السبت 23 نوفمبر 2024
القاهرة °C

تحديات التحول الديمقراطي في المنطقة

الحدث – القاهرة – بقلم الكاتب والباحث السياسي  / أحمد شيخو

تعيش منطقة الشرق الأوسط في حالة من الأزمة والفوضى و غياب لوعي الحقيقة و عدم الاستقرار وانتشار الإرهاب، وبالمجمل تعيش في وضع أداتي وظيفي مفروض عليها غير ذاتها و ثقافتها و كيانتهاالتاريخية منذ زمناً طويل وخاصة في القرن الأخير دون أية ملامح قريبة في المدى المنظور لتجاوزها أو البدء في المسارات والسياقات الصحيحة، أو سد الطريق ومحاولة تحجيم حالات الفعل الذاتي المجتمعي الحر وتحريفها وترويضها وذلك بسبب العوائق والمنظوماتالفكرية والسلوكية السائدة والتحديات المختلفة الموجودة داخلياً وخارجياً، رغم التحركات الجماهيرية وخاصة بريادة المرأة والشباب في العقد الأخير في دول المنطقة و توفر الرغبة والطلب وسعي المجتمعات وشعوب المنطقة والقوى الديمقراطية والمجتمعية وبحثها الدؤوب عن الحلول الحقيقة وحل القضايا والمشاكل العالقة بشكل منطقي وتدريجي وبنيوي عبر مسار التحول الديمقراطي الذي يكون المقياس والتوجه والأولوية فيه هي إرادة ومصالح المجتمعات والشعوببالتوافق والاحترام والاعتراف المتبادل بين كيان وجهاز الدولة وإدارتهاالعامة من جانب والإرادة والإدارة المجتمعية الذاتية والقوى المجتمعية الديمقراطية من الجانب الأخر.

وإذا أردنا أن نبحث في التحديات والصعوبات يمكننا أن نذكر:

1- المستنقع السياسي أو الفراغ في الحقل والأداء السياسي : و لو نظرنا للفعل السياسي لأغلب الكيانات والهياكل السياسية وبمختلف توجهاتها في دول المنطقة سواءً اليسار أو اليمين أو الوسط وكل اشتقاقات ومفرزات الشيوعية والرأسمالية ومابينهما لدى الطبقات السياسية في المنطقة، نلاحظ أن أغلبها كانت عبارة عن توجهات سياسية فكرية مستوردة وتحت التأثير الاستشراقي للهيمنة الفكرية للمدنية الأوربية والنظام الرأسمالي ومن ضمنها اليسار، حتى لو أدعوا أنهم ضده في القول والشعارات الرنانة المضللة.

وفي العقود الأخيرة ومع فشل وإفلاس التوجهات القومويةوالدينوية والجنسوية في معالجة قضايا الشعوب والمجتمعات، سواء كانوا من الذين تم إيصالهم للحكم من قبل الهيمنة العالمية والظروف التي هيئتها لصالحها أو ممن بقوا طلاب السلطة ، نلاحظ الضعف الموجود لدى غالبية هذه التيارات والتوجهات والأحزاب وحتى الشخصيات السياسية لأنهم أرادو السياسية ومازالوا كوسيلة وسبيل للسلطة والحكم وتخندقوا في العرف والفقه الطليعي والنخبوي دون سائر طبقات وشرائح المجتمع والشعب وظلوا بذلك بعيدين عن عامة الناس، ولكن الحقيقة السياسية تقول غير ذلك بأن السياسية هي تداول ونقاش للأمور الحياتية المهمة وإيجاد الحلول لها والحقل السياسي هو لكافة أبناء وشرائح المجتمع وطبقاته وليس لطبقة أو فئة أو نخبة معينةأو سلطة فقط.

2- التدهور الاجتماعي: لو رصدنا كمية التخريبات والنفاق والسلبيات الأخلاقية في العائلات ضمن كل بلاد المنطقة ودولها وكذلك لو نظرنا لأرقام ونسب الطلاق وحالات التفكك الأسريوالعنف والتشرد الحاصل، سنجد أن ما يسمى الخلية الأول للمجتمع الأسرة مهددة وهي في مقتلة ومأزق حقيقي نظراً لطبيعة العلاقة المضطربة والغير صحيحة بين الرجل والمرأة مع حالة الكذب والتزييف في المشاعر والعاصفة مع غياب الصدق والبعد الفكري والبناء السليم للحياة المشتركة الحرة، وإنما الموجود طرفين متصارعين و متأمرين في شركة ودولة صغيرة يسودها الاحتكار  والانتقام والسرقة والخيانة لطبيعة الحياةوقدسيتها.

ولاشك عندما تعاني المدرسة الأولى للإنسان من كل هذا التخريب لابد أن تكون الشخصية والفرد وبالتالي المجتمع الموجود في حالة فوضى وتهور وتشرد يسهل الانقضاض عليهوالتسلل إليه، علاوة على حالة التعليم والصحة المزرية في بلاد المنطقة ودولها واستخدامهم كأدوات للتربح فقط دون أدنى اعتبار لحاجات المجتمع وحقوق الأفراد والمجتمعات الطبيعية.وحالة الذكورية التي ترى المرأة وسيلة لممارسة السلطة عليها وتملكها أو خداعها بالحرية الليبرالية المزيفة دون أدنى اعتبار لذات المرأة وكيانها وإرادتها الحرة.

3- الاستعمار الاقتصادي: وهنا يظهر أكثر  المجالات  الحياتية  والأدوات تأثراً التي افتقدتها مجتمعاتنا وشعوبنا نتيجة السياسات الاقتصادية والمفاهيم والاحتكارية التي تنفذها السلطات في دول المنطقة وكذلك السياسات والبرامج للقوى الهيمنة العالمية، فالسلطات الدولتية والهيمنة الخارجية يتفقون في احتكار الساحة الاقتصادية و كذلك تصفية وإنهاء حق العمل لجعل المجتمعات والشعوب وأفرادها ضمن نظام اقتصادي محدد لا يعطى للمجتمعات والشعوب الحق في التصرف بمواردها واقتصادها وبل تكون البطالة والفقر والحاجة هي من نصيب من هم خارج دائرة السلطة وأجهزة الدولة. والأهم أنهم يبعدون عن الساحة الاقتصادية أهم مكون وقيادة موفقة لها وهي المرأة التي أوجدت الاقتصاد وبنته أول الأمر في المجتمع الكلاني قبل الميلاد .

4- الاغتراب والإبادة الثقافية: وهنا المصيبة الكبرى حيث أن التنوع الثقافي والتعدد والغنى القومي والديني والمذهبي الذي تمتاز به منطقة الشرق الأوسط هو من أهم ثروات المنطقة ونقاط القوة فيها والتي لم تعد كذلك وذلك نتيجة النمطية والأمة الدولية واللون الواحد الذي حاولوا فرضه على مجتمعاتنا وشعوبنا وثقافاتنا المتنوعة والمتعددة والمتكاملة. وعليه كانت السلطات القومية والدينية في الشرق الأوسط وبأمر من رعاتها الدوليين ونظام الهيمنة العالمية يرتكبون جرائم التطهير العرقي والإبادة الجسدية والثقافية على شعوبنا الأصلية التي مازالت تقاوم لأجل البقاء والوجود وتناضل لكسب حريتها والحفاظ على هويتها وثقافتها. ومع الأسف أصبحت الكثير من حقول وميادين الثقافة والفن وكذلك المثقفين سلع وأدوات وأقلام للآجار والبيع حسب الجهات الممولة وليس حسب أهمية ودور الثقافة والمثقفين في حياة الشعوب .

5- الرأسمالية الرقمية: وبالرغم أنها فتحت أفاق واسعة وتواصل بين مجتمعات وشعوب وشخصيات وجغرافيات مختلفة وسهلتالوصول إلي المعلومات والأحداث وفتحت مجالات جديدة للعمل وساهمت في تطوير أغلب القطاعات. ولكن في الوقت نفسه أصبحت أداة تحكم و نهب و هيمنة جديدة مضافة للأدوات السابقة لنظام الهيمنة العالمية، حتى أصبح الإنسان في الفضاء الرقمي مجرد رقم وحالة افتراضية منفصلة عن الواقع الصعب الموجود في دولنا وأصبحت النمطية الدولية أو الحداثة الرأسمالية أو العولمة السلبية هي السائدة في ظل غياب وعي كافي وبرامج وتعليم تحمي الأجيال الجديدة وتدربها على الاستخدام الأمثل للثورة التكنولوجية.

6- غياب وعي الحقيقة:  وهنا أصبحنا غير مدركين لواقعنا وغير ذاتنا وشخصيتنا ومنفصلين عن مجتمعاتنا وشعوبنا، بل أن الكثير من القوى والقطاعات الثقافية والسياسية أصبحت تنتظر كل ما هو جاهز وفي جميع المجالات من الأخر وأصبحنا لا نثق بأنفسنا وشعوبنا ومجتمعاتنا وبل كل تفكيرنا وهمنا منصب على الأخر، في الوقت الذي نستطيع وببناء ذهنية ديمقراطية تشاركية وإرادة مجتمعية حرة أن نعتمد على أنفسنا ومجتمعاتنا وشعوبنا في البدء في حل قضايانا ومشاكلنا.

7- السلطوية الدولتية: التي تقبل وترفض وتحارب وفق خدمة الأخرين له واخضاعهم له، وليس وفق معايير ومبادئ عادلة تخدم المصلحة العامة، فمثلا يتم استعمال مختلف القوى والهياكل السياسية والأيدولوجية وقبولهم من القوى الدولتية بمقدار تبعيتهم للنظم السلطوية الدولتية.

8- الفردانية وغياب الطابع والعمل المؤسساتي: وهذه تجعل غالبية السياسات والاستراتيجيات وبرامج  المؤسسات وكافة هياكل العمل الجماعية وعملها خاضعة لمزاج بعض الأفراد والمتنفذين مما تجعل الأولويات التي مفروضة أنها تكون مدروسة بعناية و منهجية و مهنية غير صحيحة مما يبعد المؤسسات عن أداء دورها الناجح والتأسيس لثقافة العمل الجماعي.

9- المعادلة الصفرية تجاه المختلف: وهذه إشكالية كبيرة تجعل كافة أساليب الحوار والنقاش والتفاوض والحلول الديمقراطية والسلمية والسياسية لحل القضايا غير مجدية بسبب أن أحد الأطراف يمتلكه الأحادية و يريد إنهاء وتصفية الأخر وليس التعايش والاحترام المتبادل والقبول به وتوفير مساحة مشتركة للعمل والتماس والتأثير المتبادل، وهذا يجسد فاشية مقية وضعف الطرف الذي يصر على إنكار الأخر و محاولة إبادته وعدم ثقته بنفسه وبأحقية مطالبه وأهدافه وصحة سلوكه.

وعليه تبقى بناء منظومة القيم الأخلاقية مع القواعد القانونية والسلوكيةفي المنطقة وكذلك فتح المجال أمام الأنسجة المجتمعية الديمقراطيةللنشاط والعمل وبناء الثقافة والذهنية التشاركية التي يجب أن يتفاعل معها المجتمع و الدولة والقوى المختلفة، إضافة إلى الأبعاد والعوامل المختلفة من نظم الإدارة وفلسفة العمل والمقاربة ، كل ذلك  يشكل أهم العوامل المساعدة على تحقيق التحول الديمقراطي كبداية صحيحة لمواجهة التحديات مع الإصرار على توفر ساحة اقتصادية وسياسية ديمقراطية وإدارة تشاركية مجتمعية حتى بوجود شبكات الدولة وأجهزتها في المراحل الانتقالية ولكن بشرط الاحترام والاعتراف المتبادل واحترام العلاقة الجدلية بين المجتمع والسلطة كمبدأ للتحول الديمقراطي أو بمعنى أخر توفر معادلة (الديمقراطية + الدولة) التي أشار إليها الفيلسوف والقائد عبدالله أوجلان في مجلداته، التي تؤكد أن الرفض المطلق أو المعادلة الصفرية وتهديم الأخر لن يكون إلا في خدمة الأخر وأن سبيل التحول الديمقراطي للوصول وإنجاز بناء نظام ديمقراطي يحترم ويحفظ التعدد والتنوع هو من أهم وأصح الطرق إلى تحقيق الاستقرار والأمن والعدالة والتنمية.

to top