الحدث – القاهرة
يثير التدخل والاحتلال التركي في العراق والعالم العربي والمنطقة حساسيات و تساؤلات ومخاوف مشروعة عدة، خصوصاً بعد سقوط القناع التركي في العقد الأخير بشكل واضح جداً لشعوب ودول المنطقة وظهور حقيقة أهدافها ومشروعها التمددي الاحتلالي والتقسيمي لمجتمعات ولشعوبالمنطقة والدول العربية إضافة إلى التصريحات التركية المتكررة عن خطأ الاتفاقيات الدولية التي رسمت الحدود بناءً على ضعف تركيا وهزيمة حلفائها في الحرب العالمية الأولىو أولويات تشكل النظام الإقليمي والدولي حينها.
من الواضح أن السياسة التركية تستغل هشاشة الأوضاع والتوترات في بلدان المنطقة و بل من الأصح القول أن تركياوالسلطات الحاكمة فيها منذ عام ٢٠٠٢ من أردوغان وحزب العدالة والتنمية وخاصة بعد الاتفاق السلطوي مع حزب الحركة القومية التركية، هي التي تساهم في حالة الفوضى والضعف وحالات الانسداد وتعمق الأزمات إضافة إلىالدور الوظيفي السلبي في منع التسويات السياسية و حل الأزمات الموجودة خدمة للنظام العالمي المهيمنومشاريعه ومصالحه.
يتميز العراق بأهمية كبيرة ومصيرية بالنسبة للعرب والكرد والفرس والأتراك وغيرهم فهي التي تجسد شكل العلاقة بينهم، وعليه لمعظم المنطقة ودولها ولحالة تبلور وتشكل أية معادلات إقليمية ودولية. وكما كانت هيكلية العراق بالشكل والحدود الموجودة المرسومة من قبل بريطانيا في مؤتمر القاهرة ١٩٢١ نقطة الفصل والبداية في تشكيل معظم الدول العربية الأخرى و تطبيق حالة الإبادة الفريدة على الشعب الكردي والتحكم بكل مفاصل الدولة التركية والتمهيد للثنائية الإسلاموية المتصارعة (السنة والشيعة)، فإنها اليوم ومرة أخرى وبالتفاعلات الكثيرة بين مختلف القوى على أرضها من كافة الأطراف و بالجيوسياسية والجيوثقافية التاريخية والحاضرة التي تتميز بها العراق فإنها قادرة على التأثير المفصلي على مستقبل المنطقة وشعوبها.
ومن معرفة القوى الدولية والإقليمية وكذلك شعوب المنطقة بالتداعيات والتأثيرات التي ستكون حاضرة بقوة في المشهد السياسي والأمني والاقتصادي والتجاري والثقافي وكذلك في أمن الطاقة العالمي وارتباطها بالمشهد العراقي، فإنالعديد منها يتفاعل مع الساحة العراقية سلباً أو إيجاباً، حتى أصبح معيار النفوذ والتأثير و كذلك الهيمنة الإقليميةمتعلقة بقوة الحضور والتأثير في الساحة العراقية وما جاورها من سوريا والخليج وتركيا وإيران.
يمكننا أن نعتبر تركيا الدولة والسلطة من أهم القوى الإقليمية التي تلهث وراء احتلال العراق واستغلال مواردهاوالتحكم بها وخاصة بالشمال كمدينتي الموصل وكركوك وإقليم كردستان العراق والمركز بغداد، مع وجود التدخلات الأخرى وبالصيغ المختلفة، ولكن أخطر تهديد على وحدة العراق وسيادتها وسلامتها هو مشروع العثمانية الجديدة(الصهيوطورانية) أي الاحتلال التركي الذي يتجسد و يتوزع في عدة جوانب مهمة و خطيرة تهدد الأمن والاستقرار الاستراتيجي الداخلي العراقي وأيضاً تهدد الأمن القومي العربي وأمن واستقرار المنطقة والعالم منها:
تتدخل تركيا في الأراضي العراقية منذ عام ١٩٨٣ وكان التدخل مرحلي ومؤقت عبر عمليات عسكرية وثم كانت القوات التركية تنسحب إلى الداخل التركي، ولكن هذا التدخل وخاصة بعد سيطرة حزب الديمقراطي الكردستاني على قسم من إقليم كردستان العراق بعد التسعينات و تواطئه مع الدولة والجيش التركي تحول إلى قواعد ثابتة ونقاط تمركز وصل عددها لحوالي (١٠٠) حالياً، مع تمركز حوالي ٣٥ ألف عنصر من الجيش التركي في مناطق سيطرة حزب الديمقراطي الكردستاني، علاوة على القواعد والأماكن العلنية والمخفية للاستخبارات التركية ( (MITفي كامل إقليم كردستان وخارجهوتحرك الاستخبارات التركية وتشكيلها خلايا عمل ودعم لها من المتواطئين والمجندين بالوسائل المادية والعينية المختلفة لتنفيذ عمليات اغتيال بحق النشطاء والسياسيين والأكاديميين الذين يعارضون السياسات التركية الاحتلالية، كما أن استهداف تركيا لمخيم مخمور للاجئين ولقضاء شنكال الذي خرج لتوه من الإبادة الجماعية على يد داعش، إنما يؤكد حالة العداء التركي واستهدافها للاستقرار والأمن والسلام في العراق والإقليم وأيضاً يؤكد الرغبة التركية في الانتقام من القوى الشعبية والمجتمعية التي هزمت داعش، مع العلاقة المتينة و العضوية بين الاستخبارات التركية وداعش في العراق وسوريا وغيرها ودعم تركيا لخلايا داعشالموجودة في العراق وسوريا وفي العديد من البلدان العربية في شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، مع العمل المستمر من قبل تركيا لتشكيل كتائب تركمانية في الموصل وكركوك وهولير(أربيل) وتلعفر تكون ذراع عسكرية لتركيا واستخدام القاعدة التركية زليكانفي بعشيقة للتواصل مع داعش والكتائب التركمانيةوتدريبهم وتسليحهم وجمع الاستخبارات عن كل القوى ومؤسسات الدولة العراقية وتحركاتها وانتظار اللحظة المناسبة والحاسمة لتكون هذه القاعدة محطة ونقطة انطلاقة وتوسع للاحتلال التركي للسيطرة على كركوك والموصل وشنكال.
علي الرغم أن الميزان التجاري هو في صالح تركيا،فالعراق معتمد بشكل كبير على تركيا المحتلة للأراضي العراقية في الجانب الاقتصادي، فمثلاًفي النصف الأول من عام ٢٠٢١ كان حجم الصادرات التركية إلى العراق حوالي ٦ مليار بينما الصادرات العراقية إلى تركيا بلغت 492 مليون دولار فقط و معظمها مواد نفطية. ومن يبحث في الأسواق وفي القطاعات المختلفة والبضائع الموجودة في العراق، يلاحظ الحضور الطاغي للشركات والموادالتركية بشكل كبير وملفت ومتضخم، رغم التدني وغياب الكثير من المعاير النموذجية والصحية التي يجب أن تكون موجودة في التصنيع والتعامل والسلوك التجاري والمواد والبضائع التركيةالمستوردة، مع وجود عشرات الشركات المتخصصة في قطاعات البناء والإعمار والصناعات الغذائية والدوائية والكهربائية والألبسة والتقنيات الإلكترونية، والتي تشغل حيزاً في مجمل النشاط التجاري والاقتصادي في الإقليم وعموم العراق، فضلاً عن المصارف التركية وشركات تحويل الأموال، ولاشك أن هذا الاحتلال التركي الاقتصادي لم يكن يحصل لولاالسياسات الاقتصادية اللاوطنية الموجودة في الإقليم والمركز والتي تخدم أشخاص وأحزاب وطبقة معينة مع أن للبضائع التركية آثار سلبية كبيرةومدمرة على الصناعات العراقية ومختلف القطاعات، وقد تسبب ويتسبب بعدم نمو وتطور الزراعات والصناعات المحلية.
أقامت تركيا وبدون تنسيق مع العراق وسوريا العشرات من السدود على نهري دجلة والفرات،الذين يشكلان شرياني الحياة في سوريا والعراق وخاصة مع حالات ضعف الحكومات و الهشاشة الموجودة في المشهد الإقليمي ومشاريع الاحتلال التركي في ضرب الاستقرار المجتمعي في المناطق التي لاتخضع لها وحالياً تسببت السدود التركية والقطع المستمر للمياه وعدم إرسال حصتي العراق وسوريا من المياه بتهديد حياة ملايين الناس و أصبحالموت وفقدان أسباب الحياة من تداعيات السدودوحجز المياه الذي تقوم به تركيا، و لعل حالة الأهوار العراقية وفقدان مئات الآلاف من أشجار النخيلوغيرها و هجرة الناس منها باتجاه المدن دلالة على تأثيرات الفعل السلبي والتخريبي لقطع تركيا للمياه على العراق وسوريا. وكذلك ما تفعله تركيا مع مرتزقتها في القطع المستمر للمياه عن مدينة الحسكة وأريافها في شمال وشرق سوريا، وخفض المتعمد لمنسوب نهر الفرات وبالتأكيد فإن عملية قطع المياه سياسية تركية عدائية ممنهجة لضرب القطاع الزراعي وإيقاف توليد الطاقة الكهربائية وبالتاليإضعاف القطاعات الصناعية والإنتاجية و التي تعمل على الطاقة الكهربائية وبالتالي يمكننا القول أن تركيا وسلوكها تؤدي لتصفية أسباب الحياة والوجود في العراق وسوريا، ومن الممكن والوارد أن هذا السلوك التركي العدائي في مجال المياه وتهديدها الأمن المائي وعدم محاسبتها من قبل المنظومة والمجتمع الدولي شجع دول أخرى في الشرق الأوسط والعالم كأثيوبيا في التمادي الحاصل في أزمة سد النهضة مع السودان ومصر .
استطاعت تركيا وبتعاملها الاستراتيجي السلبي والتخريبي مع المجال الزراعيوالتجاري العراقي وضخها للبضائع التركية ولغايات سياسية وأهداف تحكمية، إضافة إلى السياسات و السلوكيات العراقية السلبية في عدم الإنتاج والتصنيع والاستيراد في معظم الأحيان، في أن يتم ضرب القطاع الزراعة والانتاجي بمقتلة كبيرة، حتى أصبح ساكن القرية في الإقليم ووسط العراق وغربه وجنوبه لا يزرع ولا يربي ولا يتصرف وفق المنطق والسلوك الإنتاجي والذاتي المحلي بل كل همه أن يحصل على البضائع التركية والإيرانية المستوردة وينتظرهم في أن يمدوه طوال الوقت.
تسيطر الدولة التركية على جانب كبير من قطاع الطاقة والنفط والغاز وخاصة في الإقليم وهي تشتري النفط والطاقة بأسعار رمزية غير متوفرةفي أي مكان في العالم من حزب الديمقراطي الكردستاني وبيت البرزاني، وفق اتفاقات نفطية تمتد لعشرات السنين ومنها ٥٠ سنة، وذلك من دون أخذ رأي و توافق برلمان الإقليم أو الحكومة المركزيةبالاعتبار على هـذه العقود وعمليات البيع الأحادية لتركيا والتي لا يستفيد منها سوى عائلة البرزاني وبعض المتنفذين من جماعتهم دون شعب الإقليم أو الشعب العراقي بالكامل رغم كل المعاناة المادية لدى أبناء الإقليم والعراق وظروفهم الصعبة.
ووفقاً لبعض المصادر، فإن الشركات التركية لها حصة الأسد في نفط إقليم كردستان، حيث تملك شركة “كنل إنيرجي” التركية البريطانية حصصاً، وبنسب مختلفة، في البلوكات النفطية في الإقليمحسب بعض البيانات، فهي تملك 25% في بلوك طاوكي، و40% في بلوك بيربهر، و40% في بلوك دهوك، و44% بلوك بناوي، و44% في بلوك طقطق، و75% في بلوك ميران، و60% في بلوك جيا سورخ.بالإضافة إلى الشركات التركية الأخرى الموجودة تحت الأسماء المختلفة وبالتعاون مع عدة دول منها أمريكا والإمارات وحتى بعض الشركات الإيرانية وبشكل مخفي، رغم حالات الاستهداف الأخيرة لأجل إيصال بعض الرسائل، وهنالك الكثير من المحاولات التركية في تمكين شركاتها ووكلائها في التواجد في المناطق الغربية من العراق ولأسباب اقتصادية وأمنية مختلفة. مع العلم أن الطاقة والنفط خط أحمر لا تمسح أمريكا لأحد بأن يتجاوزها ، كما حصل مع عقد قيادة الإقليم لاتفاقية الطاقة مع روسيا لتعمل الشركات الروسية للغاز والطاقة في حقول كركوك التي كانت تسيطر عليها حزب الديمقراطي الكردستاني قبل ١٦ أكتوبر عام ٢٠١٧، فكان الرد الأمريكي بأن تم دفع الحشد الشعبي ومن ورائها تركيا وإيران في السيطرة على كركوك وأخذ حقول الغاز التي كان من المفروض أن يستثمرها شركات غاز روسية. والأن تحاول تركيا ومع الأزمة الأوكرانية وتحديات أمن الطاقة في أن تسيطر على حقول الغاز والنفط في الإقليم وتقدم نفسها للاتحاد الأوربي والعالم الغربي بأن لديها موارد غازية بديلة للغاز الروسي كما تفعل مع خطوط الغاز الأزربيجانية. إضافة إلى استفادتها من وضع العقوبات على إيران وشراء الطاقة منها بأسعار قليلة ومساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل أمريكا والقوي الغربيةكما ظهر مع قضية رضا ظراب في أمريكا منذ سنوات.
تتواجد العديد من المؤسسات التعليمية التابعة لتركيا في الإقليم والعراق من دور الحضانة إلى المدارس والمعاهد حتى الجامعات، وسابقاً كان بعضها تابع لفتح الله غولن الشريك السابق لأردوغان ولكن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة والمزعومة في تركيا بادرتالحكومة التركية مع بيت البرزاني في وضع أيديهم على بعضها كجامعة جيهان في أربيل وغيرها من المدارس والمعاهد.
والملاحظ وجود مساحة للإعلام التركي الرسمي والخاص للعمل في العراق وخاصة في إقليم كردستان ومدن كركوك وبغداد والموصل رغم حمل هذه الإعلام لأجندات معادية لمصالح الشعب العراقي وكذلك للشعب الكردي ولنضال الحرية الذي يخوضه الكرد في كافة أجزاء كردستان الأربعة. وحتى أن الأشخاص والأماكن التي لا يستطيع الإعلام العراقي والكردي الوصول إليه، يتم إيصال الإعلام التركي وفق التنسيق المخابراتي بين جهاز الباراستن الاستخباراتي لحزب الديمقراطي الكردستاني والميت التركي والجبهة التركمانيةوخلايا داعش. كم أن القنوات الإعلامية والمجلات والتلفزيونات في الإقليم والعراق تأخذ الأفلام والمسلسلات والأغاني التركية والبعيدة عن الثقافة العربية والكردية بنهم وشغف شديد وتقدمها للمواطن العراقي والعربي وذلك كترجمة للاتفاقات التركيةالمعقودة مع حكومة الإقليم وبعض المتنفذين التابعين لها ضمن حكومات بغداد. مع العلم أن نفس الساحة والمجال لا يتم إعطائها للإعلامالعربي والكردي والوطني العراقي، مع قيام تركيا بتمويل بعض القنوات التحريضية ضد استقرار العراق و كذلك عشرات الصحف والمجلات ومراكز البحث والمواقع الإلكترونية التي تبث الفتنة والفرقة والأخبار الكاذبة في العراق.
مع الأسف لا يرتقي الرد الفعل الرسمي العراقي سواء من حكومة الإقليم أو حكومة المركز في بغداد أو حتى من الأحزاب و النخبة السياسية إلى حجم التدخلات التركيةوالأثار السلبية لها ولا يؤثر في مسار الأحداث والتجاوزات التركية، رغم البيانات والإدانات واستدعاءات السفير التركي في بغداد من قبل الخارجية التركية للاعتراض والاحتجاج والإدانة، مع وجود حالة من الغضب والرفض الشعبيوالمجتمعي والشبابي للتدخلات والاحتلال التركي وذلك لعدة أسباب:
والمفارقة أن بعض القوى العراقية تتحدث عن التواجد الأمريكي الذي يقال أنه بطلب من الحكومة العراقية وتصفه بالاحتلال والمحتل وتعمل ضده فعلياً وتقصفه بين الفينة والأخرى، بينما نفس القوى لا تتفاعل بنفس الفهم والنظرة والمستوى مع الاحتلال التركي رغم أن تركيا تحتل علنية وتحاول ضم شمال العراق أولاً ثم كامل العراق إن أمكن إلى تركيا ضمن مفهوم الميثاق الملي ومشروع العثمانية الجديدة.وكما أن بعض القوى العراقية تتكلم عن إسرائيل والعداء لها و ورفضها احتمالات تواجدها في العراق وتجريم التطبيع معها وهي في الوقت نفسه لا تنظر إلى الاحتلال التركي كمشكلة وقضية مصيرية بنفس المستوى و يجب مقاومتها على كافة الأصعدة، بل أنها تتوافق معهم في توافقات السلطة والنفوذ في الحكومة والدولة العراقية.
كما أن الطامنة الكبرى أن التيارات القومية الكردية والعربية في المنطقة وخاصة في العراق و الذين يتشدقون بالعروبة والكردياتية المستقلة هم في الوقت نفسه توابع وأدوات لقوى إقليمية كتركيا وإيران و إسرائيل، بسبب ضعف الرؤية وقصر النظر و عدم إيمانهم وثقتهم بأنفسهم وشعوبهم ومجتمعاتهم واعتمادهم على الخارج. كما أن الكثير أو مجمل القوى اليسارية أصابها الضعف والخمول إلى درجة فقدان التأثير والحضور، إضافة لقوى الإسلام السياسي التي تمثل حالة وظيفية وانحراف واعتداء على قيم وأخلاقيات الإسلام والدين الحنيف. وكل ذلك مع الإصرار على القالبية والدوغمائية لدى التوجهات الدينية والعلمانية وعدم مراجعة الذات والأفكار التي تحتاج التجديد والتغيير وفق متطلبات ومعطيات وعلوم العصر، وبالتالي الساحة السياسية مشكلولة وليس هناك رؤية وطنية سيادية من المحتل التركي والتدخلات الأخرى.
من الطبيعي أنّ هذا الوضع العراقي المتدهور وغير المستقرو كلَّ هذا الثقل العسكري والاستخباراتي والاقتصادي التركي يمتد إلى المشهد السياسي، بصورة مباشرة وغير مباشرة، ومن ثم يوفر لأنقرة ولغيرها من القوى الخارجية هامشاً كبيراً للتأثير في صياغة المعادلات السياسية العراقية، وعلى نطاق أوسع المعادلات الإقليمية. وقد لاحت معالم ذلك التأثير وملامحه بدرجة أكبر خلال الشهور القلائل الماضية، وخصوصاً ما يتعلق بحراك الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وحتى في اختيارات الرؤساء الثلاثة، فجولات هاكان فيدان مستشار ورئيس الاستخبارات التركية ولقاءاته بعدد من القوى السياسية العراقية في بغداد والإقليم وفي شكل وصيغة تحمل طابع التحدي والاستفزاز والتجاوز على الأعراف والقواعد الدولية للتعامل بين الدول ذات السيادة يحمل دلالات كثيرة عن الحضور والنفوذ والتدخل التركي، ويقال حتى أن التوافق الأخير ومحاولات تشكيل الحكومة العراقية ورضى حزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة ومشاركتهم في تحالف إدارة الدولة كان بعد الأوامر التي تم إصدارها لهم من قبل هاكان فيدان لحفظ مصالح تركيا ودوام احتلالها ونفوذها في العراق، ، و من يريد التأكد من ذلك عليه البحث في أسباب التمكين والثقل التركي النوعي في المشهد العراقي وبشكل خاص في أسباب سقوط الموصل بيد داعش والقنصل التركي لم يغادر المدينة إلا بعد دخول داعش بأيام.
وتبقى القضية الجوهرية والمهمة، هل يستطيع العراق كبح جماح الاندفاع التوسعي التركي العثماني تجاهه؟ وماذا عن تبعاته وآثاره وتداعياته السلبية المستقبلية على أمن واستقرار العراق والمنطقة والعلم؟ وثمة تساؤلات أخرى ملحّة أيضاً تحمل بين طياتها وثناياها هواجس مقلق ومخاوف حقيقية بوحدة العراق وسيادته وبأمن الحدود وأمن المياه وأمن الطاقة جراء الممارسات التركية وتبعات ذلك على المنطقة وعودة داعش والقاعدة، وهل يمكن للعراق ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية و الاقتصادية والعسكرية اللازمة لردع تركيا و مواجهة التدخل والاحتلال التركي الذي يتلون بألف لون ويتدخل في كافة مجالات الحياة في العراق، و من المفيد السؤال هل كان بالإمكان مثلاً قطع العلاقات التجارية على الأقل مع تركيا مع امتلاك الطرف العراقي الأموال اللازمة لشراء بدائل المنتجات التركية من مختلف الدول العربية ودول المنطقة والعالم، مع قصف وقتل تركيا للمدنيين العراقيين الزوار في دهوك؟ لكن كيف يمكن ذلك والمنافذ البرية التركية هي مع بيت البرزاني ومناطقسيطرة حزب الديمقراطي الكردستاني وهم على علاقة وتبعية كبيرة وليس هناك رغبة منهم في إبداء أي موقف معارض حقيق تجاه تركيا وممارساتها وقتلها المدنيين .
بالطبع يستطيع الشعب والحكومة العراقية وبكافة مكوناتهم الأثنية والدينية من الوقوف في وجه الاحتلال التركي وردعهوتحجيم دوره وإخراجه من الأراضي العراقية، ويتطلب ذلك:
وعليه، يبقى إنقاذ العراق والمنطقة من الاحتلال التركي والتدخلات الخارجية المختلفة من أهم المهام المصيرية للمجتمعات والشعوب في العراق وكذلك للشعب العربي والكردي ولشعوب ودول المنطقة، وهي البداية لتبلور مشهد سياسي واستراتيجي جديد يخدم المنطقة وشعوبها، وستكون الصيغة والهيكلية التي ستكون عليها العراق في المعادلات والهيكلية الإقليمية الجديدة القادمة هي البداية والفصل لتشكيل كافة بلدان ودول المنطقة، ولاشك أن تعاون وتضافر الجهود المشتركة والوحدة الديمقراطية والتكامل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والأمني بين شعوب المنطقة ستجعل القوى العالمية والإقليمية المهيمنة تأخذ إرادة ومصالح مجتمعات وشعوب المنطقة بعين الاعتبار ولابد أن تكون الإرادة الحرة و الديمقراطية للمجتمعات والشعوب ومصالحهم هي المقياس والمبدأ وعندها فقط ستتحقق الاستقرار والأمن والسلام الحقيقي وسنكون المنطقة وشعوبها ودولها قادرة على مواجهة كافة التحديات الخارجية والداخلية مهما كانت.