصعيد للحرب.
وتابع الكاتب: “في هذه الأثناء تبدو تركيا معزولة بشكل متزايد. دعا أردوغان إلى جلسة طارئة لحلف الناتو في 28 شباط/ فبراير، لكنه حصل على دعم “معنوي”. حيث لا يريد حلف الناتو أي علاقة بسوريا، وبالتأكيد لا يريد مواجهة مع روسيا ، خاصة وأن العديد من أعضاء الحلف غير مرتاحين لتدخل تركيا في سوريا. في أي حال، تركيا ليست تحت الهجوم. فقط جنودها، الذين يحتلون أجزاء من سوريا في انتهاك للقانون الدولي، هم المهددون”. كما استبعد الأمريكيون إقامة منطقة حظر طيران فوق إدلب.
لا يتعرض أردوغان للضغط من قبل المعارضة فحسب، بل من قبل حزب الحركة القومية داخل الائتلاف الحاكم والذي يعبر عن اليمين المتطرف في تركيا، ويريد من أردوغان أن يدخل الاتراك مع جيشهم إلى دمشق. لكن أردوغان لا يعتزم السير في العاصمة السورية، حتى لو استطاع. يريد أردوغان أن تكون تركيا لاعباً إقليمياً، وتبقي أنقرة أجزاء محتلة من سوريا على الطاولة، ولكن هذا الخط من التفكير هو الآن تحت الحصار في تركيا.
“إن حلفاء تركيا في الحرب الأهلية السورية غير مؤثرين إلا إذا قادهم الجيش التركي وبدعم منه. لكن بدون غطاء جوي، فإن قدرة الجيش التركي محدودة بشدة فيما يمكن أن يفعله، والروس يفقدون صبرهم. ترغب موسكو في إنهاء الحرب السورية وإعادة جزء من جيشها للوطن، وأردوغان يجعل ذلك صعباً.”
يمكن أن تكون موسكو صعبة أيضًا، وهذا ما ستكتشفه تركيا قريبًا، حيث يرتبط البلدان ارتباطًا وثيقًا في مجال الطاقة، ومع فرض العقوبات الأمريكية على النفط والغاز الإيرانيين، تعتمد أنقرة أكثر فأكثر على مصادر الطاقة الروسية. قامت روسيا للتو ببناء خط أنابيب الغاز TurkStream الجديد عبر البحر الأسود، وتقوم ببناء محطة للطاقة النووية لتركيا. لا يمكن لأردوغان أن يذهب بعيداً في عزلته مع روسيا.
بعد أن تعثر أردوغان في سوريا الضغوط التي يتعرض لها في الداخل، أصبحت خيارات أردوغان محدودة بشكل متزايد. قد يحاول تصعيد التدخل التركي في سوريا، لكن المخاطر كبيرة لذلك. لقد أطلق العنان للاجئين في أوروبا، لكن لم يذهب كثيرون، وأوروبا تمنعهم بوحشية. قد ينتقل إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة قبل أن يتآكل تأييده الداخلي، لكنه قد يخسر تلك الانتخابات، خاصة وأن حزب العدالة والتنمية انقسم إلى حزبين. وأظهر استطلاع حديث للرأي أن 50 بالمائة من الأتراك يقولون إنهم لن يصوتوا لأردوغان. أو يمكنه العودة إلى سياساته “الناجحة” قبل عقد من الزمن “بعدم وجود مشاكل مع الجيران”.