الحدث – القاهرة
مع تهيئة الأرضية والظروف في المنطقة والعمل على تبلور وتشكيل نظام إقليمي بعد الحرب العالمية الأولى، تم تطبيق سياسة فرق-تسد البريطانية حينها تقسيم الشعوب والمناطق العربية إلى 22 دولة وكذلك تقسيم الكرد والمناطق ذات الغالبية الكردية (كردستان) إلى أربعة أجزاء أكبرها في تركيا ثم إيران والعراق وسوريا، وذلك لإيجاد مشهد إقليمي بعيد عن إرادة ومصالح الشعوب الأصلية و تأمين ظروف مساعدة و مهيئة تناسب وتخدم أجندات النظام العالمي وهيمنتها ونهبها للمنطقة، و التي تركزت ومازالت على إيجاد إسرائيل وحمايتها وأمنها وكذلك التحكم بالمنطقة ودولها وشعوبها ومواردهم المختلفة وعدم السماح لنشوء أو بناء وتكوين أية سياقات ذاتية مجتمعية ديمقراطية لمجتمعات وشعوب المنطقة سواء من النواحي السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العسكرية والتي تبحث عن حل القضايا وأزمات المنطقة استناداً لقيم المنطقة التي تحافظ وتصون التعدد والتنوع وثقافتها ووحدتها وتكاملها الكلي الديمقراطي والحر بعيداً عن المسارات المرسومة والمحددة والحداثة المصطنعة من قبل نظام الهيمنة العالمية لكون هناك سياقات ومسارات متواطئة وسلطوية وتابعة ولها أولويات بعيدة عن مجتمعات وشعوب المنطقة كالتيارات القوموية الأحادية الفاشية والإسلاموية الإرهابية والليبرالية الفردانية الانتهازية.
لقد تم ضم القسم الأكبر من الكرد وموطنهم كردستان إلى الدولة التركية الحديثة المنشأة والتي تجسد أحد أهم الأدوات الوظيفية لنظام الهيمنة العالمية في المنطقة، و ذلك لكي يتم السيطرة على القرار والدولة التركية وأحزابها وتوجه بوصلة الحكومات فيها وتغييرهم حسب الحاجة والمرحلة وعبر ذلك التحكم بالمنطقة، وكذلك تم في المنطقة فرض أنظمة حكم سلطوية ودولتية ومنهجيات سياسية وثقافية واقتصادية وتيارات متواطئة لزوم فرض وتمكين حداثة النظام المهيمن ونمط تفكيره ومنطق المقاربات الاستغلالية وبالمجمل فرض حياة مصطنعة ونضال سياسي واجتماعي وثقافي تحت تأثير الفكر الاستشراقي أو الهيمنة الفكرية للمدنية الأوربية أو الغربية.
ضمن المجتمع الكردستاني والشعب الكردي ونتيجة لحالة الإبادة الجماعية الفريدة المطبقة من قبل تركيا المدعومة من قبل نظام الهيمنة العلمي وإنكار وعدم الاعتراف بالوجود والحقوق الطبيعية لكرد من قبل تركيا و الأنظمة القومية الأخرى، كان لابد من الرد الطبيعي و المجتمعي والشعبي أمام هذا الإنكار والتصفية لكل ما هو كردي أو معارض، فظهر سياق نضالي ذاتي ديمقراطي واجتماعي شامل للأمة الكردية منذ 1973 بقيادة القائد والمفكر عبدالله أوجلان وبدء بتصاعد ملحوظ وبخطوات ثابتة عززتها الاستناد إلى براديغما ديمقراطية وذهنية مشتركة وإرادة حرة تعبر عن المجتمع والشعب الكردي وحقوقه العادلة في إدارة وحماية مناطقه و تشمل هذه البراديغما المجتمع الديمقراطي وحرية المرأة والثورة البيئة وأخوة الشعوب رغم كل الصعوبات و وجود العديد من التيارات المتواطئة المحلية والإقليمية التي حاولت مع قوى الهيمنة العالمية ودولة الاحتلال التركية سد الطريق ومنع الظهور الجديد الذي تجاوز البعد الكردي بفكره وسلوكه وأهدافه الديمقراطية إلى سياق ومسار للنضال الحر والتحول الديمقراطي وبناء الديمقراطية لشعوب المنطقة ودولها.
ولكون تقسيم الشعب العربي وتشكيلة الدول العربية تم مع تقسيم الكرد وتشكيل تركيا وكذلك العديد من بؤر التوتر والدول الوظيفية والقضايا العالقة التي تم فرضها، تعتبر مرتكزات وأعمدة استناد للهيمنة العالمية واحتكارها، فلا يسمح بتخريب أو إنشاءات مختلفة أو مقاربات جديدة لهذه الوقائع المصطنعة والمفروضة وللدول القومية التي تم اختراعها، وإن تم فتحاول قوى الهيمنة العالمية ومؤسساته الدولية وحلف الناتو تدوير الزوايا وترويض المزعج والفاعل الجديد وإلا يكون هناك تعامل شديد واسلوب قاسي وتحت اسم القوانين والشرعية الدولية والإقليمية التي يمكن وضعها وتوظيفها حسب أهداف ومصالح القوى المركزية في النظام العالمي والإقليمي.
للقضية الكردية أهمية كبيرة في تشكيل وتبلور أي مشهد سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي جديد على مستوى منطقة الشرق الأوسط وتعلم دول العالم والمنطقة ذلك ومنها الدولة التركية ولكنها تعاني من سلطة فاشية و ماهية قوموية أحادية وبنية سلطوية دولتية تمتلك نظرة قاصرة وتفتقر لقراءة ورؤية صحيحة وسليمة للتعامل مع الشعب الكردي وحقوقه وكذلك مع شعوب ودول المنطقة .
في الأزمة السورية ورغم التدخلات الكثيرة ذات الأولويات غير السورية والمصالح والمشاريع الإقليمية والدولية التي تستهدف إرادة الشعب السوري ووحدته وأرضه وقيمه الاجتماعية والأخلاقية، ومع غياب سلطات الدولة السورية نتيجة الضعف وحالة الفراغ وحاجة الناس وتشظي المعارضات واختلافاتها وضياع البوصلة الوطنية السورية من قبل النظام والمعارضة نتيجة اعتمادهم على الخارج، تم بناء مشروع وطني ديمقراطي سوري من قبل الشعب الكردي والعربي والمكونات المختلفة في شمال وشرق سوريا وهو مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية لحل الأزمة السورية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تمثلت في إرهاب داعش و الاحتلال التركي الذي تجاوز على السيادة وسلامة ووحدة الأراضي السورية إضافة إلى التدخلات الأخرى.
منذ بدء أحداث الأزمة السورية عام 2011 كانت لتركيا مقاربة سلبية تهدف إلى التجاوز على إرادة الشعب السوري وأرضه واحتلال عاصمته وتمكين أدواته من الإخوان ومشتقاتها والصلاة في الجامع الأموي في دمشق كما قاله أردوغان. لكن المقاربات والتفاعل الإقليمي والدولي مع الأزمة من قبل إيران وروسيا وأمريكا والاتحاد الأوربي والدول العربية جعل الهدف التركي مستحيلاً وخاصة مع التدخل الروسي لجانب النظام عام 2015، وهنا حصلت استدارة تركية جعلت هدفها الأول بدل اسقاط النظام السوري هو القضاء على الوجود الكردي في الشمال السوري عبر الاحتلال وممارسات التطهير العرقي و التغيير الديموغرافي كما حصل في عفرين وغيرها واحتلال أراضيهم وطردهم منها وتهجيرهم والعمل على تتريك المناطق واستبدال السكان و بناء مستوطنات وذلك عبر خلق حجج ومبررات وهمية وكاذبة تحت اسم “الأمن القومي التركي” و”المخاوف التركية” التي لا تمت للحقيقة بصلة وبذلك عمل لاحتلال إدلب والباب وسري كانيه(رأس العين) و كري سبي (تل أبيض) بمعنى العمل لتطبيق الميثاق الملي في سوريا والعراق لتكون خطوة لتطبيق “العثمانية الجديدة” التي تستهدف كل المناطق والدول العربية بالإضافة إلى تصفية الكرد و القضاء على حركة حرية كردستان و احتلال مناطقهم كخطوة أولى.
ركزت المقاربة الدولية للأزمة السورية على مواجهة خطر وإرهاب داعش بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية التي لها الفضل الأول في هزيمة داعش في سوريا وتحقيق الاستقرار في مناطقها الحفاظ على السلم الأهلي والتي دافعت عن السيادة ووحدة الأراضي السورية أمام الاحتلال التركي في الوقت الذي لم يكن للنظام السوري أولوية سوى الحفاظ على حكم وكرسي الرئيس بشار الأسد في دمشق. وكما تبنت المقاربة الدولية قرار دولي تم اتخاذه بإجماع دولي في مجلس الأمن عام 2015 وهو القرار (2254) لحل الأزمة السورية عبر دستور جديد وانتخابات وهيئة حكم انتقالي تحت الاشراف الدولي وهيئات الأمم المتحدة، رغم أن القرار الدولي لم يتلقى الدعم و التجاوب الكافي من النظام العالمي وأقطابه وحتى الآن لتطبيقه وذلك لأن المنظومة الغربية ركزت على حرب داعش وقضايا دولية واهتمامات أخرى رأتها أهم من الملف السوري وبذلك تراجع الاهتمام أو ربما تركت القضية السورية لتكون مستنقع لروسيا وتركيا وإيران أو كورقة لحين اللزوم والاستخدام ريثما تكون هناك ظروف مناسبة. وأما أن السياق الذي تم بنائه كمنافس لسياق ما يسمى الشرعية الدولية ومسار جنيف في عام 2017 من قبل روسيا وإيران وتركيا والذي يسميه السوريين “مسار الصفقات أستانة” كان يبتعد عن حل الأزمة السورية وفق القرار الدولي وأهداف الثورة السورية بل كان محاولة التفاف من قبل هذه الدول على حل الأزمة السورية وتبادل المصالح ومناطق النفوذ بينهم على حساب الشعب السوري ووحدة أرضيه وسيادته، فتشكل على أثره وعلى الأراض تحديات لوحدة الأراضي السورية كالاحتلال التركي لمساحة حوالي 185,180 كيلومتر مربع أي 10% من مساحة سوريا الذي كان نتيجة لتوافقات مسار أستانة وصمت أمريكا والاتحاد الأوربي وتواطئهم لعدم ذهاب تركيا أكثر باتجاه روسيا وخاصة مع الإنقلاب المزعوم الفاشل في تركيا وشراء تركيا لمنظومة الصوريخ الروسية S-400، وبناء روسيا لمحطة أكويو النووية لتركيا.
جمعت تركيا في مناطق احتلالها من مناطق الداخل السوري وبالتعاون مع إيران وروسيا كل الجماعات والجهات التي رفضت التصالح وفق الرؤية الروسية وخاصة المحسوبة على تركيا والإخوان من التيارات الجهادية والقاعدية والداعشية، وكذلك كل الهاربين من داعش ومن المعارك مع قوات سوريا الديمقراطية وهكذا عملت تركيا على إنشاء جيش من الإرهابيين والمرتزقة تحت اسم ما يسمى “الجيش الوطني السوري ” كذراع لها ولأجندتها وحروبها داخل سوريا وخارجها كما في ليبيا وأرتساخ وغيرها وكورقة ضغط لاستعمالها على طاولة المفاوضات وقت اللزوم والضرورة.
ظلت تركيا ومازالت أحد أهم الأطراف التي تمنع الحل السياسي والسلمي للقضية السورية عبر ورقتها السياسية السورية من ما يسمى “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” التي أصبحت تركية الأهداف والمصالح والمقاربات، وكما أن إيران أيضاً لاتريد أي حل إلا وفق مصالحها و تمكين نفوذها الذي هو عبر توغلها وتحكمها بمفاصل الدولة والجيش السوري وتشكيلها لكتائب تابعة لها وجلب لعناصر وكتائب موالية لها من خارج سوريا، ولكن الأخطر من كل التدخلات في سوريا هو التدخل التركي ، لكون البقية يدعمون طرف سورياً معيناً لصالحهم لتمكينه، ولكن تركيا تحتل بشكل مباشر وتعمل على تتريك المناطق والمدن وتغير الهويات السورية واستبدالها بتركية وتمنع اللغة الكردية والعربية و تعمل لتصدير اللغة التركية وإجبار السكان والتلاميذ والطلاب على تعلمها مضافة للمؤسسات التركية والمستوطنات والأبنية التي تشيدها تركيا مع قطر والجمعيات الإخوانية لأهدافها المستقبلية التي تريد بها تقسيم سوريا و ضم هذه المناطق لتركيا كما حصل مع لواء إسكندرون عام 1939.
في أزمة عام 1998 بين تركيا وسوريا وما تلاها من تفاهم أضنة والتي كانت تجسد محاولة أمريكا وإسرائيل والناتو بهدف:
القضاء على الإرادة الحرة و السياق المجتمعي النضالي الديمقراطي والحر للشعب الكردي بقيادة القائد عبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني .
القضاء على ما تم من بناء وتطوير العلاقات الكردية-العربية وخط أخوة الشعوب، علماً كان الطرف الكردي الحر ومنذ البداية مفتوحاً لبناء علاقات استراتيجية مع الشعوب والدول العربية وتجاوز المقاربة التكتيكية الموجودة ، لكن العقلية الأحادية والقوموية لدى السياسية العربية كانت وما زالت لا تسمح وتشكل حجر عثرة أمام تحالفات وعلاقات استراتيجية بين الكرد والعرب.
التمهيد لدخول العراق واسقاط نظام صدام حسين وعدم افساح المجال لحركة حرية كردستان للعمل والتنظيم والاستفادة من الظروف والتناقضات التي ستظهر .
أن لا يكون للشعب الكردي تمثيل حقيقي حر وديمقراطي مثل القائد عبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني وتبقى الساحة والتمثيل الكردي محصوراً بالأطراف المتواطئة كحزب الديمقراطي الكردستاني المحسوب على تركيا وإسرائيل.
فكانت اتفاقية أو تفاهم أضنة وبضمان مصر حسني مبارك وعمر موسى وإيران الخامنئي والتي تلخصت في محاربة الشعب الكردي ونضال حريته وضرب أي تعاون وعلاقات كردية_عربية وكذلك في تنازل السلطات السورية البعثية القوموية في حالة تواطؤ غير مبررة و غير مفهومة وتجسد خيانة عظمى بسماحها للتدخل التركي لمسافة 5 كيلومتر في الأراضي السورية و بتخليها عن لواء إسكندرون في سابقة خطيرة ربما تكرر هذا التواطؤ وعدم القيام بالواجب الوطني مع احتلال تركيا لعفرين وسري كانيه (رأس العين ) وكري سبي(تل أبيض) والباب وإدلب وقبلهم في الجولان السوري المحتل.
ومع تفاهم أضنة وبعدها زاد التدخل التركي في سوريا من الأمني والاقتصادي والتجاري إلى الثقافي والفني وأصبحت المخابرات التركية تصول وتجول و تقوم بالكثير من الأعمال داخل سوريا وتقوم بتشكيل شبكة علاقات خاصة بها وكذلك أصبحت بعض المدن السورية تتباهي بالمظاهر التركية التي دعمتها الدولة التركية واصبحت الأسواق السورية غارقة بالبضائع التركية ، علاوة على استخدام تركيا القوى الناعمة وخاصة الأعمال التلفزيونية التركية التي استهدفت منظومة القيم للمجتمع السوري وكذلك مجتمعات وشعوب المنطقة وحاولت تشكيل انطباعات وتصورات وهمية وكاذبة للمستقبل وشكل العلاقة مع الدولة التركية وقيادتها للمنطقة العربية تخدم أجندات الدولة التركية فقط، وبذلك خسر المجتمع السوري ومعه العربي الذي كانت سوريا بوابته الكثير في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية.
ومع حالة الربيع أو الخريف العربي، سقط القناع وظهر وجه تركيا الحقيقي، وبانت الحقيقة التركية العثمانية والرغبة التركية في السيطرة وإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية عبر مختلف أنواع التدخلات والاحتلالات واستعمال الأدوات والوسائل العديدة وعلى رأسهم حركات الإخوان الإرهابية التي أصبح أردوغان المرجع والمومول والحامي والمنقذ الأول والأهم لهم مع بدء حالة الربيع العربي و تجمع قياداتهم في تركيا حتى اليوم.
مع فشل السياسة التركية الخارجية والداخلية وتدهور حالة الاقتصاد التركي وحالة العزلة التي وضعت السلطات التركية نفسها وتركيا فيها ومع تشكيل وتبلور معادلات إقليمية جديدة في مجالات الطاقة والاقتصاد والغاز والسياسية والأمن، تحاول تركيا اللحاق بالركب و منذ سنة تناور وتحاول إعطاء انطباعات ولو شكلية وجزئية وأغلبها أقوال وممارسات تكتيكية والقيام باستدارات ومناورات تكتيكية للخداع والتضليل بأنها تراجعت عن سياساتها بحق دول وشعوب المنطقة والتدخل في شؤونهم وأنها في طريق تطبيع علاقاتها مع هذه الدول والعودة لصفر مشاكل والقيام ببعض الإجراءات المرحلية والشكلية لتأكيد هذه الانطباعات والتصورات دون القيام بتغيير حقيقي في سياساتها ومقارباتها لشعوب ودول المنطقة وقضاياهم والتدخل في شؤونهم. أي القول والكلام فقط دون الفعل والممارسة الذي يرصده الكثير من دول المنطقة وشعوبها.
تشكل الانتخابات التركية القادمة في 18 حزيران لعام 2023 ، أحد اهم دوافع التحركات التركية الحالية والاستدارات الاستعراضية الكلامية وحروبها العبثية المستمرة، ولاشك أن الاقتصاد التركي المنهار الذي فقدت فيها الليرة التركية أكثر من 40% من قيمتها والتضخم الذي تجاوز 70% وذلك بسبب الحرب التي تخوضها تركيا ضد الشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق وحروبه المختلفة في الإقليم والعالم ولصرفه على جيوش المرتزقة والميزانيات السرية لهذه الحرب إضافة للفساد الذي ينخر جسد السلطة التركية وحزب العدالة والتنمية الذي من المؤكد أنه سيكون أمام هزيمة مدوية كما كانت في انتخابات البلدية وفقدان أردوغان وحزبه لبلديات أسطنبول وأنقرة وأزمير، كمؤشر على قرب هزيمة أردوغان في أية انتخابات قادمة إن كانت نزيهة.
وأما الإستدارة والمناورة التكتيكية الحالية للسلطة التركية وكلام وتصريحات أردوغان ووزير خارجيته ودفاعه وكذلك شريكه دولت بخجلي وبعض مسؤولي حزب العدالة والتنمية عن مقاربة مختلفة حول سوريا والتعامل مع السلطات والنظام السوري ، وخاصة بعد قمتي طهران وسوتشي إنما تأتي من عدة جوانب منها:
إخراج السلطة التركية ورقة اللاجئين السورين من يد المعارضة التركية في الانتخابات ومحاولة الخروج منتصراً من الاستحاق الانتخابي بأقل الخسائر.
محاولة تركيا الحصول على دعم النظام السوري واستمرارها في حروبها ضد الكرد ضمن سوريا وخارجها.
ضرب تركيا لمحاولة بناء أي حل ممكن او علاقة متوازنة أو تفاهم عسكري بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق وبالتالي إضعاف بناء جبهة سورية مقاومة لتركيا ولاحتلالها للأراضي السورية.
سد الطريق أمام اية تسوية سورية شاملة تحقق السيادة ووحدة الأراضي السورية وفق القرار الدولي 2254 لأن أية تسوية شاملة سوف تكون تركيا مجبورة للانسحاب وإنهاء احتلالها كما هي إيران.
رغبة تركيا في إيصال الإخوان إلى حكم سوريا والتشارك مع العلويين والبعث في إدارة سوريا وإبعاد أي تشارك ووجود كردي في المستقبل السوري.
تسهيل التطبيع مع الدول العربية الغنية والمؤثرة للاستفادة الاقتصادية منهم لرفد الاقتصاد التركي المنهار وإعطاء انطباع لهم بأن تركيا تخلت عن حركات الإخوان وتدخلاتها في الدول العربية، وضمان صمتهم عن جرائم تركيا بحق الكرد والممارسات التركية .
محاولة تركيا الاستفادة من روسيا وإيران والتأكيد لهم عبر البوابة السورية أن تركيا تتماهى معهم في الملفات الإقليمية وأنها لا تشكل عائق أمام مشاريع روسيا وإيران في المنطقة والعالم وبذلك على روسيا وإيران مساعدتها أيضاً في حربها ضد الكرد وفي مساعدتها اقتصادياً وإفساح المجال أمامها لضرب الكرد.
مغازلة تركيا لروسيا وإيران ومحاولة الضغط على أمريكا والتحالف الدولي لمحاربة داعش بالخروج من شرق الفرات وترك الساحة لتركيا ومسار أستانة. لكن حتى الآن لم يتم أخذ الموقف والتصريحات التركية بشكل جدي من التحالف الدولي ربما لعلمهم بزيف وكذب ادعاءات أردوغان والسلطات التركية ولعلمهم بعدم إمكانية خطو أي خطوة دون أخذ الإذن المسبق.
محاولة الجزائر والإمارات لعب دور في المشهد السوري والإقليمي من خلال التعويل على الاستدارة التركية الاستعراضية وعلاقتهم مع تركيا وروسيا، بعد فشل ما تم تسميته بمبادرة خطوة بخطوة من قبل بعض الدول العربية لتحجيم الدور الإيراني في سوريا وتسهيل عودتها للجامعة العربية وعلى راسهم الأردن نتيجة عدم قدرة النظام السوري على التجاوب للنفوذ الإيراني الطاغي على النظام السوري.
لكن في المقابل هل يكفي الأقوال دون الأفعال وهل يريد أردوغان أو هل يمكن أن يقوم أردوغان بالتخلي عن مشروع الميثاق الملي واحتلال شمالي سوريا والعراق وخاصة مع شريكه الفاشي والعنصري التركي حزب الحركة القومية التركية، وهل يملك أردوغان قراره الخاص والمستقل في إدلب وسوريا في ظل تواصل الدول الغربية مع جبهة النصرة في إدلب ومحاولة أردوغان تعويمها وأهمية إدلب وموقعه في خريطة النفوذ والسيطرة لحلف الناتو في المنطقة. وهل يستطيع أو يريد النظام السوري والإيراني محاربة الكرد في سوريا بدلاً عن تركيا في ظل عدم وجود حروب ملحوظة كبيرة بين النظام السوري والكرد السوريين رغم بعض المناوشات أحياناً وحالات الحصار اللاأخلاقية التي يتم فرضها على الشهباء وأحياء الأشرفية والشيخ مقصود في حلب من قبل الفرقة الرابعة المحسوبة على إيران، ومن الوارد أن لا يميل النظام السوري والإيراني إلى ذلك رغم وجود احتمالية المساعدة الاستخباراتية في بعض المعلومات و كذلك ممارسة الضغط الذي تم ملاحظته من تفاهم أضنة وحتى بدء الثورة أو الأحداث في سوريا. و لكن هل من المعقول أن تقوم دولة ونظام بمحاربة جزء من شعبه خدمة لدولة أخرى تحتل ارضها.
وعليه هناك تحديات كبيرة امام تطبيع العلاقات بين النظام التركي والنظام السوري بشكل كامل، وأغلبها تتعلق بالجانب التركي الذي لا يلتزم بأي تعهد واتفاق، وكذلك بالمعطيات والوقائع الموجودة بعد حوالي 11 سنة وبمرتزقة أنقرة وأردوغان، والمقاربة الدولية التي فرضت العقوبات المختلفة ومنها عقوبات قيصر لاستمرار الأزمة وإدارتها وحصار السلطة في دمشق وعزلتها إلى حين، رغم سكوت النظام السوري الذي يعاني من أزمات حادة مصيرية داخلية وخارجية، لعله ينال عدد من نقاط القوة لصالحه من تركيا رغم عدم ثقته ومعرفته بعدم جدية تركيا وتاريخها السيء خلال العقد الماضي والحالي ورغم العلاقة التي كان يسميها أردوغان” العلاقة الأخوية ” بينه و بين بشار وزوجتيهما قبل 2011 والتي تخلى عنها أردوغان بكل بساطة عندما لم يقبل بشار بمشاركة الإخوان في السلطة لهم حسب النصيحة الأردوغانية مع بدء أحداث سوريا.
بكل تأكيد التدخل التركي في سوريا والخروج ليس فقط قرار تركي إن كان أصلاً هناك نية لقرارات مختلفة عن السابقة في السلطة والدولة التركية، وبل يمكننا القول أن تركيا الدولة والسلطة أدوات مرحلية وتدخلاتها أحياناً كثيرة تأتي بأمر و لخدمة أهداف بعيدة لنظام الهيمنة العالمية والتي لا يستطيع الكثير من المراقبين والمهتمين والنخب السياسية في المنطقة والدول العربية من قراءتها بشكل صحيح ولو تم قراءتها لما استطاع أردوغان التدخل بهذا القدر في سوريا والعراق وليبيا والصومال ولبنان وكذلك لما استغل أردوغان القضية الفلسطينية العادلة والتلاعب بها لهذا الحد، الذي جعل بعض الأطراف الفلسطينية تبارك التطبيع و أي تقارب وتعامل تركي مع إسرائيل رغم أنه على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه ونفس الأطراف كانت تهاجم الدول العربية بسبب اتفاقيات إبراهيم.
كان اتفاق أضنة او الأصح تفاهم أضنة حالة فرض من أمريكا والناتو وإسرائيل وبضمان مصر حسني مبارك وعمر موسى وإيران الخامنئي أي لحاجة الهيمنة العالمية وتدخلاتها في المنطقة ودوام هيمنتهم وسيطرتهم على المنطقة وعلى القضية أو الورقة الكردية بحسب رؤيتهم ولم تكن فقط كما يروج الآن تفاهم بين دولتين ذات سيادة وبإرادتهم، والآن لن تستطيع تركيا وسوريا وحتى بتوجيه من روسيا وإيران من إنجاز أضنة ثانية أو توسيعها فالتفاهم والاتفاقية لها أهلها وأصحابها وظروفها وشروطها وبالتأكيد غير مسموح بإحداث أي تغير في المشهد السوري أو تبلور أي حل أو تغيير في مناطق النفوذ والعلاقات من دون رضا القوى المركزية في نظام الهيمنة العالمي وكذلك نواتهم في المنطقة إسرائيل التي لا يكتسب أي تحرك أو توجه أو حتى أي دولة في المنطقة شرعيتها دول الاعتراف بإسرائيل وبشرعيتها أولاً ومصالحها، وغالبية الدول القومية والتيارات القومية والأسلاموية والليبرالية تدور في فلك ومصالح الاحتكار الرأسمالي العالمي وخليتها إسرائيل. وبالتأكيد فإن اي تفاهم جديد كالاستدارة التركية إن صحت فعلاً والتي إن تمت كما يروج لها و بالتوافق مع إيران والتي أكدت غبطتها وتجاوبها من التصريحات التركية وبالتالي مما يعتبر تعزيز للنفوذ الإيراني في سوريا، وهذا لن يكون مقبول أو مسموح به عالمياً وإقليمياً وعربياً.
وعليه لا يمكن التعويل على تركيا وسلطتها رغم التحديات والصعوبات التي تتعرض لها وحالتها المتأزمة، أجل لا يمكن التعويل عليها ما دامت تمارس الاحتلال والإرهاب وتخوض حرب إبادة جماعية ضد الشعب الكردي وشعوب المنطقة وتعتقل كل معارض ومخالف لرأي السلطات ولها مشاريع تمدد وتوسع. لا يمكن الاعتماد على تركيا وهي لا تمتلك قرارها وقرار إنهاء الاحتلال وتحقيق استدارة حقيقية وتغير جوهري لكونها دولة وأداة وظيفية لخدمة نظام الهيمنة العالمية. ولعل ملاحظة واستذكار قتل عدنان مندريس وأوزال وإزاحة نجم الدين أربكان والانقلابات العديدة تؤكد ذلك بأن من يحاول الخروج عن المرسوم في تركيا من قبل الناتو والمنظومة الغربية وإسرائيل يكون مصيره القتل والتصفية والإنهاء المحتوم لامحالة.
ربما يحاول البعض في تركيا وحتى في سوريا ودول المنطقة التعويل على حلف أستانة أو مسار أستانة والعلاقات بين روسيا وإيران وتركيا لبدء تشكل جديد في سوريا وحل قريب أو حتى بلورة نظام ومشهد إقليمي جديد خارج السياق الموجود أو المخطط له من قبل أمريكا والناتو وإسرائيل وخاصة مع الحرب أو الأزمة الأوكرانية ، لكن بقناعتنا واعتقادنا هذا صعب إن لم يكن مستحيلاً وإن أصرت تركيا على الذهاب بعيداً في هذا المسار ومع إيران وروسيا والنظام السوري ولو على أساس معادة الكرد، فستشكل خطورة كبيرة على إسرائيل ونظام الهيمنة العالمي ومصالحها ولن تقبل به، وسيكون لأمريكا والناتو وإسرائيل تعامل وتفاعل قاسي مع تركيا ومسار أستانة، وربما لإركاع تركيا وأردوغان وقلب الطاولة عليها وعلى إيران والنظام السوري و النفوذ الروسي سيكون هناك بحث مركز من قبل نظام الهيمنة العالمي عن تحالف جديد مقابل تحالف تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري وهو تحالف قوي ومؤثر على الشرق الأوسط برمته ومزلزل لها من الشعب الكردي وبجميع توجهاتهم السياسية والأيدولوجية ومختلف قواتهم العسكرية مع نظام الهيمنة العالمي وإسرائيل وعندها لن تكون نفوذ روسيا وتركيا و إيران و سوريا والعراق بالتأثير وبالشكل والجغرافية الحالية وستدخل كردستان المستقلة جدول الأعمال وسيكون المنطقة والإقليم بكامله أمام مشهد جديد.
لقد أكدت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وبجميع تكويناتها العربية والكردية والسريانية وغيرهم أنهم مع الحل الديمقراطي والسياسي والسلمي للأزمة السورية وإنهاء الأزمة ومتابعة الحوار الداخلي السوري-السوري لتحرير الأراضي السورية المحتلة وبناء سوريا ديمقراطية قوية لامركزية ولقد ذهبوا لحوار مباشر مع السلطة في دمشق ومازالوا، وكذلك أبوابهم مفتوحة لكل السوريين المعارضين ومن يود حل الأزمة السورية والحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامة أراضيها. ولكن عقلية البعث الإقصائية والإنكارية وكذلك منطق الدولة القمعية والأمنية تشكل عائق أمام أية مقاربة موفقة لحل الأزمة السورية والتوافق مع الإدارة الذاتية. علاوة على التدخل والضغوطات التركية والإيرانية وعبر وسائل مختلفة ومتعددة لمنع الحل وحصول تسوية سياسية ومواقف مشتركة تحفظ السيادة ووحدة الأراضي السورية. وكذلك هناك قسم كبير من المعارضة اصبحت في الخندق المعادي و تحت التأثير ويتبنى الأهداف التركية بتخليهم عن أهداف الثورة والحراك السوري في الحرية والديمقراطية وبجعل أنفسهم بيادق ومرتزقة لدى تركيا وبل القدوم وركوب الدبابات التركية وتحت طائراتها المسيرة والحربية لاحتلال وطنهم وقتل اشقائهم كما هو حالة ما يسمى الإئتلاف و ما يسمى الجيش الوطني السوري وغيرهم.
وأمام تركيا طريق واضح ومعقول إن أرادت تغير سياستها ومقاربتها للأزمة السورية التي هي أحد أهم أطرافها المسببة لعدم الاستقرار والتوتر والحرب الأهلية وانتشار الإرهاب وحماية قادتها في مناطق احتلالها واستمرار الأزمة، فعلى تركيا إنهاء الاحتلال و الانسحاب أولاً من الأراضي السورية ووقف هجماتها المستمرة ودعمها للإرهاب وكذلك عليها احترام إرادة الشعب السوري وتكويناتها المختلفة ووقف قتلها اليومي للكرد وشعوب سوريا وعدم وضع العراقيل أمامهم في المسار السياسي والدستوري السوري ووقف تدخلها في إرادة السوريين ووقف توظيف اللاجئين واستعمالهم كمرتزقة وأوراق ضغط، لكن هيهات هيهات لسلطة تركية فاشية وقمعية إخوانية إسلاموية وقوموية و تمارس الإرهاب وترتكب جرائم الحرب وتصر على ممارسة الحرب والإبادة والاحتلال كوسيلة وطريق لبقائها في الحكم من تغير نهجها ومقاربتها للقضية السورية والكردية.
وعليه ليس أمام السوريين الوطنيين من دولة وحكومة وشعب وقوى وطنية وكذلك الإدارة الذاتية والمعارضة الوطنية والديمقراطية سوى توحيد جهودهم وقواتهم في مختلف المجالات والبحث عن حلول وإقامة حوارات سورية-سورية وحل الأزمة وفق القرار الدولي 2254 والعمل مع الشرعية والهيئات الدولية وكذلك العمل لمواجهة الخطر التركي ومشروعها “العثمانية الجديدة” وخطوتها الأولى الميثاق الملي التي تستهدف احتلال شمالي سوريا وشمالي العراق وثم بقية المناطق والدول.
أما التعويل والثقة ومحاولات الاتفاق والانتظار من دولة وسلطة على شفى الانهيار والهاوية و تقتل شعبها وتحتل دول الجيران ولها مشاريع استعمارية وهي دولة وظيفية وأداتية بيد قوى الهيمنة العالمية، فلن يفيد سوى بتجزير الأزمة السورية وتعميقها وإضعاف الجبهة السورية الداخلية وحدوث فتنة بين مكونات الشعب السوري أو بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية والتراجع عن التفاهمات العسكرية المهمة للحفاظ على السيادة السورية أمام التدخل والاحتلال التركي الخارجي وهذا لا يفيد سوى المحتل التركي وبقاء الأزمة السورية معلقة والإرادة والقرار السوري ضعيفاً، فطريق حل الأزمة السورية يمر عبر تقوية الجبهة الداخلية والمواقف المشتركة و دعم وتقوية التحالف العربي-الكردي الموسع في منظومة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية على الأسس السليمة والصحيحة وتحرير عفرين ومختلف المناطق المحتلة وإخراج المحتل التركي وإنهاء إرهاب تركيا وقتلها اليومي للسوريين من العسكريين والمدنيين وبمختلف مكوناتهم وبمختلف الاسلحة من الشهباء ومنبج وكوباني وعين عيسى وتل تمر ودرباسية وعامودة وقامشلو وترباسبيه واللاذقية وريف حماه وإدلب ومحاسبة تركيا والسلطة التركية عن جرائمها وتجاوزها لكل القوانين الدولية وكذلك توسيع ومد تجربة الإدارة الذاتية إلى مختلف الجغرافية السورية كحل وطني وسيادي حر للأزمة السورية ووفق القرار الدولي 2254 وليس العودة لما قبل 2011 أو الانتظار من المحتل التركي والتوسل له الذي لا يملك حتى قرار نفسه وتصرفاته وسلوكه إلا بعد أخذ الموافقة والإذن من اقطاب الهيمنة العالمية ونواتهم في المنطقة إسرائيل.