كثيرة هي الساعات التي نقضيها أمام المرآة نفكر ونتردد كثيراً أي شيء نرتدي لهذه المناسبة أو تلك الزيارة أو السهرة، وتذهب بنا أفكارنا عميقاً نبحث عن أفضل ما سيكون عليه شكلنا إن ارتدينا هذا الفستان أو البلوزة أو القميص، أو كانت الألوان متناسقة أم لا؟ وهكذا ندخل دوامة هذا أم ذاك وأيهما الأجمل والأفضل كي نبدو فيه في أبهى شكلاً وصورة. وبين كل هذه الأسئلة والتردد دائماً ما ننصدم بالصورة التي غير موجودة إلا داخل عقليتنا وذهنيتنا والتي لا تمثل الواقع في كثيراً من الأحيان.
حالة من النفسية والمشاعر نعيشها منذ نعومة أظافرنا وحتى مماتنا أو يمكن القول من مرحلة الطفولة نوعاً ما حتى اللحد، وما نزال نفكر طول هذه المدة والفترة في الألبسة والأزياء التي تناسب ذوق الآخرين في المقام الأول وبعدها نفكر بما نريده نحن في أضعف الإيمان. مرحلة طويلة من العمر نعيشها ولكن ليس كما نريدها نحن النساء، بقدر ما هي مرحلة نعيشها مغتربات عن ذاتنا فقط من أجل إرضاء الآخر، إن كان أخاً أو أباً أو زوجاً أو حتى صديق/ة. هذه المرحلة الطويلة من العمر التي نبحث فيها بشكل مستمر عن تناسق الألوان عمّا سوف نلبسه لفترة محددة من الساعات وبعدها نرميه في خزانات تجميع الألبسة حتى يحين موعد لبسها الثاني، أو نحاول شراء موديل جديد رأيناه عند إحدى صديقاتنا أو في واجهة أحد المحلات.
كل هذا التفكير في الألبسة جعلنا نبتعد نوعاً ما عن اهتماماتنا الأولية والرئيسية التي هي أساس تشكل شخصيتنا وتفكيرنا ووعينا وحتى إدراكنا. الاهتمام بالشكل على حساب الجوهر أوصلنا لحالة من التردي الفكري والتحليلي جعل من ذاتنا أسيرة لكثير من العقليات التي هي أيضاً لا تختلف عنّا بشيء سوى بذكوريتها الفظة والتي يهمها في المقام الأول في كيفية إثارة غرائزها عن طريق ما سنرتديه.
وبكل تأكيد أن الشركات المصنعة وأرباب العمل الذين لا يفكرون إلا بالربح الأعظمي يحاولون استغلال المرأة في الترويج لمنتوجاتهم بمختلف أنواعها وأشكالها، ويبتكرون ألف حيلة وحيلة كي يوهموا النساء لشراء ما تهمها الشركات وما يبحث عن أرباب العمل من الثراء السريع والفاحش على حساب سذاجتنا وسطحيتنا في نظرتنا للحياة. هذه الشركات ومن أجل أن تبيع ما تصنعه تعمل كل ما في وسعها في استغلال النساء وحتى إن تم تعريتهن من أجل زيادة الإغراء والترغيب والإقبال على الشراء. فالمنتج موجه أساساً للمرأة ولكن عن طريق اللعب بغرائز الرجل وشهوته، وهنا تكتمل الحلقة في عملية التسويق والترويج النسوي الرائج في وقتنا الراهن على أوسع نطاق. وطبعاً إيصال المرأة لحالة من السكر لمجرد أن يكون بمقدورها عمل شوبينج من أي ماركة وخاصة إن كانت إقليمية “بيروت” أو دولية “باريس”، حينها يمكن القول أن المرأة تعيش قمة الفرح والسعادة لمجرد أن تقول لأصحابها أنها عملت شوبينج من فلان مكان أو محل أو ماركة. وكأن أبواب الجنة قد فتحت على مصراعيها، وما تبقى ليذهب للجحيم.
هكذا ضحكوا علينا وأوهمونا أننا النسوة حياتنا هي فقط من أجل أن نزرع الفرح عند الزوج وذلك عن طريق اشباع رغباته التي لا تنتهي، وإن انتهت فإنه لا يفكر إلا بامرأة ثانية ليعيد الكرة ثانية مع واحدة أخرى. خدعونا أن من نامت وزوجها غير راضٍ عنها، فإن الملائكة ستلعنها حتى تستيقظ. ولكن ماذا لو نامت هي وغير راضية عن زوجها، فهنا يكون العيب والحرام ولا يمكن حتى مجرد التفكير بهذه الأوهام التي ما هي إلا وسواس الشياطين.
بكل تأكيد أن الجمال الشكلي أمر هام وينبغي على الجميع أن يهتم به لأنه ثمة علاقة قوية ما بين الشكل والجوهر، ولكن ألا يكون أحدهم على حساب الآخر. الجوهر هو أيضاً مهم جداً وينبغي الاعتناء به كثيراً وصقله باستمرار ليكون في أنصع حالاته. القراءة والكتابة يمكن اعتبارهما من أهم الأدوات التي يمكن من خلالهما الاعتناء بالجوهر مع ارتباطهما بالأخلاق المجتمعية المحددة لشكل العلاقات ما بين الأفراد ضمن المجتمعات. بكل تأكيد أنني لست الاهتمام بالشكل ولكن ما وصلت إليه الآن بعد زمان لا بأس به في الاهتمام بالشكليات التي جعلت مني دمية لا أكثر، هو أنني اغتربت كثيراً عن ذاتي التي أحاول الآن استعادتها وإن كان قد مضى الوقت نوعاً ما. لكن العودة إلى الذات في منتصف الطريق أيضاً يعتبر نصف النجاح والتوقف في السير على درب الاغتراب المجتمعي والثقافي الذي لا يمكن للإنسان أن يعيش من دونه.